الرقابة على دستورية القوانين
الرقابة على دستورية القوانين
دستورية القوانين، إن القانون الدستوري هو القانون الأسمى في الدولة، ويعلو هرم القوانين فيها، ويعرّف بأنه: مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم والسلطات الثلاث فيها، وينظم حقوق الأفراد وحرياتهم، والدستور هو أمر مهم لا بد من وجوده في كل دولة بغض النظر عن نظامها السياسي، فالدولة التي تتمتع بالحكم الديمقراطي والحكم المطلق أصبحت تتخذ من الدستور منهجاً وقانوناً لها.
الرقابة على دستورية القوانين أو الرقابة الدستورية: وتعني اخضاع كافة القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية للرقابة وتقوم بها هيئة مختصة بذلك، للتأكد من أن هذه القوانين لا تخالف أحكام الدستور وقواعده. وتهدف الرقابة على دستورية القوانين إلى ضمان فوقية الدستور والالتزام بقواعده في القوانين العادية والمراسيم الحكومية، وهي تمثل الآلية الأكثر فعالية لضمان فوقية الدستور والتي تشكل من أهم عناصر دولة القانون. وفي ضوء ما تقدم يمكن القول بأن وجود جهة تتولى رقابة دستورية للقوانين يمثل ضمانة هامة للحقوق التي تقررت في صلب الوثيقة الدستورية أو في ديباجتها، ذلك لأن الغرض من هذه الرقابة يتمثل في منع مخالفة القانون للدستور، أو الانحراف في استعمال السلطة التشريعية. وتختلف دول العالم في رقابتها الدستورية، لكنها تتفق بالمجمل بأنه يجب عدم مخالفة أي قاعدة قانونية تخص الدستور، واتخذت الرقابة على دستورية القوانين أكثر من صورة، فمنها ما يسمى بالرقابة السياسية، ومنها ما يسمى بالرقابة القضائية، وتقسم كل صورة إلى أوجه حيث تقسم الرقابة السياسية إلى رقابة سابقة لصدور القانون ورقابة لاحقة لصدوره، ومن أوجه الرقابة القضائية ما يكفل إلغاء القانون المخالف للدستور، ومنها ما يكتفي بالامتناع عن تطبيق القانون.
أولاً – الرقابة السياسية:
مفهومها:
هي رقابة وقائية سابقة على إصدار القانون، تتم ممارستها من قبل هيئة سياسية خاصة أنشأها الدستور، فهي سياسية لأنها تعهد عملية الرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة سياسية حددها الدستور (غير البرلمان أو الحكومة أو القضاء)، وهي وقائية لأنها تهدف إلى الحيلولة دون إصدار القوانين غير الدستورية، أو بمعنى آخر، اتقاء عدم دستورية القوانين قبل وقوعها. لأن هذه الرقابة تمارس على القوانين المجمع إصدارها، أي على القوانين التي تم اقرارها من قبل البرلمان ولم يتم بعد إصدارها من قبل رئيس الدولة.
نشأتها:
من المعروف أن الرقابة السياسية نشأت أول مرة في فرنسا بموجب ستور السنة الثامنة لإعلان الجمهورية الصادرة عام 1799م تحت ظل الحكم النابليوني، وذلك بتأثير من أحد رجالات الثورة الفرنسية البارزين وقد أنشأت مجلساً أطلق عليه اسم (مجلس الشيوخ الحامي للدستور). وكلّفه بالسهر على احترام القوانين الدستورية والقيام بمراقبة القوانين قبل صدورها. واستمرت فرنسا في تطبيقها حتى الوقت الحاضر، ومنها أخذت بهذه الطريقة بعض الدول الإفريقية المستقلة عن فرنسا وكذا غالبية الدول الإشتراكية والاتحاد السوفيتي السابق.
الهيئة الخاصة بالرقابة السياسية:
تلجأ معظم دساتير الدول التي تختار طريق الرقابة السياسية إسنادها إلى هيئة هيئة خاصة مستقلة تتولى الرقابة على دستورية القوانين على وجه الخصوص قبل صدورها في الغالب الأعم لتكون رقابة وقائية تستهدف منع صدور القانون، اذا كان مخالفاً للدستور، وقد يتم تشكيل هذه الهيئة أما بطريقة التعيين من جانب البرلمان، أو السلطة التنفيذية، أو كلاهما معاً، أو بطريق الانتخاب من القاعدة الشعبية أو من خلال أعضاء اللجنة ذاتها بعد تشكيلها لأول مرة، ويستمد هذا الاتجاه أساسه من مبدأ الفصل بين السلطات بتنفيذه على نحو يمنع تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية، ولتفادي احتمال سيطرة أو هيمنة القضاء على البرلمان، بما يهدد استقلاله.
عيوب ومزايا الرقابة السياسية:
1- العيوب: درج جانب من الفقه على تفضيل الرقابة القضائية على السياسية لاعتبارات معينة لعل أهمها:
- الهيئة السياسية تخضع بطبيعتها للأهواء والنزوات السياسية والحزبية التي تسيطر على عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو الأمر الذي يؤدي في الأصل إلى الخروج على الدستور، ومن ثم فإن الطريق السياسي للرقابة يعني سوى إحلال هذه الهيئة بنزعاتها محل أهواء ونزعات الهيئات السياسية الأخرى فتغدو الرقابة غير منتجة أو مؤثرة بما يشكل خطراً سياسياً على الدستور ومبادئه.
- منع الأفراد من حق الطعن في دستورية القوانين في مختلف الدول التي تأخذ بهذا الأسلوب من أساليب الرقابة مما يؤدي إلى أن تصبح الرقابة مقررة لمصلحة السلطات العامة والقائمين عليها وليس لصالح الدستور والحريات الفردية مما ينفي الحياد الواجب تحققه في هذه الوظيفة. وهناك الكثير من العيوب اقتصرنا الذكر على أبرزها.
2- المزايا: يشير الفقه إلى أن للرقابة السياسية على دستورية القوانين المزايا التالية :
- تتفق الرقابة السياسية مع طبيعة عمل السلطة التشريعية والذي تتداخل فيه الإعتبارات السياسية مع الإعتبارات القانونية، لأن الرقابة على الدستورية هي مسألة قانونية في موضوعها، وسياسية في آثارها، فإنه من الأوفق أن تباشر هيئة سياسية يقوم بتشكيلها البرلمان وتتكون من أعضائه تلافياً لعوامل التحدي ومحاولة السيطرة المتبادلة بينهما.
- لا تقتصر الرقابة السياسية على الجوانب القانونية فحسب وإنما تمتد لتشمل الجوانب السياسية المحيطة بالعمل محل الرقابة، وتقدير مدى الآثار المترتبة على الرقابة سواء من حيث دستورية هذا العمل أو من حيث ملائمته.
ثانياً – الرقابة القضائية:
مفهومها:
تعني الرقابة القضائية وجود هيئة قضائية تتولى الرقابة على دستورية القوانين، والقصد من الرقابة القضائية على دستورية القوانين التحقق من مطابقة القانون لأحكام الدستور، فالرقابة القضائية ترمز إلى الهيئة التي تباشرها وطابعها القضائي.
نشأتها:
نشأت هذه الرقابة أولاً في الولايات المتحدة الأمريكية وتمارس المحاكم هذه الرقابة القضائية لـ دستورية القوانين، كل حسب حدود اختصاصاتها، فالمحاكم الاتحادية تراقب دستورية القوانين بالنسبة للقوانين التي تسنها السلطة التشريعية، إما محاكم الولايات المتحدة فإنها تنظر في دستورية القوانين التي تسنها برلمانات الولايات المتحدة حيث يراعي من قبل الحاكم نصوص دساتير الولايات المتحدة ونصوص دستورية الاتحاد المركزي. والواقع أن دستور الولايات المتحدة لعام 1787م لم ينص صراحة على جواز مثل هذه الرقابة.
الهيئة المختصة بالرقابة القضائية:
إن القيام بالرقابة تتم من قبل هيئة قضائية على دستورية القوانين للمحافظة على علوية الدستور. واعتمدت عدة دول في العالم أسلوب الرقابة القضائية لـ دستورية القوانين وخوّلت أو سمحت لهيئات قضائية بممارسة هذا النوع من الرقابة وهناك العديد من أنواع الرقابة القضائية، إلا أن أهمها هما:
- رقابة الإمتناع: وتعني امتناع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري، وتكون دائماً لاحقة على إصدار القانون.
- رقابة الإلغاء: تحدث عندما يقوم صاحب الشأن المتضرر من قانون معين بالطعن فيه مباشرة أمام المحكمة المختصة طالباً إلغائه لمخالفة الدستور، دون أن ينتظر تطبيق القانون عليه في دعوى من الدعاوي القضائية، فإذا لم يثبت للمحكمة بأن القانون المطعون فيه مخالفة للدستور فإنها تحكم بإلغائه بحيث كأنه لم يكن.
عيوب ومزايا الرقابة القضائية:
1- العيوب: بالرغم من المزايا التي تتمتع بها الرقابة القضائية إلا أنها لم تسلم من النقد من جانب الفقه باعتبارها أنها تمثل خروجاً على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى اقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية، مما يعتبر مساساً بمبدأ فصل السلطات، كما إن إعطاء سلطة إلغاء القانون يعطيها مركزاً قوياً ونفوذاً كبيراً باتجاه سلطات الدولة لا سيما السلطة التشريعية.
2- المزايا: تحقق هذه الرقابة بعض المزايا المهمة التي لا يتم نكرانها، فمن ناحية أن تخصص جهة قضائية واحدة بمسألة فحص دستورية القوانين وتقدير ما إذا كان القانون التي تم طعنه فيه مخالفة لأحكام الدستور أم لا، وذلك سواء كانت هذه الجهة القضائية هي المحكمة العليا في النظام القضائي القائم في الدولة، أو محكمة دستورية خاصة أنشأت لتضطلع بهذه المهمة يؤدي إلى ثبات الأوضاع واستقرار المعاملات القانونية. ومن ناحية أخرى، فإن الحكم الصادر بالإلغاء في حال ثبوت مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام الدستور ينهى المشكلة ويحسم الموقف بصفة نهائية مما لا يسمح بالعودة مرة أخرى لطرح النزاع بصدد نفس القانون أمام محكمة أخرى أو أمام ذات المحكمة. وبالتالي فإن الدستور يسمو على جميع القوانين والتنظيمات داخل الدولة الواحدة، إذ أن المعاهدات والاتفاقيات التي تصادق عليها الدولة يجب أن تنسجم مع أحكام الدستور بما لا يعارض أحكامه، وهذا ما يصطلح عليه بـ دستورية القوانين والمعاهدات فالرقابة الدستورية تعتبر إحدى الضمانات الأساسية لحماية الدستور وضمان احترام القوانين داخل نفس المجتمع.
بقلم الحقوقية: يمان عبد المجيد مسلم
Pingback: الإطار النظري في حرية الرأي والتعبير - موسوعة ودق القانونية
Pingback: دور القاضي في تفسير القوانين - موسوعة ودق القانونية
Pingback: بحث قانوني في القانون الدستوري - موسوعة ودق القانونية
Pingback: القرارات بقانون والوضع الفلسطيني - موسوعة ودق القانونية
Pingback: الدستور والدستورانية بعد الحراك العربي - موسوعة ودق القانونية
Pingback: آليات تعديل الدساتير: السلطة التأسيسية المنشأة والمعدلة - موسوعة ودق القانونية
Pingback: دستور الولايات المتحدة الأمريكية - موسوعة ودق القانونية
Pingback: اللامركزية ورقابة السلطة المركزية - موسوعة ودق القانونية
Pingback: حالة الاستثناء وهم أم خيال - موسوعة ودق القانونية