Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

حالة الاستثناء وهم أم خيال

 حالة الإستثناء وهم أم خيال

 

إن أي مجتمع خلال فترة تطوره التاريخي قد يمر بعقبات وصعوبات تجعلهُ في حالة الاستثناء خارجة عن المألوف، وهذه الحالة الاستثنائية التي قد تجعل العالم يمر في حالة خارجة عن الوضع الطبيعي المعتاد قد تكون نتيجة ظروف بفعل الإنسان كالحروب والانقلابات مثلاً، وقد تكون بفعل ظروف طبيعية ليست من صُنع الإنسان كالزلازل والبراكين والامراض الوبائية التي تهدد النظام العام وتُمثل خطر على سلامة الدولة وأمنها واستقرارها، أي أنها تجعل الدولة في حالة تخبط تام، وغالباً تعجز التشريعات التي وضعت لِتُطبق في الظروف الطبيعية أن تُعالج الظروف الطارئة التي تحدث دون سابق إنذار وتُدخل الدولة في حالة فوضى عارمة بحاجة لإعلان حالة استثناء حتى يتم معالجتها عن طريق إيجاد الحلول التشريعية المناسبة لتحقيق إعتباريين غاية في الأهمية وهما:

  • المحافظة على كيان الدولة وسلامتها.
  • احترام قواعد القانون.

 

أولاً – حالة الاستثناء حديثاً:

 

في الوقت الراهن دخل العالم أجمع في حالة استثناء بسبب ظهور وباء يُهدد حياة الأفراد يتمثل بفايروس كورونا والذي جعل العالم أجمع يواجه خطراً شاملاً بسبب هذا العدو الخفي الذي يتنقل من دولة الى أخرى دون سابق انذار ودون قيود ما جعل الدول جميعها تُعلن حالة الطوارئ من أجل الحفاظ على حياة المواطنين والحد من أنتشار هذا الفايروس الخفي الذي يُهدد حياة الأفراد أجمع، بالتالي بدأت الدول تستعين بالكوادر الصحية بشكل كبير وتتبع بروتوكولات معينة وتعمل على نشر الوعي والثقافة حول الإجراءات الواجب إتباعها للحد من انتشار المرض الذي يؤدي الى هدر العديد من أرواح البشر وبدأ البشر ينظرون إلى بعضهم كمصدر عدوى وأصبحنا في حالة تباعد اجتماعي تام ورهبة وخوف وفرض إغلاقات على المدن والمطارات والموانئ وحظر التجول لكبح فايروس كورونا، وبالرغم من كل ذلك إلا أنّ أشخاص عدة يشككون في حقيقة فرض حالة الاستثناء وما إذا كانت هي حقيقة أم مجرد لعبة وهمية.

يتناول المقال المُعد أمامكم الحديث عن حالة الاستثناء بشكل عام ومن وجهة نظر عدد من الفلاسفة، كما في الفترة الأخيرة بات الجميع يخلط ما بين حالة الاستثناء والضرورة أو الطوارئ بالتالي أصبح من الضروري توضيح الفرق فيما بينهم، من أجل فهم الحالة التي تعيشها أغلب الدول في الوقت الحالي.. ماهية الاستثناء عند رؤية دخول الدولة في وضع استثنائي نتيجة ظرف طارئ غير متوقع أدى الى تهديد أمن الدولة واستقرارها يتم الإعلان عن ” حالة الاستثناء”، حيث أنّ التشريعات التي وضعت لِتُطبق في الظروف الطبيعية تصبح عاجزة عن معالجة الظروف الطارئة التي تحدث دون سابق انذار والتي تُدخل الدولة في حالة فوضى عارمة, وبالتالي نصبح بحاجة لإعلان حالة استثناء حتى يتم معالجة الظروف الطارئة، وذلك عن طريق إيجاد الحلول التشريعية المناسبة لتحقيق اعتباريين غاية في الأهمية وهما: المحافظة على كيان الدولة وسلامتها، واحترام قواعد القانون، كما كان لا بُد أن تنص الدساتير على تشريعات لمجابهة هذه الظروف الاستثنائية وتنظيمها ويتم في هذه الحالة أيضاً منح رئيس الدولة صلاحيات غير محدودة في ظل الظروف الاستثنائية فيصبح هو المشرع والمنفذ وتصبح صلاحيات السلطات الثلاث بين يديه، ولكن هذا كلهُ قد يؤثر سلباً على حقوق الأفراد وحرياتهم فهي بمثابة حد من حرياتهم وفي هذا الشأن أتبنى ما قالهُ الفيلسوف جورج أغامبين في كتابهِ عن حالة الاستثناء في صفحات متفرقة،” أن حالة الاستثناء سوف تتلاعب في القانون فهي ليست حالة للقانون بل هي عبارة عن فضاء لا يحيطهُ القانون، كما أن في حالة الاستثناء يصبح الأفراد حياتهم غير مهمة أي أن نظام الحكم مستعد أن يضحي بأفراد لبقائه كما حصل في معسكرات الاعتقال النازية وأيضاً الوضع الذي فرضه جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر والتي بمقتضاها تم الزج بعناصر تنظيم القاعدة بالمعتقل والذين لا يملكون أي صفة قانونية تجعلهم أسرى حرب”، هذا الجزء البسيط من فلسفة جورج أغامبين تدل فعلاً على أن حالة الاستثناء قد لا تصب في جانب إعطاء الأفراد حرياتهم وحقوقهم، إضافة الى ذلك إن حالة الاستثناء تتعارض مع الأسس التي تقوم عليها دولة القانون والمتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ الشرعية وتُعرضها للانتهاك, وفي الوقت الراهن دخل العالم أجمع في حالة استثناء بسبب ظهور وباء يهدد حياة الأفراد يتمثل بفيروس كورونا.

 

ثانياً – ماهية حالة الاستثناء:

 

الجميع يتفق على أن لوقتنا هذا لم يتم تعريف حالة الاستثناء بشكل واضح ولم يتفق القانون على تعريف واحد فقد عرف كل مفكر حالة الاستثناء من منظوره، فقال المفكر كارل شميت ” أن حالة الاستثناء هي الحالة التي يكون فيها رجل السيادة وهو الرئيس داخل وخارج القانون يستطيع تعليقه لتعطيه الحق الدستوري في السلطة المطلقة في حالات معينة أو ما يعبر عنها بمفهوم السلطة الكاملة بحيث يتاح للسلطة التنفيذية حق إصدار مراسيم لها قوة القانون” ويقول كارل شميت أن حالة الاستثناء تقوم حينما يتم تعليق القانون الذي يهدف تعليقه الى المحافظة على السيادة، بالتالي هذا التعريف سوف يتعارض بطبيعة الحال مع دولة الحق والقانون باعتبار أن هذه الدولة نشأة بطبيعة اتفاق مقتضاه أن يكون الحكم أو الحاكم ملزم باتباع القوانين الذي تم تشريعها بشكل مستقل، أي أنهً يجب أن يكون هناك فصل سلطات ولكن مفهوم كارل شميت عن حالة الاستثناء لا يتوافق بشكل أساسي مع فصل السلطات إنما يركز السلطات بيد شخص واحد وبالتالي معظم الحكام المستبدين والدكتاتوريين بمجرد وصولهم للحكم كانوا يقومون بإصدار مراسيم تهدف الى منع الحرية الشخصية، وهذا المثال تم طرحهُ بواسطة أغامبين حينما تحدث عن هتلر الذي اعتبر أن دولة المانيا النازية جميعها خاضعة لحالة استثناء امتدت 12 سنة ولكن اذا اطلع الأفراد على حالة الاستثناء وقاموا بمقارنتها مع الوضع السائد في زمن هتلر سيقولون أن هذا وضع طبيعي لا سيما في ظل وجود وصع نازي وحكم استبدادي. أما حالة الاستثناء من وجهة نظر أغامبين وكما ذكر في كتابه” حالة الاستثناء” أنها العلاقة بين النظام القانوني وحالة الطوارئ التي يتم النص عليها في الدساتير والقوانين, كما قال أن حالة الاستثناء “هي بمثابة قاعدة عامة تعيشها الدول وحسب رأي أغامبين حالة الاستثناء أيضاً هي حالة خارجة عن القانون” وأيضاً هي عبارة عن “نموذج للحكم” كما أن نظرية أغامبين تطرقت الى أن حالة الاستثناء التي يتعامل بها الدكتاتوريين قد تقع ايضاً في الانظمة الديمقراطية، فقال أغامبين أن حالة الطوارئ وتعديل القوانين باتت الان جاري العمل فيها بشكل علني أو ضمني وبالتالي حالة الاستثناء هي عبارة عن نموذج مهمين للحكم في السياسة المعاصرة، بمعنى أن ما يُريد أغامبين التوصل اليه هو أن حالة الاستثناء هي عبارة عن الحالة المُعتادة والطبيعية للحكم أو القاعدة العامة التي نعيشها ورغم كل التبريرات التي يقدمها فقهاء القانون الا أن حالة الاستثناء ليست حالة للقانون، بل هي حالة من الفضاء لا يُحيطه القانون، بالتالي أي محاول لتبريرها ضمن القواعد الدستورية سوف تكون محاولة فاشلة.

كما عرف خطيب روما الشهير حالة الاستثناء وحالة الطوارئ ب” أنها الحالة التي تسمو بها سلامة الشعب على كل قانون وضعي, وأنهُ من الضروري جداً الاتجاه الى أفضل الوسائل لمواجهة الأزمات العصبية” من هذا المنطلق يمكن القول أن حالة الاستثناء وحالة الطوارئ هي تلك الحالة التي يتم الإعلان عنها من طرف السلطات من أجل مواجهة ظرف محدد يواجه البلاد وسلامة المواطنين.

 

ثالثاً – الفرق بين حالة الإستثناء وحالة الضرورة أو الطوارئ:

 

بعد أن عرفنا حالة الاستثناء كان لا بُد من تعريف حالة الضرورة ومعرفة الفرق بينها وبين حالة الاستثناء، فحالة الطوارئ (الضرورة) عرفها الفقيه الإنجليزي بأنها: تلك الحالة التي يمكن من خلالها مجاوزة المبادئ الدستورية الاعتيادية لمواجهة الظروف الاستثنائية، أما الفقيه الأمريكي وصفها بأنها حالة أعدت لمواجهة ظروف غير مستقرة وغير متكررة لا يمكن مواجهتها بالسلطات التي تمنحها التشريعات العادية, وقد عرفها الفقيه الفرنسي بأنها: تلك الظروف الاستثنائية المحددة بقانون سابق, والذي يمنح عند تحقق هذه الظروف لسلطات الضبط الإداري باتخاذ تدابير شاذة محددة لمواجهة هذه الظروف، وتخضع في ذلك لرقابة القضاء.

حالة الطوارئ تعني القيام بفرض أحكام استثنائية بموجب قانون طوارئ مؤقت تؤدي إلى سحب الصلاحيات من السلطة التشريعية ومنحها الى السلطة التنفيذية،  وتشمل هذه الحالة أيضاً فرض قوانين تقيد حرية الحركة كما في الحالة التي نعيشها الأن في ظل أزمة كورونا. كما قال الدكتور “عاصم خليل” في تحليله حول الفرق بين حالة الاستثناء والضرورة ” هناك خلط بين حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير وحالة الاستثناء، فحالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير ورد نصها في القانون الأساسي لتبرير قيام رئيس السلطة بإصدار قرارات بقوة القانون في ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي، أما حالة الاستثناء فهي الخروج عن التطبيق العادي للدستور بحسب ما يعتقد أن حالة استثنائية تقتضي من الدولة تفعيل وسائلها الاستثنائية لدرء الخطر الاستثنائي المحيط بالدولة – أصل السلطات ومصدرها وسبب وجوها.

فلا يتصور وجود تطبيق عادي للسلطات في ظل وجود تهديد للدولة نفسها ولوجودها وكيانها “. ومن هنا نجد أنّ حالة الاستثناء هي حالة خارجة عن القانون يتم فرضها بهدف الحد من النتائج التي يُسببها هذا الأمر الطارئ الذي ظهر دون سابق إنذار وبداء يُهدد حياة العديد من البشر, وعلينا جميعاً أنّ نكون على دراية تامة بما يُحيط حولنا لا سيما أنّ العالم أجمع اليوم يعيش في ظل فرض “حالة استثناء” سببها ظهور وباء يُهدد حياتهم ويفتك بأرواحهم، كما علينا جميعاً أنّ نتأكد من حقيقة وجود هذا الفايروس الذي استدعى دخول العالم.

 

بقلم الحقوقية: رهف سامر نابلسي

 

مواضيع أخرى ذات أخرى:

1 comments

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !