Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

بحث قانوني حول مبدأ الحلول في قانون التأمين

بحـث قانـوني حول

“مبـدأ الحلـول في قانـون التأميـن”

(بقلم المحامية: أسماء بسام عيسة)

 

ملخص

يستهدف هذا البحث دراسة مبدأ الحلول في التأمين من خلال مقارنة قانونية بين النظامين القانونين الفلسطيني والمصري. فيعتبر مبدأ الحلول أداة حيوية تضمن حقوق شركات التأمين وتساعد في تحقيق العدالة، حيث يسمح لشركة التأمين باسترداد المبالغ المدفوعة كتعويضات من الأطراف المسؤولة عن الخسارة.

فتثور مسألة حلول المؤمن وهي شركة التأمين محل المؤمن له عندما يتحقق الخطر ويكون بفعل الغير، والمسؤولية قد تكون تعاقدية أو تقصيرية يترتب عليها الحق للمؤمن له أن يطالب بالتعويض عما أصابه من ضرر وفقا لقواعد المسؤولية المدنية. إلا أن المؤمن له لا يستطيع الجمع بين مبلغ التعويض ومبلغ التأمين لأن ذلك يعد إثراء بلا سبب وهذا مخالف للمبادئ العامة في المسؤولية المدنية الذي يقر بأن التعويض يجب أن يكون بدون زيادة أو نقصان. لذلك ظهر مبدأ الحلول لحل هذه الإشكاليات التي تظهر في الواقع العملي عند تطبيق قواعد التأمين.

يتناول البحث الإطار النظري لمبدأ الحلول ويستعرض النصوص القانونية ذات الصلة في كلا النظامين, مشيرا إلى الفروقات والتحديات التي تواجه تطبيق المبدأ في كل منهما.

تستخدم مجموعة من المناهج البحثية، منها المنهج الوصفي والتحليلي والمقارن، كما يشمل البحث قرارات قضائية توضح كيفية تطبيق المبدأ في الواقع العملي.

في الختام، يقدم البحث توصيات لتحسين تطبيق مبدأ الحلول وتعزيز فعالية النظام القانوني في كل من فلسطين ومصر, مما يسهم في تطوير الأطر القانونية ورفع مستوى الحماية القانونية للمؤمن لهم ولشركات التأمين.

 

مقدمة

يعد مبدأ الحلول أحد المبادئ الأساسية في قانون التأمين، حيث إنه يلعب دورا هاما في ضمان حقوق المؤمن له وشركات التأمين على حد سواء. إن مفهوم مبدأ الحلول بشكل عام يعبر عن إمكانية شركات التأمين استرداد المبالغ المدفوعة كتعويض من الأطراف المسؤولة عن الخسارة.

يقوم هذا البحث بشكل أساسي على المقارنة بين القانونين الفلسطيني والمصري من حيث أساس مبدأ الحلول وتنفيذه. في القانون الفلسطيني فإن مبدأ الحلول أقل وضوحا من القانون المصري، وذلك لعدم وجود أساس في القانون المدني الفلسطيني لمبدأ الحلول، فإن ذلك يحدث مشاكل في التطبيق.

أما في القانون المصري فإن قانون التأمين يتسم بتطورات تاريخية متعددة ووجود أساس في القانون المدني لمبدأ الحلول أدت إلى تشكيل إطار قانوني يتضمن هذا المبدأ.

تتجلى أهمية هذا البحث في تقديم تحليل شامل لمبدأ الحلول في التأمين من خلال مقارنة القانونين الفلسطيني والمصري. ويهدف البحث إلى تسليط الضوء على الفروقات القانونية، والتحديات التي تواجه التطبيق العملي.

ستتم دراسة مبدأ الحلول بإطاره القانوني، وتوضيح إشكالية تطبيقه على أرض الواقع، والتحديات التي تعوق فعاليته. فمن خلال هذه الدراسة تأمل الباحثة في تقديم مساهمة للمعرفة القانونية وتطوير الأطر القانونية في كل من مصر وفلسطين، مما يسهم في تحقيق الفعالية في نظام التأمين.

إشكالية البحث:

تتمثل إشكالية البحث في فهم كيفية تطبيق مبدأ الحلول في قانون التأمين، وأيضا في دراسة أساس المبدأ ودعوى الحلول وإشكالية التنفيذ مع التركيز على التحديات القانونية والاجتماعية التي تعوق فعالية هذا المبدأ.

أسئلة البحث:

  • ما هو مبدأ الحلول وما هي أسسه القانونية في كل من القانون المصري والفلسطيني؟
  • كيف يتم تعريف مبدأ الحلول في التشريعات المختلفة؟
  • كيف يتم تطبيق مبدأ الحلول في الواقع العملي في كل من فلسطين ومصر؟
  • ما هي الإجراءات لرفع دعوى الحلول من قبل شركات التأمين؟
  • ما هي التحديات القانونية التي تواجه تطبيق مبدأ الحلول؟
  • هل هناك فروقات واضحة في نصوص القانونين الفلسطيني والمصري تتعلق بمبدأ الحلول؟
  • ما هي التوصيات اللازمة لتطوير الأطر القانونية وتعزيز فعالية مبدأ الحلول؟

أهمية البحث:

تبرز أهمية البحث في فهم مبدأ الحلول من حيث مفهومه وتوضيح أهمية المبدأ في نظم التأمين، ويوفر البحث تحليلا شاملا للإطار القانوني لمبدأ الحلول في كل من القانون المصري والقانون الفلسطيني. ويكشف البحث عن التحديات القانونية والعملية التي تواجه تطبيق مبدأ الحلول.

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى:

  • تحليل مبدأ الحلول: دراسة مبدأ الحلول وأبعاده القانونية في كل من القانون الفلسطيني والمصري.
  • مقارنة الأنظمة القانونية: إجراء مقارنة شاملة بين أساس وكيفية تطبيق مبدأ الحلول في كلا النظامين.
  • التعرف على التحديات القانونية والاجرائية التي تواجه تطبيق مبدأ الحلول.
  • تقديم توصيات عملية لتحسين تطبيق مبدأ الحلول.

منهج البحث:

سيتم اتباع منهج بحثي شامل يتضمن مجموعة من الأساليب والطرق لغايات تحقيق أهداف البحث، مثل:

  • المنهج الوصفي: سيتم استخدام المنهج الوصفي لوصف وتحليل النصوص القانونية المتعلقة بمبدأ الحلول في كل من القانون الفلسطيني والمصري.
  • المنهج التحليلي: سيتم تحليل بعض القضايا القانونية ذات الصلة بمبدأ الحلول من خلال دراسة أحكام قضائية لحالات واقعية.
  • المنهج المقارن: سيتم مقارنة تطبيق مبدأ الحلول في كل من القانون الفلسطيني والقانون المصري، مع التركيز على الفروقات في النصوص القانونية, والأثر القانوني.

الدراسات السابقة:

  • (حقوق المؤمن المترتبة على دفعه التعويض), رسالة ماجستير للباحثة هدى عبد الفتاح تيم أتيرة، حيث تناولت في رسالتها الحديث عن عقد التأمين من حيث حقوق المؤمن والتزاماته بدفع مبلغ التعويض عند حلول الخطر المؤمن منه، وبالتالي يكون له الحق بالحلول محل المؤمن له بمطالبة المتسبب بما دفعه من ضمان.
  • (حلول المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على الغير المسؤول عن تحقق الخطر)، رسالة ماجستير للباحث أيمن هلسا، وقد تحدث في رسالته عن مفهوم الحلول وأنواعه وهي الحلول الشخصي والحلول العيني، وفرق بين الحلول والدعوى المباشرة في التأمين من المسؤولية، وقد تناول الحديث أيضا عن الحلول الاتفاقي.

خطة البحث:

المبحث الأول: الإطار النظري لمبدأ الحلول.

  • المطلب الأول: مفهوم الحلول في عقد التأمين.
  • المطلب الثاني: شروط مبدأ الحلول.

المبحث الثاني: دعوى الحلول.

  • المطلب الأول: الأساس القانوني لدعوى الحلول.
  • المطلب الثاني: مرور الزمن في دعوى الحلول.

الخاتمة

التوصيات

المصادر والمراجع

 

المبحث الأول

الإطار النظري لمبدأ الحلول

يعتبر مبدأ الحلول في قانون التأمين قاعدة أساسية تؤثر بشكل فعال على كيفية تنظيم وتطبيق سياسات التأمين في فلسطين وغيرها من الدول.

سيتناول المبحث الأول الحديث عن الإطار النظري لمبدأ الحلول، وتم تقسيمه إلى مطلبين في المطلب الأول تحدث الباحث عن مفهوم مبدأ الحلول في التأمين، وفي المطلب الثاني عن الأساس القانوني لمبدأ الحلول.

 

المطلب الأول

مفهوم مبدأ الحلول

يعتبر مبدأ الحلول من المبادئ الأساسية لعقد التأمين ومعناه أن يحل المؤمن محل المؤمن له في حالة تحقق خسارة ترتب بموجب العقد دفع تعويض للمؤمن له بواسطة المؤمن وكان هنالك طرف ثالث وهو المتسبب بوقوع تلك الخسارة، فيكون بموجب هذا المبدأ الحق بأن يحل المؤمن محل المؤمن له في مطالبة الطرف الثالث بمبلغ التعويض.[1]د. جنامي عبد اللطيف، “التكامل الإسلامي والتأمين المعاصر”. من أعمال الندوة الفقهية لبيت التمويل. ص253.

فإن مبدأ الحلول سواء كان اتفاقي أو قانوني، يفترض أن الغير قد وفى دين الدائن بدلا من المدين الأصلي, ولكن في عقد التأمين لا يعتبر المؤمن من الغير لأنه يرتبط بالمضرور وهو يلتزم بالتعويض عند تحقق الخطر فإنه بذلك يفي بدينه والتزامه هو لا بدين والتزام المدين, لذلك ووفقا لمبدأ الحلول يحق للمؤمن الرجوع على من تسبب في الضرر للمطالبة بمبلغ التعويض.

فيمكن تعريف مبدأ الحلول على أنه “الحق الذي يخول شركة التأمين نقل حقوق المؤمن له ضد الغير إلى الشركة بعد دفع التعويض، مما يمكنها من المطالبة بالتعويض من المسؤول عن الضرر”.[2]السنهوري، عبدالرزاق. “الوسيط في شرح القانون المدني”. القاهرة: دار النهضة العربية. 2005.

وقد نصت المادة (14) من قانون التأمين الفلسطيني على أنه :”يجوز للمؤمن إذا دفع تعويضا عن الضرر أن يحل محل المؤمن له في الدعاوى التي تكون للمؤمن له قبل من تسبب في الضرر الذي حدثت عنه مسؤولية المؤمن بما دفعه من ضمان، ما لم يكن من أحدث الضرر غير المتعمد من أصول المؤمن له وفروعه أو من زوجه أو شخصا يكون المؤمن له مسؤولا عن أفعاله”.

إذ أن نص المادة أجاز حلول المؤمن محل المؤمن له في مطالبة متسبب الضرر بالتعويض عما دفعه للمؤمن له.

وبالرجوع إلى نص المادة (14) التي تم ذكرها سابقا, نجد أنه ليس للمؤمن له الرجوع على مؤمنه وعلى مسبب الضرر في ذات الوقت, فالتأمين هدفه جبر الضرر  فلن يسمح المشرع للتأمين أن يكون وسيلة للإثراء, كما وأن المبدأ العام يقضي بعدم جواز استيفاء أكثر من تعويض عن ذات الضرر أو زيادة مبلغ التعويض عن قيمة الضرر الحاصل, وذلك لأن التزام شركة التأمين بالتعويض أصيل, وأن مسبب الضرر يلتزم بالتعويض كذلك وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية, لذا جرت أغلب قوانين التأمين ومنها الفلسطيني على مبدأ الحلول باعتباره الأقل ضررا في سبيل حل إشكالية الجمع بين مبلغ التأمين ومبلغ التعويض.

ويقصد بالحلول أيضا التبديل أو التغيير في العلاقة القانونية، فإذا تم ذلك عن طريق إحلال شخص محل آخر، كان الحلول شخصيا.[3]عادي، سمير صادق: “حلول المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على المسؤول عن تحقق الخطر في القانونين الأردني … Continue reading

والحلول يكون في تأمين الأضرار دونا عن تأمين الأشخاص وذلك لأن في تأمين الأشخاص يكون

 الجمع بين الدعويين ليس له علاقة بالصفة التعويضية، لأن حياة الإنسان وجسده لا تقدر بثمن، لذلك يجوز للمؤمن أن يجمع بين مبلغ التأمين الذي يحصل عليه من شركة التأمين مقابل ما دفعه من أقساط, ومبلغ التعويض الذي يحصل عليه من الغير المسؤول عن إحداث الضرر.[4]سرحان، عدنان إبراهيم: “رجوع المؤمن على الغير المسؤول عن الضرر(دراسة في القانونين الإماراتي والفرنسي). مجلة … Continue reading

وتبعا لذلك لا يجوز للمؤمن الحلول محل المؤمن له في مطالبة غير المتسبب عن التعويض في التأمين على الأشخاص.[5]نصت المادة (39) من قانون التأمين الفلسطيني على أنه “في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ … Continue reading

أما في التأمين على الأضرار، فإنه يقوم على الصفة التعويضية، فلا يجوز للمؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين ومبلغ التعويض لأن ذلك يعد إثراء بلا سبب على حساب شركة التأمين.

وقد قضت محكمة النقض المصرية في حكم لها، أن شركة التأمين تحل محل المؤمن له في الرجوع إلى الغير المتسبب بالضرر المشمول في التأمين، وأساس الدعوى تحددها طبيعة العلاقة بين المؤمن له والغير المتسبب بالضرر، فتكون إما على أساس المسؤولية العقدية، أو على أساس المسؤولية التقصيرية.[6]حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم (3169) لسنة 73 والصادر بتاريخ 6/3/2013. موقع البوابة القانونية لمحكمة النقض … Continue reading

ولمبدأ الحلول في التأمين أهمية كبيرة من عدة نواح أهمها:

  • ضمان تفعيل مبدأ الصفة التعويضية، وذلك لأن المؤمن لا يستطيع الجمع بين مبلغ التأمين ومبلغ التعويض، فيحل المؤمن محل المؤمن له للمطالبة بالتعويض، ومن جهة أخرى لا يحدث إثراء على حساب شركة التأمين.
  • يعمل مبدأ الحلول على تشجيع المؤمن بالقيام بالتزاماته تجاه المؤمن له.
  • ضمان مساءلة غير المتسبب بالضرر، وتحمله أثر ضرره بدفعه للتعويض.
  • منع تواطؤ المؤمن له مع الغير مسبب الضرر، للإضرار بالمؤمن له لكي يحصل على مبلغ التأمين.

 

المطلب الثاني

شروط مبدأ الحلول في عقد التأمين

إن مبدأ الحلول كغيره من المبادئ يوجد له عدة شروط لكي يتم تطبيقه، خاصة في دعاوى الحلول، فقد بين الباحث الشروط على النحو الآتي:

  • أن يكون التأمين هو نوع من تأمين الأضرار، حيث تنطبق عليه الصفة التعويضية، وذلك لأن مبدأ الحلول أساسه منع المؤمن له من التعويض مرتين، وهذا يتنافى مع تأمين الأشخاص لذلك لا ينطبق عليه مبدأ الحلول.[7]النعيمات، موسى جميل: النظرية العامة من المسؤولية المدنية. (رسالة دكتوراة منشورة). ط1. عمان: الأردن. دار الثقافة … Continue reading وكذلك منع المشرع في قانون التأمين الفلسطيني المؤمن الذي دفع مبلغ التأمين الحلول محل المؤمن له أو المستفيد قبل المتسبب بالحادث في التأمين من الأشخاص، وهذا ما نصت عليه المادة (39) من قانون التأمين الفلسطيني[8]نصت المادة(39) من قانون التأمين الفلسطيني على أنه :”في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ … Continue reading، ويقابها نص المادة (765) من القانون المدني المصري[9]نصت المادة (765) من القانون المدني المصري على أنه :” في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ … Continue reading.
  • ألا يكون مسبب الضرر من الأشخاص الممنوع الرجوع إليهم لمطالبتهم بالتعويض عن الضرر الذي سببه للمؤمن له. وهذا الشرط يتضح في الشق الأخير من نص المادة (14) من قانون التأمين الفلسطيني، وأيضا نص المادة (771) من القانون المدني المصري.[10]نصت المادة (771) من القانون المدني المصري على أنه :”يحل المؤمن قانونا بما دفعه من تعويض عن الحريق في الدعاوى … Continue reading
  • دفع التعويض من قبل المؤمن للمؤمن له أو للمستفيد، عن الخطر الذي حصل نتيجة وقوع الخطر المؤمن منه[11]أتيرة، هدى عبد الفتاح : حقوق المؤمن المترتبة على دفعه التعويض. (رسالة ماجستير منشورة). جامعة النجاح الوطنية. … Continue reading. وقد رفض القضاء المصري استناد شركات التأمين إلى القواعد العامة في الحلول القانوني كأساس لدعواها في الرجوع على الغير المسؤول عن الضرر المؤمن منه إذا لم يتحقق شرط دفع مبلغ التأمين للمؤمن له , حيث قضت محكمة النقض المصرية بأنه :”لا محل لتأسيس حق الشركة المؤمنة في الرجوع على الغير المسؤول عن الحادث على أساس الحلول, ذلك أن رجوع المؤمن على المدين بدعوى الحلول يقتضي أن يكون المؤمن قد وفى الدائن بالدين المترتب في ذمة المدين, لا بدين مترتب في ذمته هو, مما لا يتحقق بالنسبة لشركة التأمين، إذ إن وفاءها بمبلغ التأمين يستند إلى الالتزام المترتب في ذمتها للمؤمن له بموجب عقد التأمين”.[12]نقض مدني 20 ديسمبر 1962, طعن 218, س27ق، مجموعة أحكام النقض، لسنة13, رقم 185, ص1166.
  • إن حق الحلول يكون فقط بالأضرار المادية التي تلحق بالمركبة، أما الأضرار الجسدية فإن كل مركبة مسؤولة عن الركاب الموجودين داخلها بغض النظر إن كان هناك خطأ من جانب المؤمن له أم لم يكن[13]انظر إلى حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 1815/2017 الصادر بتاريخ 30/9/2021..

تجدر الإشارة أن الواقع العملي الذي يجري العمل عليه داخل المحاكم الفلسطينية، لا يشترط وجود دعوى مسؤولية فعلا مقامة أمام المحاكم سواء قد صدر بها حكم أم لا، ولكنه يملك الحق في إقامة الدعوى على أساس المسؤولية التقصيرية.

 

المبحث الثاني

دعوى الحلول في التأمين

كأصل عام، يجب أن يكون هنالك دعوى مسؤولية للمؤمن له قبل من تسبب بالضرر الذي نجمت عنه مسؤولية المؤمن، وبناء عليه يحل المؤمن محل المؤمن له في دعوى المسؤولية، حيث إنه لا يوجد حلول دون إثبات مسؤولية الشخص الآخر على أنه متسبب بوقوع الضرر[14]العطير, عبد القادر: التأمين البري في التشريع. ط10. دار الثقافة للنشر والتوزيع. عمان: الأردن. 2012. ص236..

إلا أن الواقع العملي لا يشترط ذلك كما ذكر سابقا.

سيتم دراسة هذا المبحث بموجب مطلبين ففي المطلب الأول تناولت الباحثة الحديث عن الأساس القانوني لدعوى الحلول، وتناولت في المطلب الثاني موضوع مرور الزمن في دعوى الحلول.

 

المطلب الأول

الأساس القانوني لدعوى الحلول

تشكل الإشكالية بين الأساس القانوني والتنفيذ في فلسطين عائقا أمام تطبيق مبدأ الحلول بشكل فعال، وذلك لأن قانون التأمين الفلسطيني يتبنى مبدأ الحلول دون وجود أساس قانوني في القانون المدني الفلسطيني أي في مجلة الأحكام العدلية، فكان الأولى أن يضع المشرع قانون مدني يؤسس لأي مبدأ تقوم عليه القوانين الأخرى، من أن يصوغ قانون التأمين ومبادئه دون وجود قاعدة تبنى عليها هذه المبادئ.

فإن مبدأ الحلول في قانون التأمين تم استنساخه من قوانين أخرى مثل القانون المصري، دون التحقق من توافقه مع السياق الفلسطيني.

وإن كل ذلك يخلق آثار عديدة ومنها أن تطبيق مبدأ الحلول قد يواجه تعارضا من القوانين الأخرى، مما يؤدي ذلك إلى تعقيد التنفيذ والتقاضي.

وإن غياب الأساس الواضح في القانون المدني يؤدي إلى تفسيرات عديدة في المحاكم.

إن مبدأ الحلول لا أساس له في القانون المدني، وهذه من العقبات –نظريا- التي يواجهها تطبيق القوانين الخاصة في فلسطين وهو عدم تشريع قانون مدني معاصر يوضح المبادئ والمفاهيم الأساسية التي ترد أحيانا في القوانين، وهو مبدأ موجود في القانون المدني المصري[15]نصت المادة (771) من القانون المدني المصري على أنه :”يحل المؤمن قانونا بما دفعه من تعويض عن الحريق في الدعاوى … Continue reading

وقد أخذه المشرع الفلسطيني عنه، إلا أن مجلة الأحكام العدلية لم تبينه، وعليه وإن كان صالحا لوضع حل للإشكاليات المطروحة وللتطبيق العملي إلا أنه لا يستند إلى أساس قانوني، فكان أولى بالمشرع قبل إصدار أي تشريع, إصدار تشريع مدني.

 إن دعوى الحلول تعتبر أساس بحد ذاتها، وقامت بناء عليها التشريعات بإيراد نصوص صريحة بقوانينها لتنظيمها[16]سرحان، عدنان إبراهيم: مرجع سابق. ع1. 2003/ ص212..

وتأسيسا على ذلك، أعطى التشريع الفلسطيني والتشريعات المختلفة الحق للمؤمن بالحلول محل المؤمن له للمطالبة بالمبالغ التي دفعها المضرور، وذلك وفقا لصريح المادة (14) من قانون التأمين الفلسطيني, والمادة (771) من القانون المدني المصري اللتان تم ذكرهما سابقا.

وجاء في حكم لمحكمة النقض الفلسطينية أنه :”أما بخصوص حلول المؤمن محل المؤمن له قبل المتسبب بالضرر فإن مصدر ذلك الحلول هو القانون. إذ جعل المشرع للمؤمن الحق في الحلول محل المؤمن له في الدعاوى التي تكون لهذا الأخير قبل المتسبب بالضرر بقوة القانون دون الاعتداد بإرادة المتسبب بالضرر”[17]حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 345/2017 الصادر بتاريخ 15/7/2020..

فباعتبار أن الحلول مصدره القانون، فإنه لا يشترط لممارسة الحلول وجود اتفاق بين المؤمن والمؤمن له. كما جاء في حكم لمحكمة النقض الفلسطينية[18]حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 981/2014 الصادر بتاريخ 14/1/2018. أنه :”وحيث إن الحلول قد ثبت للمؤمن بقوة القانون، فليس من مقتضيات إعمال الحلول الاتفاق عليه بين المؤمن والمؤمن له ولا ينهض شرطا لإعمال هذا الحق طالما أن القانون قد منح هذا الحق للمؤمن بموجب المادة (14) من قانون التأمين”.

 

المطلب الثاني

مرور الزمن في دعوى الحلول

بداية، إن المشرع الفلسطيني وغيره من القوانين لم يحددوا عند تناولهم مبدأ الحلول وحق المؤمن أن يحل محل المؤمن له المدة الزمنية الواجب على المؤمن التقيد بها ورفع الدعوى خلالها. مما أدى إلى تضارب الآراء بهذا الشأن. وكانت على النحو التالي:

  • الرأي الأول :اعتبر أن مدة مرور الزمن التي يستوجب على المؤمن مراعاتها هي ذاتها التي كانت للمؤمن له من قبله، وقد بنوا هذا الرأي على أن الحلول لا يغير الحق ومصدره، وإنما يغير من يمارسه فقط.

ويكون للمسؤول عند رجوع المؤمن عليه نفس الدفوع التي الذي كانت له في مواجهة المتضرر[19]أتيرة, هدى عبدالفتاح :دراسة سابقة. ص76+77.. وقد قضت محكمة النقض الفلسطينية بأنه :” المؤمن بدعوى الحلول إنما يستعمل حق المؤمن له ذاته قبل المسؤول ويكون للمسؤول عند رجوع المؤمن عليه أن يدفع بكافة الدفوع التي كان يستطيع أن يدفع بها في مواجهة المضرور، حيث إن حق الحلول هذا هو في حقيقته دعوى حول المشرع الحق في إقامتها للمؤمن في مواجهة متسبب الضرر إذا كان المؤمن قد أوفى للمتضرر قيمة التعويض”[20]حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 1545/ 2017 الصادر بتاريخ 13/2/2017..

  • الرأي الثاني: قال أصحاب هذا الرأي أن دعوى الحلول هي دعوى مستقلة بذاتها، ولكن لم يعطيها مدة توجب على المؤمن الأخذ بها، فأخذوا بالقواعد العامة بالقانون المدني، أي أن المدة هي خمسة عشر سنة.
  • الرأي الثالث: توجه هذا الرأي أنه إن كان الخطر المؤمن منه تحقق بموجب حادث طرق فإنه ينطبق عليه المدة الواردة في حوادث الطرق، وعبرت عن هذا التوجه حكم محكمة النقض الفلسطينية[21]حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 1670/2019 الصادر بتاريخ 1/2/2020.، حيث اعتبرت أنه إذا تحقق الخطر المؤمن منه بسبب حادث طرق فإن العبرة بالمدة الواردة في حوادث الطرق.

بعد تبيان الآراء الثلاثة كان لا بد للباحثة من إعطاء رأيها بخصوص المدة الزمنية لدعوى التأمين، وبالتالي فإن من رأي الباحثة أن المشرع الفلسطيني عند ذكره لمبدأ الحلول في قانون التأمين في نص المادة (14)، لم يحدد تفاصيل هذا المبدأ، لذلك يستدعي أن نرجع إلى القواعد العامة الموجودة في القانون المدني.

وعند الرجوع إلى قواعد القانون المدني ومجلة الأحكام العدلية نجد أن المشرع لم ينص على مبدأ الحلول كما ذكرنا سابقا، وذلك يوضح خطأ المشرع حينما أورد مبدأ الحلول دون تنظيمه ووضع أحكام خاصة به، وذلك لتعذر وجود أساس قانوني يغطي النقص الموجود في هذا المبدأ، وبالأخص مدة ممارسة دعوى الحلول.

ولكن ترى الباحثة أن الرأي الثاني هو الرأي الأقرب للصواب، فيجب على المشرع معالجة النقص الموجود بالمبدأ ووضع أحكام خاصة به. كما فعل المشرع المصري الذي عمل على معالجة مبدأ الحلول ووضع له أسس وأحكام تنظمه، فقد نصت المادة (329) منه, على حق المتسبب بإثارة الدفوع الذي كان يستطيع إثارتها قبل المتضرر في مواجهة المؤمن عند حلوله عليه[22]انظر نص المادة 392 من القانون المدني المصري “من حل قانونا أو اتفاقا محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من … Continue reading.

 

خاتمة

تناولت الباحثة في هذا البحث موضوع مبدأ الحلول ودعوى الحلول حيث، وضحت مفهوم مبدأ الحلول وشروطه وأساسه القانوني وأساس إقامة دعوى الحلول.

وترى الباحثة أنه يجب معالجة موضوع مبدأ الحلول، كون أن المشرع لم يعالجه بشكل واضح، وليس له أساس قانون في القانون المدني، فإن هذا النقص أدى إلى وجود هالة من الفراغ القانوني للمبدأ، وباعتباره أيضا من المبادئ الأساسية والمهمة في قانون التأمين. وأيضا باعتبار هذا النقص الكبير في هذا المبدأ يسبب مشاكل عديدة عند تطبيقه على أرض الواقع وتطبيقه قضائيا، مما يؤدي إلى إضعاف قطاع العدالة.

فقد توصلت الباحثة إلى العديد من النتائج والتوصيات لعلها تكون مساهمة في تطوير مبدأ الحلول.

النتائج:

  • لم يعالج المشرع في قانون التأمين الفلسطيني كافة الأمور المتعلقة بمبدأ الحلول ودعوى الحلول، ولا يوجد له أساس في مجلة الأحكام العدلية.
  • في المقابل، قام المشرع المصري في القانون المدني المصري بمعالجة مبدأ الحلول وكافة الأمور المتعلقة به.
  • هنالك اجتهادات فقهية عديدة لمعالجة النقص في أحكام مبدأ الحلول.
  • اختلفت الآراء حول مدة ممارسة دعوى الحلول، وإن تبني أي رأي من الآراء سيخلق مشاكل وثغرات.

 

التوصيات:

  • ضرورة سن قانون مدني فلسطيني لسد جميع الثغرات الموجودة في القوانين وبالأخص في قانون التأمين فيما يخص مبدأ الحلول.
  • ضرورة إعادة النص على دعوى حلول المؤمن تجاه المتسبب بشكل يوضح أحكامها، وشروطها، ومدة مرور الزمن فيها، حيث إن قانون التأمين الفلسطيني لم يعالجها بشكل واضح، ولا أساس لها في مجلة الأحكام العدلية.
  • توصي الباحثة أن يتم تعديل نص المادة 14 من قانون التأمين الفلسطيني، بحيث يشمل حكمها أقارب المؤمن له وأصهاره وممن يكونون معه في معيشة واحدة.
  • توصي الباحثة النص وبشكل خاص على تقادم دعوى الحلول.

قائمة المصادر والمراجع

أولا: المصادر

  • مجلة الأحكام العدلية.
  • قانون التأمين الفلسطيني رقم 20 لسنة 2005.
  • القانون المدني المصري رقم 43 لسنة 1948.

 

ثانيا: المراجع

  • السنهوري، عبد الرزاق: الوسيط في شرح القانون المدني. القاهرة: دار النهضة العربية. 2005.
  • أتيرة، هدى عبدالفتاح: حقوق المؤمن المترتبة على دفعه التعويض. (رسالة ماجستير منشورة). جامعة النجاح الوطنية. نابلس: فلسطين. 2010. ص68.
  • العطير، عبد القادر: التأمين البري في التشريع. ط10. دار الثقافة للنشر والتوزيع. عمان: الأردن.2012.
  • النعيمات، موسى جميل: النظرية العامة من المسؤولية المدنية. (رسالة دكتوراة منشورة). ط1. عمان: الأردن. دار الثقافة للنشر والتوزيع. 2006. ص17.
  • جنامي، عبد اللطيف: التكافل الإسلامي والتأمين المعاصر. من أعمال الندوة الفقهية لبيت التمويل. ص253.
  • عادي، سمير صادق: حلول المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على المسؤول عند تحقق الخطر في القانونين الأردني والمصري. (رسالة دكتوراة منشورة). جامعة الدول العربية. القاهرة. 2002. ص9.
  • سرحان، عدنان إبراهيم: رجوع المؤمن على الغير المسؤول عن الضرر (دراسة في القانونين الإماراتي والفرنسي). مجلة الحقوق للعلوم القانونية والاقتصادية (مصر). ع1. 2002.

 

بقلم المحامية: أسماء بسام عيسة

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 د. جنامي عبد اللطيف، “التكامل الإسلامي والتأمين المعاصر”. من أعمال الندوة الفقهية لبيت التمويل. ص253.
2 السنهوري، عبدالرزاق. “الوسيط في شرح القانون المدني”. القاهرة: دار النهضة العربية. 2005.
3 عادي، سمير صادق: “حلول المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على المسؤول عن تحقق الخطر في القانونين الأردني والمصري”. رسالة دكتوراه، جامعة الدول العربية، القاهرة, 2002, ص9.
4 سرحان، عدنان إبراهيم: “رجوع المؤمن على الغير المسؤول عن الضرر(دراسة في القانونين الإماراتي والفرنسي). مجلة الحقوق للعلوم القانونية والاقتصادية (مصر). ع1. 2002/209-226. ص214.
5 نصت المادة (39) من قانون التأمين الفلسطيني على أنه “في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ التأمين الحق في الحلول محل المؤمن له أو المستفيد في حقوقه قبل من تسبب في الحادث المؤمن منه أو قبل المسؤول عن هذا الحادث”. ووردت ذات المادة وفق القانون المدني المصري في نص المادة (765) منه.
6 حكم محكمة النقض المصرية في الطعن رقم (3169) لسنة 73 والصادر بتاريخ 6/3/2013. موقع البوابة القانونية لمحكمة النقض المصرية –http: //www. Cc. gov. eg/madany. Aspx . تاريخ الزيارة 1/10/2024.
7 النعيمات، موسى جميل: النظرية العامة من المسؤولية المدنية. (رسالة دكتوراة منشورة). ط1. عمان: الأردن. دار الثقافة للنشر والتوزيع. 2006. ص347.
8 نصت المادة(39) من قانون التأمين الفلسطيني على أنه :”في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ التأمين الحق في الحلول محل المؤمن له أو المستفيد في حقوقه قبل من تسبب في الحادث المؤمن منه أو قبل المسؤول عن الحادث”.
9 نصت المادة (765) من القانون المدني المصري على أنه :” في التأمين على الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ التأمين حق في الحلول محل المؤمن منه أو قبل المسؤول عن هذا الحادث”.
10, 15 نصت المادة (771) من القانون المدني المصري على أنه :”يحل المؤمن قانونا بما دفعه من تعويض عن الحريق في الدعاوى التي تكون للمؤمن له من قبل المتسبب بفعله في الضرر الذي نجمت عنه مسؤولية المؤمن، ما لم يكن من أحدث الضرر قريبا أو صهرا للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة، أو شخصا يكون المؤمن له مسؤولا عنه”.
11 أتيرة، هدى عبد الفتاح : حقوق المؤمن المترتبة على دفعه التعويض. (رسالة ماجستير منشورة). جامعة النجاح الوطنية. نابلس: فلسطين. 2010. ص68.
12 نقض مدني 20 ديسمبر 1962, طعن 218, س27ق، مجموعة أحكام النقض، لسنة13, رقم 185, ص1166.
13 انظر إلى حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 1815/2017 الصادر بتاريخ 30/9/2021.
14 العطير, عبد القادر: التأمين البري في التشريع. ط10. دار الثقافة للنشر والتوزيع. عمان: الأردن. 2012. ص236.
16 سرحان، عدنان إبراهيم: مرجع سابق. ع1. 2003/ ص212.
17 حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 345/2017 الصادر بتاريخ 15/7/2020.
18 حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 981/2014 الصادر بتاريخ 14/1/2018.
19 أتيرة, هدى عبدالفتاح :دراسة سابقة. ص76+77.
20 حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 1545/ 2017 الصادر بتاريخ 13/2/2017.
21 حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 1670/2019 الصادر بتاريخ 1/2/2020.
22 انظر نص المادة 392 من القانون المدني المصري “من حل قانونا أو اتفاقا محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص، وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات, وما يرد عليه من دفوع, ويكون هذا الحلول بالقدر الذي أداه من ماله من محل محل الدائن”.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !