الإطار النظري في حرية الرأي والتعبير
الإطار النظري في حرية الرأي والتعبير
مما لا شك فيه أن حرية الرأي والتعبير هي مطلب أساسي وغرض يبحث عنه الانسان، وهي قيمة حضارية وانسانيه يقاس بها مدنيته وتحضره، فقيمة أي انسان تكمن في تحرره وكل محاولة قمع لهذه الحرية هو تقليل من شأنه وكرامته، فبحرية التعبير تولد الطاقات وتطلق عنانها، ويتمكن الفرد من الابتكار والابداع.
ولا سيما أننا نعيش في بلد متعدد القوميات والديانات ومتنوع الثقافات وهذا ما يزيد من أهمية التعبير عن الرأي للحفاظ على هذه التعددية بأطر قانونية وأن سياسة تكميم الأفواه ستساهم بتفكك الأواصر المجتمعية وبالتالي سوف نفقد حرية الرأي والرأي الأخر، فعلى الرغم من تطور العقل البشري واتساع افآق العلوم، ووجود الأنظمة المقررة لصالح الأفراد والشعوب أنفسهم في النطاق المحلي لكل دولة على حدا، إلا أن البعض أساء فهم تلك الحرية وسلك مسالك وعرة صادمين بذلك مشاعر الانسانية.
تماشياً مع ما تم ذكره كان لا بد من تسليط زمام الأمور على مصطلح حرية الرأي والتعبير فماذا تعني حرية الرأي والتعبير؟ وهل يمكن الفصل بينهما؟ ما مصادر هذا الحق؟ وما وضع ذلك الحق بين النص والممارسة؟ وهو ما سيتم تبيانه بهذه الورقة البحثية بشكل موجز.
أولاً – التعريف بحرية الرأي والتعبير:
من خلال البحث عن حرية الرأي والتعبير تبين أنه لا يوجد تعريف محدد وواضح لها بل أن هناك جملة من التعريفات المتناثرة ويمكن رسم معالم ذلك المفهوم بأنه كل ما يمكن استخدامه من أداة أو وسيلة يسمح معها التعبير عن الرأي سواء كان ذلك بالقول أو الفعل أو الخطابة أو الكتابة والنشر أو بالحركات الدالة والصور والرسوم وذلك دون أي رقابة حكومية شريطة ألا يمثل طريقة ومضمون الفكر والتعبير عنه اختراقاً للقوانين والأعراف والديانات الناظمة لذلك في الدولة ، إذ أن حدود حرية الرأي والتعبير قد تتغير وفقاً للظروف الاجتماعية والسياسية والدينية لكل مجتمع.
ولا يفوتنا أن ننوه بأن حرية الرأي لا يكون لها أي دور فعال ومؤثر إلا اذا توافرت وسائل وأدوات نقل وتعبير عن ذلك الرأي وتقديمه والبيئة المناسبة لإبداء الرأي وتلقيه ومناقشته والرد عليه برأي اخر الأمر الذي يفترض معه اقتران مصطلح الحرية بالتعبير بحيث يكونا متلازمين بما يستحيل الفصل بينهما أو ممارسة احداهما دون الأخرى، إذ أن حرية التعبير هي المدخل الحقيقي لممارسة حرية الرأي ممارسة جدية، فسنح الفرصة للفرد في تكوين رأيه والتعبير عنه بحريه يفتح مداركه على المجالات كافة، ويرفع مستوى الوعي والادراك والاحاطة الشاملة بما يسهم في تكوين الرأي الصائب حول ما يحدث من انتهاكات.
ثانياً – مصادر الحق بحرية الرأي والتعبير:
تعد حرية الرأي والتعبير حرية انسانية أصلية وغير مكتسبة فلم يعد يقتصر الحق بهذه الحرية على حدود اقليم أو دولة معينة وإنما امتد ليتغنى به العالم بأكمله، فهي لصيقة الشخص ومحور كرامته الأمر الذي دفع جملة من القوانين الداخلية والدولية لضمان هذا الحق وهو ما سيتم توضيحه على النحو التالي:
أ – بدايات ظهور حرية الرأي والتعبير: انتشر مفهوم حرية الرأي والتعبير كمصطلح واضح بين الناس في عام 1688، وذلك بعد قيام الثورة الشعبية في انجلترا لإنهاء حكم الملك جيمس، واعتمدت بريطانيا بعد ذلك قانوناً يدعى “حرية الكلام في البرلمان ” يسمح بحرية التعبير، وفي عام 1789 بعد قيام الثورة الفرنسية تبنت فرنسا حقوق الانسان والتي تنص على احترام حرية التعبير، كما تم تداولها بشكل موسع في الولايات المتحدة الامريكية مع بدايات الاستقلال الامريكي.
بالرغم ما أصاب ذلك النقاش من اعوجاج حيث كانت العبودية تضرب اطنابها في الارض الجديدة وبالتالي منع العبيد والسود من حريتهم الشخصية فما بالك فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير !. ويعتبر الفيلسوف جون ستيورات ميل من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي ولكن بوجود حد يمنع الآراء التي تسبب ضررا للأشخاص.
ب – المصادر العالمية كمصدر لحرية الرأي والتعبير: حرص المجتمع الدولي على تناول هذا الحق كركيزة أساسية وهو يتفرع ما بين المواثيق العامة والمواثيق الخاصة:
- مواثيق عامة: في عام 1946 صاغت الأمم المتحدة قراراٌ يحترم حق حرية التعبير ليصبح نصاً من النصوص الدستورية لعدد كبير من الدول، إذ اعتبرت الأمم المتحدة أن المجتمع الذي لا يتمكن فيه الأفراد من التعبير عن رأيهم لا يعتبر حراٌ. وفي عام 1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حقوق الانسان الذي تضمن حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأي والتعبير. وفي عام 1966 تضمن العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ذلك الحق أيضا ، وفي عام 1978 أقر اعلان اليونسكو في المادة (2) منه حرية الرأي والتعبير كعامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدولي ، وفي عام 1995 أقرت مبادئ جوهانسبرج حق كل شخص بحرية الرأي والتعبير.
- مواثيق خاصة: لضمان حرية الرأي والتعبير ولما يحمل في طياته من أهمية تنعكس بشكل مباشر على الفرد سعت الدول رامية مساعيها وجهودها لإصدار اتفاقيات متخصصة كاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، واتفاقيه حقوق الاشخاص ذوي الاعاقات لعام 2006، كما واصدرت قرارات تكرس ذلك الحق كالقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (127)، والقرار الصادر عن لجنة حقوق الانسان رقم (38/2000) … الخ، فضلا عن اصدار اعلانات واتفاقيات متخصصىة بضمان حرية الرأي والتعبير والتي من جملتها إعلان طهران لعام 1968، واعلان ويندهوك الخاص بالصحافة المستقلة لعام 1991، والاتفاقية الأوروبية والامريكية والافريقية والافريقي والعربية لحقوق الانسان وما الى ذلك من الاتفاقيات.
ت – على الصعيد الداخلي: فنجد الدستور الفلسطيني كفل الحق بحرية الرأي والتعبير في المادة (19) منه حيث جاء فيها : “لا مساس بحرية الرأي ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون”.
ثالثاً – حرية الرأي والتعبير بين النص والممارسة:
لأن حرية الرأي والتعبير أصبحت أحد القضايا الهامة التي يمكن من خلالها تجسيد حقوق الانسان فقد نصت على هذه الحرية العديد من المواد والتشريعات القانونية سواء المحلية أو الدولية كما أسلف بالذكر، ومن هنا كانت نصوص حرية التعبير واضحة وجلية، إلا أن مرد الاعتراف بذلك الحق ليس كافياً لضمان ممارستها من قبل المواطنين، وحمايتها من تعدي السلطة بل يجب ايجاد ضمانات ذات فعالية في ظل المشاكل التي تعتري تلك الحرية .
فنجد القوانين الداخلية للدول حيث منحت هذه النصوص ضمانات عديدة لممارسة الحرية إلا أنها حرية لا تتمتع بالطلاقة ولا بالتقييد بل هي حرية نسبية، حرية تفرض قيود تضمن عدم تجاوزها للحدود التي رسمها لها القانون وبمفهوم القانون، فعلى الرغم من عدم وضوح هذه الأخيرة إلا أن ممارسة حرية الرأي والتعبير تبقى رهينة للنظام السياسي الخاص بكل دولة على حدى وهو الأمر الذي يترجمه الواقع العملي والذي يثبت تفاوت ممارسة هذا الحق في كل دولة، فاذا ما نظرنا لقانون العقوبات.
على سبيل المثال لوجدناه يحمل في طياته العديد من العراقيل أمام ممارسة حق حرية الرأي والتعبير وذلك من خلال التوسع في جرائم الرأي وتشديد العقاب عليها، فضلاً عن الانتهاكات التي طالت حرية التعبير للصحفيين وأصحاب الرأي الأمر الذي يحتم معه وجود ضبط تشريعي يعزز مبدأ سمو القانون على كل شيء، وتعزيز مبدأ المساواة، ومبدأ الرقابة على دستورية القوانين، وتعزيز المبدأ الأهم ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات، فبقدر توافر تلك الضمانات يفتح المجال لإعمال الديمقراطية الأمر الذي ينعكس بالتبعية على إعمال ضمانات التمتع بقدر واسع من حرية الرأي والتعبير.
خلاصة القول إن حرية الرأي وحرية التعبير شرطان لا غنى عنهما لتحقيق النمو الكامل للفرد، وهما عنصران أساسيان من عناصر أي مجتمع. ويشكلان حجر الزاوية لكل مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية، ونادت المواثيق الدولية والداخلية باحترام هذا الحق إلا أن ذلك يبقى مكفولاً باحترام تطبيقه من قبل السلطات المختصة والظروف المتغيرة في كل مجتمع.
بقلم الأستاذة المحامية: نور صبيح عنبوسي
مقالات أخرى للكاتبة:
Pingback: حرية التعبير على مواقع التواصل الإجتماعي - موسوعة ودق القانونية
Pingback: حرية الرأي والتعبير - موسوعة ودق القانونية