تأثير التكنولوجيا على الخصوصية والحقوق الفردية
تأثير التكنولوجيا على الخصوصية والحقوق الفردية
(بقم الحقوقية: رهف أشرف قنابيطه)
يشهد العصر الحديث تقدم هائل في مجال التكنولوجيا، بحيث غَدت التكنولوجيا تشكل جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد اليومية، لا سيما وقد لاحظنا بالآونة الأخيرة اندماج وتغلغل ملحوظ لا يمكن تجاهله بين التكنولوجيا وحياتنا اليومية، ومن هنا ينشأ موضوع خصوصية الفرد وحقوقه. تجسد خصوصية الأفراد أحد أهم الحقوق الأساسية المتمثلة بتعزيز قدرتهم في التحكم بمعلوماتهم الخاصة وقدرتهم في الحفاظ عليها من الاستخدامات التي لا يرغبون بها.
يعتبر تدفق المعلومات من خلال الأجهزة الحديثة مثل: الكومبيوتر والانترنت ذات تأثير إيجابي على العمليات القانونية المختلفة: بغض النظر مدنية كانت أم تجارية، ولكن هذا التأثير يواجه بأثر سلبي وعلى مختلف الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية سواء على المستويات المحلية للدول أم على المستوى العالمي، لا يتوقف هذا الأثر السلبي على هذه الجوانب فحسب، بل يمتد ليشمل الحريات الأساسية للأفراد، أهم هذه الحقوق التي تعرضت للانتهاك في مجال التكنولوجيا هو حق الأفراد في الخصوصية أو ما يعرف بحقهم بالحياة الخاصة.[1]عادل شمران الشمري الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد منشورات مركز الفرات الدراسات الاستراتيجية، العراق، … Continue reading
إذ شهدت العلاقات الإنسانية في السنوات الأخيرة تغير جوهري بسبب التقدم التكنولوجي والتطورات في مجال التواصل عبر الإنترنت مما أدى إلى عرض معلومات شخصية عن قصد، تلك الظاهرة قضت على الخصوصية الفردية ونظراً لأهمية هذا الحق ومكانته كواحد من الحقوق الأساسية للأفراد تم حظر أي تدخل يخالف الشرائع السماوية والقوانين الوضعية التي تتعدى على هذا الحق واعتبرت الحق مستمر حتى بعد وفاتهم احتراما لكرامتهم[2]سرور طالبي، كتاب اعمال المؤتمر الدولي حول الخصوصية في مجتمع المعلوماتي، طرابلس، لب نان2019، ص7، كون الحق في الخصوصية الفردية حق أساسي لا يجوز المساس به أو انتهاكه، وقد تم ترسيخ هذا المبدأ في المواثيق والاتفاقيات الدولية بالإضافة إلى القوانين الوطنية للدول.
أولاً – مفهوم الحق في الخصوصية:
تعرف الخصوصية على أنها منظومة متناغمة ومتكاملة بخصائصها المادية والروحية، حيث تمثل اسلوب حياة ومجموعة من القيم الاخلاقية، وتتجلى هذه المنظومة في النظر الى العالم ورؤية الذات والاخر، وتتمتع هذه المنظومة بقدر من الثبات والاستمرارية، تشكلت عبر عملية تراكمية وتفاعلية ممتدة عبر التاريخ[3]زينب محمد الضناوي الحماية القانونية للخصوصية على الانترنت في ظل الجهود الدولية، بحث مشارك في كتاب اعمال … Continue reading.
كما يمكن تعريف الخصوصية بأنها تتضمن الجوانب الشخصية والعائلية للفرد، وتشمل علاقاته العاطفية مع أفراد عائلته بما في ذلك الأبناء والزوجة وكذلك صورته الشخصية والمالية وكيفية قضاء أوقات الفراغ[4]حسام الدين الاهواني الحق في احترام الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 1978، ص 23.
ولذلك، ينبغي على الأفراد أثناء تصفح الإنترنت أن يراعو الحيطة والحذر أثناء كشفهم عن معلوماتهم وبياناتهم الشخصية على المواقع الإلكترونية المختلفة، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي قد تواجههم نتيجة إنشاء الشركات ملفات تعريفية لمتصفحي الإنترنت باستخدام البيانات والمعلومات الشخصية للأفراد التي تم جمعها، والتي تم الحصول عليها من خلال مصادر متعددة.[5]لا نستطيع أن ننكر أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ظاهرة عالمية مثيرة للهوس والجنون لدى مختلف الفئات … Continue reading
ثانياُ – حماية البيانات الشخصية في سياق التطور التكنولوجي الحديث:
مع ظهور التقنيات الحديثة ولاسيما المتعلقة بشبكات التواصل الاجتماعي، يصبح البحث عن أساليب جديدة لحماية بيانات الأفراد الشخصية ضرورة ملحة في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، ففي الوقت الحالي، يظهر مفهوم ” الاعتداء على الخصوصية بشكل عمدي” كواحد من الأشكال الجديدة المستخدمة في حماية الخصوصية، إذ يتعلق هذا المفهوم بالاستخدام غير المشروع لهذه البيانات الشخصية بغرض الضرر بالأفراد بشكل متعمد.
يوضح هذا المفهوم الضرورة الملحة لحماية البيانات وفق المفهوم التكنولوجي والحماية المتكاملة لحياة الأفراد الخاصة مما يجعل البيانات موضع حماية استباقية مبكرة، كما يجب أن يكون هذا المفهوم جزء لا يتجزأ من الأنظمة القانونية المستخدمة في حماية البيانات الشخصية، حيث يعزز التوازن ما بين الاستخدام الشرعي للبيانات وحماية خصوصية الأفراد.
ويجب أن تسمح الشبكات الاجتماعية للمستخدمين بالرقابة أو التحكم في البيانات الخاصة بهم على حسابهم من خلال إعدادات الحسابات من أجل تحقيق الشفافية والثقة والأمان لدى هؤلاء المستخدمين.
تعد الشفافية والأمان من الأمور الحيوية للمستخدمين على شبكات التواصل، لذا يجب على تلك الشبكات أن توفر للمستخدمين إمكانية التحكم في البيانات على حسابهم من خلال اعدادات الحساب، كما وينبغي عليها أن تُضمن خدمات الشبكات الاجتماعية خاصية التحكم في البيانات من خلال الإشارة إليها ضمن الشروط التعاقدية ولاسيما ضمن القواعد المرتبطة بسرية المعلومات، وذلك لغاية تحقيق مستوى عال من الأمان والخصوصية للمستخدمين.
ثالثاً – الخاتمة:
يظهر مما سبق أن الحق في خصوصية الفرد تعتبر واحدة من أهم حقوق الإنسان، التي يجب أن تلتئم لحمايتها الجهود الوطنية والدولية، من جهة ومن جهة أخرى فإنه على الرغم من التطور التكنولوجي وما حمله من تطور كبير وجوهري في مجالات الحياة المتعددة، إلا أن بعض هذه الحقوق وبالتحديد حق الأفراد بالخصوصية لم يسلم من الاختراق بسببها.
وأدى تبرير استعمال التكنولوجيا في ظل الجوانب القانونية إلى وقوع تدخلات ومخالفات واسعة في حق الخصوصية للفرد، وبَدا من الواضح أن هذه الحماية يجب أن تزداد لتشمل الأجهزة الذكية، كما ويجب خلق توازن ما بين الحق في الخصوصية للفرد وبين الحق في إمكانية الوصول للمعلومات، على الرغم من التقدم التكنولوجي إلا أن هذا التغير التكنولوجي يظهر تأثيره على حقل الحماية القانونية للخصوصية بأبعادها المختلفة على سبيل المثال: الأبعاد التنظيمية والأبعاد المدنية والجزائية، مما يؤدي إلى زيادة معدلات النقاش بشأن دعوى الاستخدام غير المشروع للمعلومات الشخصية والوثائق.
بقلم الحقوقية: رهف أشرف قنابيطه
مواضيع أخرى ذات علاقة:
- التحديات القانونية في التكنولوجيا الحديثة: ما هي المسائل القانونية المطروحة؟.
- بحث قانوني حول المسؤولية المدنية والذكاء الاصطناعي.
- الجرائم البنكية: أشكالها وسبل حماية الأموال في عصر الرقمية والتكنولوجيا.
- تحليل الإطار القانوني في الذكاء الاصطناعي: التحديات والفرص.
المصادر والمراجع
↑1 | عادل شمران الشمري الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد منشورات مركز الفرات الدراسات الاستراتيجية، العراق، 2010 ص 03 |
---|---|
↑2 | سرور طالبي، كتاب اعمال المؤتمر الدولي حول الخصوصية في مجتمع المعلوماتي، طرابلس، لب نان2019، ص7 |
↑3 | زينب محمد الضناوي الحماية القانونية للخصوصية على الانترنت في ظل الجهود الدولية، بحث مشارك في كتاب اعمال المؤتمر الدولي حول الخصوصية في مجتمع، مركز جيل للبحث العلمي، طرابلس، لبنان 2019، ص23 |
↑4 | حسام الدين الاهواني الحق في احترام الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة 1978، ص 23 |
↑5 | لا نستطيع أن ننكر أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ظاهرة عالمية مثيرة للهوس والجنون لدى مختلف الفئات العمرية، مما يحتم ضرورة خضوع هذه الظاهرة للقانون. |