الحقوق القانونية للذكريات الرقمية: حماية حياة الأشخاص بعد موتهم في الفضاء الرقمي
الحقوق القانونية للذكريات الرقمية:
حماية حياة الأشخاص بعد موتهم في الفضاء الرقمي
(بقلم الباحثة: ريم رعد هاشم)
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حياتنا الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الواقعية، بل يمكن القول إنها أصبحت امتدادًا لها. الصور، الفيديوهات، الحسابات البنكية الرقمية الرسائل الشخصية، وحتى الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام تمثل هويتنا الرقمية وذاكرتنا الافتراضية. كل منشور، كل صورة، كل رسالة، تمثل جزءًا من تاريخنا الشخصي والاجتماعي، وأحيانا حتى من إرثنا المالي.
لكن مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا يطرح سؤال قانوني هام: ماذا يحدث لكل هذه الأصول الرقمية بعد وفاة صاحبها؟ في العراق لم يتم وضع أي تشريع أو إطار قانوني واضح ينظم هذا الجانب مما يخلق فجوة ضخمة في حماية حقوق الشخص وحقوق الورثة ويضع القانون المدني والجنائي العراقي في مواجهة واقع رقمي جديد لم يصاغ له نصوص قانونية مسبقة هذا الفراغ القانوني يفتح الباب لمجموعة من النزاعات القانونية والأخلاقية والاجتماعية حول كيفية إدارة الحياة الرقمية بعد الموت.
أهمية الموضوع
- حماية حقوق الشخص بعد الوفاة وضمان إرثه الرقمي للأجيال القادمة.
- منع النزاعات القانونية بين الورثة وحماية مصالحهم.
- تعزيز الثقة في المنصات الرقمية في العراق من خلال إطار قانوني واضح.
- وضع العراق على خريطة الدول الحديثة التي تتعامل قانونيًا مع الحياة الرقمية بعد الوفاة.
- الحفاظ على الخصوصية وحماية الأفراد المرتبطين بالمتوفى.
- الحد من الجرائم الرقمية المرتبطة بالأصول الموروثة مثل الاحتيال والاختراق.
أولاً – الفضاء الرقمي بعد الوفاة: حقائق حديثة
الذكريات الرقمية التي يتركها الإنسان بعد وفاته تتنوع بشكل كبير وتشمل:
- الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي: مثل فيسبوك، إنستغرام، تويتر، تيك توك هذه الحسابات تحتوي على صور شخصية، منشورات، محادثات، شبكة من الأصدقاء والمعارف، وأحيانا ملفات حساسة أو معلومات مهمة ترتبط بالعمل أو الحياة اليومية بعد وفاة الشخص تصبح هذه الحسابات هدفا محتملاً للتلاعب أو السرقة أو حتى حذفها نهائيا ما يفقد الورثة جزءًا من إرثهم العاطفي والاجتماعي.
- الأصول المالية الرقمية: تشمل المحافظ الإلكترونية، العملات الرقمية، البطاقات الافتراضية، والحسابات البنكية المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية هذه الأصول تحمل قيمة مالية حقيقية وقد تكون جزءًًا مهما من الإرث المالي للورثة لكنها تواجه تحديات قانونية في حالة غياب تشريع ينظم نقلها أو توريثها.
- المحتوى الشخصي: مثل الصور، الفيديوهات، المستندات الرقمية، البريد الإلكتروني، والملفات المخزنة على السحابة كل هذه الملفات قد تحمل معلومات قانونية أو شخصية أو مهنية مهمة وفي حالة فقدانها أو سوء إدارتها بعد الوفاة يمكن أن يترتب عليها خسائر عاطفية أو مالية كبيرة.
كل هذه الأصول الرقمية تحمل قيمة شخصية وعاطفية، وأحيانا مالية، لكنها تواجه خطر الضياع أو الاستغلال بعد وفاة صاحبها إذا لم يتم وضع إطار قانوني ينظم التعامل معها بشكل واضح وصريح.
ثانياً – الإطار القانوني الحالي في العراق
حتى اليوم لا يوجد أي نص قانوني في العراق ينظم ملكية أو إدارة الحسابات الرقمية بعد وفاة صاحبها. القانون المدني العراقي يركز على الإرث التقليدي للأموال والممتلكات المادية فقط ولم يتطرق بعد لأي شكل من أشكال الأصول الرقمية هذا الفراغ القانوني يترك الباب مفتوحا لمشكلات كبيرة مثل:
- الضغط على شركات التكنولوجيا للوصول إلى الحسابات الرقمية: في حالة وفاة صاحب الحساب قد تلجأ أسر المتوفى إلى شركات التواصل الاجتماعي أو الخدمات الرقمية للحصول على كلمات المرور أو المحتوى وغالباً ما تكون الشركات مقيدة بسياساتها الخاصة مما يضع الورثة في مواجهة معقدة قانونياً.
- الاستغلال الخارجي واختراق الحسابات الرقمية: الفراغ القانوني يتيح للقراصنة أو أطراف غير قانونية الوصول إلى الحسابات أو المعلومات الشخصية بعد وفاة صاحبها ما يؤدي إلى سرقة المعلومات، الاحتيال المالي، أو نشر محتوى حساس.
- تنازع الورثة على الأصول الرقمية: غياب التشريع يخلق حالة من النزاعات المحتملة بين الورثة حول الصور، الفيديوهات، الرسائل، أو الأرصدة الرقمية مما قد يؤدي إلى خلافات قانونية طويلة ومعقدة يصعب حلها دون إطار قانوني واضح.
بالتالي يمكن القول إن عدم وجود نصوص قانونية محددة يجعل العراق في موقف ضعيف لمواجهة التحديات الرقمية الحديثة المتعلقة بحياة الأشخاص بعد وفاتهم ويستدعي وضع تشريع خاص بالأصول الرقمية لضمان حماية الحقوق الشخصية والمالية والاجتماعية.
رابعاً – التحديات القانونية
1. تحديد ملكية الأصول الرقمية:
هناك جدل كبير حول ما إذا كانت الأصول الرقمية تعتبر جزءًا من الإرث المادي أم أنها ملكية معنوية تنتهي بوفاة الشخص على سبيل المثال هل الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي تورث كما تورث العقارات أو الأموال؟ هل يمكن اعتبار البريد الإلكتروني والمستندات المخزنة على السحابة ملكية شخصية يمكن نقلها للورثة؟
2. الوصول إلى المحتوى الشخصي:
غالبًا ما تمنع الشركات العالمية الوصول إلى الحسابات الرقمية بعد الوفاة إلا وفق شروط محددة. في العراق لا توجد آليات قانونية واضحة للتعامل مع هذا الأمر ما يجعل الورثة يعتمدون على السياسات الداخلية للشركات والتي قد لا تكون متوافقة مع حقوق الورثة أو القانون المحلي.
3. الوراثة الرقمية:
سؤال هام: هل يمكن توريث الحسابات الرقمية أو المحتوى الشخصي؟ كيف يتم توزيع المحتوى الرقمي بين الورثة؟ وهل يحق لهم تعديل أو حذف المحتوى أم يقتصر الوصول على الاطلاع فقط؟ غياب النصوص القانونية يخلق حالة من الغموض القانوني.
4. الخصوصية بعد الوفاة:
حماية بيانات الآخرين المرتبطة بالمتوفى مثل الرسائل أو الصور التي تضم أصدقاء أو أفراد آخرين تعتبر من أبرز التحديات القانونية حيث يمكن استغلال هذه البيانات أو نشرها بشكل غير قانوني مما يضر بخصوصية الآخرين.
5. الأصول الرقمية المالية:
العملات الرقمية المحافظ الإلكترونية والحسابات البنكية الرقمية تحتاج إلى تنظيم قانوني دقيق لتوريثها أو نقلها للورثة وإلا فقد تتعرض للاستغلال أو الاختلاس.
6. الجرائم الرقمية المرتبطة بالأصول الموروثة:
الاحتيال على الحسابات الرقمية للمتوفى اختراق البريد الإلكتروني أو سرقة العملات الرقمية والأصول القيمة تشكل تحدياً حقيقياً إذا لم يكن هناك إطار قانوني واضح.
خامساً – التجارب الدولية كمصدر للإلهام
1. ألمانيا:
- تعتبر الحسابات الرقمية جزءًا من الإرث القانوني.
- يمكن للورثة المطالبة بالحصول على كلمات المرور والمحتوى الرقمي بعد الوفاة وفق شروط قانونية محددة.
- هذه التجربة تظهر للعراق إمكانية وضع نصوص قانونية تمنح الورثة حق الوصول للأصول الرقمية بطريقة آمنة ومنظمة.
2. الولايات المتحدة:
- توفر شركات مثل جوجل وفيسبوك آلية “وراث رقمي” أو “Trusted Contacts”، حيث يمكن للفرد تحديد من يدير حساباته بعد الوفاة.
- بعض الولايات الأمريكية بدأت بوضع تشريعات تنظم حقوق الورثة في الأصول الرقمية.
3. اليابان وكوريا الجنوبية:
- سنت قوانين لحماية بيانات المتوفى تشمل البريد الإلكتروني، الصور، وأي محتوى رقمي.
- تم تنظيم الوصول إلى الحسابات الرقمية وتحديد المسؤولية القانونية لمن يصل إليها.
التجارب الدولية تؤكد أن التنظيم القانوني للأصول الرقمية بعد الوفاة ضرورة لحماية الحقوق الشخصية والاجتماعية والمالية وهو أمر يمكن للعراق الاستفادة منه لتطوير إطار قانوني شامل متكامل يحمي الأصول الرقمية وحقوق الورثة.
سادساً – مقترحات لتطوير الإطار القانوني العراقي
1. تعريف الأصول الرقمية قانونياً:
يجب أن يشمل القانون العراقي الحسابات الرقمية الملفات السحابية العملات الرقمية البريد الإلكترونية والهويات الرقمية لتصبح جزءًا من الإرث القانوني.
2. إدراج الأصول الرقمية ضمن قوانين الإرث:
تعديل نصوص القانون المدني لتشمل الحقوق الرقمية ضمن الممتلكات الموروثة مع وضع قواعد واضحة لتوزيعها بين الورثة.
3. تحديد حقوق الورثة:
وضع آليات قانونية تحدد كيفية توزيع الحسابات الرقمية المحتوى والأرصدة المالية الرقمية وتحديد حدود الوصول لكل وريث.
4. حماية الخصوصية الرقمية بعد الوفاة:
وضع نصوص تمنع استغلال البيانات الرقمية وتحمي الأشخاص المرتبطين بالمتوفى من أي انتهاك للخصوصية
5. التعاون مع شركات التكنولوجيا:
وضع اتفاقيات قانونية ملزمة للشركات لضمان تنفيذ الإرث الرقمي وفق القانون العراقي وحماية الحقوق الرقمية.
6. آليات التقاضي الرقمي:
إنشاء وحدات قضائية متخصصة بالنزاعات الرقمية المتعلقة بالأصول الرقمية بعد الوفاة لضمان سرعة الفصل والنزاهة القانونية.
7. التوعية المجتمعية:
توعية المواطنين بكيفية تنظيم الإرث الرقمي قبل الوفاة وتشجيعهم على استخدام أدوات المنصات الرقمية لتحديد الورثة الرقميين.
سابعاً – خاتمة
الذكريات الرقمية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، وتحمل قيمة عاطفية وشخصية وأحياناً مالية كبيرة عدم تنظيم هذا المجال قانونيًاً في العراق يمثل فجوة كبيرة تحتاج إلى معالجة عاجلة.
تطوير إطار قانوني متكامل للأصول الرقمية بعد الوفاة ليس رفاهية بل ضرورة حيوية لحماية الشخص وورثته وضمان العدالة الرقمية ووضع العراق على خارطة الدول التي تتعامل مع القضايا الرقمية الحديثة بشكل مبتكر وفريد تجعل العراق سابقا في معالجة القضايا القانونية والرقمية الحديثة.
بقلم الباحثة: ريم رعد هاشم
مواضيع أخرى ذات علاقة:
- الذكاء الاصطناعي وحماية البيانات الشخصية في العراق: الفراغ القانوني والتحديات المستقبلية.
- الجرائم المستحدثة في ظل التطور التكنولوجي: التحديات القانونية والواقعية.
- الذكاء الاصطناعي: التحول القانوني القادم.
- تحليل الإطار القانوني في الذكاء الاصطناعي: التحديات والفرص.
- حقوق الإنسان الرقمية.
- تأثير التكنولوجيا على الخصوصية والحقوق الفردية.