جريمة في الذاكرة
جريمة في الذاكرة
كم مرة تذكرت ذلك وكذبت ما رأيته، مراتٍ كثيرة كنت أحاول جاهداً ألا ألتفت إلى كل ما يُذكرني بذلك اليوم المشؤوم، اليوم الذي حصل به ذلك الحادث الذي لم يكن بالمتوقع، ذلك الحدث الذي بعثر حياتنا بثوانٍ، أذكر أنني كُنت في غاية الفرح لتخرجي من الثانوية العامة، إلا أنني أيقنت أنني شخص لم تمر في ذكراه ذكريات تجعله يبتسم.
أذكر أننا كنا نتجهز لحفلة عنوانها”حصاد تعب كل السنوات الماضية”، الا انني لم أنل مقابل ذلك التعب، رأيت والدي يعملان طوال اليوم للإحتفال بذلك، لكنها لم تكتمل تلك الفرحة، لم أتلقى تهنئات نجاحي بل تلقيت تعازي الآخرين.
……………
كان أحمد (أخي الكبير) يعمل على سطح منزلنا ويقوم بكل ما نحتاجه من زينة للإحتفال ووضع الشوادر والإضاءة، وأبي يعمل أمام المنزل فكان يُعلق لافتة تُوضح سبب هذا الإحتفال الذي تحول إلى جريمة بقيت في الذاكرة.
كل من يعرفني كان فرِحٌ هذا اليوم، كانت مشاعري وكأن ذلك حِلمٌ لا حقيقة، لكن سرعان ما أيقنت أن ذلك لم يكن حلمٌ، فكنت معتاد على عدم إكتمال الفرحة، لكن لم أكن معتاد على فراقٍ كهذا.
فأثناء عمل أخي وأصدقائه على سطح منزلنا، حصل خلاف بينهم نتيجة شتم أحدهم للأخر، وسرعان ما امتد هذا الخلاف إلى مشاجرة وضرب بالعُصي، وجرت عدت محاولات لتهدئتهم…
إلا أن جميعها باتت بالفشل، لم يكترث أحد أن هذا حفل، واصلوا مشاجرتهم إلا أن حصل الحدث الغير المتوقع، ذلك الحدث الذي وصفوه بأنه مجرد حادث! سقط أخي من أعلى السطح بسبب دفعه من أحد أصدقائه، لكن لم يعترف أحد بذلك!!
لم يقل أحد أنا قد فعلتها!!
ذلك السقوط هو من أوقف مشاجرتهم! لربما هنا أيقنت أنه يتوجب أن يبقى أحداً يُعاني طوال حياته بسبب ما تفعله المشاجرات لكي يتوقفوا عن ذلك لبضع الوقت.
جار نقل أخي إلى المسشفى، لم أرى ما كنت متوقعه لذلك اليوم، رأيت دماً، دموع، خوف، لكنني لم أرى الفرح!.
بعد إدخاله إلى غرفة العمليات وإمضاء ما يقارب الساعتين، أخبرنا الطبيب أن وضعه ما زال في خطر وسيوضع في غرفة العناية المركزة لمدة ثماني وأربعون ساعة.
حضرت الشرطة إلى المستشفى لتقوم بإجراء التحقيق الازم، وبعد أخذ الإفادات، قامت بإلقاء القبض على إثنين من الذين كانوا متواجدين في الشجار، وأجريت البحث عن إثنين أخرين، لكنهما قاموا بالفرار ولم تتمكن من إيجادهم.
مر ما يقارب اليوم على وجود أحمد داخل غرفة العمليات، ذهبنا إلى المنزل لأخذ ما يلزمنا من مستلزمات، وبقيَ والدي بجانب أحمد، وفي هذه الأثناء حصلت الكارثة!!
شعرت وكأن شيئاً ما قد حصل، لأول مرة يراودني شعورٌ كهذا، تسارعت شعرت بالتوتر الشديد، تسارعت نبضات قلبي، ورن الهاتف!!
هنا ثبت يقيني بأن شيئاً ما قد حصل! ولكن ماذا؟
كان والدي على الهاتف وأراد التحدث معي دون سماع والدتي الحديث بيننا، قال كلمتين فقط وشعرت كأن كل هذا الكون قد ضاق بي، كلمتين أنهت كل ما هو جميل في حياتنا، تلك الكلمتين كانتا: توفيَ أخاك.
خبرٌ تلقيته كالصاعقة، لم أسئل كيف حدث هذا ومتى!
لقد تركته يلتقط أنفاسه وذهبت! لكنني لم أعلم أن تلك أنفاسه الأخيرة!
بعد ما يقارب الدقيقتين أخبرت والدتي بأن تبقى في المنزل، لكنها شعرت بأن شيئاً ما قد حصل، نعم إنه قلب الأم!
أخبرت والدتي بذلك، لأول مرة أشعر وكأنني مُقيد، لا استطيع فعل شيء، كيف يمكنني تجاوز ذلك؟
كيف ستكون هذه الليلة دون وجوده بيننا؟
كيف ستشرق شمس غد بعد انطفاء شمعة منزلنا؟
بعد ذهابنا إلى المستشفى علمنا أنه قد حصل خلل في أجهزة التنفس لبضع دقائق، كانت روح أخي قد صعدت إلى السماء لكنه سيبقى متواجد في ذاكرتنا، لا أعلم كيف يمكن أن يمضي ذلك، فبالأمس كان يعمل من أجل حفلتي واليوم سنعمل جميعاً من أجل دفنه.
……………
مرت الأيام والحزن يعتري قلوبنا، لتستمر النيابة في التحقيق لمعرفة ظروف الجريمة، لكنه إلى اليوم لم نعلم من كان السبب في ذلك. يا ليتني لم أنوي الإحتفال، يا ليته مر كيوم عادي وبقي أخي بجوارنا.
كُنا في انتظار اليوم الذي سيحاسب به القاتل، فقد تم اعتقال جميع من كان متواجد أثناء المشاجرة، لكن لم يعترف أحد، كلٌ منهم كان يلقي اللوم على الأخر، لم نعلم من القاتل الحقيقي، ولم نعلم من سيحاسب على ذلك.
……………
أسئلة:
- ما الجريمة الحاصلة أعلاه؟
- من المسؤول عن وفاة المجني عليه؟
- كيف سيحاسب الجاني؟
- ما هو السبب الرئيسي في وفاة المجني عليه؟
- لو كنت قاضٍ على من ستحكم؟
بقلم الكاتبة: آمنة عايد رمضان
أحسنت الكتابة آمنة💚✨
ما شاء اللَّه شو مُبدعة
Pingback: لا تخبري بها أحداً (الجزء الأول) - موسوعة ودق القانونية