Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

آثار التسوية على الحقوق العرفية والعقود غير المسجلة

آثار التسوية على الحقوق العرفية والعقود غير المسجلة

(بقلم المحامية: يسرى رياض يونس)

 

تُعدّ التسوية العقارية من أهم مراحل تنظيم الملكية في الأراضي الفلسطينية، إذ تهدف إلى تثبيت الحقوق وتسجيلها في السجلات الرسمية بشكل نهائي. وتبرز الإشكالية في مدى تأثير التسوية العقارية على الحقوق العرفية والعقود غير المسجلة، نظرًا لكون هذه الحقوق غالبًا ما تكون سائدة في المجتمعات الريفية وغير منظمة. يستعرض هذا المقال الوضع القانوني المنطبق على هذه الحقوق في ظل إجراءات التسوية، ومدى الحماية التي يوفرها لها القانون الفلسطيني، بالإضافة إلى تناول التطبيق القضائي المتعلق بها.

 

أولاً – الإطار القانوني والمفاهيمي للتسوية العقارية 

المفهوم القانوني للتسوية العقارية 

تناول قانون تسوية الأراضي والمياه الفلسطيني رقم (40) لسنة 1952 تعريف التسوية، وقد عرّفها بأنها العملية التي يتم من خلالها تحديد وتثبيت الحقوق المتعلقة بالأراضي والمياه، وتسجيلها في سجلات رسمية، بناءً على ما يتم تقديمه من ادعاءات المواطنين، إضافةً إلى الفحص الميداني وكذلك الوثائق المقدّمة.

أهداف التسوية العقارية

تتمثل أهداف التسوية العقارية فيما يلي:

  • تثبيت ملكية الأفراد من خلال تسجيلها في سجلات الطابو، والتي لا يُقبل الطعن في بياناتها إلا وفق الطرق القانونية المحددة.
  • منع التعديات والنزاعات المتعلقة بحقوق الأراضي والمياه، من خلال وجود سجل رسمي وموثق من الجهة المختصة، مما يصعّب الطعن في صحة الملكية المسجلة.
  • تسهيل تداول ملكية هذه الحقوق بين الأفراد (كالبيع، والرهن، والهبة) وفقًا للشروط القانونية الخاصة بكل إجراء.

مراحل إعلان التسوية العقارية

تمر التسوية العقارية بأربع مراحل رئيسية:

1. إعلان بدء التسوية

يُصدر إعلان رسمي يُحدَّد فيه المنطقة التي ستُجرى فيها التسوية، ويدعو أصحاب الحقوق لتقديم ادعاءاتهم.

2. جمع الادعاءات وسماع الأطراف

يتم في هذه المرحلة استقبال الادعاءات المتعلقة بالحقوق، وسماع الأطراف والشهود، وإجراء المعاينات الميدانية وأعمال المساحة. وتُمنَح جميع الأطراف فرصة تقديم البيّنات والمستندات المؤيدة لادعاءاتهم، مثل:

  • عقود البيع
  • وثائق الإرث
  • سندات التأمين
  • وثائق الرهن

يُشترط تقديم الادعاء خلال الفترة المحددة، وإلا يُعتبر غير مقبول، استنادًا إلى قانون تسوية الأراضي والمياه.

3. إصدار قرارات التسوية

بعد الانتهاء من جمع الادعاءات والبيّنات، يقوم مأمور التسوية بما يلي:

  • إصدار القرارات المبدئية التي تحدد أصحاب الحقوق، ومساحات الأراضي، وحدودها.
  • عرض هذه القرارات للاعتراض خلال مدة زمنية (عادة 30 يومًا)، وفق المادة (12) من قانون التسوية.
  • النظر في الاعتراضات من قبل لجنة التسوية أو المحاكم المختصة.
  • تصبح القرارات نهائية وذات قوة تنفيذية بعد انتهاء فترة الاعتراض والنظر فيها.

4. تسجيل الحقوق النهائية

يتم في هذه المرحلة تسجيل الحقوق النهائية باسم أصحابها في سجلات الطابو، ويُمنَح كل ذي حق سند تسجيل بعد دفع الرسوم القانونية.

 

ثانياً – العقود العرفية والعقود غير المسجلة في القانون الفلسطيني

العقود العرفية في القانون

يقصد بالعقود العرفية تلك التي لا تستند إلى سند رسمي أو قانوني، وإنما تقوم على أعراف المجتمع، وتختلف من مجتمع لآخر، وتشمل:

  • شهادة الأفراد
  • الحيازة طويلة الأمد

أمثلة على العقود العرفية:

  • حيازة أرض لفترة طويلة دون اعتراض.
  • انتقال ملكية الأرض بالإرث دون وجود حجة حصر إرث.
  • حق المرور أو استخدام جزء من الأرض للعبور.
  • حقوق المياه غير المسجلة بسند قانوني.

كان مصدر هذه الحقوق مستمدًا من القوانين والأنظمة العثمانية، التي اعترفت بالعرف كمصدر لنقل الملكية. أما بعد صدور قانون التسوية الفلسطيني، لم يعد العرف معترفًا به رسميًا، إلا إذا تم تقديم الادعاء في إطار عملية التسوية.

العقود غير المسجلة في القانون

ويقصد بها العقود التي أُبرمت بين الأفراد دون تسجيلها رسميًا لدى دائرة الطابو، وتشمل:

  • عقد البيع
  • عقد الهبة
  • العقود التي تتجاوز مدتها ثلاث سنوات

عادةً ما تكون هذه العقود مكتوبة بخط اليد، أو بحضور شهود، أو مختار القرية، لكنها لا تُعتبر سندات رسمية، ولا تُقبل كدليل كافٍ في التسوية، ما لم يُقدِّمها المعني ويثبتها ضمن المدة المحددة.

 

ثالثاً – الموقف القانوني والقضائي في الواقع الفلسطيني

قانون تسوية الأراضي والمياه الفلسطيني

أشار قانون التسوية الفلسطيني في مواده إلى أن: “لا يُعتد بأي حق في الأرض ما لم يتم تقديمه خلال الفترة المحددة لتقديم الادعاءات أمام مأمور التسوية في المنطقة. ولا يُنظر في أي ادعاء يُقدَّم بعد انتهاء هذه المدة، إلا إذا ثبت أن عدم التقديم كان لسبب قوي، واقتنع به مأمور التسوية.” وبالتالي، تُعتبَر العقود العرفية وغير المسجلة لاغية، ولا يُؤخذ بها إذا لم يتم المطالبة بها أثناء إجراء التسوية. كما أن القانون لا يكتفي بمجرد وجود عقد عرفي أو غير مسجل، بل يشترط تقديم أدلة وشهادات تثبت الحق أو الملكية المرتبطة به.

الموقف القضائي الفلسطيني:

تناولت المحاكم الفلسطينية عدة قرارات تؤكد هذه المبادئ، من أبرزها:

  • القضية رقم 1208/2023 – محكمة النقض – بتاريخ 2024-05-27: أشار القرار إلى المادة (12) من قانون تسوية الأراضي والمياه، والتي تُحدد آلية الاعتراض على جداول الحقوق، مما يُبرز أهمية اتباع الإجراءات القانونية خلال التسوية لضمان حقوق الأفراد.
  • القضية رقم 1382/2016 – محكمة النقض – بتاريخ 2018-02-04: تناولت هذه القضية عقد إيجار لعقار مشمول بأعمال التسوية، وأكدت على ضرورة تسجيل العقار لدى دائرة تسجيل الأراضي. وقد شدّد القرار على مدى أهميه التسجيل الرسمي في مناطق التسوية، وبيّن أيضاً أنه في حال عدم وجود تسجيل، لا تُسمع الدعوى أمام المحاكم، وذلك استنادًا إلى المادة (16) من القانون رقم (40) لسنة 1952.

 

بقلم المحامية: يسرى رياض يونس

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !