Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

الجرائم المستحدثة في ظل التطور التكنولوجي: التحديات القانونية والواقعية

الجرائم المستحدثة في ظل التطور التكنولوجي:

التحديات القانونية والواقعية

(بقلم الباحثة: سالي فواز ياسين)

 

الجريمة بصورتها التقليدية تُعرف بأنها كل فعل غير مشروع يترتب عليه نتائج وآثار تضر بمصلحة محمية. ولتوصيف الفعل كجريمة، يجب أن يُنص عليه في القوانين الوضعية وأن تحدد له عقوبة. ومع ما شهدته الساحة العالمية من تطور كبير في مجالات الاتصال والتواصل، وفي ظل التقدم التكنولوجي، ومع تزايد استخدام التقنيات الحديثة في العصر الرقمي، أصبح هناك العديد من المجالات التي تأثرت بشكل واضح، مثل التجارة الإلكترونية، والأعمال المصرفية الإلكترونية، والاقتصاد الإلكتروني، والإدارة الإلكترونية، والحكومة الإلكترونية. وقد أدى هذا التطور إلى تأثيرات كبيرة على الحياة البشرية بشكل خاص، وعلى الحياة العامة بشكل عام، حيث ساعد في تقليص المسافات وجعل التفاعل بين أفراد المجتمع أكثر سهولة. ولكن، في ذات الوقت، كان لهذا التطور آثار سلبية، فقد نتج عنه العديد من الإشكاليات والتحديات الأمنية والجرائم التي تواجه المجتمعات البشرية كافة.

 

أولاً – ماهية الجرائم المستحدثة

يصعب وضع مصطلح جامع للجرائم المستحدثة نظراً لحداثة هذه النوعية من الجرائم وعدم التعرف الكامل على صورها وأشكالها. هذا الأمر أدى إلى وجود اختلافات في التعريفات التي تناولها الفقهاء والباحثون في هذا المجال. فقد قام الفقهاء والباحثون بمحاولات لتعريف هذه النوعية من الجرائم، وذلك من خلال التفرقة بين الجرائم التقليدية والجرائم المستحدثة. فقد قيل إن الجرائم التقليدية هي تلك الجرائم المتعارف عليها قانوناً، أو هي التي يقرر المشرع لها عقوبة، وذلك بسبب مساسها بمصلحة محمية. أما الجرائم المستحدثة فهي نوعية من الجرائم التي تفرزها التغيرات التي تحدث في المجتمع، وكذلك المخالفات التي لا تندرج تحت نص عقابي محدد، وذلك بسبب استخدام التكنولوجيا الحديثة. حيث إن الجرائم المستحدثة تُرتَكَب باستخدام تقنيات حديثة، والذين يرتكبون هذه الجرائم يمتازون بالدهاء والمكر، ولديهم القدرة على التخفي. وتتنوع صور الجرائم المستحدثة، فعلى سبيل المثال: الاحتيال المعلوماتي، تزوير العملة باستخدام الماسحات الضوئية، تزوير الوثائق والمستندات إلكترونياً، غسيل الأموال من خلال القنوات الإلكترونية، الاتجار بالأعضاء البشرية، السرقة، وغيرها من الجرائم.

في السياق الفلسطيني، لم يتطرق المشرع الفلسطيني لتعريف الجريمة المستحدثة، ولكن هناك قرارات بقانون بشأن الجرائم الإلكترونية، حيث صدر قرار بقانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، وتحدث عن سلوكيات إجرامية وعقوبات لهذه السلوكيات. وتم تعديله بقرار بقانون رقم 28 لسنة 2020، وأيضًا بقرار بقانون رقم 38 لسنة 2021.[1]الجرائم المستحدثة وتأثيرها على الظاهرة الاجرامية، هند نجيب، ص٣، ص٤

 

ثانياً – خصائص الجرائم المستحدثة

نظراً للتطور التكنولوجي الملحوظ، ظهرت سمات وميزات تميز الجرائم المستحدثة التي تنشأ كنتيجة لهذا التطور. هذه الجرائم تختلف بشكل جوهري عن الجرائم التقليدية، وتتسم بعدد من الخصائص التي تجعلها تتحدى الأنظمة القانونية التقليدية:

  • جريمة لا تترك أي آثار مادية، لأنها جريمة تقع في بيئة إلكترونية يتم فيها نقل وتداول المعلومات والبيانات إلكترونياً بطريقة غير مرئية. وهذه الجرائم تمتاز بأنها تعتمد على الأساليب العلمية والابتكار التقني والفني في كل المراحل، سواء في مرحلة التخطيط أو الإعداد أو التنفيذ. فهذه الجرائم لا تترك أثراً لها بعد ارتكابها، حيث إنه يصعب العثور على الأدلة والاحتفاظ بها. فهي ليست كالأموال المنقولة المفقودة، بل هي مجرد أرقام أو رموز تتغير أو يتم تحريفها، وما شابه ذلك. كما أن هذه الجرائم ليست كالجرائم التقليدية التي تترك آثاراً أو شهوداً أو أدلة مادية. ولذلك، فإن هذه الجرائم تواجه صعوبة في عملية كشفها، ويصعب على المختصين ملاحقتها ومعرفة كل جوانبها.
  • تمتاز أيضاً بأنها من الجرائم التي لا تعترف بالحدود الجغرافية للدول، فهي جرائم عابرة للحدود. ومع انتشار شبكة الاتصالات بين دول العالم، أصبح من الممكن ربط عدد لا حصر له من أجهزة الكمبيوتر عبر مختلف دول العالم. حيث إنه يمكن أن يكون الجاني في بلد، والمجني عليه في بلد آخر.
  • وتتمتع هذه الجرائم ببراعة عناصرها الإجرامية، لأنها تعتمد على الذكاء، نظراً لاعتمادها على التكنولوجيا الحديثة. إذ يستطيع مرتكب الجريمة أن يمحو أو يغير البيانات والمعلومات بطريقة أو بأخرى.
  • وأيضاً، هناك غياب للتشريعات المخصصة وآليات الضبط الاجتماعي لهذه الجرائم في العديد من الدول، وهذا على خلاف الجرائم التقليدية التي تتسم بوجود النصوص التشريعية التي تحدد الأركان الثلاثة لكل منها، والتي تحدد أيضاً الأفعال المنهي عنها وتقرر عدم مشروعيتها.
  • تعتبر هذه الجرائم من الجرائم المغرية للمجرمين، حيث إن الجرائم التقليدية تتطلب استخدام أدوات مادية وعادة ما تتضمن العنف، كما هو الحال في جرائم المخدرات والسطو المسلح وغيرها من الجرائم. أما على عكس الجرائم المستحدثة، فهي لا تتطلب استخدام قوة، بل يحتاج المجرم إلى الكفاءة التقنية للتعامل مع الكمبيوتر المستخدم في الأنشطة غير المشروعة.[2]الجرائم المستحدثة وتأثيرها على الظاهرة الاجرامية، هند نجيب، ص8، ص9

 

ثالثاً – إشكاليات الجرائم المستحدثة

تطرح الجرائم المستحدثة تحديات وإشكاليات قانونية معقدة، حيث قد لا تكون القوانين الحالية مواكبة للتطورات التكنولوجية والاجتماعية التي تؤدي إلى ظهور جرائم جديدة. وبسبب التطور المستمر، يتطلب الأمر تحديثاً مستمراً للقوانين لتغطية الجرائم بشكل كامل، وكذلك في آلية التنفيذ. حتى مع وجود قوانين حديثة، قد تواجه السلطات صعوبة في تطبيقها. كما توجد تحديات سياسية أو إجرائية، ويعود ذلك إلى أن بعض الجرائم المستحدثة تتجاوز الحدود.
يلاحظ أيضاً أن هذه الجرائم المستحدثة تمثل تهديداً خطيراً للأمن الداخلي للمجتمعات، كما تهدد بشكل واقعي الثروة الاقتصادية الوطنية وتضعف الموارد البشرية. كما تواجه صعوبة في مكافحة الجريمة الناتجة عنها، إذ قد تستغرق عدة أشهر أو سنوات قبل اكتشافها.

هناك أيضاً صعوبة في اكتشاف الجاني مرتكب الجريمة، حيث كثيراً ما يقوم الجاني بالدخول إلى شبكة الإنترنت من خلال اسم مستعار، وغالباً لا يدخل من جهازه الخاص، بل يدخل من جهاز شخص آخر أو عن طريق انترنت المقاهي وما شابه ذلك. هذا يجعل من الصعب معرفة الجاني وتحديد موقع اتصاله.

وأيضاً، فإن هناك تنازعاً في القوانين الجنائية من حيث المكان، إذ توجد مبادئ تحكم تطبيق القانون الجنائي، مثل مبدأ إقليمية القانون الجنائي. وتثور المشكلة في حال تم ارتكاب الفعل الإجرامي في الخارج، إذ يثار السؤال: أي من القوانين سوف يخضع لها الجاني؟

 

رابعاً – الخاتمة

لقد صاحبَ التطور العلمي ظهور أنماط إجرامية مستحدثة، وهذه الأنشطة الحديثة غير المشروعة انتشرت في المجتمعات بشكلٍ واضح. إلا أنه هناك العديد من صور هذه الجرائم المستحدثة التي تمثل صوراً تقليدية، ولكن تم تحديثها باستخدام أساليب تعتمد على التقنيات التكنولوجية. وأدى ذلك إلى اتساع النطاق المكاني للأفعال التي ترتكب بواسطتها، بحيث إن النتائج التي تظهر تتخطى حدود الدول، مما أوجد العديد من الصعوبات التي تحول دون وضع تعريف جامع للجرائم المستحدثة. كما أن حصر أنواع جديدة من الجرائم في العقود الأخيرة أصبح أمراً صعباً ومستمراً، وذلك بسبب المستجدات العديدة في جميع مجالات الحياة. وقد تم التعرف على ماهية الجرائم المستحدثة وسماتها والخصائص التي تمتاز بها، من حيث صعوبة اكتشافها، ومهارة وبراعة مرتكبيها، وغيرها. كما تم التطرق أيضاً إلى الصعوبات والتحديات التي تنتج عن هذه الجرائم.

 

خامساً – النتائج

  • الجرائم المستحدثة يطلق عليها هذا المصطلح كونها نتجت بفعل التطورات والتقدمات العلمية في ظل التطور التكنولوجي المستمر.
  • الجرائم المستحدثة هي جرائم تقع في بيئة إلكترونية، وليست لها آثار مادية محسوسة مرئية.
  • الجرائم المستحدثة تخلق قلقاً وتوتراً بين الأفراد، وتشكل تهديداً للأمن الداخلي للمجتمعات، وتساهم في البطالة وظروف اقتصادية صعبة.
  • الجرائم المستحدثة تتطلب خبرات تقنية عالية وتدريباً مستمراً للمحققين والجهات الأمنية للتعامل مع الأدلة الرقمية.

 

سادساً – التوصيات

  • أوصي بتحديد تعريف دقيق للجرائم المستحدثة.
  • أوصي بتعزيز التشريعات والقوانين بحيث يتم تحديث قانون العقوبات والقوانين الجنائية لتشمل صور الجرائم الجديدة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة.
  • أوصي بأن يتم التعاون الدولي بين الدول، وذلك لأن بعض هذه الجرائم هي جرائم عابرة للحدود.

 

بقلم الباحثة: سالي فواز ياسين

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 الجرائم المستحدثة وتأثيرها على الظاهرة الاجرامية، هند نجيب، ص٣، ص٤
2 الجرائم المستحدثة وتأثيرها على الظاهرة الاجرامية، هند نجيب، ص8، ص9

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !