مجالات تطبيق الوكالة الدورية غير القابلة للعزل
مجالات تطبيق الوكالة الدورية غير القابلة للعزل
(بقلم المحامية: يسرى رياض يونس)
تُعدّ الوكالة الدورية غير القابلة للعزل من المواضيع ذات الأهمية البالغة في المجال القانوني، نظراً لما تثيره من إشكاليات عملية وقانونية، خاصة فيما يتعلق بحدود التزام الموكل والوكيل، ومدى استمرارية هذه الوكالة رغم إرادة العزل أو الوفاة. ويكتسب هذا النوع من الوكالات خصوصية عندما يتعلق بالتصرفات المتكررة سواء في المنقولات أو العقارات، مما يستدعي دراسة متأنية لطبيعتها وأحكامها. وفي هذا الإطار، سيتم تقسيم المقال إلى قسمين: يتناول أولاً الوكالة الدورية غير القابلة للعزل في المنقولات، ثم يُخصص ثانياً لدراسة هذا النوع من الوكالات في العقارات، بهدف الإحاطة بالأبعاد القانونية والعملية لكل منهما.
أولاً – الوكالة الدورية غير القابلة للعزل في المنقولات
كون أن الوكالة الدورية ووفق ما تم الإشارة اليه سابقاً فإنها هنا ترد على حق مشروع غير مخالفاً للقواعد القانونية وكما لا بد أيضاً من أن يكون ذو قابية للإنابة سواء كان هذا الحق هنا منقولاً أو غير منقولاً كما أنه يمكن أن يكون هنا الحق إما حقاً شخصياً، أو حقاً عينياً، أو حقاً معنوياً، فهنا تعتبر الوكالة الدورية عقد ونوع من أنواع عقد الوكالة. الا أنها هنا فإن ما يميزها عن غيرها هو تعلق للغير حقاً بها.
وهنا فإن مجلة الأحكام العدلية لم تقم بالتفرقة بين الوكالة الدورية سواء كان محلها منقول أم غير منقول، بل كونها متعلق بها حق الغير بها فقط علق العزل على ذلك. وهذا ما أخذ به القانون الأردني أيضاً حيث قام بتناول ذلك والإشارة اليه في نصوص مواده حيث إنه لم يقم بالتفرقة بين المنقول وكذلك غير المنقول. كما أيضاً لم يقم بتحديد أي نوعاً من الوكالات وإنما ترك النص عاماً يكون بذلك قد شمل جميع الحقوق وهذا ما نستنتجه من النص التالي: “للموكل ان يعزل وكيله متى أراد الا إذا تعلق بالوكالة حق للغير او كانت قد صدرت لصالح الوكيل فانه لا يجوز للموكل ان ينهيها او يقيدها دون موافقة من صدرت لصالحه”.[1]المادة 863 من القانون المدني الأردني
إن بعض المنقولات تحتاج إلى شكليه معينه عند نقل الملكية وبعض الآخر لم يشترط له شكليه عند نقل الملكية. وعليه فإن في نقل الملكية الخاصة بالسيارات عند البيع فإنه لا بد أن يتم أمام دائرة التسجيل المختصة، بذلك أي إجراء خارج هذه الدائرة يكون باطل.[2]المادة 4\1 من قانون السير الأردني في هذه الحالة، يمكن أن يتم تنظيم وكالة دوريه وذلك من أجل المحافظ على حقوق المشتري، وهنا فإن الشخص المشتري يستطيع أن يقوم بالتنازل عن السيارة موضوع الوكالة لمن يريد وهذا بموجب الوكالة الدورية التي تم منحه إياها من قبل البائع (الموكل).
أما فيما يتعلق بالمنقولات التي لم يشترط القانون شكليه خاصه بها، ولكن تكون محل الوكالة غير القابلة للعزل كأن يقوم شخص بشراء أدوات بناء من مؤسسه تقوم ببيعها ويرغب بالاستلام في موعد البدء بالعمل، فهنا يكون المشتري بترك المبيع لدى الشخص البائع وتكون وديعة لدى البائع وذلك لضمان حقه. في هذه الحالة، يطلب من البائع أن يقوم بمنحه وكالة دورية وذلك لتثبت له حقه وهذا يندرج تحت موضوع المادة 863 من القانون كونه نص عام.
ثانياً – الوكالة الدورية في العقارات
في هذا الإطار فإننا كما أشرنا سابقاً فإن المادة 863 كانت قد تحدث عن الوكالة الدورية بعمومية النص، وهذا يدل على التوكيل يجوز أن يكون في العقارات أيضاً، الا أنه يشترط أن يكون العقار قابلاً للإنابة. أصدر المشرع الأردني قوانين خاصة بهذا النوع من الوكالات، والمقصود به هنا الوكالة الدورية في العقارات، والتي من بينها القانون المتعلق بالأموال غير المنقولة رقم 51 لسنة 1958 حيث تضمنت نصوص مواده التالي:
” أ – الوكالات ببيع أو إفراغ أموال غير منقولة التي ينظمها أو يصدقها كتاب العدل داخل المملكة أو التي ينظمها أو يصدقها قناصل المملكة الأردنية الهاشمية والقناصل الذين لهم صلاحية مماثلة بموجب ترتيب خاص وكتاب العدل خارج المملكة الأردنية الهاشمية لتمكين الوكيل من بيع وفراغ أموال غير منقولة إلى شخص آخر لدى دوائر تسجيل الأراضي تعمل بها دوائر التسجيل خلال سنة واحدة من تاريخ تنظيمها أو تصديقها وتعتبر ملغاة إذا لم تنفذ أحكامها لدى الدوائر خلال المدة المذكورة. أما الوكالات المنظمة أو المصدقة قبلاً فتعتبر ملغاة إذا لم تنفذ أحكامها خلال سنة واحدة من تاريخ نفاذ هذا القانون وإذا كانت أية مدة مما عينتها المادة السادسة من قانون تعديل الأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة رقم (35) لسنة 1946 آخذة في المضي عند بدء العمل بهذا القانون فينتهي أجلها بانتهاء تلك المدة. ولا يدخل في حساب السنة أو المدة المتبقية أية مدة تنشأ عن تأخر يقع في معاملة البيع والفراغ وتكون دائرة التسجيل مسئولة عنه.
ب- الوكالات التي ينظمها أو يصدقها الموظفون المذكورون في الفقرة السابقة والمتضمنة بيع وفراغ الأموال غير المنقولة والمتعلق بها حق الغير كقبض الثمن واجبة التنفيذ في جميع الأحوال لدى دوائر التسجيل والمحاكم في خلال سنة واحدة من تاريخ تنظيمها أو تصديقها وكذلك الوكالات المنظمة أو المصدقة قبلاً واجبة التنفيذ خلال مدة سنة واحدة من تاريخ نفاذ هذا القانون سواء أعزل الموكل الوكيل أم توفي الموكل أو الوكيل وفي حالة وفاة الوكيل تقوم دائرة تسجيل الأراضي بإتمام معاملة البيع أو الفراغ وتكون دائرة التسجيل مسئولة عنه.
ج- لا تسري أحكام هذه المادة على الوكالات التي تنتهي قبل نفاذ هذا القانون.
د- إذا ورد نص في الوكالة يحدد مده العمل بها أقل من سنه فهنا يتم العمل بهذا النص.
ه- لا يجوز أن تتضمن الوكالة المشار اليها في هذه المادة أي نص يخول الوكيل حق توكيل غيره ، ولا يعمل بأي نص يخالف أحكام هذه الفقرة ورد في أي وكالة نظمت قبل نفاذ هذا القانون”.[3]المادة 11 من القانون المتعلق بالأموال غير المنقولة رقم ( 51 ) لسنة (1958).
واستناداً الى المادة المذكورة أعلاه فإننا نستنتج ما يلي:-
- بالعودة الى الفقرة الأولى من المادة المذكورة أعلاه فإننا نجد أن المشرع كان قد قام بحصر المدة المتعلقة بصلاحية الوكالة والتي تتعلق بالبيع والفراغ بخمس سنوات، حتى لو لم يعلق للغير حق بها وكانت قابلة للعزل وذا يكون دون أن يتم حساب المدة التي كانت قد تسببت في تأخير تسجيلها.
- إن صلاحية الوكالة غير القابلة للعزل والتي يتعلق للغير حقاً بها هي خمس سنوات، وهذه المدة خاصة بالوكالة الخاصة ولا تسري هذه المدة على الوكالة العامة التي تكون موضوعها بيع ونقل ملكيه الأموال غير المنقولة.
- في حال تحقق وفاة الوكيل فإنه هنا تقوم مكانه دائرة التسجيل وذلك في الفراغ وأيضاً النقل.
- يجوز للأطراف الاتفاق على مدة اقل من خمس سنوات وتنتهي الوكالة بموجب المدة المتفق عليها.
نلاحظ أن المادة السابقة كانت قد حصرت الوكالة هنا فقط بالوكالة الدورية غير القابلة للعزل وذلك كونه يتعلق بها حقاً خاصاً بالغير إذ أنها لم تشمل الحق الخاص بالوكيل وجاء ذلك خلافاً للمادة 863 من القانون المدني الأردني.
وعليه ومن وجهة النظر الخاصة بالباحثة فإنها ترى هنا ان السبب في ذلك يكمن في أن القانون المدني هو قانون عام كان قد قام بمعالجة الوكالات التي يتعلق للغير حق بها سواء كان ذلك بالمنقولات أم العقارات. أما المادة 11\ب كانت قد قامت بتناول موضوع البيع والفراغ وذلك بالأموال غير المنقولة، ولكن هذا لا يدل على أن الوكالة الدورية اذا لم يكن موضوعها الأموال غير المنقولة تكون باطله وغير صحيحه، حيث أنه كان قد ورد عن محكمة التمييز الأردنية: ” ورد نص المادة (863) من القانون المدني مطلقاً ولم يحدد نوع المال الذي ترد عليه وليس صحيحاً أن الوكالة المتعلقة بها حقاً للغير أو التي تصدر لصالح الوكيل لا تكون صحيحه الا اذا انصبت على الأموال الغير المنقولة”.[4]تمييز حقوق، رقم16\98 مجلة نقابة المحاميين، العدد 10،11 لسنة 1998 ص3577
ومن هنا نستنتج أن المدة المتعلقة بالوكالة غير القابلة للعزل التي محلها عقارات من المادة 11 من القانون المعدل للأموال غير المنقولة رقم 51 لسنة 1958. أما نص المادة 863 من القانون المدني الأردني قامت بتخصيص ذلك بالعقارات والمنقولات، إلا أنها هنا كانت قد تركت النص بعمومه فيما يتعلق بباقي أنواع الأموال، أيضاً اقتصرت المادة 11\ب على الوكالات غير القابلة للعزل وذلك لوجود حقاً متعلق بالغير، والذي لا يعتبر طرفاً في عقد الوكالة وقامت باستثناء الحق الخاص بالوكيل.
بقلم المحامية: يسرى رياض يونس
مواضيع أخرى ذات علاقة: