ما وراء الكواليس: دليل حقوق والتزامات الممثلين في العقود الفنية
ما وراء الكواليس:
دليل حقوق والتزامات الممثلين في العقود الفنية
(بقلم الباحثة: دارين صبحي سويدان)
في ظل التطور المتسارع في مجال الإنتاج الفني وتنوع أشكاله، لم تعد العلاقة بين الممثل والجهة المنتجة قائمة على الثقة أو التفاهم الشفوي فقط، بل أصبح وجود العقود الفنية ضرورة قانونية لتنظيم هذه العلاقة، باعتبار أنها الوثيقة الرسمية التي ترسم حدود الالتزام والإنتاج والتوزيع وغيرها، فحين تنتهي المشاهد وتنطفئ الأضواء خلف الكاميرات، يغادر الممثلون مواقع التصوير، وتبدأ مرحلة مختلفة خلف الكواليس، هناك تناقش كلمات لا تقال أمام الشاشة، بل تُدوّن في عقود تحدد مسار العلاقة المهنية، لتصبح بمثابة “السيناريو القانوني الخفي” الذي ينظم حقوق وواجبات كل طرف، ومن دون هذا الإطار التعاقدي قد تنشأ نزاعات وخلافات مهنية قد تعرقل سير العمل.
سنتطرق في هذا المقال إلى المحاور التالية:
- الماهية القانونية للعقد الفني وأهميته.
- الحقوق والالتزامات التعاقدية للأطراف.
- أنواع عقود التمثيل.
- دور المحامي الفني في صياغة العقد.
- نماذج وتطبيقات عملية.
أولاً – الماهية القانونية للعقد الفني وأهميته:
يُعرّف العقد الفني بأنه: وثيقة قانونية ملزمة بين الممثل وشركة الإنتاج، تحدد الحقوق والالتزامات والمسؤوليات لكل طرف، بما فيها مدة ومكان العمل، الأجر، وشروط أخرى تتعلق بالإبداع وحقوق الملكية الفكرية، وتصاغ بنود العقد بالاستناد إلى القانون المدني والتجاري؛ لضمان حماية المصالح المادية والمعنوية للطرفين.
تكمن أهمية كتابة العقد الفني في إزالة أي غموض أو سوء فهم قد ينشأ لاحقاً، فمن الناحية القانونية يقوم بتحويل الالتزامات إلى وعود قابلة للتنفيذ، ويمتاز بوجود التزام متبادل إذ يقوم كل طرف بأداء واجباته ومسؤولياته، ويبين العقد ملامح وتفاصيل الدور لكل ممثل، ويضع إطاراً قانونياً لحماية الحقوق المجاورة للممثل (الأدبية والمالية)، وحقوق المنتج، ويوفر حماية قانونية في حال الإخلال بالاتفاق؛ بما يسمح اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض أو التنفيذ.
ثانياً -الحقوق والالتزامات التعاقدية للأطراف:
تُصَنف العقود الفنية بأنها أحد أهم الأدوات القانونية التي تقوم بتنظيم العلاقة بين (الفنان؛ ممثل أو مغني/ والجهة المتعاقدة؛ سواء كانت شركة إنتاج، أو جهة إعلامية وغيرها)، ونظراً للطبيعة الخاصة للعمل الفني الذي يحتاج بالعادة إلى جهد ووقت كبيرين، فإن تحديد الحقوق والالتزامات التعاقدية لأطرافه بدقة ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو ضرورة لحماية مصالح الجميع، وتحقيق الاستقرار في المشروع الفني، وتفادي حدوث النزاعات القانونية في وقت لاحق.
1. حقوق الممثل:
- الأجر المتفق عليه: يعتبر الحق الأساسي للممثل، وينبغي أن يُحدد المبلغ المالي، وميعاد استحقاقه، وطريقة الدفع بدقة، وعند وجود أي تأخير في عملية الدفع فإن للممثل الحق الكامل للمطالبة بحقوقه بواسطة القانون.
- الحقوق الأدبية والمعنوية: بحسب ما ورد في القانون فإن هذه الحقوق تصنف بأنها غير قابلة للتصرف أو البيع، وتتمثل فيما يُعرف بـِ (حق النّسب)؛ أي للممثل الحق في أن يُنسب إليه عمله الفني بذكر اسمه بصفته مؤدي الدور، وله أيضاً الحق في الاعتراض على أي تعديل في عمله قد يَضر أو يشوه سمعته (حق سلامة الأداء)، و(حق السحب أو الندم)؛ ويعني أن الممثل يستطيع سحب عمله في حال وجد أن سمعته قد تتضرر بسببه، وهذا الحق لا ينطبق بصفة عامة على الممثلين ككل.
- الموافقة على تعديلات العقد: لا يجوز للجهة المتعاقدة مع الممثل تغيير أو تعديل أي بند من بنود العقد إلا بموافقة خطية منه؛ وإذا لم تلتزم بذلك فيحق له محاسبتها بالقانون.
- الأمان والسلامة: يجب على الجهة المتعاقدة أن توفر بيئة عمل آمنة وخالية من المخاطر، كإتاحة التأمين الصحي أو التأمين ضد الحوادث؛ لتعويض الممثل في حال أُصيب أثناء أداءه لعمله، وهي ظاهرة دارجة عند تصوير أي مشاهد قد تحوي مخاطر وخاصة مشاهد الأكشن.
- النسخ الرقمية والذكاء الاصطناعي: لا يجوز القيام باستنساخ صورة أو صوت الممثل رقمياً إلا بموافقته الصريحة ومقابل تعويض عادل له؛ ويعتبر أي خرق لذلك مخالفة قانونية تستوجب المسؤولية.
2. التزامات الممثل:
- التواجد في أماكن التصوير: يتعيّن على الممثل الالتزام بجميع المواعيد المحددة للبروفة أو التصوير، وأي تأخير أو غياب قد يتسبب في خسائر مالية للمشروع.
- تنفيذ الدور المتفق عليه: يجب على الممثل القيام بتقديم الأداء المحدد له وفقاً للنص المتفق عليه، وتوجيهات المخرج، والجدول الزمني المحدد في العقد، وفي حال أخلّ بذلك فإن للجهة المتعاقدة الحق في فسخ العقد أو المطالبة بالتعويض.
- السرية والخصوصية: يُلزم الممثل بالحفاظ على الأسرار المتعلقة بالمشروع الفني (نص الأداء، تفاصيل الشخصيات، ميزانية الإنتاج) وأي معلومات أخرى خاصة بالجهة المتعاقدة، وذلك قبل الإعلان الرسمي عن العمل الفني.
3. حقوق الجهة المتعاقدة:
- للجهة المتعاقدة الحق في أن تتلقى العمل بالشروط المتفق عليها بدون أي إخلال من قِبًل الممثل؛ وإلا يُلزَم بالتعويض.
- يتوجب عليها استخدام العمل الذي أنجزه الممثل ضمن الأغراض المحددة بالعقد، والتي قد تكون إما للعرض التلفزيوني، السينمائي، والتوزيع الرقمي وغيرها؛ لتجنب نشوب نزاعات فيما بينهم.
- يحق للجهة المتعاقدة مع الممثل اللجوء إلى فسخ العقد في حال وُجِدَ أي إخلال جوهري من قِبَل الممثل كإفشاء المعلومات السرية، أو الغياب المتكرر عن العمل.
4. التزامات الجهة المتعاقدة:
- تلتزم بتوفير جميع المعدات والإمكانيات اللازمة، والملابس، والديكورات، والمواقع، والفريق الفني لإنجاز العمل بالشكل المطلوب وعلى أكمل وجه.
- القيام بحماية حقوق الممثل الأدبية والمعنوية من أي اعتداء، مثل إزالة اسمه من شارة النهاية، أو تغيير عمله بصورة تضر بسمعته.
- يجب أن تُستخدم أعمال الممثل في النطاق المحدد بالعقد فقط، وأن تلتزم بعدم بيعها أو استغلالها في أغراض أخرى إلا بموافقته الصريحة.
ثالثاً – أنواع العقود الفنية:
تعد العقود الفنية أو عقود التمثيل بمثابة أساس قانوني يُنظم العلاقة بين الممثل والجهة المتعاقدة، ولكل نوع من هذه العقود شروط وأغراض خاصة به، ومنها:
- العقود التجارية: تُستخدم هذه العقود لتنظيم مشاركة الممثل في الإعلانات بأنواعها (التلفزيونية، المطبوعة، وإعلانات الإنترنت…)، ويوجد لها عدة شروط تختلف من دولة لأخرى، تتمثل بـِ حقوق الاستخدام التي تندرج تحت البنود الأكثر أهمية في هذه العقود، وتقوم بتحديد أين ومتى وكيف سيُعرَض الإعلان، على سبيل المثال: يوجد إعلان لماركة عطور سيتم بثه في دول معينة فقط (لندن، نيويورك، ميلانو…)، على منصات محددة (انستغرام فقط)، ولعدد مُجدول ومحدد لفترة زمنية (30 مرة كل 6 شهور)، وبعد انتهاء هذه المدة يجب إعادة التفاوض على تمديد العقد الحالي أو إنشاء عقد جديد، في حال رغبت الشركة الاستمرار في عرض الإعلان.
- عقود السينما والتلفزيون: تهدف هذه العقود إلى تغطية أدوار الممثلين في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، إذ تحدد الدور الذي سيؤديه الممثل، ومكان التصوير، وعدد أيامه التي قد تختلف بحسب الظروف، ويوجد أيضاً بند شائع يندرج تحت هذا النوع من العقود يُسمى بـِ “المخلفات”، وهو عبارة عن دفعات إضافية تُعطى للممثل عندما يتم إعادة استخدام الفيلم أو المسلسل، مثل: تم بث الفيلم السينمائي الشهير الذي جسّد قصة إنسانية عالمية على خدمة Netflix، أو تم بيعه لمنصة Shahid، وهذا يضمن منح الممثل عوائد مستمرة من عمله.
- عقود المسرح: تضمن مشاركة الممثل في العروض المسرحية بأنواعها، وتعمل على تحديد مواعيد البروفات (التدريبات) والعروض النهائية، وتوضح هذه العقود تفاصيل السفر والإقامة والمستحقات المالية للعرض في حال لَزِمَ انتقاله بين دول مختلفة، وتخضع كذلك لشروط نقابات الممثلين التي تضمن قبض أجور متساوية، وتوفير بيئة عمل آمنة لهم، مثل كفالة نقابة بريطانيا Equity UK.
- عقود الدراما الصوتية: الغرض الأساسي منها تغطية الأعمال الإذاعية (الكتب الصوتية، والبودكاست)، وهي تحدد مكان بث العمل (محلياً أو دولياً)، وما إذا كان من الممكن للجهة المتعاقدة إعادة استعمال التسجيل في مشاريع أخرى، وغالباً ما يكون الأجر المستحق محدداً إما بحسب مدة التسجيل أو بالساعة، وقد يتضمن مدفوعات إضافية في حال حقق المشروع الفني نجاحاً كبيراً.
- عقود التمثيل الإضافي: تستعمل للأدوار الصامتة أو أدوار الخلفية (الكومبارس)، وهذه العقود بسيطة لا تعطي الممثل أي حقوق على المادة المصورة، ويكون الأجر فيها بالساعة أو باليوم، ولا تحوي بنود معقدة كـ (المخلفات، أو حقوق الاستخدام).
- عقود المشاركة: تنتشر في الأفلام المستقلة والمشاريع ذات الميزانية المنخفضة، وفيها يوافق الممثل على أخذ أجر منخفض ويمكن أن تكون بلا أجر بشرط وجود مقابل (الحصول على نسبة مئوية من الأرباح المستقبلية للمشروع)، وهذه العقود عالية المخاطر، ولكنها تعطي الممثل الفرصة للحصول على مكاسب ضخمة في حال نجح الفيلم مستقبلاً.
- عقود العمل الحر: تستعمل للمشاريع الصغيرة أو القصيرة الأجل، وهذه عقود مرنة للغاية، ويتم تصميمها لكل مشروع على وجه الخصوص، وتقوم بتغطية مشاركة الممثلين في مقاطع فيديو على منصة الـ TikTok، أو عرض تقديمي قصير، أو إعلان على الإنترنت، وتقوم بتحديد أجر ونطاق العمل بشكل واضح ومحدد.
- عقود الأداء / التعليق الصوتي والدبلجة: يتم استخدامها للتعليق الصوتي، والرسوم المتحركة، وألعاب الفيديو، وعلى الرغم من التشابه الظاهر بينها وبين عقود الدراما الصوتية، إلا أنها تعتبر الأكثر تخصصاً؛ لأنها تحدد بدقة كيفية استعمال الصوت، الأجر الذي يُحسب بناء على عدد الكلمات، مدة الاستخدام، ساعات التسجيل، ومدى انتشار العمل (مثل: أجر أعلى لـِ لعبة فيديو مقارنة مع إعلان محلي).
- عقود الوكلاء: تهدف إلى تنظيم العلاقة بين الممثل ووكيله، فهي توضح النسبة المئوية (العمولة) التي سيحصل عليها الوكيل من أجر الممثل المستحق، وتكون بالعادة بين (10%-15%)، وتتفاوت من دولة لأخرى، وقد تحوي على بند يشير إلى أن الوكيل هو الممثل الوحيد لشخص الممثل؛ الأمر الذي يمنع الممثل من التعاقد مع أية وكلاء آخرين في نفس الوقت، بالإضافة إلى أن هذه العقود تحدد الشروط التي تمكن أي طرف من إنهاء العلاقة التعاقدية، سواء كان ذلك بإنذار سابق أو لأسباب محددة.
- عقود التمثيل البديل: تعمل هذه العقود على تنظيم مشاركة الممثلين البدلاء أو ما يُعرّف بــِ (الدُوبلِير) في أداء المشاهد الخطرة التي لا يستطيع الممثل الرئيسي القيام بها، وتبيّن هذه العقود المخاطر المحتملة للعمل الفني، واستناداً لذلك يتم وضع بنود متعلقة بالحماية والتأمين ضد الإصابات، ويتم أيضاً الاتفاق على أجر مخصص للمشاهد الخطرة، ويكون أعلى من الأجر الأساسي للممثل العادي؛ بسبب المخاطر والصعوبات التي يواجهها الممثل البديل، وأهم ما يتم تحديده أن الممثل البديل يوافق على استخدام مظهره في المشهد بدون الحاجة إلى ذكر اسمه في الاعتمادات النهائية للعمل الفني، إلا إذا تم الاتفاق على خلاف ذلك، بالإضافة إلى ما سبق قد تجد درجة أخرى من الممثل البديل يُطلق عليها اسم (التِّربْلِير)، والتي تعتبر بمثابة بديل إضافي أو ثالث يستعان به حسب الحاجة، وخاصة في المشاريع الفنية الضخمة التي تتطلب مشاهد خطرة للغاية.
رابعاً – دور المحامي الفني في حماية الممثلين وصياغة العقد:
يُنظَر إلى المحامي الفني على أنه مستشار الدفاع القانوني الأول الخاص بالفنان، فهو يقوم بـــِ:
- إنشاء العقد بما يراعي مصالح الأطراف جميعاً، ويوازن بين التعويضات المستحقة والحقوق المالية اللاحقة، من خلال إدراج آليات واضحة لتحصيل العوائد المتكررة متى تم إعادة استخدام العمل لاحقاً على منصات أخرى أو في دول جديدة، وفق ما تنظمه اتفاقات ونقابات مهنية مثل SAG-AFTRA.
- يتولى تحديد نطاق العمل والمهام المحددة، الأماكن التي يجوز استغلال عمله فيها، المدة وتواريخ البدء والانتهاء، وقنوات استغلال المشروع (السينما، التلفزيون، البث، المنصات الرقمية… إلخ).
- مراجعة البنود المتعلقة بساعات العمل، فترات الراحة، الأجور، والتحقق من عدم تعارض أي بند خاص مع النصوص النقابية أو التشريعات المحلية.
- إلزام الجهة المنتجة باتباع إرشادات السلامة الصناعية خلال التصوير (الأسلحة والمؤثرات والمواقع الخطرة والقيادة والتصوير الليلي وغيرها) وإثبات ذلك بعقود التأمين المناسبة وآليات الإبلاغ عن المخاطر، وتعد نشرات السلامة CSATF في الولايات المتحدة، وإرشادات هيئة السلامة والصحة التنفيذية HSE في المملكة المتحدة مراجع تشغيلية يعتمد عليها المحامون عند وضع شروط السلامة والتأمين والمسؤولية عن الحوادث، أما حماية السمعة والحقوق الأدبية فتستند في جوهرها إلى اتفاقيات دولية، ففي مجال الأداءات السمعية-البصرية كرست (معاهدة بكين 2012) حقوقاً أدبية واقتصادية للممثلين في مصنفات الصورة والصوت؛ بما يساعد على صياغة بنود تمنع استغلال الأداء دون موافقة وتعويض.
- التفاوض على بنود الإنهاء والقوة القاهرة (وباء أو حرب)، كون بنودها تُستعمل لمواجهة أحداث خارجة عن السيطرة، لكنه يسعى لصياغتها بحيث لا يخسر الممثل أجره المستحق كلياً، ويتم تقديم مذكرات وتحليلات شركات محاماة متخصصة من أجل صياغة هذه البنود وتبعاتها.
- تضمين بنود الذكاء الاصطناعي والنسخ (الصور) الرقمية؛ لأن الاتفاقيات الحديثة تشترط موافقة صريحة وتعويض عادل عند القيام بإنشاء نموذج رقمي لملامح الفنان أو صوته، وتجدر الإشارة إلى أن إدراج هذه الضوابط بات معياراً بعد مفاوضات عام 2023 في قطاع (السينما/التلفزيون) بالولايات المتحدة الأمريكية.
خامساً – نماذج وتطبيقات عملية
تواجه العقود الفنية باختلاف أنواعها مجموعة من التحديات والصعوبات على المستوى العملي، ومع تطور وسائل التوزيع وتغير أنماط الإنتاج، ظهرت عدة نزاعات قانونية مهنية، امتدت لتشمل حقوق البث، المسائل المالية، والاستغلال التجاري، ولإلقاء الضوء على هذه النزاعات يُمكن استعراض بعض النماذج الواقعية من قضايا منتشرة عالمياً، ومنها:
قضية الأرملة السوداء ضد شركة (Disney):
قامت الممثلة Scarlett Johansson برفع دعوى قضائية ضد شركة Disney عام 2021م، بتهمة خرق العقد عند إصدار فيلم (Black Widow) في وقت واحد على منصة Disney+ ودور السينما، وقد كان أجر Johansson المستحق مرتبطاً بأرباح شباك التذاكر آنذاك، وقد أكدت على أن عقدها بُني على العرض السينمائي فقط، واعتبرت أن هذا القرار أثر على إيرادات الفيلم وبالتالي على عوائدها المالية، وقد وصفت شركة Disney الدعوى بأنها “لا أساس لها”، وكشفت عن الأجر المقدم للممثلة Scarlett منتقدة موقفها في ظل جائحة كورونا، في النهاية تم التوصل إلى تسوية ودية بين الطرفين أكدا فيها على استمرار التعاون في مشاريع مستقبلية. (شكلت هذه القضية مثال على ضرورة إدراج بنود واضحة لضمان حقوق الممثلين في حال تغيرت نماذج العرض لاحقاً).
قضية حماية صورة (Robin Williams) بعد وفاته عام 2014:
قام الممثل Robin Williams بتنظيم وثائق قانونية تحدد بشكل تفصيلي شروط استخدام صوته وصورته وأي تمثيل رقمي له لمدة 25 بعد وفاته؛ وذلك لتجنب أي استغلال غير مصرح به في الأفلام أو الإعلانات الأخرى، وقام بنقل كافة الحقوق المتعلقة بمظهره وأدائه إلى مؤسسة (Windfall Foundation) المؤسسة باسمه، حتى تصبح الجهة القانونية المسؤولة عن التحكم الكامل في كل ما يخصه مستقبلاً، وعلى ضوء ذلك تم اعتبار هذه الخطوة سابقة مهمة في حماية حق الدعاية للممثلين بعد الوفاة، ففي كاليفورنيا يوجد قوانين تحمي هذا الحق لمدة تصل إلى (70) عام، ويظهر كذلك في مجال صناعة السينما مثال مشابه لذلك، فقد تم إعادة استخدام صور الممثل Paul Walker بعد وفاته في فيلم Fast & Furious 7 باستخدام تقنيات CGI. (أبرزت هذه القضية أهمية إدراج بنود واضحة في العقود الفنية تضمن الحماية المطلقة للفنانين بعد الوفاة، وخاصة مع التطورات التكنولوجية المتقدمة التي جعلت عملية استنساخ الأدوار الرقمية ممكنة).
قضية حادثة إطلاق النار المميتة في موقع تصوير فيلم (Rust):
أثناء تصوير فيلم “Rust” في New Mexico عام 2021م، قام الممثل Alec Baldwin بإطلاق النار بالخطأ من مسدس على اعتبار أنه فارغ من الرصاص؛ ما أدى إلى مقتل المصورة السينمائية Halyna Hutchins وإصابة المخرج Joel Souza، تم الكشف لاحقاً عن وجود طلقات حية على موقع التصوير. (أبرز هذا الحادث أهمية تطبيق معايير السلامة بشدة في مواقع التصوير، ومراجعة كافة الإجراءات المرتبطة باستخدام الأسلحة النارية).
قضية إعادة تجسيد الممثل الراحل (Peter Cushing) عبر تقنية CGI:
بعد وفاة الممثل Peter Cushing عام 1994م، تم استخدام تقنية الــCGI لإعادته تجسيد دوره في فيلم “Rogue One: A Star Wars Story“، ومع ذلك تم رفع دعوى قضائية ضد شركة Lucasfilm المملوكة لشركة ديزني، وشركة Lunak Heavy Industries، فقد قام صناع الفيلم باستخدام بديل بشري آخر مع قالب رقمي لوجه الممثل Cushing؛ لإضفاء الواقعية على الشخصية لمدة أربع دقائق على الشاشة، قال الادعاء أن الشركة استغلت صورته وصوته رقمياً بدون أي إذن قانوني من الورثة، ردت شركة Disney أن العقد الأصلي لم يشترط الحصول على إذن مسبق، واعتبر القضاء البريطاني أن النزاع القانوني يستحق تقييماً كاملاً أمام هيئة المحلفين، وأن الورثة لهم الحق القانوني بالاعتراض أو طلب تعويضات عن ذلك، وتم تقديم تسوية مالية لحل النزاع. (دعت هذه القضية إلى ضرورة إدراج بنود واضحة تحمي حقوق الفنانين بعد الوفاة؛ خاصة مع ازدياد استخدام المؤثرات الرقمية والذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام السينمائية).
قضية الممثل (George Carlin) ضد (Dudesy podcast):
بعد أن استعمل بودكاست Dudesy الذكاء الاصطناعي لاستنساخ صوت الممثل الكوميدي الراحل George Carlin، قامت عائلته برفع دعوى قضائية ضده بتهمة انتهاك حقوق الدعاية، وحقوق الطبع والنشر للممثل، قال الدفاع بأن البودكاست هو محاكاة ساخرة، لكن بعد عقد التسوية مع الادعاء تم إزالة الحلقة من قِبَل القائمين عليه، وتعهدوا بعدم استخدام صوت Carlin مستقبلاً. (أشارت هذه القضية إلى التحديات القانونية الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي لمحاكاة أصوات وصور المشاهير، وأكدت على ضرورة وضع تشريعات تحمي الممثلين من انتهاك حقوقهم بعد الوفاة).
سادساً – النتائج والتوصيات
يتضح من خلال ما سبق أن العمل الفني لا يقتصر على الإبداع وحده، بل يحتاج إلى إطار قانوني متين يحمي حقوق جميع الأطراف ويضمن استمرارية المشروع، ومن هنا تأتي أهمية العقود الفنية فهي لا تضمن حقوق الممثلين والمنتجين فقط، بل تواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، ومن هذا المنطلق فإن الالتزام بالقوانين وبيان الحقوق والالتزامات، إلى جانب استشارة الخبراء القانونيين في كل مرحلة من مراحل الإنتاج يضمن تحويل الكواليس من ساحة نزاع محتملة إلى بيئة آمنة ومنظمة تدعم نجاح العمل الفني.
بقلم الباحثة: دارين صبحي سويدان
مواضيع أخرى ذات علاقة:
- العقود الفنية مع المشاهير والممثلين: ماهيتها القانونية وأهميتها والالتزامات المتبادلة.
- دور المحامي في حماية الممثلين والمشاهير.
- العقود الفنية بين النص والتنفيذ: تطبيقات وقضايا عالمية.
- هل يجوز نشر صور لأشخاص بدون أخذ تصريح منهم بذلك ؟.
- الوجه الآخر لإعلانات المؤثرين: التحليل القانوني والأخلاقي للإعلانات المدفوعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
- المسؤولية العقدية: بذل العناية وتحقيق النتيجة.
- العقد الإلكتروني في القانون المدني: الطبيعة القانونية وأحكامه العامة.
- في المسؤولية العقدية والتقصيرية.
Pingback: العقود الفنية بين النص والتنفيذ: تطبيقات وقضايا عالمية - موسوعة ودق القانونية
Pingback: العقود الفنية مع المشاهير والممثلين: ماهيتها القانونية وأهميتها والالتزامات المتبادلة - موسوعة ودق القانونية