تطبيقات الوكالة العامة والوكالة الخاصة في الحياة العملية
تطبيقات الوكالة العامة والوكالة الخاصة في الحياة العملية
في ظل انشغال الافراد في مختلف جوانب الحياة وازدياد المسؤوليات الواقعة عليهم الى جانب الالتزامات في شتى المجالات وما خلف عن ذلك من ضيق في الوقت، ومراعاة لما قد يتعرض له الافراد من الإصابات بشتى العوارض المانعة من التصرف او التنقل كالمرض والكبر إضافة الى طبيعة الاختصاص التي تجبر الافراد على الاستعانة بذوي الصلاحية لتحقيق منافعهم وغيرها، وفي ظل ما ذُكر كانت لفكرة التوكيل أهمية بالغة في انابة الغير عن الأصل في القيام بأي من المعاملات المنصبة لصالحه والسعي للحفاظ على مصالحه وفي ذلك صيانة كبرى لحقوقه ومراعاة لظروف الافراد ومحاولة في التخفيف من عبء ما قد يقع على عواتقهم، فالوكالة بمختلف أنواعها هي كإطلاق الصلاحية للغير والاستعانة به واعطاءه كامل السلطة بالتصرف عن الموكل للقيام بالإجراءات القانونية وكافة التصرفات الموكل بها والتي تعود بالنفع على صاحبها.
ومما ذكر كان للوكالة الأهمية الكبرى والتي تنتشر كثيرا بين الافراد في الحياة العملية والتي لا تعتبر حكرا على أحد انما هي صلاحية مطلقة لكل ذي أهلية قانونية وفي مقالنا التالي سنتعرف الى مفهوم الوكالة كعقد والى مفهوم الوكيل والموكل وسنذهب الى الحديث عن الوكالة بأنواعها العامة والخاصة والى وكالة المحامي الخاصة بالتوكيل والتمثيل أمام القضاء كما وسنشير في بعض المواضع الى بعض التطبيقات القضائية.
أولاً- عقد الوكالة:
تعتبر الوكالة من العقود المسماة التي نظم القانون أحكامها وكيفيتها والاثار المترتبة عليها وهي من العقود التي ترد على عمل فيلتزم بموجبها الوكيل بالقيام بالأعمال الموكلة اليه بموجب الوكالة إضافة الى انه يجب لانعقادها توافر اركان العقد من التراضي والمحل والسبب، وشروط صحة العقد بأن تكون إرادة الأطراف خالية من العيوب وان تصدر الإرادة في ذي اهليه وفي ذلك شأنها شأن سائر العقود لضمان صحتها ونفاذها، والايجاب في الوكالة يصدر عن الموكل و القبول عن الوكيل ويكون القبول صراحة أو ضمنا والقبول الضمني من خلال قيام الوكيل بالعمل نيابة عن الموكل بما وكل به أي القيام بتنفيذ الوكالة.
عرفت مجلة الاحكام العدلية الوكالة على أنها تفويض أحد في شغل لآخر وإقامته مقامه في ذلك الشغل ويقال لذلك الشخص موكل ولمن أقامه وكيل ولذلك الامر موكل به، وقد جاء في قرار محكمة النقض رقم 1224 لسنة 2015 ” جاء في احكام الوكالة ومفهومها في المواد المذكورة في المجلة: (ان الوكالة هي عقد تفويض ينيب فيه شخص شخصاً آخر عن نفسه في التصرف فالمستنيب موكل والمستناب وكيل ومحل الوكالة وهو الامر المستناب فيه موكل به”.
ويعرف الوكيل على انه الشخص الذي يقوم بالأعمال القانونية نيابة عن الموكل ولحسابه و مصلحته، بينما الموكل هو الشخص الذي يقوم بإنابة وتعيين غيره من الأشخاص نيابة عنه للقيام بالتصرفات القانونية لحسابه.
ثانياً – الوكالة العامة والوكالة الخاصة:
تتفق الغاية من كلا الوكالتين بما تم الحديث عنه في التوكيل نيابة عن الموكل في تصرفاته القانونية الا ان الفرق يكمن في النوع فاذا كانت الوكالة عامة يحق بموجبها للوكيل التصرف بأي من التصرفات القانونية وفي جميع الأمور المتعلقة بها من أموال منقولة وغير منقولة وما تعلق بها من رهن وتأمين وديون وادارتها واستثمارها وايجارها وفي التعمير والحجز والقسمة وكافة التصرفات القانونية والادارية التي تشملها الوكالة بنصها الصريح، بينما الوكالة الخاصة يتم بموجبها تحديد تصرف قانوني بعينه وإعطاء الوكيل صلاحية التصرف بذلك مثل التوكيل بالبيع أو التوكيل بتأجير شقق سكنية أو بتحصيل المستحقات وغيرها، وذكرت محكمة النقض في قرارها رقم 1250 لسنة 2018 “ان كانت الوكالة تعني تفويض واحد امره لآخر واقامته مقامه في ذلك الامر وحيث انها تنقسم الى نوعين عام وخاص ويكون الخاص بتقييد الوكيل في خصومة معينة أما العام فهو اطلاق لإرادة الوكيل فيما اوكل اليه به حتى لو استثني منها أمورا بعينها”، وفي كلا نوعي الوكالة قد يتعدد الموكلون أو الوكلاء.
إن الجهة المخولة بتنظيم الوكالات والمصادقة عليها هو كاتب العدل وفق صلاحياته الممنوحة له بنص القانون، على أن إجراءات تنظيم الوكالات تتم من خلال قيام الموكل بعمل توكيل لدى كاتب العدل ويمضيه بالإضافة الى شاهدين ويصادق عليه بعد دفع الرسوم المقررة والتي تختلف تبعا لاختلاف نوع الوكالة بحيث ان الوكالة العامة يتم استيفاء رسم 30 دينار أردني عن كل توقيع (عن كل موكل) أما في الوكالة الخاصة يتم استيفاء رسم 20 دينار أردني عن كل موكل، وتسلم الوكالة للوكيل ليقوم بتنفيذها ضمن حدود صلاحياته بموجبها.
ثالثاً – انتهاء الوكالة العامة والخاصة:
تعددت صور انتهاء الوكالات فإما تنتهي بالعزل وقد ذكرت مجلة الاحكام العدلية في نص المادة 1523 ” اذا عزل الموكل الوكيل يبقى على وكالته الى ان يصل اليه خبر العزل ويكون تصرفه صحيحا الى ذلك الوقت”
فالعزل هو سحب صلاحية الوكيل في التصرف بما وكّل به نيابة عن الموكل، ويتم عزل الوكيل عن ذلك بموجب الوكالة العامة أو الخاصة من خلال اخطار الوكيل بالعزل على أنه يصبح نافذا ويبطل أي من التصرفات اللاحقة من تاريخ تبليغ الوكيل بالعزل.
وقد تنتهي الوكالات بالاتفاق بين الأطراف على الانهاء أو بانقضاء المدة القانونية لسريانها اذا كانت الوكالة خاصة أو العامة تنص على بالبيع فتنقضي بمرور 15 سنة من تاريخ تنظيمها، وتنتهي الوكالات العامة والخاصة بوفاة الوكيل أو وفاة الموكل، أو باتمام العمل الموكل به في الوكالات الخاصة.
رابعاً- وكالة المحامي الخاصة بالتوكيل والتمثيل أمام القضاء:
تطلب القانون لقيام الأشخاص من ذوي الاختصاص بمهامهم الموكلة اليهم العديد من الشروط و الضوابط ومنها فيما يخص قيام المحامين بتمثيل موكليهم أمام القضاء وكالة المحامي الخاصة بالتوكيل والتمثيل واشترط القانون صحة ذلك التوكيل أيضا من خلال ضبطها بالعديد من الشكليات التي تجعل من الوكالة طريقا صحيحا وسليما لا تعتريه أي من الشكوك او الجهالات فكان من باب الالزام ذكر اسم الموكل وصفته ورقم البطاقة الشخصية الخاصة به ومكان سكنه وعنوانه، وكذلك ذكر اسم وصفة الخصم وبياناته بالإضافة الى ذكر موضوع النزاع و حيثياته و المحكمة المختصة في نظر النزاع وتوقيع الموكل ومصادقة الوكيل على الوكالة بالختم والتوقيع، وارفاق الطوابع القانونية اللازمة للوكالة والتي تختلف باختلاف أنواع الدعاوى بين الدعاوى الحقوقية و الدعاوى الجزائية ودعاوى التنفيذ وذكرت محكمة النقض في قرارها 1079 لسنة 2016 “ان وكالة المحامي جاءت واضحة تماما باسم الموكل والوكيل وبخصوص موضوع الدعوى واللائحة الجوابية المقدمة من الطاعن المدعى عليه” وهذا مما يدل على أن كل وكالة شملت المذكور تعتبر بذلك صحيحه قانونا.
لكن هل تعتبر أسباب الدعوى ووقائعها من البيانات الالزامي ذكرها على لسان الموكل في وكالة المحامي؟
جاءت قرارات محكمة النقض الفلسطينية تجيب على هذا التساؤل مما ورد فيها ومنها القرار رقم 1943 لسنة 2018 “أي تفاصيل تتعلق بسرد وقائع الدعوى وبيان أسباب النزاع محلها لائحة الدعوى ولا يستوجب ان ترد بحكم ذلك على لسان الموكل في عقد التوكيل كونها مما لا يشترط ان يكون الموكل على دراية به او خبرة فيه”، وكذلك قرار رقم 17 لسنة 2017 ” أن القانون لم يشترط ذكر كامل التفاصيل من الوكالة المنوه عنها في لائحة الدعوى بل يكفي أن يحدد فيها بوضوح اسم المدعي والمدعى عليه وموضعها الموكل به ثم أن موضوع الدعوى ورد بالتفصيل وحيثياتها بلائحة الدعوى “، فإن ما ورد في القرارات السابقة جاء واضحا معللا اختصاص المحامين في ضبط اللوائح وسرد الوقائع وتفصيلها في مكانها الصحيح الا وهو لائحة الدعوى مما ينفي اعتبار وكالة المحامي يغلب عليها الجهالة لعدم ذكر ذلك في الوكالة.
والله وليّ التوفيق
بقلم المحاميـة: فرح ياسر خلف
مواضيع أخرى ذات علاقة: