Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

القواعد العامة في المسؤولية وفق نظالم المعاملات المدنية السعودي

القواعد العامة في المسؤولية وفق نظالم المعاملات المدنية السعودي

(بقلم الدكتور/ أحمد إبراهيم محمد)

 

إن عدم تنفيذ الالتزام يترتب عليه مسؤولية نتجت عن خطأ تعاقدي متمثل في المسؤولية العقدية التي تتمثل بوجود أركانها الثلاثة: الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الضرر والخطأ، ففي هذا الجزء نكون أمام مسؤولية عقدية تترتب عليها تنفيذ عيني أو تعويض، ونحو ذلك من المسائل التي تتصل بنظرية الالتزام بوجه عام، ومنطقيًا ينشا الالتزام لينفذ شاء المدين هذا التنفيذ أم لم يشأ حين يمكن للدائن في الفرض الأخير أن يجبره أو يقهره على التنفيذ وعلى ذلك صراحة نص نظام المعاملات المدنية على أنه: [يجب على المدين تنفيذ التزامه عند استحقاقه، فإذا امتنع نفذ عليه جبراً متى استوفى التنفيذ الجبري شروطه النظامية][1]نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) وتاريخ 29 ذو القعدة 1444هـ، المادة: (161)..

ولم يعرف النظام السعودي في أي نظام من الأنظمة ذات العلاقة مفهوم المسؤولية ولعل ذلك راجع إلى عدم جدوى ذلك عمليًا، لذلك فقد وضع النظام السعودي في نظام المعاملات المدنية قواعد عامة واضحة تدل على القول بالمسؤولية المدنية بنوعيها صراحة، فنص نظام المعاملات المدنية على أنه: [مع مراعاة أحكام المسؤولية الواردة في نصوص نظامية خاصة؛ تسري أحكام هذا الفصل على المسؤولية الناشئة عن الفعل الضار من الشخص ذي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية][2]نظام المعاملات المدنية، المادة: (118)..

كما نص على أنه: [لا تخل المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجزائية، ولا تأثير للعقوبة في تحديد نطاق المسؤولية المدنية وتقدير التعويض][3]نظام المعاملات المدنية، المادة: (119).، ونص كذلك تحت عنوان الفرع الأول مسؤولية الشخص عن فعله أن: [كل خطأ سبب ضرراً للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض][4]نظام المعاملات المدنية، المادة: (120)..

والعقد وفق نظام المعاملات: [ينشأ بارتباط الإيجاب بالقبول لإحداث أثر نظامي، مع مراعاة ما تقرره النصوص النظامية من أوضاعٍ معيّنةٍ لانعقاد العقد][5]نظام المعاملات المدنية، المادة: (31).، وبمقتضى ذلك فإنه في حال الإخلال بهذا العقد بعدما تم فإنه تترتب مسؤولية عقدية مباشرة تقع بكاملها على عاتق من ناقض الاتفاق أو أخل به أو ناقضه بأي شكل من الأشكال، إضافة لذلك نص ذات النظام على أنه: [في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه، فللمتعاقد الآخر بعد إعذاره المتعاقد المخل أن يطلب تنفيذ العقد أو فسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض، وللمحكمة أن ترفض طلب الفسخ إذا كان الجزء الذي لم يوف به المخل قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام][6]نظام المعاملات المدنية، المادة: (107)..

وبالنظر للنصوص السابقة فإن نظام المعاملات المدنية قد وضع قواعد عامة جامعة للمسؤولية المدنية عقدية كانت أو تقصيرية، والمسؤولية العقدية في النظام تعني: “حالة الشخص الذي ارتكب أمراً يستوجب عليه المؤاخذة”، فالمسؤولية تعني المؤاخذة، وتتطلب وقوع فعل ضار يجب مؤاخذة فاعله عليه، فإذا لم يقع الفعل الضار، فإنه يمكن القول بانتفاء المسؤولية  ولذلك عرفها البعض بأنها: “اقتراف أمر يوجب مؤاخذة فاعله”، فإذ ارتكب الشخص أي أمر من الأمور، وكان الأمر مُخالفاً لقاعدة قانونية، ولم يترتب على هذا الأمر وقوع ضرر لفرد من الأفراد أو للمجتمع ذاته، أو كان هذا الأمر لم ينشأ عنه تهديد بوقوع ضرر، فإن الشخص في هذه الحالة يكون بمنأى عن المسؤولية[7]حسين عامر و عبدالرحيم عامر، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية، ط2 (القاهرة: دار المعارف، 1979م)، ص3..

