Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

من النزاع إلى التفاهم: كيف نحمي الطفل بعد الطلاق؟

من النزاع إلى التفاهم: كيف نحمي الطفل بعد الطلاق؟

(بقلم المحامي: عسكر الخطيب)

 

الطلاق، وإن كان في أحيانٍ كثيرة حلاً لإنهاء علاقة زوجية مضطربة، يترك خلفه ملفاً بالغ الحساسية: حضانة الأطفال. فبعد أن تتفرّق الطرق بين الزوجين، يبقى الطفل الرابط الأعمق بينهما، وفي كثير من الحالات، يتحوّل إلى محور نزاعٍ جديد، ربما أشدّ ضراوة من الخلافات التي سبقت الطلاق نفسه. السؤال الجوهري هنا هو: كيف يمكن أن نحمي الطفل من أن يكون الضحية الصامتة في هذه المعركة؟

 

أولاً – الحضانة في القانون الفلسطيني المطبَّق في الضفة الغربية

تُدار قضايا الحضانة في الضفة الغربية بموجب قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 61 لسنة 1976، وهو القانون الذي ما زال المرجع أمام المحاكم الشرعية في معظم المسائل الأسرية.

يعرف القانون الحضانة بأنها رعاية الصغير وتربيته وحفظه في سنواته الأولى، ويمنح الأولوية في ذلك للأم، ثم للنساء من جهة الأم، ثم الأب، ثم باقي الأقارب وفق ترتيب محدد.

لكن النص القانوني لا يقف عند الترتيب فحسب، بل يشترط في الحاضن صفات أساسية: أن يكون بالغاً، عاقلاً، قادراً على الرعاية، أميناً على الطفل، وألا يكون قد ارتكب ما يمس الشرف أو الأمانة.

ومع مرور الوقت، تطوّرت الممارسة القضائية في الضفة الغربية لتأخذ بـ مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، بحيث يمكن للقاضي تمديد حضانة الأم حتى بعد بلوغ الطفل السن المحددة، إذا تبيّن أن ذلك أكثر ملاءمة لاستقراره ونموه السليم. هذا التحول يشير إلى أن القضاء أصبح أكثر مرونة في تفسير النصوص بما يخدم الطفل قبل أي اعتبار آخر.

 

ثانياً – الحضانة ليست الولاية

من الأخطاء الشائعة بين الناس الخلط بين الحضانة والولاية. الحضانة تعني الإقامة والرعاية اليومية للطفل، بينما الولاية تشمل القرارات المصيرية مثل اختيار المدرسة، إدارة الأموال، والسفر.

في أغلب الحالات، تبقى الولاية للأب حتى لو كانت الحضانة للأم، وهو ما قد يخلق أحياناً صدامات بين الطرفين، خاصةً في قضايا السفر أو الانتقال من مدرسة إلى أخرى.

على سبيل المثال، قد ترغب الأم الحاضنة في الانتقال للعيش قرب أهلها لتوفير دعم اجتماعي أكبر، لكن الولي (الأب) قد يرفض ذلك بحجة أن الأمر يضر بمصلحة الطفل أو يعيق زياراته. هنا، يدخل الطرفان في نزاع قد يطول، بينما الطفل يجد نفسه عالقاً بين شد وجذب.

 

ثالثاً – آثار الطلاق على الطفل: ما بين القلق وفقدان الأمان

الأطفال بطبيعتهم يحتاجون إلى الاستقرار العاطفي والشعور بالأمان. بعد الطلاق، قد يتعرض الطفل لمشاعر القلق والحزن، وقد تظهر عليه تغيرات في السلوك مثل الانطواء أو العدوانية أو تراجع الأداء الدراسي.

وإذا أضيفت إلى ذلك الخلافات المستمرة بين الوالدين حول تفاصيل الحضانة أو النفقة أو مواعيد الزيارة، يصبح الوضع أكثر تعقيداً. لهذا، فإن التعامل مع الحضانة ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو مشروع طويل الأمد لحماية نفسية الطفل وصحته الاجتماعية.

 

رابعاً – كيف نحمي الطفل عملياً من آثار الطلاق؟

1. صياغة اتفاق حضانة واضح ومكتوب:

حتى لو أصدرت المحكمة حكماً بالحضانة، فإن وضع اتفاق مكتوب بين الوالدين حول تفاصيل المشاهدة والزيارات والأعياد والعطل المدرسية يقلل كثيراً من الخلافات المستقبلية. الاتفاق المكتوب يمنح الطرفين شعوراً بالالتزام، ويمنح الطفل جدولاً واضحاً يعرف من خلاله متى سيلتقي بكل طرف.

2. حماية حق الطفل في التواصل مع كلا الوالدين:

من أخطر الأخطاء استخدام الطفل كورقة ضغط أو وسيلة لمعاقبة الطرف الآخر. التواصل المنتظم مع كلا الوالدين هو حق أصيل للطفل، ويجب ألا يُحرم منه إلا إذا كان هناك خطر حقيقي على سلامته.

3. الاستقرار المكاني والتعليمي:

تغيير مكان السكن أو المدرسة بشكل متكرر بعد الطلاق قد يشعر الطفل بفقدان الجذور. الحفاظ على نفس البيئة السكنية والمدرسية قدر الإمكان يمنحه شعوراً بالأمان ويساعده على التكيف مع التغيرات الأسرية.

4. تقاسم النفقات بوضوح:

يجب أن تُحدد بوضوح التزامات كل طرف في النفقات التعليمية والصحية والمعيشية. وجود آلية دفع واضحة وتوثيق النفقات يجنب الكثير من النزاعات.

5. دعم نفسي واجتماعي:

توفير جلسات إرشاد نفسي أو أسري للطفل في فترة ما بعد الطلاق أمر مهم جداً. هذه الجلسات تساعده على التعبير عن مشاعره وفهم ما يجري حوله، وتقلل من فرص ظهور اضطرابات نفسية لاحقاً.

6. آليات لحل الخلافات بسرعة:

إدراج بند في اتفاق الحضانة يلزم الطرفين بمحاولة الوساطة أو التحكيم العائلي قبل اللجوء إلى المحكمة يمكن أن يختصر الكثير من الوقت ويقلل من حدة النزاعات.

 

خامساً – ما الذي يمكن تطويره على مستوى القانون والسياسات؟

  • إعادة النظر في نظام الولاية: منح الأم الحاضنة صلاحيات أوسع في القرارات اليومية والمصيرية للطفل يقلل من الخلافات، خصوصاً في قضايا التعليم والسفر.
  • تعزيز مبدأ المصلحة الفضلى للطفل: وضع معايير واضحة ومحددة لتقييم هذه المصلحة، مثل تقارير الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، يقلل من التقديرات الشخصية للقاضي.
  • توفير خدمات دعم أسري داخل المحاكم: وجود وحدات للإرشاد الأسري والوساطة في المحاكم الشرعية يمكن أن يحل كثيراً من النزاعات قبل وصولها إلى قاعة المحكمة.
  • التوعية المجتمعية: نشر كتيبات ودورات توعوية حول حقوق وواجبات الأهل بعد الطلاق يساعد على خلق وعي قانوني وثقافي يقلل من النزاعات.

 

سادساً – نحو ثقافة تفاهم تحمي الطفل

إن حماية الطفل بعد الطلاق لا تعني فقط منحه مكان إقامة، بل تعني قبل كل شيء ضمان بيئة نفسية واجتماعية مستقرة. هذا يتطلب من الوالدين تجاوز خلافاتهما الشخصية والنظر إلى مصلحة الطفل بوصفها الهدف الأول.

حين يتفق الوالدان على قواعد واضحة، ويتعاملان مع بعضهما باحترام، ويتجنبان إقحام الطفل في صراعاتهما، فإنهما يضعان أساساً متيناً لنمو طفل سليم نفسياً واجتماعياً.

التفاهم ليس تنازلاً، بل هو انتصار لصالح الطرف الأضعف: الطفل. وكلما كان هذا التفاهم مبنياً على الثقة والاحترام، كان أثره أعمق وأطول أمداً في حياة الصغير.

 

بقلم المحامي: عسكر الخطيب

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !