المسؤولية الجنائية للأحداث
المسؤولية الجنائية للأحداث
يعد الطفل محلاً للإهتمام الدولي منذ زمن طويل، حيث برزت العديد من الإتفاقيات الدولية التي تعنى بشؤون الطفل وتعمل على الحفاظ على حقوقه وحرياته، والتي صادقت عليها معظم الدول ومنها فلسطين، كما برزت ضرورة تميز الحدث عن غيره من المتهمين بنظام خاص وإجراءات محاكمة خاصة تضمن له حقوقه باعتباره ضحيه من اللازم مد يد العون لها من أجل العمل على إصلاحه، و نتيجة للإجماع الدولي على أن جنوح الحدث وانحرافه مشكلة ذات أبعاد وخيمة، ومؤشر على زيادة الخطورة الإجرامية مستقبلا أصبحت ظاهرة جنوح الأطفال محط أنظار معظم دول العالم. وستناول في هذا المقال ماهية جنوح الأحداث ومراحل تدرج المسؤولية الجنائية وسنوضح السياسة الجنائية لمواجهة هذه المشكلة وسنبين مفهوم الوساطة كبديل لحل قضايا الأحداث.
أولاً – ماهية جنوح الأحداث:
يختلف معنى الحدث بحسب الناحية التي ننظر من خلالها لمفهومه، ومن ناحية العلم الذي يتناول دراسته، ولكن ما يهمنا في هذا المقال هو مفهومه من الناحية القانونية ويمكن القول بأنه من لم يتم الثامنة عشر من عمره، وقد عرفة القرار بقانون رقم (4) لسنة 2016م بشأن حماية الأحداث “بأنه الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة عشر سنة ميلادية من عمره وقت ارتكابه فعلا مجرما، أو حتى عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف”.
ثانياً – مراحل تدريج المسؤولية الجنائية:
- مرحلة انعدام المسؤولية: وهي المرحلة التي يكون الطفل فيها غير مسؤول جنائياً عن أي فعل يصدر منه وذلك لانعدام حرية الاختيار التي تقوم على عنصرين مهمين، وهما الأدراك والتمييز، وتبدأ هذه المرحلة منذ لحظة ولاته حتى بلوغه سن الثانية عشر.
- مرحلة مسؤولية الحدث الناقصة: وهي المرحلة التي يكون الحدث فيها مسؤول عن أفعاله الجرمية ولكن بما يتناسب ومرحلته العمرية، بحيث يكون الإدراك والتميز لديه ناقصا، نتيجة لتأثير مرحلة المراهقة التي قد تدفعه الى تصرفات متهورة، فالمشرع اخذ ذلك بعين الاعتبار، وتبدأ هذه المرحلة منذ بلوغه سن الثانية عشر حتى الثامنة عشر.
- مرحلة المسؤولية الكاملة: وهي المرحلة التي يصل فيها الشخص سن الرشد وفي هذه المرحلة يفترض أن يكون الشخص كامل التميز، ويسأل عن أفعاله بحسب ما نص القانون، و تبدأ هذه المرحلة عند بلوغه سن الثامنة عشر.
ثالثاً – السياسة الجنائية لمواجهة جنوح الأحدث:
أتبع المشرع سياسة إصلاح الحدث وليس مجرد عقابه، لذلك اتجه نحو فرض التدابير الاحترازية مثل التوبيخ واللوم والتأديب، والتسليم الذي يقصد به تسليم الحدث لوالديه أو لإي فرد من أفراد أسرته أو للولي الشرعي، وفي حالة تعذر ذلك نتيجة عدم وجودهم أو في حالة عدم صلاحيتهم لتربيه الحدث وتقويمه يجوز أن يتم إيداعه في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، كما نص على قواعد لحماية الطفل والحفاظ على حقوقه مثل حقه في البقاء في محيطه الأسري، فيجب على القرار الذي يتخذ بحق الحدث أن يراعي هذا الحق، إلا في بعض الحالات التي يرى فيها القاضي ضرورة فصله عن والديه، كما منع القانون فرض عقوبة الإعدام أو إي عقوبة مالية.
مع ضرورة الإشارة إلى أن القانون الفلسطيني قد تضمن مظاهر حماية للأحداث خلال مرحلة جمع الاستدلالات والتحقيق، فنص على وجود شرطة ونيابة خاصة بهم، وكذلك ضرورة منع اختلاطهم بالبالغين، وفصل الموقوفين عن المحكومين منهم، ونص على ضرورة قيام مرشد حماية الطفولة بمتابعة هذه الإجراءات، أما بخصوص ضمانات المحاكمة فنص على الزامية السرية ورتب على الإخلال بذلك البطلان، وأعتبرها من القضايا المستعجلة التي يجب الفصل فيها على وجه السرعة دون تأخير مراعاة لمصلحة الحدث، ولا بد من تشكيل هيئة مختصة لنظر مثل هذه القضايا، كما ولا يجوز عقد الجلسات دون حضور مرشد حماية الطفولة بالإضافة الى عضو من نيابة الأحداث.
رابعاً – الوساطة في قضايا الأحداث:
نص المشرع على فكرة الوساطة القضائية، وذلك مراعاة لمصلحة الأحداث، ويقصد بها التوسط بين المجني عليه والحدث في المخالفات والجنح من أجل التوصل الى تسوية المنازعة، ويقع على عاتق نيابة الأحداث أن تعرض الوساطة من تلقاء نفسها، ويمكن أن يقوم الحدث أو وليه بطلب ذلك، ويتضمن هذا الاتفاق قيام الحدث بتنفيذ إلتزام معين أو بتعهده بتنفيذ تدبير احترازي، ويشرف مرشد حماية الطفولة على تنفيذ هذا الاتفاق الذي يجري تنظيمه بمحضر خاص بالتعاون مع شرطة الأحداث وتحت رقابة نيابة الأحدث، مع ضرورة التنويه بأن أثر هذه الوساطة لا يمتد ليشمل الحقوق المدنية التي تنشأ نتيجة الفعل الذي قام به الحدث.
بقلم المحامية: رسمية حسن محيسن
مواضيع أخرى ذات علاقة:
فُلّ إبداع
يعطيكِ العافيه
Pingback: ظاهرة التسول: الأسباب والآثار والعقوبة القانونية وطرق الحد منها - موسوعة ودق القانونية