إذًا تتحقق المسئولية عند المخالفة للقاعدة القانونية، وذلك بأن يسلك الشخص مسلكاً خارجاً يترتب عليه وقوع ضرر للمجتمع أو أحد أفراده، أو يكون من شأنه التهديد بوقوع مثل هذا الضرر، فالقانون هو المحور والأساس الذي يحدد ما إذا كان الشخص يُعد مسئولاً أم لا، فإذا خالف الشخص أي نص قانوني في أي فرع من فروع القانون فإنه يُعد بمخالفته هذه مسئولاً عن هذه المخالفة، وإذا لم تقع المخالفة لنص القانون تنتفي المسئولية القانونية، ومن ثم فلا مجال للعقاب عليها أياً كان نوعه.

على ذلك فالمسؤولية العقدية تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه، وهذا يقتضي أن يكون هناك عقد صحيح في العلاقة بين الدائن والمدين، فإذا لم يوجد عقد بينهما أو كان العقد باطلاً لا تقوم أو تنشأ هذه المسؤولية.

فهي جزاء الإخلال بالالتزامات الناشئة عن العقد أو عدم تنفيذها أو تأخر فيها، وهذه المسؤولية لا تقوم إلا عند استحالة التنفيذ العيني ولم يكن من الممكن إجبار المدين على الوفاء بالتزاماته المتولدة عن العقد عيناً فيكون المدين  مسؤولاً عن الأضرار التي يسببها للدائن نتيجة عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد، كما يتعين بقاء المتعاقدين في دائرة القوة الملزمة للعقد ما بقي التنفيذ العيني بالالتزام الناشئ عنه ممكناً، بحيث لا يكون لأيهما المطالبة بالجزاء الذي فرضه القانون لهذه القوة الملزمة بأعمال المسؤولية العقدية إلا إذا استحال تنفيذ هذا الالتزام نهائياً وبصفة مطلقة[8]نادية محمد مصطفى، حدود المسؤولية العقدية في إطار الالتزام ببذل عناية وبتحقيق نتيجة، مجلة بحوث الشرق الأوسط، … Continue reading.

فالقوة الملزمة للعقد تقتضي قيام أطرافه بتنفيذ ما يقع على عاتقهم من التزامات فإنْ عدل أيّ من الطرفين على تنفيذ التزاماته أو تأخّر في تنفيذها كان بالإمكان إجباره على ذلك عن طريق تحريك المسؤولية العقدية.

ولقد نص نظام المعاملات المدنية الحالي صراحة في الباب الأول مصادر الالتزام الفصل الأول العقد على أن: [تطبق الأحكام الواردة في هذا الفصل على العقود المسماة وغير المسماة، وذلك دون إخلال بالأحكام الواردة في النصوص النظامية التي تنظم عقوداً ذات طبيعة خاصة][9]نظام المعاملات المدنية، المادة: (30)..

ونص كذلك على أن: [ينشأ العقد بارتباط الإيجاب بالقبول لإحداث أثر نظامي، مع مراعاة ما تقرره النصوص النظامية من أوضاعٍ معيّنةٍ لانعقاد العقد][10]نظام المعاملات المدنية، المادة: (31)..

بذلك فقد وضع نظام المعاملات المدنية قاعدة عامة في شأن الإخلال العقدي فنص على أنه: [1.يُجبَر المدين بعد إعذاره على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينيّاً متى كان ذلك ممكناً، 2.إذا كان في التنفيذ العيني إرهاقٌ للمدين جاز للمحكمة بناءً على طلبه أن تقصر حق الدائن على اقتضاء التعويض إذا كان ذلك لا يلحق به ضرراً جسيمًا][11]نظام المعاملات المدنية، المادة: (164).

وتعتبر المسؤولية العقدية جزء لا يتجزأ من المسؤولية المدنية عموما، تهدف إلى تعويض الطرف المتضرر عما يلحق به من أضرار وخسائر سواء نتج ذلك عن إخلال بالتزام تعاقدي أو تأخر في تنفيذه[12]عبدالقادر العرعاري،  الكتاب الثاني المسؤولية المدنية، ص30..

وأما أساس المسؤولية العقدية:

بين أغلب فقهاء القانون المدني أنه لوقوع المسؤولية العقدية لابد من وجود شرطين:

  • الشرط الأول: هو إبرام عقد قانوني صحيح بين الطرفين، وأن يكون الضرر بسبب مخالفة أحد بنود ذلك العقد، حيث يعتبر وجود العقد شرطا ضروريًا، فلا وجود للمسؤولية العقدية دون وجود عقد مبرم بين الأطراف، والعقد هو ارتباط بين الايجاب والقبول بكيفية يثبت بها أثر العقد.
  • الشرط الثاني: لقيام المسؤولية العقدية يجب أن يكون الضرر الذي لحق بأحد أطراف العقد كان بسبب الإخلال بالالتزام، وهذا الاخلال يكون إما في حالة عدم تنفيذ العقد بشكل كلي، وقد يكون الإخلال بسبب التأخير في تنفيذ العقد المبرم[13]عبدالمجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، و محمد طه البشير، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي … Continue reading.

 

الفرع الأول: الخطأ (الإخلال بالالتزام العقدي)

يمكن تعريف الخطأ العقدي على أنه عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد، ويشمل عدم التنفيذ المطلق سواء لكامل الالتزام أو لجزء منه أو تنفيذه معيبًا أو متأخرًا[14]نادية محمد مصطفى، حدود المسؤولية العقدية في إطار الالتزام ببذل عناية وبتحقيق نتيجة، مرجع سابق، ص384..

إن استخدام عبارة الإخلال بالالتزام العقدي أشمل من استخدام مصطلح الخطأ، لأن المسؤولية العقدية قد تقوم دون أن ينسب للمتعاقد خطأ إضافة إلى أن الخطأ يشترط فيه التعمد حسب الاتجاه الغالب في الفقه القانوني، وعند النظر في نصوص نظام المعاملات المدنية وتحديدًا (النصوص الخاصة بالمسؤولية العقدية) نلاحظ أن المنظم السعودي أورد نصًا لفظ الخطأ، فالخطأ العقدي هو انحراف الشخص عن السلوك المألوف للشخص العادي عن إدراك انحرافا من شأنه أن يلحق الضرر بالغير، ولا فرق فيه بين ما كان ناشئا عن عمده أو إهماله أو عن فعله (أي دون عمد أو إهمال)، وقد يكون الخطأ فعلا إيجابيا أو فعلا سلبيا ، ويقابل ركن الخطأ العقدي في الفقه الاسلامي ركن التعدي، والتعبير بالتعدي أدق من التعبير القانوني بـ (الخطأ)، لأن التعبير بـ (الخطأ) موهم مقابلة العمد، والتعدي قد يكون فعلا أو امتناع عن فعل فالأول يسمى تعديًا والثاني يسمى تفريط، والمسؤولية العقدية والتي أول أركانها الخطأ تتحقق إذا كان هناك إخلال بالتزامات وقد نص نظام المعاملات المدنية على أن: [ينشأ العقد بارتباط الإيجاب بالقبول لإحداث أثر نظامي، مع مراعاة ما تقرره النصوص النظامية من أوضاعٍ معيّنةٍ لانعقاد العقد][15]نظام المعاملات المدنية، المادة: (31)..

 

الفرع الثاني: الضرر

يعتبر وقوع الضّرر الركن الثاني من أركان المسؤولية العقدية، فإذا برهن الدائن وقوع الإخلال العقدي ولم يبرهن حدوث الضّرر لا تكون هناك مسؤولية عقدية، ولا يكتمل قيام المسؤولية العقدية بمجرد الإخلال بالالتزام العقدي فيجب أن يترتب على الإخلال حدوث ضرر، فلا مسؤولية دون ضرر، ويقع عبء إثبات وجود الضرر على من يدعيه: “البينة على من أدعى واليمين على من أنكر”؛ والضرر الذي يكون من جراء الإخلال بالالتزام العقدي ضرر مالي يتمثل بالخسارة التي تلحقه والكسب الذي يفوته، فالضرر فهو الأذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه أو في مصلحة مشروعة له، سواء أكانت المصلحة ذات قيمة مالية أو معنوية.

أما الشروط الواجب توافرها في الضرر ليوجب التعويض التالي[16]نظام المعاملات المدنية، المادة: (122).:

  • أن يكون الضرر محققًا، أي موجود فعلًا.
  • أن يكون الضرر مباشرًا، أي يكون نتيجة الإخلال بالالتزام العقدي.
  • أن يكون الضرر متوقعًا وقت العقد وذلك في غير حالتي الغش والخطأ الجسيم، حيث أن المخل بالالتزام العقدي يسأل عن الضرر المتوقع وغير المتوقع في حالتي الغش والخطأ الجسيم.

 

الفرع الثالث: علاقة السببية بين الخطأ والضرر

تعد الرابطة السببية ركنًا مستقلًا عن الخطأ إذا كان الضرر لا يعود للخطأ إنما يعود لسبب أجنبي، فعلاقة السببية هي وجود علاقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبه المسؤول والضرر الذي أصاب المضرور[17]السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني (1/ 872)..

والعلاقة السببية بين الإخلال بالالتزام العقدي والضرر لا تقوم المسؤولية العقدية بمجرد حصول الإخلال بالالتزام العقدي وحصول الضرر بل يجب توافر ركن مهم وهو العلاقة السببية التي تربط بين الإخلال والضرر فيجب أن يكون الضرر حصل نتيجة الإخلال وألا يكون هناك عنصر أجنبي يقطع العلاقة السببية، والعنصر الأجنبي قد يكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، أو أن يكون الضرر بفعل الدائن، أو بفعل الغير.

أما إذا كان قطع العلاقة السببية بفعل الدائن فهو بالتالي يتحمل نتيجة خطأه.

أما إذا كانت بفعل الغير فقلنا سابقا إن الذي يتحمل المسؤولية هو المدين الذي تعاقد مع الغير ويستطيع الرجوع على الغير بمقتضى العقد المبرم بينهما، أما إذا لم يقطع العلاقة السببية أي سبب أجنبي فيجب في هذه الحالة التعويض.

وفي جميع الأحوال فوفق أحكام النظام: [لا تخل المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجزائية، ولا تأثير للعقوبة في تحديد نطاق المسؤولية المدنية وتقدير التعويض][18]نظام المعاملات المدنية، المادة: (119)..

 

بقلم الدكتور/ أحمد إبراهيم محمد

محاضر ومستشار شرعي وقانوني

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) وتاريخ 29 ذو القعدة 1444هـ، المادة: (161).
2 نظام المعاملات المدنية، المادة: (118).
3, 18 نظام المعاملات المدنية، المادة: (119).
4 نظام المعاملات المدنية، المادة: (120).
5, 10, 15 نظام المعاملات المدنية، المادة: (31).
6 نظام المعاملات المدنية، المادة: (107).
7 حسين عامر و عبدالرحيم عامر، المسؤولية المدنية التقصيرية والعقدية، ط2 (القاهرة: دار المعارف، 1979م)، ص3.
8 نادية محمد مصطفى، حدود المسؤولية العقدية في إطار الالتزام ببذل عناية وبتحقيق نتيجة، مجلة بحوث الشرق الأوسط، ع48، ص375.
9 نظام المعاملات المدنية، المادة: (30).
11 نظام المعاملات المدنية، المادة: (164).
12 عبدالقادر العرعاري،  الكتاب الثاني المسؤولية المدنية، ص30.
13 عبدالمجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، و محمد طه البشير، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي (بغداد: وزارة التعليم العالي، 1980م)، ص164.
14 نادية محمد مصطفى، حدود المسؤولية العقدية في إطار الالتزام ببذل عناية وبتحقيق نتيجة، مرجع سابق، ص384.
16 نظام المعاملات المدنية، المادة: (122).
17 السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني (1/ 872).

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !