دعوى التفريق بين الزوجين بسبب النزاع والشقاق
الأصل الشرعي والقانوني
لدعوى التفريق بين الزوجين بسبب النزاع والشقاق
اكتسبت العلاقات الزوجية أهمية كبيرة في الإسلام، نظرًا لأن الأسرة أصغر وحدة في بناء المجتمع، وعلى عاتقها تقع مسؤولية إنشاء ورعاية وتربية الأجيال، وقد كان للتشريع الإسلامي السبق في مجال تنظيم الأسرة، ووضع الحلول لمشكلاتها. فالأسرة بما يخيم على علاقة الزوجين فيها من سُكّن وتفاهم، وبما يَحّكُم علاقة الأصول والفروع من ودّ وتراحم فهي المسؤولة عن صلاح الأمة، وقد تصدى علماء الإسلام والمهتمون لقضايا الأسرة المستجدة والمعاصرة، كهيئة الارشاد والإصلاح الأسري في المحاكم الشرعية، والمحكمون الشرعيون من خلال تناولهم بالتحليل لأسباب الخلاف بين الزوجين، وذلك من أجل بيان الحكم الفاصل والدواء الناجع لكل مستجد، بما يتلاءم مع عراقة أصول الشريعة، وسمو تعاليمها، ونبل مقاصدها.
ولا تخلو الحياة الزوجية بين الحين والحين الآخر مما يكدر صفو العيش بين الزوجين، وأن هناك بعض المنغصات والخلافات والنزاعات على اختلاف أسبابها بينهما، إلى أن تصل بينهما في نهاية المطاف إلى التفريق، وابتداءً يجب حل هذه الخلافات بالحِكمة والروية والتفاهم، وأن يصبر كل منهما على الآخر، وإن كان الخلاف من الزوجة فمن حق الزوج وعليه أن يعظها بالحُسنى، ويجوز له أن يهجرها في المضجع، ويضربها ضرباً غير مُبَّرح. ولكن إن بلغ الشقاق والنزاع وتمادى بينهما إلى درجة كبيرة يصعب استمرار الحياة الزوجية معها، وادّعى كل منهما بأن أسباب النزاع والشقاق سببه الطرف الآخر وعجز أهل الخير بالإصلاح بينهما فوجب حل تلك المشكلات من قِبل القاضي بالتفريق بينهما ومن أجل إنهاء أسباب النزاع والشقاق. وذلك استناداً إلى الأصل الشرعي من قوله تعالى: }وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً{ (النساء: 35).
دعوى الشقاق والنزاع قانونياً: هي من ضمن أنواع الفِرَّق لعقد الزواج الصحيح، أي أحد الأسباب التي ينتهي بها الزواج، وتندرج تحت التفريق الجبري بحكم ولاية القاضي. فهي دعوى قضائية يتم رفعها أمام المحاكم الشرعية بناءً على طلب أحد الزوجين نتيجة استحكام الخلافات بينهما وصعوبة استمرار الحياة الزوجية، ويترتب عليها التفريق بحكم قضائي بين الزوج وزوجه إذا ظل المدعي مُصِّراً على دعواه، والتي يدعى فيها بأن الطرف الآخر يسيئ المعاملة معه لأسباب مادية أو معنوية على اختلافها، حتى وصل الخلاف بينهما لدرجة أنه يستحيل معه دوام العشرة الزوجية، وذلك بعد تدخل الأهل ورجال الخير، وأيضاً محاولة دائرة الاصلاح والارشاد الأسري في المحكمة، وبيان ذلك بتقريرها بأن قد عجزوا عن الاصلاح بينهما، فيطلب المدعي سواء كان الزوج أو الزوجة من القاضي الشرعي أن يفرق بينهما بطلقة واحدة بائنة بينونة صغرى دفعاً للضرر الحاصل من سوء المعاشرة .وعلماً بأن هذه الدعوى يتم تقديمها سواء كان بين الطرفين دخول أم بمجرد العقد دون دخول أو بالخلوة الصحيحة بينهما، ويتم ذِكر وتبيين ذلك من خلال لائحة الدعوى. وتعتبر من أكثر القضايا الواردة في المحاكم الشرعية للنظر فيها والحكم بموجبها. وتعتبر من القضايا التابعة وموقوفة النفاذ لحين رفعها من أجل التدقيق وتصديقها من قِبل محكمة الاستئناف الشرعية بعد شهر من تاريخ الحكم الوجاهي بالتفريق، أو من تاريخ تبليغ الحكم إذا كان غيابياً.
الأسباب الموجبة: إن وقوع النزاع والخلاف بين الزوجين يسبب ضرراً كبيراً لهما ويمكن أن يطال الأبناء، فيهدم ذلك كيان الأسرة فتعددت الأسباب والحوادث التي شغلت المحاكم الشرعية لأمد طويل دون الوصول إلى حل جذري ونتيجة حاسمة تنهي وتقضي على هذه المشاكل، وبما أن مذهب الإمام مالك يجيز للزوجة أن تطلب من القاضي تطليقها إذا تضررت من زوجها، كما هو الحق للزوج في طلب التفريق بين زوجه بسبب النزاع والشقاق، فقد رُؤي الأخذ بهذا القول ووضعت المادة (132) مع فقراتها على هذا الأساس من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 61 لعام 1976م المعمول به في المحاكم الشرعية في الضفة.
المادة 132- من الفقرة أ إلى /ط ” إذا ظهر نزاع وشقاق بين الزوجين فلكل منهما أن يطلب التفريق إذا ادعى إضرار الآخر به قولاً أو فعلاً بحيث لا يمكن مع هذا الإضرار استمرار الحياة الزوجية…” وسأورد بعض أسباب وصور الإضرار والنزاع التي يمكن الاستناد عليها في بيان الأسباب الموجبة للتفريق بسبب النزاع والشقاق على سبيل المثال لا الحصر. { الإيذاء والضرب الجسدي، أو الشتم والسب والكذب والإيذاء المعنوي، أو الخيانة الزوجية، أو المنع من زيارة الأهل، أو على خلفية جنائية بسرقة أو مخدرات أو غيرها}.
ويتم بيان الأسباب على التفصيل من كلا الطرفين عند إحالة أمرهما إلى الحكمين من أجل التحكيم بينهما، ومحاولة السعي للإصلاح بينهما فإن تعذرا عن الاصلاح، عليهما أن يحددوا نسبة الإساءة بين الزوجين لكي يتم التوصل إلى تحديد نسبة الخلاف المستحكم، وأن يحددا النتيجة التي توصلا إليها، ويقرروا طلب التفريق بين الزوجين بطلقة بائنة بينونة صغرى، وضبطها في التقرير ورفعه إلى القاضي، وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه إذا كان موافقاً لأحكام هذه المادة.
نموذج قرار حكم وجاهي:
القرار
بناءً على الدعوى والطلب والإقرار، وتقرير الحكمين الموافق للأصول، وتوفيقاً للإيجاب الشرعي، وسنداً للمواد 79 و1817 من المجلة ، و132 و133 من قانون الأحوال الشخصية، فقد حكمتُ بمقتضى قرار الحكمين بالتفريق بين المدعية (000) المذكورة وزوجها الداخل بها بصحيح العقد الشرعي المدعى عليه (000) المذكور بطلقة واحدة بائنة بينونة صغـرى للنزاع والشقاق المُسْتَحْكِم، كما حكمتُ للمدعية على المدعى عليه بمبلغٍ وقدره (000 دينار أردني) ما تبقى لها مما تستحقه عليه من كامل مهرها المسجل لها في وثيقة عقد زواجها منه والبالغ (000 دينار أردني) ، وذلك بعد أن قرر الحكمان نسبة الإساءة من الزوج المدعى عليه المذكور (00%) ، ونسبة الإساءة من الزوجة المدعية المذكورة (00%) ، وتَحَقُّق الحكمين من تحصيل المدعية مهرها المعجل من المدعى عليه وقدره (000 دينار أردني)، وتَحَقُّق الحكمين من عدم تحصيل المدعية أي شيء من مهرها. وأن عليها العدة الشرعية اعتباراً من تاريخه أدناه ، وأنها لا تحلُّ له إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين ما لم تكن مسبوقة منه بطلقتين ، وقررتُ التأشير بمضمون هذا الحكم على عقد زواجهما رقم 00000 ، الصادر عن محكمة 0000 الشرعية بتاريخ 00000 ، على يد المأذون 00000 ، وضمنتُ المدعى عليه الرسوم والمصاريف القانونية وفق نسبة الإساءة المقدرة من قِبَلِ الحكمين، حكماً وجاهياً قابلاً للاستئناف وتابعاً له موقوف النفاذ على تصديقه استئنافاً ، أفهم علناً حسب الأصول ، تحريراً في 0000 هـ وفق 0000 م .
الكاتب القاضي
بقلم المحامية الشرعية: أميرة عدنان دروبي
مواضيع أخرى ذات علاقة:
يعطيكم العافية
شكرًا على المعلومات القيمة
Pingback: الزواج بين القانون والدين - موسوعة ودق القانونية
Pingback: دعوى التفريق بين الزوجين بسبب الغيبة والضرر - موسوعة ودق القانونية
معلومات قيمة ومجانية أشكركم