Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

العقد الإلكتروني في القانون المدني: الطبيعة القانونية وأحكامه العامة

العقد الإلكتروني في القانون المدني: الطبيعة القانونية وأحكامه العامة

(بقلم الباحثين: رهف أشرف قنابيطة / سعد راتب أبو عيشة)

 

المقدمة

يعتبر العقد أحد أهم مصادر الالتزام إذ حظي بتنظيم تشريعي كبير في مختلف بلدان العالم، ولقد أدى التطور الهائل الذي توصل إليه العقل البشري في مجال التكنولوجيا إلى ظهور تقنيات حديثة يتم من خلالها إبرام العقود وعلى رأسها الإنترنت، وبذلك أصبحت الوسائل الإلكترونية للاتصال ذات أثر فعال ودور هام في إبرام العقود، فهناك مئات الآلاف من المعاملات والعقود التي تبرم يومياً من خلال الوسائل الإلكترونية، وتعتبر هذه العقود الإلكترونية المبرمة عبر الوسائل الإلكترونية جزء من التجارة المسماة بالتجارة الإلكترونية.

أهمية البحث:

أدت الزيادة المضطردة في معاملات التجارة الالكترونية إلى زيادة كبيرة في العقود الإلكترونية المبرمة، مما جعل هذه التجارة واقعا عمليا فرض نفسه على المستوى الوطني والدولي، إذ دفع لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي الأونسيترال إلى اعتماد قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجـارة الإلكترونيـة فـي عـام 1996م،[1]وهو قانون استرشادي يمكن الاستفادة منه عندما تصدر الدول تشريعاتها الوطنية بخصوص التجارة الإلكترونية. ونتيجةً لتعاظم التعاقد الإلكتروني على المستوى الوطني فإن هذا الأمر خلق الحاجة  لسن تشريعات وطنية خاصة بالمعاملات الإلكترونية، وذلك لظهور الكثير من التحديات القانونية حول العقد الإلكتروني، لذلك كان لا بد من دراسة العقد الالكتروني لبيان الإشكاليات المتعلقة به.

إشكالية البحث:

تكمن إشكالية البحث في عدم تطرق المشرع الفلسطيني إلى بيان تفصيلات واضحة وصريحة لموضوع العقود الإلكترونية، فمتى يعتبر العقد إلكتروني وما الطبيعة القانونية للعقود الإلكترونية.

أسئلة البحث:

سوف يجيب البحث عن الأسئلة التالية:

  • ماهية العقود الإلكترونية، وما هي أنواعها ومشتملاتها؟
  • ما هي الطبيعة القانونية للعقود الإلكترونية؟
  • ماهي المخاطر والتحديات التي تواجه العقود الإلكترونية؟

النطاق:

سيقتصر النطاق من حيث التشريع على:

  • قرار بقانون رقم (15) لسنة 2017م بشأن المعاملات الإلكترونية.
  • قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لسنة 1996.

وسيقتصر النطاق من حيث الأشخاص على:

  • مختلف فئات المجتمع المعنية بإبرام عقود إلكترونية.

المنهجية المتبعة:

سيعتمد الباحثين على المنهج (الوصفي والتحليلي)، حيث سيتم إتباع المنهج الوصفي في تعريف العقد الإلكتروني ومن ثم إتباع المنهج التحليلي في إسقاط نصوص القانون وتحليلها وصولا لبيان أحكامها التفصيلية بغية الخروج بنتائج وتوصيات تفيدنا في هذا المجال.

 

المبحث الأول:

ماهية العقود الإلكترونية

تشهد فلسطين تطورًا في مواكبة التكنولوجيا الحديثة وتطبيقها في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاملات الشخصية والتجارية، ومع انتشار التعاملات الإلكترونية، التي تشمل أي تبادل أو تنفيذ عبر وسائل إلكترونية، أصبحت العقود الإلكترونية هي الأسلوب الأمثل لإتمام الصفقات، حيث اهتم المشرع الفلسطيني بتنظيم هذه التعاملات عبر قوانين مثل: قرار بقانون رقم (15) ل عام2017 بشأن المعاملات الإلكترونية ومشروع قانون التجارة الإلكترونية. في هذا المبحث، سنستعرض مفهوم العقد الإلكتروني، وأركانه.

 

المطلب الأول:

مفهوم العقد الإلكتروني ومميزاته

يمكننا تعريف العقد من عدة جوانب:

أولا: العقد في اللغة مأخوذ من الفعل الثلاثي “عَقَدَ”، والذي يعني ربط شيء بآخر، كما في عقد الحبل، حيث يتم ربط طرفيه بعقدة محكمة تضمن وصلهما. والعقد أيضًا يُستخدم للدلالة على العهد أو الاتفاق بين طرفين، بحيث يلتزم كل طرف بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، مثل عقد البيع أو الزواج.[2]مصطفى، إبراهيم ورفاقه: مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط. الجزء الثاني. مطبعة مصر. عام 1961. ص620.

ثانيا: العقد اصطلاحا، فيُعرَّف العقد بأنه: “ارتباط الإيجاب الصادر من أحد الطرفين بقبول الطرف الآخر، بحيث يتحقق التوافق بينهما، ويترتب عليه أثر قانوني يلزم الطرفين بتنفيذ ما التزما به”.[3]القانون المدني الأردني: المادة (87) نشر هذا القانون في العدد (2645) من الجريدة الرسمية بتاريخ 1976/8/1.

وقد عرّفت مجلة الأحكام العدلية العقد في المادة (103) بأنه “التزام المتعاقدين وتعهدهما بأمر معين، وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول”.

أما فيما يتعلق بمفهوم العقد الإلكتروني، فقد عرف القرار بقانون رقم (15) لسنة 2017 بشأن المعاملات الإلكترونية، العقد الالكتروني على انه: “الاتفاق بين شخصين او أكثر بوسائل او وسائط الكترونية”.[4]المادة 1 من القرار بقانون رقم 15 لسنة 2017 بشأن المعاملات الإلكترونية.

كما وتم تعرف العقد الإلكتروني على أنه: الاتفاق الذي يتلاقى فيه القبول بالإيجاب على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، بوسائل مسموعة ومرئية تخلق تفاعلاً بين الموجب والقابل، وهذه الوسائل غير مقتصرة على الإنترنت وخدماتها المتعددة.[5]السند، عبد الرحمن بن عبد االله: الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية. الطبعة الأولى. بيروت، الرياض، ص 1424.

ما على المستوى الدولي فلم ينص قـانون الأونسـيترال النمـوذجي بشـأن التجـارة الإلكترونية على تعريف للعقد الإلكتروني، ولكنه أشار في الفقرة الأولى من المادة (11) وتحت عنوان تكوين العقود وصحتها جواز استخدام رسائل البيانات للتعبير عن العرض وقبول العرض في سياق تكوين العقود، وما لم يتفق طرفا العقد على غير ذلك.[6]قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لسنة 1996.

يمتاز العقد الإلكتروني بعدة مزايا،[7]حسن، يحيى يوسف فلاح. التنظيم القانوني للعقود الالكترونية، جامعة النجاح الوطنية، نابلس -فلسطين ،2007م، ص 16 ومنها:

  1. وجود وسيط إلكتروني، ويتم الاتصال عادة عبر شبكة دولية تنقل تعبير الإرادة بشكل فوري، رغم التباعد الجغرافي. وقد أكدت العديد من القوانين على هذا المفهوم، مثل: القرار بقانون رقم (15) لسنة 2017 بشأن المعاملات الإلكترونية، الذي عرّف العقد الإلكتروني في المادة الأولى على أنه ” الاتفاق بين شخصين أو أكثر بوسائل أو وسائط إلكترونية “. لذا يُعتبر الوسيط الإلكتروني العنصر الأساسي في هذه العقود، وخاصة تلك التي تُبرم عبر الإنترنت.
  2. غياب التواجد المادي المتزامن بين طرفي العقد.
  3. عقد يبرم عن بعد حيث يتم الإيجاب والقبول عبر وسائل سمعية بصرية من خلال شبكة المعلومات والاتصالات الدولية، حيث يتفاعل الطرفان ضمن مجلس افتراضي.
  4. ويمتاز بأنه من عقود المساومة، ولكن هذه الميزة يوجد عليها اختلاف كبير اذ انه قد يكون العقد الالكتروني من عقود الإذعان.[8]عقد الاذعان هو عبارة عن عقود تعطي لاحد طرفيها فقط حرية الخيار والمفاوضة للقبول بها.

 

المطلب الثاني:

أركان العقود الإلكترونية

أولاً: التراضي في العقود الإلكترونية

 التراضي يُعرَّف بأنه تطابق الإرادتين، وهو العنصر الأساسي الذي يقوم عليه العقد، بما في ذلك العقود الإلكترونية، وتعتبر الإرادة كمكون للرضا، عديمة القيمة القانونية ما لم يتم التعبير عنها بشكل واضح.

ينشأ العقد بمجرد تبادل طرفي العقد التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يحدده القانون في هذا الصدد.

يمكن التعبير عن الإرادة عبر عدة وسائل، منها الألفاظ، الكتابة، أو الإشارات المتعارف عليها. كما يمكن أن يتجلى التعبير عن الإرادة من خلال مواقف لا تترك مجالاً للشك في دلالتها على المعنى المقصود.

وبذلك، يُعتبر التعبير عن الإرادة التعاقدية جائزاً عبر وسائل الاتصال الإلكترونية، وبالأخص من خلال شبكة الإنترنت. يتحقق الرضا في العقود الإلكترونية عندما يتم تبادل رسائل البيانات أو الخطابات الإلكترونية، التي تُعتبر صوراً للتعبير عن الإرادة في السياق الإلكتروني، سواء تم ذلك عبر خدمات الويب أو البريد الإلكتروني أو أي خدمة أخرى تقدمها هذه الشبكة.

الإيجاب الإلكتروني:

عرفت مجلة الأحكام العدلية الإيجاب في المادة (101) منها بقولها إن “الإيجاب أول الكلام يصدر عن أحد العاقدين لأجل انشاء التصرف وبه يوجب ويثبت التصرف”. وما يميز الإيجاب الإلكتروني عن هذا المفهوم هو أنه يتم من خلال وسائط إلكترونية عبر شبكة الإنترنت.

فالإيجاب الذي يتم عبر شبكة الإنترنت قد يكون إيجابا خاصا موجها إلى أشخاص محددين وهو الذي يتم في الغالب بواسطة البريد الإلكتروني وقد يكون إيجابا عاما موجها إلى أشخاص غير محددين أو إلى جميع زائري الموقع عبر صفحات الويب.[9]عبيدات: إثبات المحرر الإلكتروني. مرجع سابق، ص.43

كما ويجب أن يكون الإيجاب الإلكتروني جازما ومحددا وباتا، كما يجب أن تتجه نية الموجب إلى إبرام العقد بمجرد اقتران القبول به.

القبول الإلكتروني:

جاء تعريف القبول في مجلة الأحكام العدلية في المادة (102)، فقد نصت على “القبول ثاني كلام يصدر من أحد العاقدين لأجل إنشاء التصرف وبه يتم العقد”، أما في العقود الإلكترونية فإنه لا يخرج عن مضمون هذا المفهوم سوى أنه يتم عبر وسائط الكترونية من خلال شبكة الإنترنت، فهو قبول عن بعد، لذلك فهو يخضع لذات القواعد والأحكام العامة التي تنظم القبول التقليدي.

إن أهم ما جاء به قانون الأونسترال هو نصه في الفقرة الأولى من مادته الثانية على أن وسائل الاتصال التي تتم عن طريقها التجارة الإلكترونية مذكورة على سبيل المثال لا الحصر. وقد رسخ هذا القانون شرعية استخدام رسالة البيانات في التعبير عن الإرادة وتكوين العقود بغض النظر عن الوسيلة المستعملة لذلك. وقد جاء في نص المادة (11) من نفس القانون” في سياق تكوين العقود ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك يجوز استخدام وسائل البيانات للتعبير عن العرض أو قبول العرض”.

كما ونصت مجلة الأحكام العدلية العثمانية في المادة(103): “الْعَقْدُ الْتِزَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَعَهُّدُهُمَا أَمْرًا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ”.

 

ثانياً: المحل في العقود الإلكترونية

محل العقد هو الالتزامات الناتجة عن العقد، ويعتبر عنصراً أساسياً في الالتزام. يُميز الفقه القانوني بين محل العقد ومحل الالتزام: حيث يُشير محل العقد إلى العملية القانونية التي يسعى الطرفان لتحقيقها بموجب العقد، بينما يُعبر محل الالتزام عن الأداء الذي يلتزم به المدين لمصلحة الدائن، والذي يمكن أن يتضمن عملاً أو امتناعاً عن عمل أو تقديم شيء.[10]الجمال، سمير حامد: التعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة (دراسة مقارنة). الطبعـة الأولـى. القـاهرة: دار النهضـة … Continue reading

الشروط الواجب توافرها في محل العقد الإلكتروني ليكون عقداً صحيحاً هي كما يلي:

أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين: يجب وصف الخدمة أو المنتج بدقة عبر وسائل الاتصال الحديثة، مع تجنب الإعلانات المضللة. في التعاقد الإلكتروني، حيث لا يمكن رؤية محل العقد مباشرة، يُفضل أن يُرافق العرض صور توضيحية تشبه الكتالوجات التقليدية. ورغم أن هذا العرض يتمتع بطابع إعلاني، إلا أن له قيمة قانونية تتمثل في التزام مقدم الخدمة أو المنتج بالجودة.[11]الجمال، سمير حامد: التعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة (دراسة مقارنة). الطبعـة الأولـى. القـاهرة: دار النهضـة … Continue reading

أن يكون المحل ممكناً: نصت المادة (197) من مجلة الأحكام العدلية، “يُلزم أن يكون المبيع موجوداً”، إذا هلك محل العقد قبل التعاقد، فإن العقد يُعتبر باطلاً، سواء علم الطرفان بذلك أم لا. أما إذا وُجد محل الالتزام وقت انعقاد العقد ثم هلك بعد ذلك، فإن الالتزام يُعتبر نشأ في وقت وجود العقد، ويمكن أن يكون العقد قابلاً للفسخ. ويُمكن أيضاً أن يُعقد العقد على شيء مستقبلي، أي قابل للوجود، مثلما يحدث في العقود الإلكترونية عندما يطلب المشتري برنامجاً من شركة، رغم عدم توفره في الوقت الحالي، مع إمكانية توفيره مستقبلاً.[12]أبو السعود، رمضان: النظرية العامة للالتزام. مصادر الالتزام. الطبعة الأولى. الإسكندرية: دار المطبوعات … Continue reading

أن يكون المحل مشروعاً: يجب أن يكون محل العقد مشروعا وغير مخالف للنظام العام والآداب. هذا الشرط ينطبق على العقود الإلكترونية التي تُبرم عبر الإنترنت أو بأي وسيلة حديثة أخرى. إذ يُعتبر المحل مخالفاً للنظام العام إذا كان محظوراً قانوناً، مثل المخدرات، التي لا يُسمح بالتعامل بها إلا لأغراض طبية محددة. كما يُعتبر المحل غير مشروع إذا كان الهدف من العملية القانونية مخالفاً للنظام العام أو الآداب، مثل التعامل في التركة المستقبلية.[13]الجمال، سمير حامد: مرجع سابق. ص 176.

 

ثالثاً: السبب في العقود الإلكترونية

السبب يُعرَف بأنه الدافع أو الباعث الرئيسي الذي يحمل المتعاقد على قبول التعاقد. لا يُبرم الشخص عقداً إلا بوجود باعث يدفعه لذلك، وغالباً ما يكون هناك باعث رئيسي يُعتبر الدافع الأساسي لإبرام العقد، حيث لولاه لما فكّر الشخص في الدخول في هذا الالتزام.

قد يكون الباعث أمراً نفسياً، ولكن القانون لا يُعنى بالاعتبارات النفسية، لذا لا يتطلب من المتعاقد الإفصاح عن السبب أو الباعث الذي دفعه لإبرام العقد. في هذه الحالة، يُفترض وجود سبب قانوني للالتزام، ويجب أن يكون هذا السبب مشروعاً لدى طرفي العقد، أي غير مخالف للنظام العام والآداب. إذا كان السبب غير مشروع، فإن العقد يُعتبر باطلاً بطلاناً مطلقا، حتى لو كان من طرف واحد.[14]شنب، محمد لبيب: مبادئ القانون “المدخل للدراسات القانونية والنظرية العامة للالتزام”. الطبعة الأولى. … Continue reading

تجدر الإشارة إلى أن العقود الإلكترونية التي تتضمن أفعالاً تتعارض مع الحياء تكون باطلة أيضاً لعدم مشروعية السبب، مع مراعاة الاختلاف في مفهوم الآداب العامة بين الدول، وذلك يتطلب تنسيقاً على المستويين الإقليمي والدولي.

على الرغم من الفروق التي قد تميز العقد الإلكتروني عن غيره من العقود، إلا أنه يقوم على أساس مشترك هو تلاقي إرادة طرفي العقد الموجب والقابل على محل العقد وآثاره. وبالتالي، يتضمن العقد الإلكتروني ذات الأركان العامة التقليدية وهي الرضا، والمحل، والسبب. مما يعني أن القواعد المتعلقة بالسبب في العقود التقليدية لا تختلف عن تلك في العقود الإلكترونية، ولا توجد خصوصية للقواعد المنظمة للسبب في العقد الإلكتروني.[15]سلطان، أنور: النظرية العامة للالتزام. الجزء الأول. الطبعة الثانية. مصر: دار المعارف،1958، ص245.

 

رابعاً: تحديد مكان وزمان ابرام العقود الالكترونية:

انقسم الفقهاء في تحديد مكان وزمان إبرام العقد الإلكتروني إلى أربع نظريات رئيسية:

  1. نظرية إعلان القبول: تُفترض هذه النظرية أن العقد ينعقد في اللحظة التي يقوم فيها القابل بتعبئة أيقونة القبول دون إرسال رسالة القبول. في هذه الحالة، يتم تحديد مكان وزمان انعقاد العقد في المكان والزمان الذي أعلن فيه القابل قبوله، دون أن يكون للموجب علم بهذا القبول.
  2. نظرية تصدير القبول: وفقًا لهذه النظرية، ينعقد العقد في المكان والزمان الذي يتم فيه كتابة رسالة القبول وإرسالها إلى الموجب، دون الحاجة للتأكد من وصولها. هنا، يتم اعتبار العقد قد وُقِّع بمجرد صدور القبول.
  3. نظرية تسليم القبول: تقوم هذه النظرية على أساس أن العقد ينعقد في الزمن والمكان الذي تصل فيه رسالة القبول إلى الموجب، حتى وإن لم يكن الأخير قد علم بها بعد. لذلك، تُرتب آثار العقد من لحظة تسليم القبول للموجب.
  4. نظرية العلم بالقبول: وفقًا لهذه النظرية، ينعقد العقد في اللحظة التي يتوصل فيها الموجب إلى علم القبول، ويُرتب آثار العقد من تلك اللحظة.

أخذ المشرع الفلسطيني في قرار بقانون رقم (15) لعام 2017 بنظرية العلم بالقبول، حيث يُعتبر العقد منقعدًا ويرتب آثاره من اللحظة التي يتوصل فيها الموجب إلى علم القبول.

أما بالنسبة لقانون الأونسيترال النموذجي، فقد اعتمد نظرية تسليم القبول، التي تنص على أن العقد ينعقد ويرتب آثاره من اللحظة التي يقوم فيها القابل بإرسال القبول ويتسلم الموجب تلك الرسالة.

الآثار المترتبة على تحديد مكان وزمان انعقاد العقد تتلخص بالتالي:

  • تحديد الوقت الذي تُرتب فيه آثار العقد.
  • تحديد بدء سريان ميعاد التقادم بالنسبة لسماع الدعوى، فإذا كان الالتزام منجزا فان ميعاد التقادم يبدا من وقت اعلان القبول وفقا لنظرية اعلان القبول، او من وقت العلم بالقبول وفقا لنظرية العلم بالقبول.
  • تحديد زمان انعقاد العقد اهمية كبيرة تظهر في حالة اشهار افلاس التاجر الذي ابرم عقودا، لمعرفة ما إذا كانت نافذة بحق الدائن او انها لا تنفذ بحسب الفترة التي ابرمت من خلالها.
  • تحديد القانون الواجب التطبيق عند نشوب نزاع حول القوانين المطبقة على العقد.
  • تحديد المحكمة المختصة بالنزاع، حيث انه في حال حدوث نزاع بسبب التعاقد فان مكان العقد هو الذي يعين المحكمة.[16]سهلب ، لما عبدالله صادق .مجلس العقد الالكتروني ،جامعة النجاح الوطنية ،نابلس -فلسطين ،2008م، ص124.

 

المبحث الثاني:

الطبيعة القانونية للعقود الإلكترونية

 

المطلب الأول:

طبيعة العقد الإلكتروني

يُعتبر الأصل في إبرام العقود هو إجراء مفاوضات ومناقشات بين الأطراف المتعاقدة، بهدف الوصول إلى اتفاق يتناسب مع مصالحهم. ومع ذلك، أدى تطور المجتمع وتغير احتياجات الحياة إلى ظهور نوع من العقود يُعرف بعقود الإذعان، حيث يحدد أحد الأطراف جميع الشروط، بما في ذلك الحقوق والالتزامات، دون أن يكون للطرف الآخر الحق في مناقشة هذه الشروط. تهدف هذه العقود عادة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الماء والكهرباء ووسائل النقل المختلفة.[17]عبد الرزاق السنهوري، الوسيط مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص 247/244.

تُبرم عقود الإذعان عادةً بين المستهلكين وشركات مثل الكهرباء والمياه أو خدمات البريد والهاتف، والتي تحتكر تقديم هذه الخدمات الأساسية، مما يمنع الأفراد من استبدالها. وبالتالي، يُجبر المستهلك على قبول شروط العقد كما هي دون أي نقاش، مما يعني أن رضاه موجود ولكنه يأتي نتيجة للضغوط الاقتصادية بدلاً من الإكراه التقليدي الذي يرتبط بعيوب الرضا.[18]عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد، منشورات محمد الداية، بيروت، بدون سنة نشر، ص 279.

تتطلب عقود الإذعان توافر مجموعة من العناصر، وهي كالتالي:[19]منير محمد الجنبيهي وممدوح محمد الجنبيهي الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، مرجع سابق، ص 179.

  • السلع أو المرافق الضرورية: يجب أن تتعلق هذه العقود بسلع أو مرافق أساسية في حياة الإنسان اليومية.
  • الاحتكار: يجب أن تكون هذه السلع محتكرة بشكل قانوني أو فعلي من قبل الطرف الموجب.
  • الإيجاب العام: يجب أن يكون الإيجاب موجهًا إلى الجمهور بشروط موحدة لجميع الفئات.
  • الإعلان الكتابي: يجب أن يُعلن الإيجاب كتابة بصيغة نماذج عقدية.
  • مصلحة الطرف الموجب: يجب أن تصب غالبية شروط العقد في مصلحة الطرف الموجب أو القوي.

يرى معظم الفقهاء أن العقود الإلكترونية تُعتبر من عقود الإذعان، حيث يرتبط ذلك بالعقود النموذجية التي تُستخدم في هذا النوع من العقود. هذه العقود تُنظم من قبل الشركات التي تقدم السلع والخدمات عبر الإنترنت، وتكون مطبوعة وجاهزة على مواقعها، ولا تقبل التعديل من قبل العميل، مما يُجبره على إما رفض التعاقد أو القبول بالشروط التي يفرضها الطرف الآخر. غالبًا ما تكون هذه العقود مُعدة لمصلحة الشركات، مما يُخفف من مسؤولياتها القانونية ويُعفيها من الضمانات تجاه العميل، في حين تفرض شروط جزائية صارمة في حال الإخلال بالعقد.[20]عبد الرزاق السنهوري الوسيط مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص 247. يستند الفقهاء في رأيهم إلى نصوص القوانين المدنية … Continue reading

إلا أن الاتجاهات الحديثة تشير في فهم عقود الإذعان إلى أنه لا يشترط توفر جميع هذه العناصر ليعتبر العقد عقد إذعان؛ يكفي أن يتضمن العقد شرطًا تعسفيًا فرضه المهني على المستهلك.

ومع ذلك، فمن وجهة نظر الباحث يرى أن تقييم كون العقد الإلكتروني عقد إذعان يعتمد على ظروف التعاقد لكل حالة على حدة. فإذا توفرت عناصر الإذعان في العقد الإلكتروني، يُعتبر عقد إذعان بغض النظر عن كونه إلكترونيًا أو تقليديًا. أما إذا كان محل العقد سلعة غير محتكرة وتم التفاوض على الشروط بحرية، فنكون أمام عقد رضائي نتج عن توافق إرادة الطرفين.

 

المطلب الثاني:

المخاطر والتحديات التي تواجه العقود الإلكترونية

الحق في الخصوصية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرية الفردية، حيث يتطلب احترام سرية المعلومات الشخصية وعدم انتهاكها. ومع تقدم تقنيات المعلومات، تزايدت المخاطر التي تهدد هذا الحق من خلال استخدام البيانات الشخصية بطرق غير مشروعة. إذ تتيح تقنيات المعلومات تخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات، مما يسهل انتهاك الخصوصية. لذلك، بات من الضروري وضع نظم قانونية تحمي الحريات الفردية وتضمن أمنها. [21]جويلي، سعيد سالم: الحق في الخصوصية للمستهلك في التجارة الإلكترونية. المؤتمر الدولي لقانون الإنترنت: نحو … Continue reading

ومن المخاطر التي تواجه العقود الإلكترونية:

  • أن العقود الإلكترونية تبقى عرضة للاختراقات والسرقات الرقمية، مما يؤدي إلى فقدان المعلومات الحساسة أو تعديلها، كما أنه من الممكن تزوير المستندات الإلكترونية أو تعديلها بطرق غير مشروعة، مما يهدد مصداقية العقد.
  • صعوبة التأكد من هوية الأطراف المتعاقدة الذي قد يؤدي إلى إبرام عقود غير ملزمة أو إلى حالات احتيال.
  • اختلاف القوانين المتعلقة بالعقود الإلكترونية من دولة إلى أخرى، مما يخلق تحديات في تنفيذ العقود الإلكترونية عبر الحدود.
  • مواجهة العقود الإلكترونية لمشاكل تقنية مثل الأعطال أو فقدان البيانات، مما يؤثر على تنفيذ العقد.
  • عدم وضوح بعض القوانين المتعلقة بالعقود الإلكترونية قد يؤدي إلى تفسيرات متباينة ويعقد إجراءات التقاضي.[22]الشبكة القانونية العربية – فروع القانون، الخصوصية وحماية البيانات، الانترنت (2007/9/25).
  • غموض حول حقوق وواجبات الأطراف في حالة عدم الوفاء بالعقد يمكن أن يؤدي إلى نزاعات قانونية.

 

الخاتمة

لقد توصل الباحثون في هذا البحث إلى معالجة إشكالية البحث والإجابة عن الأسئلة المطروحة والتي أسفرت عن إيجاد العديد من النتائج:

  1. توصل الباحثون الى مفهوم العقود الالكترونية وفقا للقرار بقانون والذي عرفها في المادة (1) من هذا القرار بينما قانون الأونسترال النموذجي لم يبين مفهوم العقود الالكترونية بشكل صريح بل اقتصر على تعريف رسالة البيانات، كما عرفتها مجلة الأحكام العدلية العثمانية.
  2. توصل الباحثون الى تحديد أركان العقود الالكترونية وفقا لمجلة الأحكام العدلية العثمانية، وذلك لأنها تخضع في تنظيمها للأحكام العامة.
  3. توصل الباحثون الى معرفة الطبيعة القانونية للعقود الالكترونية وذلك بالاعتماد على مختلف الآراء الفقهية في هذا الجانب.
  4. توصلت الباحثة الى معالجة موضوع مكان وزمان انعقاد العقد الالكتروني في كل من القرار بقانون وقانون الأونسترال النموذجي والى النظرية التي اعتمدها كل من القرار بقانون وقانون الأونسترال في معالجة هذا الموضوع.
  5. توصل الباحثون إلى أن وجود قانون خاص بالعقود الإلكترونية ضروري لحماية حقوق الأطراف المعنية، وتوفير بيئة قانونية واضحة تدعم هذا النوع من التعاقدات.

 

بقلم الباحثين: رهف أشرف قنابيطة وسعد راتب أبو عيشة

 

قائمة المصادر والمراجع

المصادر:

  1. قرار بقانون رقم (15) لسنة 2017 الفلسطيني بشأن المعاملات الالكترونية.
  2. قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لسنة 1996.
  3. مجلة الأحكام العدلية العثمانية.

المراجع:

  1. عبد السلام أحمد فيغو، بحث عن العقد الإلكتروني، منشورات مجلة الحقوق سلسلة المعارف القانونية والقضائية.
  2. اطروحة يحيى يوسف فلاح حسن / التنظيم القانوني للعقود الالكترونية.
  3. اطروحة لما عبد الله صادق سلهب / مجلس العقد الالكتروني.
  4. موقع دار المنظومة https://search.mandumah.com/.

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 وهو قانون استرشادي يمكن الاستفادة منه عندما تصدر الدول تشريعاتها الوطنية بخصوص التجارة الإلكترونية.
2 مصطفى، إبراهيم ورفاقه: مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط. الجزء الثاني. مطبعة مصر. عام 1961. ص620.
3 القانون المدني الأردني: المادة (87) نشر هذا القانون في العدد (2645) من الجريدة الرسمية بتاريخ 1976/8/1.
4 المادة 1 من القرار بقانون رقم 15 لسنة 2017 بشأن المعاملات الإلكترونية.
5 السند، عبد الرحمن بن عبد االله: الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية. الطبعة الأولى. بيروت، الرياض، ص 1424.
6 قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لسنة 1996.
7 حسن، يحيى يوسف فلاح. التنظيم القانوني للعقود الالكترونية، جامعة النجاح الوطنية، نابلس -فلسطين ،2007م، ص 16
8 عقد الاذعان هو عبارة عن عقود تعطي لاحد طرفيها فقط حرية الخيار والمفاوضة للقبول بها.
9 عبيدات: إثبات المحرر الإلكتروني. مرجع سابق، ص.43
10 الجمال، سمير حامد: التعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة (دراسة مقارنة). الطبعـة الأولـى. القـاهرة: دار النهضـة العربية،2006، ص117.
11 الجمال، سمير حامد: التعاقد عبر تقنيات الاتصال الحديثة (دراسة مقارنة). الطبعـة الأولـى. القـاهرة: دار النهضـة العربية،2006، ص115.
12 أبو السعود، رمضان: النظرية العامة للالتزام. مصادر الالتزام. الطبعة الأولى. الإسكندرية: دار المطبوعات الجامعيـة، 2002.ص144.
13 الجمال، سمير حامد: مرجع سابق. ص 176.
14 شنب، محمد لبيب: مبادئ القانون “المدخل للدراسات القانونية والنظرية العامة للالتزام”. الطبعة الأولى. بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1970، ص319.
15 سلطان، أنور: النظرية العامة للالتزام. الجزء الأول. الطبعة الثانية. مصر: دار المعارف،1958، ص245.
16 سهلب ، لما عبدالله صادق .مجلس العقد الالكتروني ،جامعة النجاح الوطنية ،نابلس -فلسطين ،2008م، ص124.
17 عبد الرزاق السنهوري، الوسيط مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص 247/244.
18 عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد، منشورات محمد الداية، بيروت، بدون سنة نشر، ص 279.
19 منير محمد الجنبيهي وممدوح محمد الجنبيهي الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني، مرجع سابق، ص 179.
20 عبد الرزاق السنهوري الوسيط مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص 247. يستند الفقهاء في رأيهم إلى نصوص القوانين المدنية العربية التي توضح ماهية عقود الإذعان.
21 جويلي، سعيد سالم: الحق في الخصوصية للمستهلك في التجارة الإلكترونية. المؤتمر الدولي لقانون الإنترنت: نحو علاقات قانونية وإدارية واقتصادية وسياسية واجتماعية جديدة. المنظمة العربية للتنمية الإدارية. الغردقة: مصر، عام 2005، ص 234.
22 الشبكة القانونية العربية – فروع القانون، الخصوصية وحماية البيانات، الانترنت (2007/9/25).

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !