النشوز بين المفهوم الفقهي والتطبيق القانوني
النشوز بين المفهوم الفقهي والتطبيق القانوني في القضاء الفلسطيني
(بقلم الحقوقية: آيات نضال)
النشوز من المواضيع التي تجمع بين الفقه الإسلامي والتطبيق القانوني في الأنظمة الحديثة، وهو يشير إلى تمرد أحد الزوجين على الآخر في إطار العلاقة الزوجية. في النظام الفلسطيني، يُعَار هذا الموضوع اهتمامًا خاصًا، حيث يتقاطع فيه المفهوم الفقهي مع الإجراءات القانونية التي ينظمها القضاء الفلسطيني. يتناول هذا المقال دراسة العلاقة بين المفهوم الفقهي للنشوز والتطبيق القانوني له في القضاء الفلسطيني، مع التركيز على الفروق والتحديات التي قد تطرأ عند تطبيق الأحكام الشرعية في السياق القانوني.
أولاً – تعريف النشوز والفرق بينه وبين سوء العشرة
تعريف النشوز لغةً:
النشوز في اللغة مأخوذ من الجذر “نشز” الذي يدل على الارتفاع والعلو. فيقال: نشز المكان أي ارتفع، ونشزت المرأة أي استعصت وامتنعت عن طاعة زوجها. وقد ورد ذكر النشوز في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].
تعريف النشوز اصطلاحاً:
في الفقه الإسلامي، النشوز هو تمرد أحد الزوجين على الآخر وخروجه عن الطاعة الواجبة.
- نشوز الزوجة: يتمثل في عصيانها لزوجها في الأمور المشروعة، مثل الامتناع عن المعاشرة الزوجية أو الخروج من بيت الزوجية دون إذن.
- نشوز الزوج: يظهر في تقصيره بحقوق زوجته، كالامتناع عن النفقة أو إساءة المعاملة.
تعريف النشوز قانوناً:
هو امتناع الزوجة عن طاعة زوجها في الأمور المشروعة دون عذر مقبول، ومن صوره:
- ترك بيت الزوجية دون سبب مشروع.
- رفض المعاشرة الزوجية.
- الامتناع عن تنفيذ أوامر الطاعة
الفرق بين النشوز وسوء العشرة:
- النشوز: تمرد أحد الزوجين وامتناعه عن أداء الواجبات الزوجية الأساسية، مما يهدد استقرار الحياة الأسرية.
- سوء العشرة: تعامل سيئ بين الزوجين لا يصل إلى حد التمرد، مثل الكلام الجارح أو الإهمال العاطفي، لكنه لا يرقى إلى درجة النشوز.
ثانياً – أسباب نشوز الزوج والزوجة
أسباب نشوز الزوجة
- الامتناع عن طاعة الزوج في الأمور المشروعة: كالامتناع عن المعاشرة الزوجية بلا عذر، أو مغادرة المنزل دون إذنه في غير ضرورة.
- عدم احترام الزوج وسوء العشرة: مثل رفع الصوت على الزوج، التعامل بفظاظة، أو إهمال مشاعره.
- العوامل النفسية والاجتماعية: كالضغوط النفسية أو التأثر السلبي بالبيئة المحيطة.
أسباب نشوز الزوج
- الامتناع عن الإنفاق والحقوق الزوجية: كالتقصير في النفقة أو الامتناع عن المعاشرة بالمعروف.
- سوء المعاملة: كالظلم، القسوة، أو إهمال الزوجة وأبنائه.
ثالثاً – الأحكام الفقهية للنشوز ووسائل علاجه
علاج النشوز جاء وفق التدرج في القرآن الكريم
- الوعظ: نصح الزوجة وتذكيرها بحقوق الله وحقوق زوجها، وبيان آثار النشوز السلبية.
- الهجر في المضجع: ترك الزوج لزوجته في الفراش دون مغادرة البيت، وهو وسيلة إصلاحية غير مهينة.
- الضرب غير المبرّح: آخر وسيلة وردت بالنص الشرعي، وتكون للتأديب فقط، بعيداً عن الإهانة أو الإيذاء.
وسائل علاج النشوز في الإسلام
- التحكيم بين الزوجين: استناداً لقوله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾.
- دور القاضي: إذا فشل التحكيم، يتدخل القاضي لمحاولة الإصلاح.
- التفريق عند الضرورة: إذا تعذر الإصلاح وثبت الضرر، يجوز للقاضي التفريق بين الزوجين.
رابعاً – الخاتمة
يتضح من خلال ما سبق أن النشوز يمثل أحد أبرز المشكلات التي قد تهدد استقرار الأسرة وتماسكها، سواء صدر من الزوجة أو من الزوج. وقد عالج الإسلام هذه الظاهرة بمنهج متوازن يقوم على التدرج في الإصلاح، بدءاً من الوعظ والإرشاد، مروراً بالهجر في المضجع، وانتهاءً بالتحكيم بين الزوجين عند تعذر الحلول الفردية، وصولاً إلى التفريق عند الضرورة القصوى. وهذا يؤكد أن الشريعة الإسلامية وضعت ضوابط دقيقة لحماية الأسرة ومنع انهيارها قدر الإمكان.
أما في القضاء الفلسطيني، فقد تجسدت هذه المعالجات الفقهية في النصوص القانونية، سواء من خلال قانون الأحوال الشخصية الأردني المعمول به في الضفة الغربية، أو قانون حقوق العائلة المعمول به في قطاع غزة، حيث جرى تنظيم مسألة النشوز وما يترتب عليها من آثار قانونية وحقوقية، مع منح القاضي صلاحيات واسعة في الإصلاح والتفريق عند الحاجة.
ومن هنا، يمكن القول إن معالجة النشوز ليست مجرد مسألة فقهية أو قانونية فحسب، بل هي قضية أسرية واجتماعية ذات أبعاد نفسية وتربوية. فالحياة الزوجية تقوم على المودة والرحمة والتكامل بين الزوجين، وأي إخلال بهذه القيم ينعكس سلباً على الأسرة والمجتمع بأسره.
بقلم الحقوقية: آيات نضال أبو الريش
مواضيع أخرى ذات علاقة: