Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

ظاهرة التنمر في المجتمعات

ظاهرة التنمر في المجتمعات

(بقلم الحقوقيتين: رهف قنابيطة، ودعاء صوان)

 

يُعتبر المجتمع بمثابة فسيفساء متكاملة من الظواهر الإنسانية التي تتنوع بين الإيجابية والسلبية، وتساهم مجمل هذه الظواهر في تشكيل النسق الاجتماعي السائد في مجتمع ما، الظواهر الإيجابية تُعزز من تماسك المجتمع وتدعم السلم المجتمعي من خلال ترسيخ القيم والمثل الأخلاقية العليا. في المقابل، الظواهر السلبية التي لا يتم مواجهتها والتصدي لها قد تشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن المجتمع واستقراره، كما أنها قد تزعزع البناء القيمي الراسخ في تلك المجتمعات.

في هذا البحث، سنتناول ظاهرة التنمر كأحد الظواهر السلبية المهمة، ونسعى للتعرف على مفهومها بشكل دقيق، وما هي أنواع هذه الظاهرة، بالإضافة إلى نتائجها وتأثيراتها الواسعة على المجتمع. التنمر هو ظاهرة اجتماعية ونفسية تُظهر نفسها بطرق وأشكال متعددة داخل المجتمع، وتختلف مظاهرها باختلاف المكان والزمان، وكذلك بحسب الفروقات الفردية بين الأشخاص ومستوى صحتهم الجسدية.

 يُعتبر التنمر أحد أشكال العنف التي يلجأ إليها بعض الأفراد الذين يفضلون استغلال قوتهم ونفوذهم ضد الأشخاص الأضعف منهم بهدف إلحاق الأذى بهم، وهناك من يعتبر التنمر شكلاً من أشكال العنصرية، حيث يُمارس التنمر بناءً على أشكالٍ أو طباعٍ أو صفاتٍ معينة للأشخاص الآخرين.

يتجلى التنمر في المجتمع بصورة مستمرة ومتنوعة، ومن هنا تكمن أهمية دراسة هذه الظاهرة بشكل معمق لفهم أبعادها وآثارها المختلفة. ومن خلال هذه الدراسة نسعى إلى توضيح كيف يمكن للتنمر أن يؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمع ككل، وما هي السبل الممكنة للتصدي له ومعالجته بفعالية.[1]ياسر حسين عبد الله ، التنمر الالكتروني وأثره على المراهقين،2023 ،ص331.

 

أولاً – مفهوم ظاهرة التنمر:

مع تزايد حالات الانتحار الناجمة عن التنمر بالإضافة إلى ما ينتجه من آثار على مختلف الأصعدة، بدأ الباحثون في تكثيف جهودهم لدراسة هذه الظاهرة ووضع مفهوم لها، لذا وجدت العديد من المفاهيم التي وضعت للتنمر كونه مصطلح متداول في مختلف المجتمعات والبلدان من أبرزها:[2]شربت، أ. (2018)، التنمر المدرسي لدى طلاب المرحلة الثانوية، مجلة العلوم التربوية، جامعة جنوب الوادى.

تعريف علماء الاجتماع لمفهوم التنمر على أنه: “قوة من أي نوع يستخدمها فرد أو مجموعة ضد فرد أو مجموعة أخرى بداعي الخوف الناتج عن هذه القوة” (سعيفان، 2004).

أما مفهوم التنمر من منظور علماء النفس عُرف بأنه: “سلوك ناتج عن غريزة الفرد، يرافقه الكراهية وحب التدمير، ويهدف إلى تفريغ الطاقة العدائية المكبوتة داخل الفرد على الآخرين” (الشبيب، 2007).

ومن الناحية القانونية، عُرف التنمر بأنه: “الاعتداء البدني أو النفسي الذي يتسبب في تأثير أو ضرر مادي أو معنوي ويخالف القانون ويعاقب عليه” (الرقب، 2010).

بينما وصف الباحثون التنمر بأنه: “سلوك عدائي وغير مرغوب ينطوي على ممارسة العنف بشكل متكرر من قبل فرد تجاه شخص آخر، سواء كان ذلك عبر سلوك مادي أو لفظي، بهدف فرض السيطرة والهيمنة على الشخص الآخر”.

يلاحظ من السالف ذكره بأن جميع المفاهيم قد أجمعت على أن التنمر هو عبارة عن ممارسة العنف من قبل فرد تجاه الاخر خاصة بين طلاب المدارس والمراهقين ينبع من غريزة عدوانية يكون الهدف منه الحاق الأذى والضرر بالشخص المُعنَف، فهو يعتبر شكل من أشكال الإيذاء.[3]المساعيد، د. (2017). سبل مواجهة تنمر الطلبة من وجهة نظر مديري مدارس البادية الشمالية الشرقية (رسالة ماجستير).

 

ثانياُ – أنواع ظاهرة التنمر:

  • التنمر الجسمي: يشمل هذا النوع من التنمر أفعالاً مثل الضرب والصفع والقرص والرفس، بالإضافة إلى الإيقاع أرضاً أو السحب كما يمكن أن يتضمن إجبار الشخص على فعل شيء معين ضد إرادته.
  • التنمر اللفظي: يتمثل هذا النوع من التنمر في استخدام كلمات مهينة مثل السب والشتم واللعن، أو إثارة غضب الشخص وتهديده. يشمل أيضاً تعنيفه لفظياً أو نشر إشاعات كاذبة عنه، وإطلاق ألقاب ومسميات مهينة عليه، أو تسميته بأسماء عرقية مهينة.
  • التنمر الجنسي: يشمل هذا النوع استخدام أسماء جنسية مهينة أو كلمات قذرة، أو توجيه تهديدات ذات طابع جنسي، أو حتى اللمس بطرق غير لائقة أو التهديد بالممارسة الجنسية.
  • التنمر العاطفي والنفسي: يتمثل في أفعال مثل: المضايقة والتهديد والتخويف، إضافة إلى الإذلال والرفض من قبل الجماعة، هذا النوع من التنمر يهدف إلى إلحاق الأذى النفسي والعاطفي بالضحية.
  • التنمر في العلاقات الاجتماعية: يتضمن منع بعض الأفراد من المشاركة في أنشطة معينة بإقصائهم عن المجموعة، أو رفض صداقتهم، أو نشر شائعات مسيئة عنهم بهدف إبعادهم عن الآخرين
  • التنمر على الممتلكات: يشمل هذا النوع من التنمر الاستيلاء على ممتلكات الآخرين أو التصرف فيها دون إذن، أو عدم إرجاعها، أو إتلافها.[4] د.ريم الأنصاري ، شركة دراسة 2023

 

ثالثاُ – آثار ظاهرة التنمر:

للتنمر عواقب لا يمكن تجاهلها، بحيث يتوقع أن يشعر الضحية بضعف الثقة بالنفس وتدني احترامه لذاته كما يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب ومن الممكن في كثير من الحالات أن يتطور ليصل إلى مرحلة الانتحار. وبناءً على ذلك يمكن تقسيم آثار التنمر إلى عدة محاور:

الآثار النفسية للتنمر:

يُعد الأثر النفسي من أبرز الآثار الناتجة عن التنمر، كونه يسبب مشاكل نفسية عديدة لكل من المتنمر والمتنمر عليه، يشمل ذلك القلق، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، وعدم الأمان والطمأنينة، والشعور بالخجل والعار، كما قد يتحول الشخص المتعرض للتنمر إلى شخص عدواني، وقد يصل به الأمر إلى ممارسة التنمر على من هم أضعف منه.

الآثار الاجتماعية للتنمر:

يؤثر التنمر على العلاقات الاجتماعية للفرد، مما يجعله يميل إلى العزلة وعدم الرغبة في تكوين صداقات أو التواصل مع المجتمع وتجنب الآخرين، كما قد يؤدي إلى رغبته على البقاء في المنزل بدلاً من الخروج، ويتأثر أيضاً تفاعله مع أفراد أسرته وقد يهمل مظهره الخارجي. ناهيك عن ذلك، فإنه يمكن للتنمر أن يتسبب في تراجع التحصيل الدراسي إذا كان الفرد طالباً، أو في تدهور الأداء الوظيفي إذا كان بالغاً يعمل في وظيفة.[5]باجحزر، أ. (2022)، ماجستير التوجيه والإصلاح الأسري، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك … Continue reading

الآثار البدنية:

يؤدي التوتر الشديد الناجم عن التنمر إلى مشاكل صحية مختلفة، تشمل الصداع، وآلام المعدة، واضطرابات النوم، كما قد يؤثر التنمر على النمو البدني والتطور لدى الأطفال والمراهقين.

الآثار الاقتصادية والقانونية:

يمكن أن يتسبب التنمر في زيادة تكاليف الرعاية الصحية نتيجة للأثر النفسي والجسدي على الأفراد، كما قد يتطلب التنمر الشديد تدخلات تعليمية أو علاجية خاصة، مما يرفع من التكاليف. بالإضافة إلى ذلك، قد يتضمن التنمر قضايا قانونية، مثل الإجراءات القضائية ضد المعتدين إذا تجاوزت أفعالهم حدود القانون.

 

رابعاً – طرق علاج ظاهرة التنمر:

مراقبة الأبناء على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي:

من المهم أن يراقب الأهل نشاط أبنائهم على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والانتباه لأي سلوكيات غير عادية أو علامات تشير إلى التنمر، وكما يجب على الأهل أن يكونوا متيقظين للتغيرات في سلوكيات ابناءهم وأن يتحدثوا معهم إذا لاحظوا أي شيء مريب.

تجنب الفراغ واستثمار الطاقات:

يجب تجنب تركهم دون أنشطة، حيث يمكن للفراغ أن يؤدي إلى تصرفات سلبية، ينبغي استثمار طاقاتهم في البرامج والأنشطة التي تعود عليهم بالنفع، مثل الأنشطة الرياضية، والفنية، والعلمية، التي تساهم في تنمية مهاراتهم وبناء شخصياتهم.

الانتباه لعلامات التنمر:

من الضروري الانتباه لأي علامات من علامات التنمر التي قد تظهر على الابن، وفي حال ظهور أي من هذه العلامات يجب الحديث مع الابن بهدوء وتفهم لمعرفة ما يحدث وكيفية التعامل معه. هذا يمكن أن يساعد في تحديد المشكلة في مراحلها المبكرة والتدخل بشكل فعال.

عرض المتنمر أو الضحية على أخصائي نفسي أو اجتماعي:

في حال التعرف على حالة تنمر، سواء كان هو المتنمر أو الضحية، يجب عرض الحالة على أخصائي نفسي أو اجتماعي، حيث يمكن لهؤلاء المختصين تقديم الدعم اللازم ومعالجة الأسباب الكامنة وراء سلوكيات التنمر أو آثارها.

تشريع قوانين صارمة:

يتوجب على الحكومات وضع قوانين صارمة لمعاقبة ممارسي التنمر بكافة أشكاله، وهذه القوانين يجب أن تكون واضحة ومطبقة بصرامة لضمان حماية الأفراد، والحد من انتشار سلوكيات التنمر.

حماية حقوق الضحايا وتعويضهم:

يجب أن تضمن الحكومات حماية حقوق الأفراد الذين يتعرضون للتنمر وتعويضهم عن الأضرار النفسية أو الجسدية التي تعرضوا لها، وهذا يشمل تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا لضمان تعافيهم وتجاوزهم للتجارب السلبية.

توفير مرشد اجتماعي في المدارس:

ينبغي أن يكون هناك مرشد اجتماعي في كل مدرسة لتعزيز أهمية التواصل مع الطلاب ومساعدتهم في حال تعرضهم لأي من أشكال العنف أو الأذى، المرشد الاجتماعي يمكنه تقديم الدعم اللازم والتدخل في الوقت المناسب لمعالجة القضايا المتعلقة بالتنمر.

إطلاق حملات توعية:

على الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات حماية الأسرة والأطفال أن تطلق حملات توعية لكافة الأعمار حول سلوك التنمر وأشكاله وطرق التعامل معه والوقاية منه، وهذه الحملات يجب أن تستهدف جميع أفراد المجتمع لتعزيز الوعي بمخاطر التنمر وأهمية مكافحته.[6]حديقة الإرشاد النفسي، التنمر أسبابه وأنواعه وطرق علاجه، 2018

باستخدام هذه التدابير المتكاملة والشاملة، يمكن للمجتمع أن يتصدى لمشكلة التنمر بفعالية أكبر، مما يساهم في خلق بيئة آمنة وصحية للأطفال والكبار على حد سواء.

 

الخاتمة:

بناء على ما سبق، يعتبر التنمر أحد التحديات الكبيرة التي تواجه العالم، لأن ما ينتج عنه من أضرار على الجاني والضحية لا يمكن حصرها كونها ستؤثر عليهم وعلى أسرهم وعلى كامل المجتمع، فمن الممكن أن يشعروا بالوحدة ولا يستطيعوا طلب المساعدة على الرغم من حاجتهم الماسة لها.

 

التوصيات:

  • إنشاء برامج توعوية للأفراد حول السلوكيات العدوانية وأسبابها ومدى الضرر الذي تلحقه بالمجتمع.
  • إعداد برامج دينية بهدف إرشاد الأفراد وتنمية الوازع الديني لديهم لتقليل سلوكياتهم السلبية.
  • تضمين المناهج التعليمية لظاهرة التنمر لتوعية الأطفال حولها لا سيما في المراحل الأولى للوعي والإدراك لديهم.
  • توعية الأسرة للعمل على احتضان طفلها المتنمر ومعرفة سبب هذا السلوك ومعالجته.
  • العمل على توعية الأفراد الذين يتعرضون للتنمر للتسلح بالثقة والشجاعة لمواجهة المتنمرين.
  • تشجيع ضحايا التنمر للذهاب إلى أخصائيين نفسيين وتوعيتهم بمدى أهميتهم.

 

بقلم الحقوقيتين: رهف قنابيط، ودعاء صوان

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 ياسر حسين عبد الله ، التنمر الالكتروني وأثره على المراهقين،2023 ،ص331.
2 شربت، أ. (2018)، التنمر المدرسي لدى طلاب المرحلة الثانوية، مجلة العلوم التربوية، جامعة جنوب الوادى.
3 المساعيد، د. (2017). سبل مواجهة تنمر الطلبة من وجهة نظر مديري مدارس البادية الشمالية الشرقية (رسالة ماجستير).
4 د.ريم الأنصاري ، شركة دراسة 2023
5 باجحزر، أ. (2022)، ماجستير التوجيه والإصلاح الأسري، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك عبد العزيز، المملكة العربية السعودية.
6 حديقة الإرشاد النفسي، التنمر أسبابه وأنواعه وطرق علاجه، 2018

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !