التنظيم القانوني للإضراب في فلسطين
التنظيم القانوني للإضراب في فلسطين
يعتبر الإضراب من اكثر المواضيع أهمية والذي حظي باهتمام كبير من قبل التشريعات الدولية والعالمية، واعتبر الاضراب حقا مشروعا كفلته التشريعات والاتفاقيات، فعلى سبيل المثال أقر العهد الدولي لسنة 1966 والمتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الحق في الاضراب بحيث نص على انه من حق العمال الاضراب دفاعا عن مصالحهم بعد استنفاد طرق التفاوض.
أولاً – تعريف الإضراب:
يعرف الاضراب على أنه توقف جماعي عن العمل بهدف الضغط على من يملك صنع القرار لغايات تحقيق بعض المطالب او تحسين شروط الخدمة والعمل فهو السلاح الأقوى بيد الموظفين لتحقيق مطالبهم والاستجابة لصوتهم، ولكن وفي ذات الوقت يقابل الحق في الاضراب ما يعرف بالمرافق العامة، فمن اهم مبادئ وأسس نظام الدولة هو استمرارية المرفق العام بتقديم خدماته بشكل منتظم للأفراد دون وجود معيقات او أية تعطيل لمصالح المواطنين.
ثانياً – التنظيم التشريعي للإضراب:
يمثل الموظف الأداة المحركة لنشاط الدولة والمرافق لذا فإنه تم منحه حق التعبير عن مطالبه واستخدام ما يلائمه من وسائل في ذلك، وعلى نهج التشريعات جميعها سار المشرع الفلسطيني أيضا، بحيث كفل حق الاضراب واعتبره حقا خالصا للموظف ومن حقه المطالبة بتحقيق مصالحه واللجوء الى وسيلة الاضراب تلبية لذلك ، فقد ورد في القانون الأساسي الفلسطيني الذي يقوم مقام الدستور نصا صريحا في ذلك وهو ما نصت عليه المادة 25 (الحق في الاضراب يمارس في حدود القانون ) ، إضافة الى قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 نظم حق الاضراب لموظفي القطاع الخاص وتم تبنيه من قبل القطاع العام اذ نص على : الاضراب حق مكفول للعمال للدفاع عن مصالحهم، إضافة الى ذلك اصدر رئيس الدولة الفلسطينية قرارا بقانون رقم 5 لسنة 2008 وتبعه اصدار أيضا قرار بقانون رقم 11 لسنة 2017 وكلاهما يتناول موضوع تنظيم ممارسة حق الاضراب في الوظيفة العمومية الذي اشتمل في نصوصه على كفالة حق الاضراب مع تحديد من هي الفئات المحظورة من ممارسة هذا الحق، اما فيما يتعلق بقانون الخدمة المدنية الفلسطيني رقم 4 لسنة 1998 الذي يتعلق بتنظيم شؤون الخدمة والوظيفة العمومية والموظفين فقد خلت نصوصه القانونية من تناول موضوع الاضراب هذا فيما يتعلق بالتشريعات التي تناولت موضوع الاضراب ونصت عليه،
وبالرجوع قليلا الى المشرع الدستوري نجد بان هناك نية واضحة لديه بالتأكيد على الحق في الاضراب وادراكه لأهمية الاضراب ولكنه لم ينظم هذا الحق بشكل منفصل ومستقل انما ادرجه ضمن مجموعة من الحقوق وبالتالي نلاحظ بان هناك أساس قانوني للإضراب وهو ما نص عليه الدستور الذي يمثل هرمية التشريعات ، بالنسبة للمجلس التشريعي فمن المعروف انه حصل له غياب فعلي منذ عام 2007 وبالتالي لم يكن هناك قانون خاص صادر عن البرلمان ينظم مسالة الاضراب، اما قانون الخدمة المدنية الذي من المفترض له ان يعالج كافة شؤون الوظيفة العمومية من بينها الاضراب كما ذكرت لم يتحدث عنه وعلى الرغم من ذلك لا يمكن تفسير خلو نصوص القانون من حق الاضراب بانه غير مشروع بحيث انه حق دستوري ومكفول، وبالتالي يمكن اعتبار قانون العمل اول قانون نص على الاضراب وقام بتنظيمه.
ثالثاً – شروط الإضراب:
تحدثت المادة 67 من قانون العمل المذكور سابقا عن شروط الاضراب والتي تمثلت في:
- يجب ان يصدر تنبيه من الجهة التي ترغب بعمل اضراب الى الجهات المختصة قبل 4 أسابيع في المرافق العامة.
- وجوب ان يكون التنبيه مكتوبا وموقعا من 51% من العاملين في المنشأة الراغبة في الاضراب
- منع الاضراب اثناء إجراءات النظر في النزاع الجماعي
- ينشا عن عرض النزاع امام الجهات المختصة وجوب وقف الاضراب.
وعلى الرغم من وجود نصوص قانونية تتحدث عن الاضراب وتنظمه ولو بشكل جزئي إلا أن المشكلة الكبرى تمثلت في الواقع العملي والتطبيق بحيث انه ليس من السهل تطبيق نصوص قانون العمل على الخدمة المدنية، إذ ان قانون العمل وجد أساسا ليتناسب مع موظفي القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال ليس من السهل ابدا الحصول على موافقة 51% من موظفي القطاع العام لان هذا الامر يتطلب الوقت والجهد الكبيرين.
رابعاً – موقف القضاء الإداري من الإضراب:
من المعروف بان القضاء يشكل الجهة التي تكفل الحقوق والتي تلعب دورا هاما في حل النزاعات وقد عالج القضاء في عدة دول مشكلة الاضراب وقام بإصدار احكام قضائية تبت في الموضوع ومن ضمنها القضاء الفرنسي، اما بالنسبة لواقع القضاء الفلسطيني فانه لم يصدر اية احكام تتعلق بهذا الموضوع ، كما وان القضايا التي تم عرضها على القضاء الفلسطيني بما يخص الاضراب قد تم رد الدعوى بها نظرا لحصول اتفاق بين الموظفين المضربين والإدارة التي تم ممارسة الاضراب ضدها، لذا نلاحظ وجود قصور كبير جدا في القوانين الناظمة للإضراب الامر الذي يؤثر على مشروعيته.
خامساً – الاضراب ما بين المنفعة والمضرة:
لم يتم تحديد المعالم التي يمكن للسلطة التنفيذية والموظفين السير عليها لتحقيق التوازن والتكافؤ بين ممارسة حق الاضراب وبين ضمان استمرارية العمل في المرافق العامة،إضافة الى انه من الواجب وجود رقابة وقيود على ممارسة الموظفين لحقهم في الاضراب حتى لا يكون هناك تعسف في ممارستهم لهذا الحق الامر الذي ينعكس سلبا على المرافق العامة ويؤدي الى عرقلة سيرها بانتظام واطراد، فمن المفترض ان يتم اعتباره حقا مشروعا شريطة ان تتم ممارسته تحت رقابة قضائية حتى لا يصبح أداة تؤثر سلبا على مصلحة المواطنين وتلحق الضرر بهم وتؤدي الى تعطل انتفاعهم ، إضافة الى ان الاضراب يؤثر على الخدمات بحيث يؤدي الى تقلص في حجم المواطنين المستفيدين من الخدمات وأيضا في المعاملات التي يتم التعامل معها في الظروف العادية وبغير وجود اضراب، مما يدلل على شدة الحاجة لإصدار قانون متكامل ينظم حق الاضراب وينظم ممارسته من قبل الموظفين العاملين في المرافق العامة ، فمجرد النص على مشروعية الاضراب غير كافي وخصوصا عند تعارض وتناقض في النصوص المتعلقة بمشروعيته بحيث ان الفراغ التشريعي قد افضى بالكثير من الاثار السلبية على واقع سير المرافق العامة بانتظام كما وانه أثر على حياة المواطن الفلسطيني نتيجة الإضرابات المتكررة التي تحدث دون تنظيم قانوني صحيح لها، و الى جانب حق الموظفين في الاضراب لا بد من الاخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة للمواطنين ومما معروف بانه عند تعارض مصلحتين عامة وخاصة يتم تغليب الخاصة بهدف الحفاظ على جو من الامن والاستقرار داخل الدولة فالمرافق العامة في كل من الضفة وقطاع غزة قد شهدت العديد من الإضرابات بحيث ان الاضراب كثير الحدوث في الواقع الفلسطيني، الامر الذي دفع للتوصل الى ان هناك ضرورة ملحة لتقنين احكام الاضراب وصياغته في قانون خاص به وتوضيح الإجراءات الواجب اتخاذها ووضع الضوابط والقيود اللازمة، و ضرورة وضع جزاءات تأديبية في حالة الاخلال وتجاوز حدود القانون في الاضراب، كما يجب تنظيم احكامه لتسوية النزاعات السلمية لموظفي المرافق العامة لما له من اثر إيجابي في الحد من الخلافات الواقعة بين الموظفين والإدارة، فليس من المعقول ان يبقى الواقع الفلسطيني رهينة لاجتهادات مختلفة دون وجود تنظيم قانوني موحد، فالقانون هو الأولى في البت في المواضيع كونه يمثل القواعد العامة والمجردة ويسعى لتحقيق المصلحة الخاصة الى جانب المصلحة العامة.
بقلم الحقوقية: رؤى احمد جرادات
مواضيع أخرى ذات علاقة: