عدم رجعية القانون الجزائي إلى الوراء
عدم رجعية القانون الجزائي إلى الوراء
إن قاعدة “عدم رجعية القانون الجزائي” تعني أن القانون الجزائي ليس به أي أثر رجعي فيطبق بتاريخ صدوره السابق. واستخلصت هذه القاعدة نتيجة لمبدأ شريعة الجرائم والعقوبات. فما إن صدر قانون جديد جرّم فعلاً لم يكن مجرم قبل صدوره، أو زيّد بمقدار العقوبة،أو قام بتغير نوعها وقمنا بتطبيق القانون الجديد على الأفعال التي حدثت قبل صدوره، أي قمنا بتطبيق القانون الجديد في وقت لم يكن للتجريم والعقاب تطبيقاً فيه، فهنا نكون قد أخلينا بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.
لقد أخذ دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012م قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية بالمادة (52) منه. ولكن هناك صعوبة تتجلى بتطبيق هذه القاعدة أمام النصوص القاطعة، تتعلق بتحديد زمن اقتراف الجرم عندما يحدث الفعل على عدة مراحل، أو يحدث في وقت واحد ولكن النتيجة تتحقق بعد أيام أو اسابيع أو شهور، كما لو أعطى أحد الناس سماً لشخص آخر على عدة مرات، بين كل مرة ومرة أخرى فاصل زمني، ولم تحدث الوفاة إلا بعد مرور فترة من الزمن. ولكن المشرع السوري قد انهى هذا الخلاف بنص الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون العقوبات وهي على ما يلي: “يعد الجرم مقترفاً عندما تتم أفعال تنفيذه،دون النظر إلى وقت حصول النتيجة ” والمعنى من هذا النص أن كيفية تحديد زمن اقتراف الجريمة هو الوقت الذي يتم فيه الفعل التنفيذي المكون للفعل وليس وقت حصول النتيجة مهمها مر عليها الوقت.
لكن وضعت القوانين الوضعية خمسة استثناءات لقاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية، أولها يتعلق بمصلحة المتهم، وثانيها بالقوانين التفسيرية، والثالث بالتدابير الاحترازية والإصلاحية، والرابع بالجرائم المتمادية المستمرة والمتعاقبة وجرائم العادة، والخامس بقواعد الإجراءات الجزائية.
أولاً – رجعية التشريعات الجزائية الأصلح للمتهم:
متى يكون القانون الجديد أصلح للمتهم؟!
إن الصعوبة التي نواجهها عند تطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم في الجرائم المقترفة قبل نفاذه تكمن في معرفة أي القوانين القديم أو الجديد أصلح للمتهم ولحل هذا الخلاف نص قانون العقوبات ست قواعد عامة لتحديد القانون الأصلح للمتهم وهي:
- إذا ألغي نص التجريم يصبح القانون الجديد أصلح للمتهم ويطبق القانون الجديد الذي يلغي نص التجريم حتى لو صدر فيها حكم مبرم فإذا كان المحكوم عليه مسجوناً وجب الإفراج عنه، كما يتم إيقاف الملاحقات،وإلغاء نص التجريم يعني الرجوع بالفعل الذي كان يشكل جرماً في القانون القديم إلى الأصل وهو الإباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة فليس من المعقول أن نستمر بحبس شخص من أجل قيامه بفعل أباحه المشرع وأعطة الحرية للكافة بممارسته.
- إذا عدل القانون الجديد شروط التجريم يكون القانون الجديد أصلح للمتهم إما بإضافة شرط أو عنصر جديد يتناول القصد الإجرامي أو المسؤولية الجزائية أو العفل، كما قام المشرع بتخفيض سن القاصر من الثامنة عشر إلى الخامسة عشر.
- إذا الغيت العقوبة أو خففت يكون القانون الجديد أصلح للمتهم فمثلاً إذا كانت العقوبة 3 سنوات أشغال شاقة ثم صدر قانون جعلها 5 سنوات نحكم بالمدة الأقل ليكون أصلح للمتهم ولكن يجب أن تلغى العقوبة أو تخفف قبل صدور حكم مبرم فلو صدر بعد حكم مبرم لا يطبق ولو كان أخف.
- إذا عدل طريقة تنفيذ العقوبة تنفيذ يغير ماهيتها أي تغير نظامها القانوني كما لو عدل طريقة تنفيذ الأشغال الشاقة وقام بجعلها عقوبة أشغال عادية، ولابد أن نذكر أن بالقانون السوري لا وجود لعقوبة الأشغال الشاقة والاعتقال المؤقت.
- إذا عدل حق الملاحقة بما يتفق مع مصلحة المدعى عليه يكون القانون الجديد أصلح للمتهم ولا بد هنا من تعريف الملاحقة وهي: الإجراء الذي تقوم به النيابة العامة أو المجني عليه لتحريك الدعوى العامة ومثالها بأن يجعل القانون الجديد الحق للنيابة العامة في إقامة الدعوى مرتبطاً بالشكوى أو الإدعاء الشخصي الذي يقوم بتقديمه المجني عليه مثال: كما لو حدثت مشاجرة نجم عنها تعطيل عن العمل وبناءاً على هذه المدة تحدد العقوبة فحدثت مشاجرة نجم عنها تعطيل عن العمل 15 يوم ولم تكن تحتاج لشكوى فحركت النيابة العامة الإعاء وأثناء المحاكمة صدر قانون جديد جعل حرم الإيذاء الذي لا يتجاوز 20 يوما بحاجة لشكور فيطبق القانون الجديد لأنه بناءاً على القانون القديم 15 يوم تحتاج لشكوى لأنه أصلح.
- كما وضع المشرع السوري بالمادتين 5,11 من قانون العقوبات قواعد خاصة بالتقادم وقد نصت هاتين المادتين على أنه إذا عدل القانون ميعاد التقادم على جرم أو عقوبة يسري هذا الميعاد وفقاً للقانون القديم،على أن لا يتم مجاوزة مداه الميعاد الذي قام القانون بتعينه محسوباً من يوم نفاذه فهنا يجب أن نراعي متى صدر القانون الجديد مثال على ذلك: إذا ارتكبت جريمة بعام 2015م وكان وقت سقوطها بالتقادم بالقانون القديم عام 2025م وفي عام 2020م صدر قانون جديد جعل مدة التقادم 3 سنوات فبناءاً على القانون القديم الذي ينص بمدة التقادم عشر سنوات تنتهي المدة بعام 2025م أما بالقانون الجديد الذي ينص بمدة التقادم ثلاث سنوات تنتهي مدة التقادم بعام 2023م فنحكم بالقانون الجديد لان 2025م تجاوزت 2023م.
ثانياً – القوانين التفسيرية:
وهي القوانين التي تكون للإيضاح لا للإضافة وهي أيضاً تستثنى من قاعدة عدم الرجعية في القوانين.
ثالثاً – التدابير الاحترازية والإصلاحية:
فقد نصت المادة 13 والمادة 14 من قانون العقوبات على استثناء التدابير سواء كانت إصلاحية أو احترازية من قاعدة عدم رجعية القوانين ولكن القانون السوري لم يأخد بهذه القاعدة على إطلاقها فقد تم فرضها فقط في الجرائم التي لا يتم الفصل فيها بمحكمة الأساس. فإذا كانت الدعوى أمام المحكمة بجرم ارتكب سنة 2015م أثناء المحاكمة صدر قانون جديد وقام بوضع تدبير جديد فإذا كانت الدعوى أمام محكمة الجنايات أو بداية الجزاء يطبق التدبير الجديد أما إذا صدر بالأساس والدعوى طعن بها أمام محكمة النقض لا يطبق التدبير الجديد وهذا الوضع يختلف عندما يكون القانون الجديد لا يضع تدبير جديد بل يعدل أو يلغي التدبير الموجود لكن جاء القانون الجديد بعد ارتكاب الجريمة فعدل في المدة او الشكل او الغى هنا يطبق القانون الجديد بشكل مباشر ولو صدر حكم عن محكمة النقض فتتم إعادة المحاكمة من جديد بغض التظر عن صدور حكم بالأساس أم لم يصدر أم صدر حكن أمام محكمة النقض أم صدر مبرماً.
رابعاً – الجرائم المتمادية:
المستمرة والمتعاقبة وجرائم العادة كما تستثنى أيضاً من قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية ولو كانت أشد فالجريمة المستمرة هي عبارة عن فعل جرمي واحد يطول زمن ارتكابه مثل حياذة المخدرات – حياذة السلاح دون ترخيص والجريمة المتعاقبة هي عدة أفعال جرمية كل منها تشكل جريمة على حدى لكن الهدف والمضمون والغرض والغاية تجعل منها جريمة واحدة مثل سرقة الكهرباء (استجرار غير مشروع للطاقة) وبهذه الجرائم نطبق القانون الجديد لأن أي تعاقب أو استمرار في ظل القانون الجديد يطبق عليه لا يرجع للوراء ويطبق بشكل فوري كأمين الصندوق الذي يختلس إذا كانت عقوبته سنتان أشغال شاقة فأصبحت خمس سنوات فيطبق الجديد.
خامساً – رجعية قواعد الإجراءات الجزائية:
وهي من المستثنيات من قاعدة عدم رجعية القوانين أيضاً مثال: قام أحدهم بارتكاب جريمة فصدر ثانون أصول محاكمات غير مدة التوقيف أو كيفية الاستجواب أو مدة القبض وكيفيته فلا يرجع إلى الوراء ويطبق بأثر فوري لأن القانون الجديد المتعلق بالإجراءات لا يطبق على الجريمة بل يطبق على إجراءات المحاكمة التي حدثت في ظل نفاذه.
ونكون قد تحدثنا بالمقال السابق عن قاعدة عدم رجعية القوانين الجزائية والحالات المستثنية بها.
بقلم الحقوقية: إناس إبراهيم هيلم
مواضيع أخرى ذات علاقة: