التقادم في القانون المدني: التقادم المسقط والمكسب في الدعاوى المدنية
التقـادم فـي القانـون المدنـي:
التقـادم المسقـط والمكسـب فـي الدعـاوى المدنيـة
يعتبر التقادم من الأنظمة القانونية التي يشكل فيها الزمن عنصراً رئيسياً، واخذت به معظم التشريعات بما يلزم لتحقيق المصلحة العامة، فقد كفل القانون للدائن امكانية استيفاء حقه من مدينه بكافة الوسائل المشروعية، ولكن امكانيته للجوء للقضاء والمطالبة بحقه مقيدة بفترة زمنية حيث انه عند مرور فترة زمنية معينة بالقانون دون مطالبته بحقه يؤدي الى سقوط حقه في المطالبة، فيكون التقادم في هذه الحالة سبب لانقضاء الاتزام، فيكون تقادم مُسقط، و يعود أصل هذا النوع من التقادم الى القانون الروماني سنة 424 م، وقبل هذا القانون كانت الدعوى أبدية لا تتقادم، وذلك على العكس من الفقه الاسلامي الذي أكد على عدم سقوط الحق مهما طال عليه الزمن، وأخذت بفكرة المنع من سماع الدعوى عند مرور فترة من الزمن، و هذا ما تبنته مجلة الأحكام العدلية، فهذا التقادم لا يترتب عليه اي اثر الا اذا تمسك صاحبه بالدفع، فيتحول الالتزام من التزام طبيعي الى التزام قانوني.
كما وقد يكون التقادم في الدعاوى المدنية، وبعد مضي المدة الزمنية، سبب من أسباب إكتساب الملكية، حيث ان الانسان بطبيعته يحب تملك وحيازة الاشياء لمصلحته والحيازة جعلها القانون والفقه الاسلامي سبباً من اسباب التملك، وقام المشرع بحماية الحائز حتى لو لم يكن مالكاً لما يقوم بحيازته، والتقادم المكسب يعتبر من أثار الحيازة، وذلك بمرور فترة زمنية حددها القانون على حق عيني، وذلك وفقاً لشروط محددة ولم يقر الفقه الاسلامي فكرة التقادم المكسب وحسب مجلة الأحكام العدلية، ان وضع اليد على شيئ معين مع مرور فترة زمنية معينة لا يعطي الحائز الحق على ذلك الشيئ مهما طالت تلك الفترة.
وسنتطرق في هذا المقال لنوضح: ماهية كل من التقادم المكسب والمسقط ، التنظيم القانوني لهما، اوجه الشبه والاختلاف بينهم، موقف القانون المدني الاردني والمصري ومجلة الأحكام العدلية من التقادم بنوعيه.
ماهية التقادم المسقط والتنظيم القانوني له:
يُعرف التقادم المسقط بأنه سكوت شخص عن المطالبة بدينه، لفترة زمنية محددة، بعد حلول أجل الدين، أو امتناعه عن المطالبة بحق من حقوقه سواء كانت شخصية او عينية عند عدم استعمالها، فيؤدي ذلك الى انقضاء الالتزام، ولا يستطيع اجبار المدين على الدفع، فيتحول من التزام قانوني واجب الوفاء الى التزام طبيعي جائز الوفاء فينتفي فيه عنصر المسؤولية ويقتصر فقط على عنصر المديونية، ويرتكز هذا التقادم على المدة بصورة جوهرية ولا يستطيع الدائن رفع دعوى للمطالبة بدينه من خلال القضاء.
ولا بد من الاشارة الى ان التقادم يعتبر من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على خلافه، والغاية الاساسية منه تحقيق المصلحة العامة، وهي تعتبر من ناحية اخرى جزاء لصاحب الحق نتيجة لاهماله في استعمال حقه او المطالبة به، خلال المدة المقررة وهي خمس عشر سنة، دون عذر شرعي اما اذا اقر المدين بوجود حق عليه و بشغول ذمته بالدين، فينتج عن ذلك عدم ترتيب اي اثر للتقادم، لانه تنازل عن حقه ولم يتمسك به، “الساقط لا يعود”، ويستفيد الدائن من هذا الاقرار امام المحكمة ويستطيع المطالبة بتنفيذ الالتزام.
تناول المشرع المدني الفلسطيني التقادم المسقط في المادة (410)، التي قررت تقادم الالتزام وانقضائه بمرور خمس عشر سنة، في الحالات المنصوص عليها في القانون.
مثال على التقادم المسقط: قيام شخص بأخذ مبلغ 5 الاف دينار كدين، من شخص اخر، و لم يطالب الدائن بدينه لفترة زمنية طويلة تزيد عن (15 سنة)، ولم يقم المدين بدفع دينه ، فهنا يسقط الحق الشخصي بالتقادم ، بما يتطابق مع نصوص القانون .
موقف القانون المدني الاردني والمصري ومجلة الأحكام العدلية حول التقادم المسقط:
تستمد مجلة الاحكام العدلية أحكامها من الفقه الاسلامي، الذي يقضي بأنه مرور الزمن لا يؤدي الى ثبوت الحق لاحد او سقوطه عنه، وتبقى الذمة المالية مشغولة بالدين الى أن يتم الوفاء، وقد سارت مجلة الاحكام العدلية على هذا النهج بالمواد (1660 – 1675 ) فنجد ان الحق لا يسقط بمرور الزمن، بل على العكس من ذلك لا تسمع دعوى الحق عند تركها دون عذر لفترة من الزمن، اما بالنسبة للقانون المدني الاردني، فإنه اخذ بمرور الزمن المسقط للدعوى، كسبب من اسباب انقضاء الحق في المواد (449 -463) معتمداً في أحكامه على مجلة الاحكام العدلية بحيث لا يسقط الحق بالتقادم، وانما لا تسمع دعوى الحق بمرور مدة معينة، بينما كان موقف القانون المصري، فانه صرح عن التقادم المسقط كسبب من اسباب انقضاء الالتزام، في المواد (374 -388) بحيث يتقادم الالتزام كأصل عام بمرور خمس عشر سنة.
ماهية التقادم المكسب والتنظيم القانوني له:
من المعروف أن حق الملكية حق يتصف بالديمومة لا يسقط بعدم الاستعمال والاهمال، ويبقى لصاحبه طالما لم ينتقل لشخص اخر باحدى طرق كسب الملكية المحددة قانوناً، حيث انه عند وجود اهمال من المالك وعند امتناعه عن استعمال حقه واقترن بذلك وضع اليد هنا حق الملكية يكسب بالتقادم المكسب، وحسب القانون المدني والاردني فهو نوعين، تقادم مكسب طويل ومدته خمس عشر سنة ويطبق على العقارات والمنقولات، والتقادم المكسب القصير ومدته خمس سنوات ويطبق على العقارات ويسري التقادم المكسب على الحقوق العينية الاصلية والتبعية دون الشخصية، فعندما يكون للشخص حيازة هادئة على مال قيمي ويتصرف فيه تصرف المالك، دون ان يقطع هذه الحيازة اي عائق او مطالبة من الغير يكتسبه بالتقادم.
كذلك يجب على الحائز في التقادم المكسب التمسك به أمام المحكمة، و لايجوز للمحكمة ان تحكم به من تلقاء نفسها، فيتم التمسك به من صاحب المصلحة، وذلك لانه لا يعتبر من النظام العام حسب المادة (464) من القانون المدني الاردني، ونص المادة (387) من القانون المدني المصري، ولا بد من الاشارة الى ان كل من التقادم المسقط والمكسب تسري عليهم ذات القواعد المتعلقة بالوقف و الإنقطاع.
مثال على التقادم المكسب: قيام شخص بالاعتناء بارض غير صالحة للسكن او الزراعة وقيامه بجعلها صالحة وبذله جهود كبيرة عليها، وقام بحيازتها حيازة هادئة ولفترة زمنية طويلة، دون وجود اي عارض او مطالبة من قبل اي شخص، فهنا و بما يتناسب مع القانون ، يتم إكتسابها بالتقادم.
موقف القانون المدني الأردني و المصري و مجلة الأحكام العدلية من التقادم المكسب:
حسب المادة (986) من القانون المدني المصري، فيعتبر التقادم سبب من أسباب كسب الملكية، اما بالنسبة للفقه الاسلامي ومجلة الاحكام العدلية، فانهم لم يعترفوا بالتقادم المكسب كسبب من اسباب اكتساب الملكية، وذلك استناداً للحديث الشريف: ” لا يبطل حق امرئٍ مسلم و إن قدم”، حيث ان فكرة هذا التقادم تتعارض مع فكرة الحديث الشريف، وانما اخذت المجلة بفكرة مرور الزمن الذي يمنع من سماع الدعوى ، في المواد (1660 – 1675).
لم يقر القانون المدني الاردني بشكل صريح على التقادم المكسب، كسبب من اسباب الملكية، وانما اخذ بمبدأ المنع من سماع الدعوى وسار على نهج الفقه الاسلامي، فهو مصدر من مصادر القانون المدني الاردني، وأقر الاخير بفكرة التقادم المكسب في بعض الحقوق كحق المساطحة، والانتفاع.
أوجه الاختلاف والتشابه بين التقادم المسقط والمكسب:
*يتشابه كل من التقادم المسقط والمكسب بعدة أمور :
- علاقتهما بالنظام العام: حيث أن كلا النظامين متعلقان بالنظام العام من حيث الوجود، ولا يجوز للاطراف الاتفاق على خلافهم ، او الاتفاق على تعديل مددهم، او استثناء حق معين من التقادم، و لكن كلا النظامين لا يتعلقان بالنظام العام من حيث الاستفادة منهما ، فلا يجوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، وانما بطلب من صاحب المصلحة .
- من حيث حساب المدة: حيث ان كلا النوعين يتم احتساب مدتهم بنفس الطريقة اي يتم احتسابها على اساس التقويم الميلادي ، وبالايام لا بالساعات، مع استثناء اي عطلة او اعياد رسمية من هذه المدة فلا تحتسب من ضمنها .
- من حيث وقف سريان مدة التقادم: حيث أنه يقف سريان مرور الزمن في التقادم عند وجود عذر شرعي .
- من حيث انقطاع التقادم: ينقطع كل من التقادم المكسب والمسقط لذات الاسباب وتتمثل بالمطالبة القضائية، الاقرار بالحق ، بالاضافة الى تخلي الحائز عن الحيازة بشكل نهائي في التقادم المكسب.
*تتجلى لدينا عدة اختلافات بين كل من التقادم المسقط والمكسب:
- من حيث التفصيل التشريعي: حيث ان التقادم المسقط يتم تنظيمه تشريعياً ضمن اسباب انقضاء الالتزام ، على العكس من التقادم المكسب الذي يتم تنظيمه تشريعياً كسبب من اسباب اكتساب الملكية، خاصةً في الحقوق العينية .
- من حيث الاساس الذي يقوم عليه: حيث ان التقادم المسقط يقوم بناءً على واقعة سلبية، وهي امتناع صاحب الحق عن المطالبة بحقه وسكوته عنه او عدم استعماله لفترة زمنية طويلة، بينما يقوم التقادم المكسب على واقعة ايجابية متمثلة بحيازة شخص لحق عيني لفترة زمنية طويلة، والتصرف فيه تصرف المالك، دون اقتران تصرفه بإعتراض من المالك.
- من حيث نطاق التطبيق: حيث ان نطاق تطبيق التقادم المسقط أوسع من نطاق تطبيق التقادم المكسب الذي لا يسري الا على الحقوق العينية الاصلية و التبعية القابلة للحيازة ولا يسري على الحقوق الشخصية، اما التقادم المسقط فهو ساري على جميع الحقوق العينية والشخصية، باستثناء الحقوق الشخصية التي لا تتقادم مثل: حقوق المؤلف، وحقوق أصحاب المهن الحرة كالمهندسين و الأطباء، بالاضافة الى أموال الدولة والضرائب والرسوم ، فدين الدولة لا يُسقطه اي تقادم، ولا نطبق التقادم المكسب على الاراضي التي تمت تسويتها، أو على المنقولات التي تحتاج لتسجيل.
- من حيث حُسن النية أو سوءها: إن حسن النية أو سوءها لدى المدين لا يتم أخذها بعين الاعتبار في التقادم المسقط، بينما يتم الاعتداد بحسن النية وسوءها في التقادم المكسب.
تبعاً لما تقدم، قمنا ببيان أحكام كل من التقادم المكسب والمسقط في التشريعات المدنية، و أن مجلة الأحكام العدلية لم تأخذ بكلا النوعين، بل استعاضت عنهم بفكرة مرور الزمن المانع من سماع دعوى الحق ، وسار القانون المدني الاردني على هذا النهج، بينما اخذ مشروع القانون المدني الفلسطيني والقانون المدني المصري بكل من التقادم المكسب والمسقط .
يعتبر التقادم من أهم المواضيع المهمة التي كان لا بد من تناولها بالنسبة للمجتمع بشكل عام، لكثرة التعاملات والنزاعات المالية والحقوق بين الافراد، وبالنسبة للملاك والمدينين والدائنين بشكل خاص ، حتى تكون جميع هذه التشريعات رادعة بالنسبة للدائن المهمل عن المطالبة بدينه، ما يؤدي الى سقوطه، وبالنسبة للمالك المهمل لماله وعقاراته، فتصبح ملكاً للغير نتيجة اهماله وسكوته عن المطالبة بها، وبالنسبة للحائز الذي يجني ثمرة جهده و عنايته بمال لا يدخل في ملكه، فيكتسبه بالتقادم.
بقلم الحقوقيـة: رهف جمال صبرة
مواضيع أخرى ذات علاقة:
Pingback: قانون الأراضي: أهدافه وأهميته في تنظيم الاستخدام والتنمية العمرانية - موسوعة ودق القانونية
Pingback: رد الاعتبار في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني - موسوعة ودق القانونية