بحث قانوني في القانون الدستوري
بحث قانوني في القانون الدستوري
(الفهرس)
المقدمة
المبحث الأول: القانون الدستوري.
المطلب الأول: تعريف وماهية القانون الدستوري.
المطلب الثاني: تمييز القانون الدستوري عن غيره من القوانين.
المبحث الثاني: أساليب نشأة الدساتير.
المطلب الأول: أساليب نشأة الدساتير الديمقراطية
المطلب الثاني: أساليب نشأة الدساتير غير الديمقراطية
المبحث الثالث: أنواع الدساتير.
المطلب الاول: الدساتير المدونة والدساتير الغير مدونة.
المطلب الثاني: الدساتير المرنة والدساتير الجامدة.
المقدمة:
من أهم المواضيع المترابطة سياسياً وقانونياً هو مجال القانون الدستوري، بحيث أن هذا الموضوع هام للغاية في تنظيم النظم السياسية للدول والعلاقة بين السلطات في داخل الدولة، كما تنظيم الحريات والحقوق والواجبات الأساسية، كل هذا يعبر عنه بدستور، وهنا سنتحدث بشكل موسع عن ماهية القانون الدستوري والعلاقة بينه وبين القوانين الأخرى، كما سنتحدث عن أساليب الصياغة للدستور، وأنواع الدساتير، كل هذا تلبية لنداء القارئ للإطلاع على موضوع بحثي بشكل بسيط مفهوم ينمي من الثقافة القانونية الدستورية والخزينة للمصطلحات الدستورية.
.
المبحث الأول:
القانون الدستوري
إن القانون الدستوري له مكانة خاصة بين القوانين ويسمو عليها، لذلك لا بد من توضيح ماهية القانون الدوستوري في المطلب الأول، ونعرض لكم طبيعة العلاقة بين القانون الدستوري مع غيره من القوانين.
.
المطلب الأول:
تعريف وماهية القانون الدستوري
يعرف القانون الدستوري على أنهُ مجموعة القواعد القانونية الأساسية الواردة في الوثيقة الدستورية والتي تعمل على تنظيم السلطات العامة للدولة وتحديد اختصاصاتها وتنظيم حقوق وحريات الأفراد أو من ناحية أخرى تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، نظراً لوجودها على قمة الهرم القانوني في الدولة، وبالتالي تستمد منها القواعد الاخرى شرعيتها وصحتها، أي انهُ لا يمكن لأي قانون أن يُخالف نصاً دستورياً، وقد عرف المعيار اللغوي الدستور على أنهُ مجموعة القواعد التي تنظم أسس الدولة ومكونتها، أما المعيار الشكلي عرف القانون الدستوري على أنهُ مجموعة القواعد القانونية التي تضمنها الوثيقة الدستورية والتي تضعها هيئة خاصة يختلف تكوينها باختلاف الدساتير ويطلق عليها السلطة التأسيسية، كما عرف المعيار الموضوعي الدستور على أنهُ مضمون أو جوهر القواعد القانونية بصرف النظر عن الشكل والإجراءات المتبعة عند إصدارها، وتُعد الوثيقة الدستورية المكتوبة والقوانين الأساسية والعرف الدستوري هم المصادر الاساسية للقانون الدستوري، كما أن وظيفة القانون الدستوري تندرج في الحفاظ على مبدأ سيادة الدولة والقانون والذي يسعى الى جعل القانون هو السلطة الأعلى في الدولة وأن الأفراد جميعهم متساوين أمام القانون كما يعمل على أدخال القواعد القانونية الى حيز التنفيذ وفرض عقوبات عن طريق الهيئات القضائية والمحاكم الدستورية لضمان سريان مفعول القانون، كذلك يعمل على حماية حقوق الإنسان حيث تُعتبر هذه الحقوق هي جزء لا يتجزأ من القانون الدستوري للبلاد، ويعمل القانون الدستوري ايضاً على تنفيذ الإجراءات التشريعية وهو ما قامت به الهيئات والبرلمانات المتخصصة في تشريع القانون الدستوري وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وأخيراً إن القانون الدستوري بشكل أساسي يعمل على بناء الدولة وقانونها من خلال تنظيم العلاقة بين السلطات الرئيسية الثلاث ووضع أسس وإجراءات لممارسة السلطة، أما أهمية القانون الدستوري تندرج في تحديد طبيعة الدولة ونظام الحكم فيها و تكوين السلطات الثلاث وتحديد اختصاصات كل منهم ورسم الهيئة الادارية للدولة، أضافة الى حماية حريات الأفراد في شتى النواحي، كما أنهُ المرجعية لكافة التشريعات والقوانين فهو يقع في قمة الهرم الخاص بقانون الدولة، وأخيراً يقوم الدستور على توثيق الهوية ووضع الضمانات التي تقوم بحماية الأمة، واللغة، والقيم الأساسية، والعرق، والجنس، واللون.
.
المطلب الثاني:
تمييز القانون الدستوري عن غيره من القوانين
وسنتطرق فيما يلي للحديث عن علاقة القانون الدستوري بكل من فروع القانون العام الداخلي والقانون العام الخارجي:
أولا: علاقة القانون الدستوري بفروع القانون العام الداخلي:
- القانون الدستوري والقانون الإداري: لا يمكن حصر العلاقة بين القانونيين على أنهم مجرد فرعيين لأصل واحد، بل هناك العديد من الموضوعات المشتركة بينهم . فالقانون الدستوري هو المقدمة للقانون الإداري والقانون الإداري هو بمثابة مكمل للقانون الدستوري، حيث أن القانون الدستوري يضع لنا الأسس والأحكام العامة المنشئة للسلطات العامة والمنظمة لها، بينما القانون الإداري يضع القواعد التفصيلية التي تنظم الأعمال الإدارية الخاصة بالسلطة التنفيذية وبذلك يتداخل القانون الدستوري والإداري في النقاط الخاصة بتنظيم صلاحيات السلطة التنفيذية.
- القانون الدستوري والقانون المالي: يستمد القانون المالي مبادئه الرئيسية من الدستور، حيث أن القانون المالي ينظم موازنة الدولة أي ينظم مصروفات الدولة وإيراداتها، أما القانون الدستوري فهو يتضمن القواعد التي تلتزم بها الدولة من أجل تحضير الموازنة.
- القانون الدستوري وقانون العقوبات: إن قانون العقوبات لهُ مجال واضح ومحدد فهو ينظم العلاقة بين الدولة والفرد بناءً على الجريمة التي ارتكبها فيحدد الجرائم والعقوبات المفروضة عليها، وهذا لا يعني عدم وجود صلة بين القانونين، بل هناك الكثير من الجوانب المشتركة بينهم فأن كلا القانونيين يعملان على تنظيم العلاقة بين الفرد والدولة أو الفرد والمجتمع، كما أن القانون الدستوري يُعالج نظام الحكم في الدولة ويحدد أهدافة والأسس التي يُبنى عليها ,أما القانون الجنائي فهو الذي يحمي هذا النظام من الاعتداء من خلال العقوبات التي يفرضها، كما يعمل القانون الدستوري على توجيه قانون العقوبات وتحديد نطاقه من خلال تحديد الجرائم التي تمس حرية ونزاهة الانتخابات مثلاً.
ثانياً: علاقة القانون الدستوري بفروع القانون العام الخارجي:
يشترك كل من القانون الدستوري والقانون الدولي العام بدراسة زاوية معينة من زوايا موضوع الدولة، فيهتم القانون الدستوري بالبحث بالقواعد الخاصة بنظام الحكم في داخل الدولة وشكل واختصاصات السلطات الثلاث العامة، أي بتنظيم علاقة الدولة بالأفراد الخاضعين لسلطاتها، أما القانون الدولي العام فيهتم بتنظيم علاقة الدولة بغيرها من الدول والمنظمات الدولية وتضع قواعده الدول من خلال الاتفاقيات التي تبرمها ومن هنا يتضح لنا أن مجال القانون الدستوري يختلف عن مجال القانون الدولي العام ولكن هذا لا يعني الانفصال التام بينهم، حيث أن الاول يهتم في بنشاط الدولة من الناحية السياسية الداخلية والثاني يهتم بدراسة نشاط الدولة من الناحية الخارجية، ويبقى التشابه بينهم أن كلا القانونيين يبحث في جانب من جوانب الدولة ومن مظاهر الصلة ايضاً بين القانونيين إحالة كل منهما على قواعد الأخر، فمثلاً يحيل القانون الدولي العام على القانون الداخلي مسألة تحديد القواعد المتعلقة بالجنسية.
ثالثاً : علاقة القانون الدستوري بفروع القانون الخاص:
إن العلاقة بين القانون الدستوري وفروع القانون الخاص ضعيفة نسبياً بناءً على أن القانون الدستوري يهتم بتنظيم الحكم وشكل الدولة، بينما فروع القانون الخاص تهتم بتنظيم العلاقة بين الأفراد الطبيعيين والاعتباريين والدولة كذلك ولكن ليس بوصفها صاحبة سلطة وسيادة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود صلة بينهم نهائياً فمثلاً القانون الدستوري يتضمن المبادئ الأساسية للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي مثل حق الإرث والملكية….
.
المبحث الثاني:
أساليب نشأة الدساتير
مِن المعروف أنه لا يوجد قواعد واحدة معمول بها لوضع الدساتير، تختلف الطرق المتبعة باختلاف الدول والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ودرجة الوعي السياسي لدى المجتمع بها.
.
المطلب الأول:
أساليب نشأة الدساتير الديمقراطية
من أهم الأساليب المتبعة في هذه الطريقة هي اسلوب الجمعية التأسيسية والتي تعني مبدأ سيادة الأمة والسيادة فيها فقط للشعب، والمقتضى من هذا الأسلوب أن الأمة فقط صاحبة السيادة ومصدر السلطات، ويمثل الشعب هنا جمعية تأسيسية بصورة نيابية بحيث يعتبر الدستور الصادر عن هذه الجمعية المنتخبة دستور صادر عن جميع الشعب، وأول من اخذ بهذا الاسلوب هي المستعمرات الإنجليزية في امريكيا الشمالية الثائرة ضد الاستعمار الإنجليزي بوضع دساتيرها عقب استقلالها عن التاج البريطاني بحيث معظم هذه الولايات بانتخاب جمعيات نيابية عرفت باسم المؤتمر من أجل وضع الدستور الخاص بها .
كما أيضاً من الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير أسلوب الإستفتاء التأسيسي ويعرف بأنه الاستفتاء الذي ينصب على اقرار دستور الدولة او تعديله ويتمثل في عرض مشروع الدستور او التعديل بعد اعداده على التصويت الشعبي للموافقة او الرفض، وايضا تعود فكرته إلى مبدأ السيادة الشعبية، كما يعتبر الاستفتاء من اكثر الاساليب المتبعة حديثاً.
.
المطلب الثاني:
أساليب نشأة الدساتير غير الديمقراطية
وهي أساليب سادت إرادة وسلطة الحكام في إنشاء الدستور بها وتنقسم إلى قسمين الأول وهو أسلوب المنحة :
وهو الذي يصدره الحاكم بمنحه منه ومن جانبٍ واحد (الحاكم دون غيره) أي تتشكل الجمعية التأسيسية من الحاكم، وفي هذه الأسلوب الذي يعتبر بداية انتقال من نظام ملكية مطلقة إلى نظام الملكية المقيدة، ولا شك أن أسلوب المنحة وسيلة يغطي الحاكم تسلطه بغلاف دستور قد وضعه وبإمكانه إلغاءه وتعديله، وأبضاً يعتبره البعض بداية جيدة في الإنتقال من التسلط وإبداء بعض التنازلات من الحاكم، ومن الأمثلة على الدساتير الصادرة بطريقة المنحة دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الصادر عن أميرها عام ١٩٧١ وغيرها الكثير الدساتير والنظم الأساسية التي ما زالت مطبقة إلى الان .
والأسلوب الآخر الا وهو أسلوب العقد :
وفي هذا الأسلوب لا تنفرد سلطة الحاكم بممارسة دور الجمعية التأسيسية الأصلية التي تملك صلاحية وضع الدستور بل ويشارك الشعب فيها، وبهذه الطريقة يصدر الدستور بعبارة عقد بين الحاكم والشعب وكأن هناك توازن بين قوة الحاكم التي بدت ضعيفة وقوة الشعب التي تعاظمت لكن لم تسيطر تماماً، ويعتبر هذا الأسلوب كخطوة أولى في الذهاب بمسار الديمقراطية والاطاحة بالديكتاتورية، في هذه الطريقة بعكس المنحة لا يوجد أي تفرد في صياغة الدستور بل كما ذكرنا عبارة عن عقد وتشترك بين قزى متوازنة، وغالباً ما يفرض على الحاكم صياغة دستور بهذه الطريقة بعد قيام ثورة ما بحيث يضعف الحاكم لخيارات الشعب، ومثال هذا في الدول العربية دستور دولة الكويت الصادر عام ١٩٦٢ الذي تعاقد فيه الأمير والشعب الكويتي ممثلاً في سلطة تأسيسية.
.
المبحث الثالث:
أنواع الدساتير
عند الحديث عن القانون الدستوري فلا بد من التطرق لأنواع الدساتير، وهي الدساتير المدونة وغير الدونة والدساتير المرنة والجامدة وهذا ما سيتم توضيحه في المطالب اللاحقة.
.
المطلب الاول:
الدساتير المدونة والدساتير الغير مدونة
الدساتير المدونة:
ويمكن تعريفها بأنها مجموعة قواعد قانونية متعلقة بنظام الحكم في الدولة واردة في وثيقة أو عدة وثائق، وصادرة عن جمعية أو مجلس تأسيسي، كما ظلت الدول تعتمد في دساتيرها وقواعدها الدستورية من العرف حتى أواخر القرن الثامن عشر قيام الثورة الأمريكية وما عاصرها من حركات فكرية تهدف لوضع دستور مكتوب ،و هناك الكثير من المبررات لتدوين الدساتير يمكن تلخيصها بأن الدساتير المدونة تتفوق على القواعد العرفية من حيث أنها تتمتع بالدقة والوضوح، مما يلزم السلطات والحاكم بالتقيد في هذه النصوص واحترامها والمحافظة عليها، كما أيضا التدون وسيلة للتثقيف السياسي للشعوب لوضوحها .
الدساتير غير المدونة:
الدساتير غير المدونة أو العرفية يمكن تعريفها بأنها مجموعة القواعد المتعلقة بنظام الحكم في الدولة أي تنظيمه السياسي، وهذه الوثائق غير مدونة في وثيقة أو وثائق رسمية، كما ومن اسمها تستمد أحكامها من الأعراف والعادات والتقاليد والسوابق التاريخية، ويعد الدستور الانجليزي (البريطاني) من أوضح وأقدم الأمثلة على هذا النوع من الدساتير فالدستور البريطاني دستور غير مدون أي قواعده الدستورية واحكامه غير متضمنة في وثيقة واحدة، لذا يتطلب العودة الى مصادر مختلفة لمعرفة هذه الأحكام.
.
المطلب الثاني:
الدساتير المرنة والدساتير الجامدة
الدساتير المرنة:
هي الدساتير التي تعدل قواعدها وأحكامها بالطريق التشريعي، أي بواسطة السلطة التي تسن القوانين العادية، وباتباع نفس الطريقة التي تعدل بها هذه القوانين العادية، ومثاله الدستور الانجليزي بحيث يستطيع البرلمان تعديل اي شيء سواء قواعد القوانين العادية وإصدارها أو تعديل القواعد الدستورية .
الدساتير الجامدة:
هي تلك الدساتير التي تتمتع بشيء من الثبات والإستقرار نتيجة الإجراءات الخاصة التي يجب أن تتمتع بها عند الإقدام على تعديل أحكامها، وببساطة يمكن القول بأن يعتبر الدستور جامد إذا كانت إجراءات تعديله مختلفة ومغايرة لإجراءات تعديل القوانين العادية وهناك أنواع للدساتير الجامدة، منها من تتمتع بجمود كلي مطلق أي يحظر تعديل قواعدها الدستورية بشكل دائم والا الأبد، وهناك صاحبة جمو كلي جزئي أي حظر زمني لبعض القواعد القانونية، كما الحظر الجزئي اي الحظر الدائم الموضوعي لبعض القواعد.
بقلم الحقوقيان: فهيم راني سماعنة، رهف سامر النابلسي
مواضيع ذات علاقة:
Pingback: تعدد الجرائم و العملية الحسابية للعقوبة - موسوعة ودق القانونية
Pingback: بحث في القانون الإداري - موسوعة ودق القانونية
Pingback: الدستور والدستورانية بعد الحراك العربي - موسوعة ودق القانونية
Pingback: آليات تعديل الدساتير: السلطة التأسيسية المنشأة والمعدلة - موسوعة ودق القانونية
Pingback: بحث حول أنظمة الحكم - موسوعة ودق القانونية
مقال رائع
جزاكم الله خير.