Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

دعوى الضرر الناجمة عن عدم مراعاة مصلحة الجوار: بحث مقارن

دعـوى الضرر الناجمـة عن عدم مراعاة مصلحـة الجـوار:

بحـث مقـارن

(بقلم المحامية: أسماء بسام عيسه)

 

ملخص

تناول هذا البحث موضوع دعوى الضرر الناجمة عن عدم مراعاة مصلحة الجوار، في ضوء التشريعات الفلسطينية مثل ( مجلة الأحكام العدلية وقانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944, وقانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999). والتشريعات الجزائرية كالقانون المدني الجزائري.

وقد هدف هذا البحث تبيان أهمية وجود تنظيم قانوني خاص بالمسؤولية المدنية عن مضار الجوار، حيث إن التشريعات الفلسطينية ذات العلاقة لم تعالج الموضوع بشكل كاف.

وتمت معالجة هذا الموضوع من خلال مبحثين، حيث تناولت الباحثة في المبحث الأول مفهوم الجوار والضرر غير المألوف، وفي المبحث الثاني تناولت الأساس القانوني لدعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار.

 

المقدمة

يعتبر حق الملكية حق محمي بموجب القانون، لأنه ينظم حق الإنسان بما يملك ولأنه مرتبط بدوره بمجموعة من الحريات الاجتماعية، لذلك كان دور القانون تنظيم هذا الحق ووضع إطار لعلاقة الشخص بملكه, بما يراعي المصالح الخاصة والمصالح العامة, حيث إن حق الشخص يما يملك هو حق مقيد تبعا لمقولة ” حينما تبدأ حريتك تنتهي حرية الآخرين” , فلا يعني ملك الشيء استخدامه بما يضر الاخرون, فهنا يتدخل المشرع لتحقيق الوظيفة الاجتماعية للملكية دون أخذها بالكامل بل يجعل حق الملكية نسبيا.

قد عرف حق الملكية في مجلة الأحكام العدلية بموجب المادة (125) على أنه “ما ملكه الإنسان سواء كان أعيانا أو منافع”. كما نصت المادة (1197) من مجلة الاحكام العدلية على أنه “لا يمنع أحد من التصرف في ملكه”. بهذا النص قد وفرت مجلة الاحكام العدلية الحماية لحق الملكية.

كما نص القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (21/3) على أنه “الملكية الخاصة مصونة، ولا تنزع الملكية ولا يتم الاستيلاء على العقارات أو المنقولات إلا للمنفعة العامة وفقا للقانون في مقابل تعويض عادل او بموجب حكم قضائي”.

حيث قام المشرع بإيجاد نوع من الحماية لحق الملكية، كما عملت بعض الاتفاقيات الدولية على حماية هذا الحق مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب المادة (17) على أنه” لكل فرد حق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ولا يجوز تجريد أحد من ملكه”.

رغم أنه تم حماية حق الملكية بموجب القوانين والاتفاقيات التي تم ذكرها سابقا إلا أن هذا الحق تم تقييده بشروط عامة وأخرى خاصة، فالشروط العامة تكون للصالح العام, أما الشروط الخاصة تكون للصالح الخاص كما تم ذكرها في مجلة الأحكام العدلية في الباب الثالث منه “المسائل المتعلقة بالحيطان والجدران”, فهذه الشروط والقيود وضعت كي تضمن حق الجار وفي عدم تسبيب الضرر له, وهذا سيكون موضوع البحث المقدم.

أهمية البحث:

تنشأ أهمية البحث من أهمية حق الملكية، وآلية تنظيم هذا الحق. والتعرف على الشروط اللازم توافرها لإقامة الدعوى القضائية الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار، نظريا لجدية الموضوع.

إشكالية البحث:

تقوم إشكالية البحث على دراسة مدى كفاية التشريعات في تنظيم دعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار، وما هو مفهوم الجوار؟ وما هو معيار الضرر الموجب لرفع الدعوى؟ وما هي مضار الجوار غير المألوفة؟ وما هي الشروط الواجب توافرها لإقامة دعوى ضرر ناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار؟ وما هي أركان وآثار هذه الدعوى؟

 أهدف الدراسة:

إن هدف الدراسة هو الوصول إلى صورة كاملة عن تنظيم التشريعات الفلسطينية والجزائرية لدعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار، وتناول بالأخص موضوعي مضار الجوار غير المألوفة ودعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار، ومعرفة الأحكام الناظمة لهما، والقدرة على الإجابة عن التساؤلات التي تم طرحها مسبقا، ومعالجة إشكالية الدراسة بشكل كاف، وبصورة، واضحة، ومتكاملة.

وتتلخص أهداف الدراسة بالنقاط التالية:

  • التعرف على مفهوم الجوار وفق التشريعات الفلسطينية والجزائرية.
  • توضيح المعيار اللازم لوقوع الضرر لرفع دعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار.
  • توضيح الجزاءات المترتبة مضار الجوار الغير مألوفة.
  • المقارنة بين القانون الفلسطيني والقانون الجزائري من حيث تنظيمهم وتناولهم لهذا الموضوع.

منهج البحث:

قامت الباحثة باتباع كل من المنهج الوصفي والمقارن في هذا البحث.

من حيث وصف المفاهيم والحالة المعروضة وفكرة مضار الجوار وحق الملكية، والمقارنة بين القانون الفلسطيني والقانون الجزائري وعرض التشريعات الناظمة للدراسة.

خطة البحث:

المبحث الأول: مفهوم الجوار ومضار الجوار غير المألوفة.

    المطلب الأول: مفهوم الجوار.

   المطلب الثاني: مضار الجوار غير المألوفة.

المبحث الثاني: الأساس القانوني لدعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار.

    المطلب الأول: أركان المسؤولية المدنية لدعوى مضار الجوار.

    المطلب الثاني: آثار المسؤولية المدنية لدعوى مضار الجوار.

 

المبحث الأول:

مفهوم الجوار ومضار الجوار غير المألوفة

من واجب الجار على جاره الإحسان إليه وكف الأذى عنه، وألا يصيبه بضرر، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن” قيل : من يا رسول الله؟ قال: “من لا يأمن جاره بوائقه”. فلا يجوز لمالك أن يتعسف باستعماله حقه بملكه، فإن حقه بهذا الملك مقيد باحترام حق ملكية جاره، وواجب عليه ألا يقوم بأي عمل من شأنه تسبيب الضرر له، وليس له أن يتجاوز حدود حقه التي وضعها القانون له. وفي حال إخلاله بأي التزام ونتج عن هذا الاخلال ضرر وجب عليه التعويض ويكون تحت المساءلة القانونية.

قسمت الباحثة المبحث الأول الى مطلبين، فقد تناولت في المطلب الأول مفهوم الجوار، وفي المطلب الثاني مضار الجوار غير المألوفة.

 

المطلب الأول:

مفهوم الجوار

لا يمكن إخضاع مفهوم الجوار إلى تعريف محدد وثابت، لأن فكرة الجوار ذات قياس متغير, لأن الأشخاص والأشياء تتغير نتيجة الظروف, ومفهوم مضار الجوار من صنع الأعراف والتقاليد الممزوجة بالمسؤوليات الاجتماعية المتعلقة براحة المواطن والأمن والاستقرار.[1]حسن صالح عطية، “مضار الجوار غير المألوفة وأساسها القانوني”, مجلد2, ع4, كلية العلوم القانونية والسياسية, … Continue reading

ولم يرد في مجلة الأحكام العدلية مفهوم محدد وواضح للجوار وتركت الأمر لاجتهاد الفقه والقضاء.

تم تقسيم مفهوم الجوار إلى قسمين :

  • من حيث الأموال.
  • من حيث الأشخاص.

 

 الفرع الأول:

مفهوم الجوار من حيث الأموال

إن مفهوم الجوار من حيث الأموال يثير مسألتين :

الأولى من حيث النطاق، يثور السؤال هنا: هل يشمل الجوار من حيث الأموال العقارات والمنقولات على حد سواء، أم أنه يقتصر على العقارات فقط؟

قد ذهب البعض إلى القول أن مفهوم الجوار يقتصر على العقارات فقط، بذريعة أن العقارات تمتاز بالثبات، وتنشئ حالة الجوار، والبعض الآخر ذهب الى القول أن مفهوم الجوار لا يقتصر على العقارات بل يمتد الى المنقولات أيضا، مثال ذلك أن يضع شخصا آلة كهربائية في منزله فينشأ عنها تعطيل الانتفاع بآلة الراديو لجاره.[2]محمد مرسي باشا, شرح القانون المدني الحقوق العينية الأصلي (الأموال, الحقوق حق الملكية بوجه عام)منشأة المعارف: … Continue reading وهنا يسأل الشخص عن التعطيل والضرر الذي حدث، بالرغم أن الضرر صادر عن منقولات.

والثانية من حيث مداه، ومعناه أنه هل يشترط التلاصق بين العقارات والمنقولات؟ أم يكفي وجود عنصر التجاور؟

وفق المفهوم التقليدي للجوار فإنه اشترط التلاصق بين العقارات أو بين المنقولات، فإذا لم يتحقق التلاصق بينهم، لا يمكن التعويض عن الأضرار غير المألوفة.

ولكن ظهرت العديد من الأنظمة والقوانين ومنها قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999 والتي توسعت في مفهوم الجوار، فلم يعد يقتصر مفهوم الجوار على الجار الملاصق فقط، بل امتد ليشمل كل جار يصيبه ضرر غير مألوف.

 

الفرع الثاني:

مفهوم الجوار من حيث الأشخاص

يثار التساؤل هنا هل يشترط في الجار أن يكون مالكا للعقار؟ أم أن مفهوم الجار يمتد ليشمل أشخاصا آخرين كالمستأجر أو المقاول؟ انقسم الفقه الى قسمين:

القسم الأول: قد ربطوا فكرة الجوار بالملكية، وأن صفة الجوار لا تتوافر إلا في الملاك المتجاورين.[3]عطا حواس, الأساس القانوني للمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار, دراسة مقارنة, دار الجامعة … Continue reading

القسم الثاني: توصلوا إلى أن فكرة مضار الجوار مرتبطة بمحدث الضرر بغض النظر عن صفته سواء كان مالكا أو مستأجرا أو منتفعا، مستندين برأيهم أن المستأجر بغض النظر عن صفته يعتبر منتفعا بالعين, ويكون مسؤولا عن الأضرار غير المألوفة الناجمة عن أفعاله.[4]عبد الرزاق السنهوري, الوسيط في شرح القانون المدني الجديد(حق الملكية), الجزء الثامن, منشورات الحلبي الحقوقية: … Continue reading

 

المطلب الثاني:

مضار الجوار غير المألوفة

برز الى حيز الوجود صورة جديدة للمسؤولية المدنية أطلق عليها المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف والتي نص عليها المشرع الجزائري في المادة (691) من القانون المدني.

ومن هذا المنطلق فإنه لا حماية قضائية للجار من مضار الجوار، إلا إذا كان الضرر الذي ألحقه الجار بجاره يعتر ضرر غير مألوف، ويعرف الضرر الغير مألوف على أنه ” الضرر الذي يزيد على الحد المعهود فيما يتحمله الجيران عادة بعضهم من بعض، فإذا زاد الضرر عن هذا الحد كان ضرر غير مألوف، ويجب التعويض عنه”.[5]عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، (حق الملكية), الجزء8, دار النهضة للنشر والتوزيع, 2011, ص696

أما في حال كان الضرر الذي لحق بالجار مألوف فلا يكون له تعويض، وذلك وفق ما نصت عليه المادة (691\2) من القانون المدني الجزائري على أنه :” ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة، غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذا المضار إذا تجاوز الحد المألوف”.

وقد عبرت مجلة الأحكام العدلية عن الضرر غير المألوف بأنه ضرر فاحش بموجب المادة (1197) بأنه ” لا يمنع أحد من التصرف في ملكه أبدا إلا إذا كان ضرره لغيره فاحشا”. وأيضا في المادة (1199) من المجلة بأنه ” كل ما يمنع الحوائج الأصلية أي المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكن، أو يضر بالبناء يجلب له وهنا ويكون سببا لانهدامه”.

وقد أوردت المجلة أمثلة عن الضرر الفاحش بموجب المادة (1201) منه، حيث نصت على أنه ” منع المنافع التي ليست من الحوائج الأصلية كسد الهواء والنظارة ومنع دخول الشمس ليس بضرر فاحش، ولكن سد الضياء بالكلية ضرر فاحش، فإذا أحدث رجل تسد بسببه شباك بيت جاره وصار بحال لا يقدر على القراءة معها من الظلمة، فله أن يكلفه رفعه للضرر الفاحش”.

وأيضا المادة (1202) من المجلة نصت على “رؤية المحل الذي هو مقر النساء تضمن الدار والمطبخ والبئر تعد ضررا فاحشا”.

يستفاد من ذلك أنه يجب أن يكون ضرر غير مألوف لرفع الدعوى

وحتى يكون الضرر صالحا للتعويض يجب أن تتوافر فيه عدة شروط وهي:

  1. أن يكوم محققا, أي غير احتمالي، إذ أنه لا يوجد تعويض عن الضرر الاحتمالي . والمقصود بالضرر المحقق أنه ثابت على وجه اليقين، فهو ليس افتراضي ولا احتمالي.[6]عثمان التكروري وأحمد السويطي، مصادر الالتزام مصادر الحق الشخصي, ط1, المكتبة الأكاديمية: الخليل, 2016, ص463.
  2. أن يكون الضرر شخصيا: يعني أن يكون خاصا بمن وقع عليه الضرر, فالقاعدة العامة تقتضي أنه لا يجوز لشخص آخر غير المضرور أن يسائل أو يقاضي من تسبب بالضرر إذا امتنع المضرور عن مقاضاته.[7]عثمان التكروري وأحمد السويطي، مرجع سابق, ص483.
  3. أن يكون الضرر مباشرا: فيجب أن يكون الضرر ناتج مباشر للفعل الضار.
  4. الا يكون الضرر قد سبق تعويضه: فالتعويض يكون لجبر الضرر, ولا يجوز الاثراء على حساب المتضرر, فلا يجوز للمتضرر أن يعوض مرتين عن الفعل نفسه.[8]عثمان التكروري وأحمد السويطي، مرجع سابق، ص484.
  5. أن يكون الضرر قد أصاب مصلحة مشروعة للمتضرر.
  6. استمرارية الضرر: من طابع وميزة الضرر غير المألوف أن يكون مستمر ومتكرر ومتتابع.
  7. جسامة الضرر.

نتيجة لما سبق من الممكن أن نعرف الضرر غير المألوف على أنه ضرر فاحش الذي يقع من الجار على جاره، أو أنه الضرر الذي لا يكون هنالك قدرة أو عادة على احتماله بين الجيران.

وأيضا لا يمكن اعتبار الأضرار المألوفة أساسا لإقامة دعوى مسؤولية مدنية خاضعة لفكرة مضار الجوار، وذلك لأنه يمكن تفاديها وتحملها بين الجيران, وفي هذا الحال فإن تقدير الضرر مألوف أم غير مألوف يكون سلطة تقديرية للقاضي بناءا على الظروف المحيطة.

 

الفرع الأول:

العلاقة السببية وعلاقة الجوار

عندما ترفع دعوى المسؤولية عن مضار الجوار غير المألوف ضد الجار المدعى عليه، يجب أن تتوافر صفة الجار في الشخص المضرور وذلك لأنها شرط لقيام المسؤولية, وهذا ما نصت عليه المادة (691/2) من القانون المدني الجزائري أنه :” وليس للجار على جاره”.

ويقصد بالجار في هذا المقام كل من يشغل مكانا في نطاق الجوار بغض النظر عن صفته وكونه مالكا أو مستأجرا أو شاغلا بسيطا للعين، وبغض النظر عن الفترة الزمنية التي يتم خلاله شغل المكان.

ولا يكفي لقيام المسؤولية وجود الفعل أو الضرر، بل لا بد أن يكون الفعل هو السبب المباشر لحدوث الضرر، وهذا ما يعرف بالعلاقة السببية, وهنالك عدة نظريات لتبيان العلاقة السببية ومنها نظرية السبب المنتج الذي نصت عليه المادة (60/أ) من قانون المخالفات المدنية بأنه:” إذا كان قد لحق بالمدعي ضرر, فلا يحكم بالعقوبة إلا عن الضرر الذي قد ينشأ بصورة طبيعية في سياق الأمور الاعتيادية والذي ينجم مباشرة عن المخالفة المدنية التي ارتكبها المدعى عليه”.

 

الفرع الثاني:

تقدير الأضرار غير المألوفة في الدعوى

اعتبر المشرع الفلسطيني أن مضار الجوار غير المألوفة معيار من معايير التعسف في استخدام الحق حيث نصت المادة (5/د) من مشروع القانون المدني الفلسطيني على أنه: “ يعد استعمال الحق تعسفيا في الأحوال الآتية: د. إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضررا، غير مألوف”.

كما نصت المادة (946) من مشروع القانون المدني الفلسطيني على أنه :”1. على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك جاره، 2. وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجاوزها, وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف, وطبيعة العقارات, وموقع كل منهما بالنسبة للآخر, والغرض التي خصصت له, ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق”.

فهناك ظروف موضوعية في تقدير الأضرار غير المألوفة وهي :العرف وطبيعة العقارات.

والمقصود بالعرف هنا هو ما تعارف عليه الجيران وما جرت عليه العادة فيما بينهم وما يتحمله بعضهم من بعض من أضرار الجوار الطبيعية، ويمثل العرف أول معيار يعتمد عليه القاضي لتقدير الضرر من عدمه.[9]جاد يوسف خليل، مضار الجوار غير المألوفة(الميدان، المعيار والاجتهادات الحديثة المدنية، الجزائرية والادارية، … Continue reading

ولطبيعة العقارات دور مهم في تقدير الضرر، ومعرفة إذا كان هذا الضرر مألوف أم غير مألوف، فالضرر قد يكون مألوف تحت ظروف معينة، وقد يكون غير مألوف تحت ظروف أخرى، ومثال ذلك أنه لو كان العقار مكان عام كمقهى تختلف مضاره عما إذا كان مشفى أو مدرسة.

وهناك ظروف شخصية في تقدير الضرر غير المألوف، وقد أخذ بهذه النظرية بعض الفقهاء وعارضها الجزء الآخر، فاعتبر أنصار هذا المذهب أن الظروف الشخصية لا تقل أهمية عن الظروف الموضوعية، وأن الحالة النفسية للجار يجب أخذها بعين الاعتبار في تقدير الأضرار غير المألوفة.

المبحث الثاني:

الأساس القانوني لدعوى ضرر الجوار

في الحالة الطبيعية فإن من يصيبه أي ضرر يتجه للقضاء لإزالة الضرر والحصول على التعويض، وذات الحال ينطبق فيما يتعلق بالجار المضرور حينما يمتنع المسؤول عن الضرر إزالة ما أحدثه من ضرر أصاب جاره، خصصت الباحثة المبحث الثاني لدراسة الأساس القانوني لدعوى ضرر الجوار، حيث تناولت بالمطلب الأول أركان المسؤولية الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار وفي المطلب الثاني آثار المسؤولية الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار.

المطلب الأول:

أركان المسؤولية المدنية من عدم مراعاة مصلحة الجوار

متى ما توفرت أركان المسؤولية المدنية عن مضار الجوار، وهي الفعل والضرر والعلاقة السببية بينهما، ينشأ حق المضرور بالرجوع لمحدث الضرر لإزالة الضرر والتعويض، وفي حالة لم يستجيب مسبب الضرر للمضرور فيكون له الرجوع للقضاء لإلزام محدث الضرر لتنفيذ طلبه.

يكون أطراف الدعوى هم من ترفع الدعوى باسمهم بناء على ما لهم من صفة من مضرور ومسبب الضرر.

 

الفرع الأول:

الجهة المدعية في دعوى ضرر الجوار

هنالك العديد من الشروط التي يجب توافرها بالأشخاص لمباشرة الدعوى المدنية، ومن أهم هذه الشروط الصفة والمصلحة.

فإن المدعي في دعوى الضرر هو المضرور الذي أصابه ضرر شخصي ومباشر جراء الفعل الذي أحدثه مسبب الضرر، سواء أكان مالكا أم مستأجرا، منفردا أم متعددا.

وتعرف الصفة على أنها: شرط من شروط الدعوى والتي لا تسمع الدعوى المدنية بدونها، والمقصود بذلك أن ترفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة.[10]محمد عابدين. (1994). الدعوى المدنية في مرحلتيها الابتدائية والاستئنافية (الإسكندرية: منشأة المعارف,1994), ص225.

وفي دعوى مضار الجوار يجب أن تتوافر صفة الجار في الشخص المضرور والمسؤول كما شرحناها سابقا.

والمصلحة في الدعوى هي المنفعة التي تعود على رافع الدعوى من الحكم له بما طلبه. فالمصلحة مناط الدعوى ولا وجود لدعوى دون مصلحة.

ويجب أن تتوافر بالمصلحة شروط معينة وهي أن تكون المصلحة قانونية، وشخصية مباشرة، وقائمة، وحالة.

 

الفرع الثاني:

الجهة المدعى عليها في دعوى الضرر

وهي الجهة المسؤولة عن الضرر غير المألوف، وأيضا يشترط أن تتوافر فيه الصفة، وأيضا من الممكن أن يكون المدعى عليه شخصا طبيعيا أو معنويا، واحدا أو متعددا.

وفي موضوع ضرر الجوار لا يشترط أن يكون الشخص المدعى عليه مالكا للأرض، بل يكفي أن يكون هو المسؤول عن الضرر غير المألوف.

وهنا نميز بين الصفة والمصلحة، فالصفة يجب أن تتوافر في كل من المدعي والمدعى عليه، أما المصلحة فلا تكون متوافرة إلا بالمدعي.

والمدعى عليه في دعوى مضار الجوار غير المألوفة يكون الجار سواء أكان هذا الجار مالكا، أو مستأجرا، أو مقاولا، أو رب العمل.

 

المطلب الثاني:

آثار المسؤولية المدنية من عدم مراعاة مصلحة الجوار

إن المقصود بالآثار الجزاء الواقع على المسؤول عن الضرر، حيث يستحق المضرور تعويض نتيجة للضرر الحاصل من الجار.

ويقصد بالتعويض إعادة الحال الى ما كان عليه والذي يجب أن يكون عليه قبل وقوع الضرر، وهذا التعويض يكون على حساب المسؤول عن الضرر الحاصل. كما جاء في نص المادة (3) من قانون المخالفات المدنية أنه “يحق لكل من لحق به أذى أو ضرر، بسبب مخالفة مدنية ارتكبت في فلسطين، أن ينال النصف التي يخوله إياها القانون من الشخص الذي ارتكب تلك المخالفة أو المسؤول عنها”.

وقد نصت مجلة الأحكام العدلية على فكرة التعويض أو الضمان بشكل عام، كما جاء في نص المادة (19) ” لا ضرر ولا ضرار”. أما فيما يخص التعويض عن مضار الجوار غير المألوفة، فلا يوجد نصوص خاصة بها.

الفرع الأول: طرق التعويض

أولا: التعويض العيني : وهو إعادة الحال الى ما كان عليه. ويعتبر أفضل وسيلة لأنه يزيل الضرر تماما، وإرجاع المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر.[11]ياسين الجبوري، الوجيز في شرح القانون المدني الأردني “مصادر الحقوق الاشخصية/مصادر الالتزام: دراسة … Continue reading

وقد نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة (890) على أنه “يلزم رد المال المغصوب عينا وتسليمه إلى صاحبه في مكان الغصب إن كان موجودا”. وهنا فيمتا يتعلق بموضوع الغصب، ولكن يمكن الأخذ بها في موضوع تعويض ضرر الجوار. وقد قضت محكمة الاستئناف المنعقدة في رام الله في القضية رقم 166/2000, بإلزام المدعى عليه بإعادة الحال إلى ما كانت عليه عن طريق إزالة الحجارة الضخمة والأتربة التي وضعها في أرض الغير بعد أن هدم السلسال”.[12]دعوى رقم 166/2000, محكمة الاستئناف المنعقدة في رام الله، بتاريخ 9/5/2004, المقتفي.

إن التعويض العيني يقع عادة على الالتزامات العقدية، ولكن بالنسبة للتعويض العيني عن المسؤولية التقصيرية فإنه يرجع الى تقدير المحكمة، وعلى المحكمة أن تحكم بالتعويض العيني متى طلبه المضرور وكان ذلك ممكنا، فإذا تعثر ذلك نلجأ الى التعويض بمقابل.

ثانيا: التعويض النقدي: عند استحالة الحكم بالتعويض العيني، أي أنه كان من المستحيل إعادة الحالة الى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر غير المألوف، يلجأ القاضي الى التعويض النقدي.

وقد اشارت مجلة الأحكام بذلك وفق نص المادة (153) والتي نصت على أنه :”إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل”.

وفيما يتعلق بمضار الجوار غير المألوفة، فإنه من رأي الباحثة أن الأصل التعويض العيني متى كان ذلك ممكنا، وإن كان مستحيلا نلجأ الى التعويض النقدي.

 

الفرع الثاني:

آلية تقدير التعويض عن مضار الجوار

التعويض يحدد بثلاث طرق وهم العقد والقانون والقضاء، ولكن لأنه من الصعب أن نكيف علاقة الحار بجاره على اعتبار أنها علاقة عقدية، يمكننا القول إن التعويض بينهم قد يكون اتفاقيا، وفي حال عدم الاتفاق يقوم الفاضي بتحديد التعويض.

أولاً: التعويض الاتفاقي:

يعرف التعويض الاتفاقي بالشرط الجزائي ويكون مقدما على تقدير التعويض، ويعتبر التعويض الاتفاقي متداول بكثرة في مجال العقود، ويتم الاتفاق على الشرط الجزائي عند إبرام العقد أو في اتفاق لاحق.(توثيق)

ثانياً: التعويض القانوني:

يكون التعويض قانونيا عندما يحدد القانون قيمة التعويض.

ثالثاً: التعويض القضائي:

يتم تقدير التعويض القضائي عندما لا يتم الاتفاق ولم يكن هناك نص بالقانون للتعويض، فيكون للقاضي تقدير التعويض آخذا بعين الاعتبار حجم الضرر الحاصل.

 

الخاتمة

تناولت هذه الدراسة دعوى الضرر الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار، من خلال البحث عن التشريعات القانونية الناظمة للمسؤولية المدنية الناجمة من عدم مراعاة مصلحة الجوار، وقد توصلت الباحثة الى نتائج وتوصيات على النحو الاتي:

النتائج

  • أن الفقه والقضاء التقليدي، قد ضيق مفهوم الجوار الى مفهوم الجار الملاصق فقط، ولكن جاء الفقه والقضاء المعاصر ليوسع من مفهوم الجوار، ليشمل بذلك العقارات والمنقولات، وصفة الجار تطلق على كل شخص طبيعي أو معنوي, مالك أو مستأجر.
  • إن مسألة تقدير الضرر إن كان مألوفا أم غير مألوفا لا تحكمه قاعدة ثابتة، ونرجع بهذا التقدير الى سلطة القاضي.
  • إن المنازعات الناشئة بين الجوار تدخل القضاء لحلها، ولكن بعد توافر شروط معينة مثل صفة الجار بالمدعي والمدعى عليه وصفة المصلحة للمدعي دون المدعى عليه.
  • إن التعويض للمضرور يجب أن يكون عن كامل الضرر الناشئ، سواء كان التعويض عيني أم نقدي.

التوصيات

  • نوصي المشرع الفلسطيني تنظيم نصوص خاصة تتعلق بدعوى المسؤولية المدنية عن مضار الجوار غير المألوفة. لأن تطبيق القواعد العامة للمسؤولية المدنية قد تؤدي في بعض الأحيان الى ضياع الحقوق والتعسف في استخدام الحق.

 

قائمة المصادر والمراجع

أولاً- المصادر:

  • قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنة 1999م, المنشور على الصفحة (38) من عدد الوقائع الفلسطينية رقم (32), بتاريخ 29/2/2000.
  • مجلة الاحكام العدلية.
  • قانون المخالفات المدنية رقم (36) لسنة 1944م، المنشور على الصفحة (149) من عدد الوقائع الفلسطينية (الانتداب البريطاني) رقم (1380) بتاريخ 28/12/1944.

ثانياً- المراجع:

  • أمين دواس، مجلة الاحكام العدلية وقانون المخالفات المدنية (2), ط1, المعهد القضائي الفلسطيني: رام الله, 2012.
  • جاد يوسف خليل، مضار الجوار غير المألوفة، (الميدان، المعيار، والاجتهادات الحديثة المدنية، الجزائرية، والادارية، دراسة مقارنة) دار العدالة: لبنان,2006.
  • عبد الرحمن حمزة، مضار الجوار غير المألوفة والمسؤولية عنها “دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي والقانون المدني”, دار النهضة العربية: القاهرة, 2006.
  • عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد (حق الملكية), الجزء الثامن، منشورات الحلبي الحقوقية: لبنان, 1998.
  • عبد الناصر توفيق العطار، شرح أحكام حق الملكية، مؤسسة البستاني: مصر, 1990.
  • عثمان التكروري وأحمد السويطي، مصادر الالتزام مصادر الحق الشخصي، ط1, المكتبة الاكاديمية: الخليل, 2016.
  • حسن صالح عطية، “مضار الجوار غير المألوفة واساسها القانوني” مجلد 2, ع4, مجلة كلية العلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، (2013), ص10.
  • فيصل زكي عبد الواحد، أضرار البيئة في محيط الجوار والمسؤولية المدنية عنها، رسالة دكتوراه في الحقوق, جامعة عين شمس, مصر, 1989, ص769.

 

بقلم المحامية: أسماء بسام عيسه

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 حسن صالح عطية، “مضار الجوار غير المألوفة وأساسها القانوني”, مجلد2, ع4, كلية العلوم القانونية والسياسية, جامعة كركوك, (2013)، ص10.
2 محمد مرسي باشا, شرح القانون المدني الحقوق العينية الأصلي (الأموال, الحقوق حق الملكية بوجه عام)منشأة المعارف: الإسكندرية, 2005.
3 عطا حواس, الأساس القانوني للمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث البيئي في نطاق الجوار, دراسة مقارنة, دار الجامعة الجديدة: الاسكندرية, 2012, ص120.
4 عبد الرزاق السنهوري, الوسيط في شرح القانون المدني الجديد(حق الملكية), الجزء الثامن, منشورات الحلبي الحقوقية: لبنان, 1998, هامش رقم 1, ص687.
5 عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، (حق الملكية), الجزء8, دار النهضة للنشر والتوزيع, 2011, ص696
6 عثمان التكروري وأحمد السويطي، مصادر الالتزام مصادر الحق الشخصي, ط1, المكتبة الأكاديمية: الخليل, 2016, ص463.
7 عثمان التكروري وأحمد السويطي، مرجع سابق, ص483.
8 عثمان التكروري وأحمد السويطي، مرجع سابق، ص484.
9 جاد يوسف خليل، مضار الجوار غير المألوفة(الميدان، المعيار والاجتهادات الحديثة المدنية، الجزائرية والادارية، دراسة مقارنة) دار العدالة: لبنان, 2006, ص110.
10 محمد عابدين. (1994). الدعوى المدنية في مرحلتيها الابتدائية والاستئنافية (الإسكندرية: منشأة المعارف,1994), ص225.
11 ياسين الجبوري، الوجيز في شرح القانون المدني الأردني “مصادر الحقوق الاشخصية/مصادر الالتزام: دراسة مقارنة”, دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان,2011, ص619.
12 دعوى رقم 166/2000, محكمة الاستئناف المنعقدة في رام الله، بتاريخ 9/5/2004, المقتفي.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !