Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

بحث قانوني: الأسس النظرية لدعوى التعويض – دراسة مقارنة بين فرنسا، مصر والمغرب

الأسس النظرية لدعوى التعويض

دراسة مقارنة بين فرنسا، مصر والمغرب

بقلم المحامي: د. عبد الحميد حكيمي

ملخص البحث:

   إذا كان القضاء الاداري الفرنسي قد استطاع دفع الادارة إلى تعويض الأفراد عن الأضرار التي تلحقهم من جراء تصرفاتها وقرارتها، فإن نظيره المصري اقتبس منه الشيء الكثير، شأنه في ذلك شأن القضاء الإداري المغربي الذي ورغم حداثة نشأته أو بالأحرى تأخر نشأة قضاء إداري متخصص، كان له كبير الأثر على الموقع الذي يحتله هذا القضاء من بين الأنظمة المقارنة، كفرنسا مهد هذا النظام القضائي وأيضا مصر التي تعتبر من الدول السباقة الى انتهاج نظام القضاء المزدوج متأثرة في ذلك بالنظام القانوني الفرنسي.

    إن اختيار المغرب لنظام القضاء الاداري والتدرج في استكمال هياكله، يتطلب ضرورة تدخل المشرع لإنشاء محكمة تنازع للفصل في اشكالات التنازع التي يمكن أن تنشأ بين جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ضرورة تدخل المشرع لإصدار مدونة للإجراءات الادارية وعدم الاحالة على نصوص المسطرة المدنية التي وضعت أساسا لمنازعات مختلفة عن الدعاوى الإدارية، إلا أنه وفي الواقع لا يمكن أن ننسى التطور الذي عرفه القضاء الاداري في المغرب من خلال إنشاء محاكم استئناف ادارية التي خففت الضغط عن الغرفة الادارية بمحكمة النقض.

(رابط تحميل البحث بصيغة pdf / PDF في أسفل هذه الصفحة)

 

مقدمة:

      تعتبر فرنسا مهد القضاء الإداري المزدوج، ونظرا للنجاح الذي حققه هذا النظام في إرساء قضاء إداري حديث يحمي الأفراد من مختلف تعسفات الإدارة، باعتباره حصن الحريات وملاذها، ورقيبا على تصرفات الإدارة تبنته بعض الدول كالمغرب ومصر وغيرها، وذلك من منطلق التقليد أو التبعية القانونية أو لأسباب أخرى، لعل أهمها تقويم النظام الإداري في الدولة  وذلك بتوجيه الإدارة للامتثال للمشروعية أو بتقويمها وتجنيبها الوقوع في الخطأ وما يؤدي إليه من متاعب التقاضي وإهدار الأموال العامة والوقت، أو من أجل إعادة التوازن بين السلطات الثلاث، خصوصا في وقت طغت فيه السلطة التنفيذية مقابل جهاز تشريعي غير قادر على مواجهتها والتصدي لها(أغلبية داخل البرلمانات)، فيأتي هنا دور القضاء الإداري لكبح جماح الإدارة وذلك بفرض رقابة صارمة على تصرفاتها ونشاطها، فضلا عن الرقابة القبلية لمشاريع القوانين التي تعرضها على الجهاز التشريعي خصوصا بالنسبة الدول التي تعترف بالدور الاستشاري للقضاء الإداري .

   وفي فرنسا ثم إنشاء مجلس الدولة الفرنسي سنة 1799 بمقتضى المادة 52 من دستور السنة الثامنة في عهد نابليون بونابرت، أما في مصر فقد ثم الأخذ بنظام القضاء الإداري في مصر بمقتضى القانون رقم 112 لسنة 1946 المنشئ لمجلس الدولة المصري وذلك بعد محاولات عديدة لإنشاء هذا المجلس[1]تمثلت هذه المحاولات في: – الامر العالي الصادر سنة 1879 بإنشاء مجلي على غرار مجلس الدولة الفرنسي أطلق عليه – … Continue reading، الأمر الذي يبرز الرغبة الملحة والجادة في تبني أسلوب القضاء المزدوج في مصر.

    وفي المغرب ثم الأخذ بمسؤولية الإدارة في قانون الالتزامات والعقود لسنة 1913 المستوحى من القانون الفرنسي والذي أصبح بمقتضاه يمكن مساءلة الدولة والبلديات مدنيا.

    كما ثم الأخذ بنظام القضاء الإداري في المغرب وذلك عبر مجموعة من المراحل كانت أهمها مرحلة إنشاء المحاكم الإدارية بمقتضى القانون (41.90) والتي ثم العمل بها في فاتح مارس 1994، متأثرا بنهجه لأسلوب القضاء المزدوج بالتجارب السابقة والرائدة في هذا المجال، خصوصا التجربة الفرنسية وحتى المصرية.

    ولما كان دور القضاء الإداري كامنا في حماية حقوق الأفراد عن طريق الحكم بإلغاء قرارات وتصرفات الإدارة غير المشروعة، فإنه قد وجب عليه الحكم بتعويض هذا الفرد عن الأضرار التي لحقته في حالة تبوث مسؤولية الإدارة وعليه فإن دعوى التعويض هي: الدعوى التي يرفعها أحد الأشخاص إلى القضاء للمطالبة بجبر ما أصابه من ضرر نتيجة تصرف الإدارة، وتقوم إما على المسؤولية التعاقدية أو التقصيرية، أو تنشأ بسبب نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

    ومما لا شك فيه أن حداثة نشأة القضاء الإداري المغربي مقارنة مع القضاء الإداري الفرنسي ونظيره المصري، كان لها تأثير على أجهزة هذا القضاء سواء من حيث عدد الأجهزة أو نوعها وحتى وظائفها.

ومن خلال ما سبق يمكن طرح الإشكالية التالية:

ما مدى وجود نوع من التقاطع والتبعية بين القضاء الإداري الفرنسي، المصري والمغربي من خلال دعوى التعويض؟

وتنبثق عنها الأسئلة الفرعية التالية:

– ماهي أسس دعوى التعويض؟

– ماهي أنواع المسؤولية الإدارية التي يترتب عنها التعويض؟

– ما هي حالات عدو مسؤولية الدولة؟

– كيف يتم تحديد التعويض؟

– ماهي مسطرة دعوى التعويض ومن هي الجهة المختصة بالنظر فيها؟

وللإجابة عن الإشكالية السابقة والأسئلة الفرعية اعتمدنا المنهجين المقارن والتاريخي وذلك وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: أسس دعوى التعويض

المطلب الأول: المسؤولية الإدارية

المطلب الثاني: استثناءات المسؤولية الإدارية

المبحث الثاني: اجراءات دعوى التعويض

المطلب الأول: كيفية التعويض

المطلب الثاني: مسطرة دعوى التعويض والمحكمة المختصة

خاتمة

المبحث الأول: أسس دعوى التعويض

   تنبني دعوى التعويض على أسس تشكل مرجعا للشخص من أجل المطالبة بالتعويض بناء على مسؤولية إدارية (المطلب الأول) كما أن تقع على هذه المسؤولية مجموعة من الاستثناءات لا تتحمل فيها الدولة أية مسؤولية (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: أنواع المسؤولية الإدارية

تعتبر نظرية المسؤولية الإدارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي حديثا، بحيث لم يكن من المتصور إثارتها لأجل الحكم بالتعويض للخواص بجبر الأضرار التي لحقتهم من جراء نشاط إداري، لذلك فإن تقرير مبدأ المسؤولية يتلاءم مع وظائف الدولة الحديثة[2]عبد الله حداد تطبيقات الدعوة الإدارية في القانون الإداري – منشورات عكاظ بدون دار النشر وسنة الطبع ص 179..

وبالرجوع إلى تاريخ المسؤولية، يتحتم علينا الوقوف عند حكم بلا نكو (3 فبراير 1873) الذي شكل مرحلة جديدة في تحديد المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها، حيث أوكل النظر في هذه المنازعات للقضاء الإداري الذي سيطبق عليها قواعد القانون الإداري[3]أمينة جبران – القضاء الإداري – دعوى القضاء الشامل. ص 339. حيث كان المبدأ السائد قبل صدور الحكم السابق عدم مسؤولية السلطة العامة عملا بالقول المأثور: le roi ne peut mal faire أي أن الملك لا يمكن أن يخطئ إلا أن هذا المبدأ أندثر شيئا فشيئا وبدأت تتقرر مسؤولية الدولة وأصبح القضاء العادي يميز بين أعمال السلطة وأعمال الإدارة الخاصة، ونجد نفس الحالة في كل من مصر والمغرب إلا أن الاختلاف يبقى من حيث المدى الزمني حيث نجد أنه في مصر تم إنشاء مجلس الدولة سنة 1947 في المغرب المحاكم الإدارية 1993 التي أوكل لها المشرع الاختصاص في الدعاوى الإدارية حسب المادة 8. وتنقسم المسؤولية الإدارية إلى مسؤولية خطيئة (الفقرة الأولى) ومسؤولية على أساس المخاطر (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى: المسؤولية الخطئية

ترتكز المسؤولية الخطئية على ركن أساسي ألا وهو ” الخطأ”، وهذا الأخير ينقسم إلى قسمين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي، ومن ثم ينبغي التمييز بينهما مع توضيح موقف الفقه والقضاء من ذلك.

 

أولاً: الخطأ الشخصي.

هو الخطأ الذي يكمن تمييزه، وينسب إلى الموظف الذي يكون قد قام بأعمال لا تمت بأي صلة لمصلحة المرفق ونتجت عنه أضرار للغير فيكون ملزما بجبر الضرر من ماله الخاص لكونه هو الفاعل المخطئ[4]عبد الله حداد – مرجع سابق ص 182.. وقد اختلف الفقهاء في المعايير التي استمدوها من قضاء مجلس الدولة، ونعرض لأهم هذه المعايير على النحو التالي:

1 – معيار لافيريار: يقوم هذا المعيار أساسا على القصد السيئ لدى الموظف وهو يؤدي واجباته، فكلما قصد تحقيق نزواته الشخصية كان الخطأ شخصيا يتحمل نتائجه.

ويعيب عن هذا المعيار أنه لا يجعل الموظف مسؤولا عن خطأه الجسيم الذي يرتكبه بحسن نية مع أن بعض الفقهاء قد اعتبره في بعض الحالات من قبيل الأخطاء الشخصية.

2 – معيار هوريو: يقوم هذا المعيار على اعتبار الخطأ خطأ شخصيا إذا فصله عن واجبات الوظيفة سواء كان ذلك الانفصال ماديا (كما لو قام عمدة بنشر إعلانات في قريته بأن أحد الأفراد قد شطب اسمه من قائمة الناخبين بأنه قد صدر حكم بإفلاسه)[5]سليمان الطماوي. القضاء الإداري – الكتاب الثاني – قضاء التعويض، طرق الطعن في الأحكام – دراسة مقارنة – دار … Continue reading، أو معنويا، مثال ذلك الأمر الصادر في مصر من أحد العمد بقرع الأجراس احتفالا بمأتم مدني لا تقرع به الأجراس، “أما إذا تعلق الأمر بخطأ على درجة كبيرة من الجسامة فهو يعد خطأ شخصيا حتى ولو كان غير منفصل عن الوظيفة”، ولقد انتقد هذا المعيار على أساس أنه يجعل كل خطأ مهما كان لمجرد أنه منفصل عن واجبات الوظيفة خطأ شخصيا، كما يقحم في إطاره الأخطاء المتصلة بواجبات الوظيفة إذا كانت على درجة كبيرة من الجسامة[6]مليكة الصروخ – القانون الإداري – دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة – الطبعة السابعة ص 572..

3 – معيار جيز: لكي يكون الخطأ شخصيا ينبغي أن يكون الموظف قد ارتكبه بسوء نية، أو يكون الخطأ من قبيل الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها القانون الجنائي، أو أن يكون من الجسامة بحيث لا يمكن اعتباره من المخاطر العادية التي يتعرض لها الموظف في أداء عمله اليومي.

ويعيب عن هذا المعيار على أساس أنه اعتبر كل حالات الخطأ الجسيم من قبيل الخطأ الشخصي، وكذا الأخطاء الجسيمة التي لا ينفصل عمل الموظف فيها عن الوظيفة من قبيل الأخطاء المرفقية[7]مليكة الصروخ القانون الإداري دراسة مقارنة ص 572..

4 – معيار دوك راسي: يقوم على أساس طبيعة الالتزام الذي تم الإخلال به، فإذا أخل الموظف بالتزام عام يكون قد ارتكب خطأ شخصي، أما إذا أخل بالتزام له ارتباط بالعمل الوظيفي فإن الخطأ ينسب إلى المرفق وبالتالي فهو خطأ مرفقي.

5 – معيار دوجي: يعتمد على عنصر الغاية في التصرف الإداري لتحديد نوع الخطأ، إذا كان الهدف هو الصالح العام يعتبر الخطأ خطأ مرفقي مهما كانت جسامة، أما إذا كان هدف الموظف تحقيق أغراض شخصية اعتبر الخطأ خطأ شخصي ولو كان خطأ بسيطا[8]مليكة الصروخ القانون الإداري دراسة مقارنة ص 572.

موقف القضاء الفرنسي: أخد القضاء الفرنسي في أحكامه المتعلقة بالتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي عدة معايير منها:

– أن يكون الخطأ منفصل عن الوظيفة.

– أن يكون متعمدا.

– أن يكون الخطأ جسيم[9]للتوسع أكثر أنظر كتاب الكتاب الإداري دراسة مقارنة ص 573.

موقف القضاء المصري: لا يتقيد القضاء المصري بمعيار أو معايير معينة في التميز بين الخطأ الشخصي والمرفقي، وإنما يفحص كل حالة على حدة ويعتمد المعيار الذي يراه مناسبا للحالة[10]سليمان الطماوي: القضاء الإداري مرجع سابق ص 111..

موقف القضاء المغربي: أخد القضاء الإداري المغربي وذلك من خلال استعراض أحكامه في هذا الشأن بالمعيار المنفصل، ومفاده أن الخطأ يعتبر شخصيا إذا أمكن فصله عن واجبات الوظيفة، إذ يستوجب مساءلة الموظف ويكون التعويض من ماله الخاص4. وعليه لا يمكن متابعة الإدارة إلا في حالة اعسار الموظف كما جاء في قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى رقم 198 بتاريخ 2 ماي 1972.

تأسيسا على ما سبق يبتدئ لنا أن القضاء الإداري المغربي والفرنسي أخذا بنفس المعايير للتمييز بين الخطأ الشخصي والمرفقي التي تقوم على أساس التعمد والجسامة والانفصال على الوظيفة، في حين أن القضاء الإداري المصري كان مخالفا لكل من القضائيين السالفين الذكر، بحيث يطبق المعيار المناسب للحالة المعروضة عليه. وهذا يترك مجالا واسعا للاجتهاد القضائي في دراسة كل حالة على حدى، عن طريق سلطة تقديرية تقوم على النزاهة و الشفافية.

 

ثانياً: الخطأ المرفقي.

يعتبر الخطأ المرفقي هو ذلك الخطأ الذي ينسب إلى المرفق حتى ولو كان الذي قام به ماديا أحد الموظفين، ما لم يدخل في نطاق الخطأ الشخصي وينتج عنه إحداث ضرر سواء كان هذا الأخير متمثلا في تصرف قانوني أو في عمل مادي، أي بعبارة أخرى هو الخطأ الذي يصعب أن ينسب للإنسان بل يكون مرتبطا بالمرفق ولو كان مرتكبه أحد الموظفين، ومن ثمة فالخطأ المرفقي يتطلب توافر الشروط التالية:

– أن ينسب الخطأ إلى مرفق عمومي وليس لإنسان ما.

– أن يخضع لقواعد القانون العام وليس لأحكام القانون المدني.

– أن تكون قواعد المسؤولية الناجمة عنه مستقلة عن قواعد المسؤولية المدنية المعروفة في القانون الخاص[11]عبد الله حداد مرجع سابق ص 183..

وإذا كان الخطأ المرفقي يتمثل في إخلال الإدارة بالتزاماتها فإن أنواع وصور هذا الخطأ تتنوع بتنوع التزامات الإدارة ويتنوع صور الإخلال بها.

وهي ثلاث حالات يجمع عليها كل من القضاء الإداري الفرنسي والمصري والمغربي وهي كالتالي:

– صور وحالات الخطأ المرفقي:

1 – سوء أداء المرفق للخدمة:

يظهر الخطأ هنا في الأعمال الإيجابية التي تؤدي بها الإدارة خدماتها ولكن على وجه سيء مما يتسبب في ضرر للغير، وقد يكون الخطأ المرفقي في شكل عمل مادي أو قرار إداري غير مشروع أو بفعل الأشياء أو الحيوانات التابعة للإدارة، كإهمال خيل مملوكة   للإدارة فتؤدي إلى إحداث أضرار بالأفراد1. ومن أمثلة قضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد الخطأ المادي الواقع من أحد رجال الشرطة الذي أطلق رصاصة على ثور هائج في الطريق العام فأصابت أحد الأفراد داخل منزله، ومن أمثلة الخطأ القانوني أن توقف الإدارة نشاط أحد المحلات التجارية بتهمة المخالفة لأحكام القانون.

وقد يعزى سوء أداء الخدمة إلى سوء تنظيم المرفق العام، كما لو أصيب بعض الموظفين بتسمم نتيجة سوء تهوية الأمكنة العمومية التي يعملون فيها عقب تدفئتها بالفحم[12]محمد الأعرج، مرجع سابق ص 249..

2 – بطء أداء المرفق لعمله:

قد تتباطأ الإدارة في أداء خدماتها بصورة تخرج عن المألوف فيترتب عن ذلك إلحاق الضرر بالأفراد وقد قرر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الإدارة في هذا الخصوص وكمثال على ذلك تأخر الإدارة في ترميم بعض الآثار التاريخية أو تباطؤ الإدارة في توصيل إحدى الشكاوى للمسؤولين والمقصود بتباطؤ الإدارة هو تأخرها في الحالات التي لا يحدد فيها القانون ميعادا معينا لأداء الخدمة وإنما يترك تحديد الوقت لسلطة الإدارة التقديرية1.

وعلاوة على ذلك فإن الإدارة تكون مسؤولة في حالة تأخرها في القيام بخدمة ملزمة لأدائها في ميعاد معين.

3 – عدم أداء المرفق للخدمة:

وفي هذه الحالة تمتنع الإدارة عن أداء واجب تكون ملزمة قانونا بأدائه إذا كان شأن هذا الامتناع أن يصيب الأفراد بأضرار، إذ المسؤولية لا تقوم هنا على أساس فعل إيجابي ضار صادر من المرفق، ولكن على أساس موقف سلبي وقفته الإدارة بامتناعها عن إتيان تصرف معين[13]سليمان الطماوي، مرجع سابق ص 123..

ومن الأمثلة على ذلك. إذ اثبت سائق سيارة أن الضرر الذي حصل له كان بسبب عدم الصيانة العادية للطريق العام، فلا يمكن إعفاء الإدارة من مسؤوليتها عن سوء المنشأة المذكورة. إلا إذا أثبتت أنها قامت بكل الاحتياطات (كقيامها بأعمال الصيانة أو وضع إشارات التنبيه لسوء حالة الطريق).

وبذلك تصبح الدولة مسؤولة مدنيا عن عدم قيام مرافقها بأداء خدماتها فضلا عن مسؤوليتها عن سواء أداء خدماتها.

وتتطلب مسؤولية الدولة جراء ارتكابها عملا خاطئا سواء كان تصرفا قانونيا أو أعمال مادية، توفر درجة معينة من الجسامة في الخطأ المنسوب للدولة. ويختص القضاء في كل من المغرب ومع فرنسا بتقدير جسامة الخطأ.

كما أن عدم مشروعية القرار الإداري لا يؤدي دائما إلى الحكم بالتعويض، والشيء نفس بالبيئة للأعمال المادية الخاطئة فهي لا ترتب دائما الحكم بالتعويض[14]مليكة الصروخ/ مرجع سابق ص 575..

– العلاقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي:

جرى القضاء التقليدي لمجلس الدولة الفرنسي في أول الأمر على قاعدة الفصل التام بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي، لكن الانتقادات الموجهة لموقف القضاء والتبريرات الفقهية بعدم الجمع بين الخطأ الشخصي والمرفقي، ولاعتبارات أخرى تتمثل في غموض معايير التمييز بين الخطأ الشخصي والمرفقي واحتمال اعسار الموظف المحكوم عليه بالتعويض، كما يمكن أن يكون للخطأ نتيجة لعمل ضار بسبب خطأ مشترك وتبعا لذلك تعددت إمكانية الجمع بين الخطأين الشخصي والمرفقي وهذا ما اعترف به القضاء الفرنسي، وفي هذه الحالة تتحمل الدولة قدرا من التعويض بقدر إسهام الخطأ المرفقي في إحداث الضرر، بينما يتحمل الموظف قدرا من التعويض بقدر إسهام خطئه الشخصي. أما إذا كان الضرر بسبب خطأ شخصي للموظف فإن هذا الأخير وحده هو الذي يتحمل في النهاية كل التعويض[15]مليكة الصروخ، مرجع سابق ص 576.”.

أما في المغرب فإن الفصل 80 من ق.ل.ع يؤكد على أن الدولة لا تتحمل مسؤولية الخطأ الشخصي للموظف إنما يمكن أن تحل محله في الأداء عند ثبوت إعساره لتقتطع بعد ذلك من راتبه أو معاشه إذ أن الجمع بين الخطأين غير ممكن وهذا ما أكده القانون رقم 41/90[16]محمد محجوبي القضاء الإداري المغربي بعد إحداث المحاكم الإدارية – الطبعة الأولى 2002 ص 106..

لكن القضاء الإداري المغربي، تجاوز أمر عدم الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي، وذلك في إطار الحكم الاستعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط رقم 172 بتاريخ 2 ماي 2007 في قضية شركة ” صوكرار” ضد السيد وزير الداخلية[17]تكمن وقائع هذه القضية في أن شركة صوكرار رفعت دعوى قضائية ضد وزير الداخلية وقائد قيادة تاغرمت عمالة الفحص … Continue reading وبذلك يكون القاضي الإداري المغربي استجاب للانتقادات التي وجهها الفقه المغربي في العديد من الأبحاث والدراسات الجامعية للمسطرة التي كان يلجأ إليها المتضرر عن الأخطاء الشخصية للموظف، بحيث لم يكن ممكنا التوجه إلى الإدارة لمطالبتها بالتعويض عن الأضرار الحاصلة عن الأخطاء الشخصية لموظفيها إلا بواسطة دعوى احتياطية عندما يثبت عسر المخطئ بعد إقامة الدعوى ضده ليؤدي التعويض، مما يعني إلزام المتضرر برفع دعوى لمطالبة مرتكب الخطأ الشخصي بالتعويض، ودعوى ثانية للحكم بعسر الموظف فيها ضياع للوقت ويثقل كاهل المتضررين بمصاريف إضافية، الأمر الذي يوضح إيجابية الجمع بين الخطأين والمسؤوليتين، حيث تمكن المتضرر من رفع دعوى واحدة ضد الإدارة عن الخطأ المرفقي، وضد الشخص المسؤول عن الخطأ الشخصي[18]تعليق أنس المشيشي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتقنية، تعاليق على قرارات وأحكام الاجتهاد القضائي في … Continue reading.

وفي مصر نجد أن مجلس الدولة ساير القضاء الفرنسي في الأخذ بنظرية الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي. فقد طبقت محكمة القضاء الإداري هذه النظرية فيما يتعلق بتعويض الأضرار المترتبة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية[19]ماجد راغب لحلو مرجع سابق ص 365..

 

الفقرة الثانية: المسؤولية على أساس المخاطر

1 – تعريف:

بالإضافة إلى المسؤولية التي تقوم على أساس الخطأ، أنشأ مجلس الدولة في فرنسا نوعا آخر من المسؤولية لا علاقة له بفكرة الخطأ بتاتا، بمعنى أنه قرر مبدأ التعويض عن أضرار نجمت عن تصرف مشروع من جانب الإدارة ولا تشوبه شائبة، أي أنه أقام المسؤولية على ركنين فقط من أركانها هما الضرر والعلاقة السبيبة بينه وبين تصرف الإدارة1. وذلك خلافا للمسؤولية في إطار القانون الخاص التي لا تتقرر إلا بتوفر ركن الخطأ بالإضافة إلى الركنين السابق ذكرهما، ويؤكد ذلك ما جاء في قرار المجلس الأعلى للقضاء (المغرب) رقم 302 بتاريخ 9 فبراير 1987 ” حيث أن مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن الأشياء الخطيرة التي تستعملها في تسيير مصالحها كالسيارة تخضع لمقتضيات الفصل 79 من ق.ل.ع الذي يرتب هذه المسؤولية عليها وحتى بدون أي خطأ بل يكفي في ذلك إثبات وجود علاقة سببية بين الضرر الحاصل للضحية والأشياء المستعملة من طرف الإدارة[20]مليكة الصروخ: مرجع سابق، ص 577.

ونستشف مما سلف ذكره أن مسؤولية الدولة بدون خطأ تقوم على أساس الخطأ أو المساواة أما التكاليف العامة، أي أنها مبنية وفق مبدأ “التضامن الاجتماعي” الذي يتطلب تحمل الجماعة مخاطر نشاط الإدارة. إذ أنه ما دام هذا النشاط في صالح الجماعة فلا يجوز أن يتحمل الضرر من وقع عليه، وباعتبار الدولة هي الممثلة للجماعة فعليها تعويض هذا الضرر[21]ماجد راغب لحلو: م س، من ص 382 إلى 385.

وتتمثل مسؤولية الدولة بدون خطأ على أساس المخاطر في مجموعة من المجالات المختلفة من دولة لأخرى.

2 – حالات المسؤولية بدون خطأ:

تتجلى أهم حالات المسؤولية بغير خطأ كما أقرها مجلس الدولة الفرنسي في الآتي:

أ – مسؤولية الإدارة عن الفصل المشروع لموظفيها: قد تلجأ الإدارة وهي بصدد تنظيم المرافق العامة إلى إلغاء بعض الوظائف وفصل شاغليها ضمانا لمبدأ سير المرافق العامة بانتظام واضطرار أي أن قرار الفصل في هذه الحالة يعد قرارا مشروعا وليس خاطئا إلا أن مجلس الدولة الفرنسي قد ألزم الإدارة بتعويض الموظف نفسه عما أصابه من ضرر استثنائي.

ب – مسؤولية الإدارة عن إصابات العمل: قضى مجلس الدولة بإلزام الإدارة بتعويض عاملها عما يصيبه من إصابات أثناء العمل ولو لم يقع خطأ من جانبها، وكان أول حكم للمجلس في هذا الصدد هو حكم “كان” الصادر في 21 يونيو سنة1895[22]تتلخص وقائع هذا الحكم في أن عاملا أصيب بشطية حديد محمي أثناء العمل ولم يستطيع إثبات أي خطأ من جانب الإدارة ومع … Continue reading.

ج – مسؤولية الإدارية عن أضرار الأشغال العامة: يقصد بالأشغال العامة تجهيز العقارات ماديا لخدمة مرفق عام أو لحساب شخص من أشخاص القانون العام لتحقيق منفعة عامة، ويحدث أن تصاب أموال الأفراد من جراء هذه الأشغال العامة بأضرار محققة غير عادية لمدة طويلة وفي هذه الحالة قرر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الإدارة عن هذه الأضرار إذا توافرت الشروط التالية:

– أن يكون الضرر الذي أصاب أموال الأفراد محققا وليس مجرد احتمال.

– أن يكون الضرر غير عادي أي استثنائي.

– أن يكون الضرر مستمرا لمدة طويلة، فالضرر الذي يزول بعد فترة وجيزة لا يعوض عليه.

د – مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناشئة عن نشاط الإدارة الخطر: قد تقوم الإدارة بنوع من النشاط الخطر (كذلك المتعلق بالمرافعات والذخائر) قد يصيب بعض الأفراد بضرر استثنائي، وقد قضى مجلس الدولة في حكم ” رينودي روزييه” سنة 1919 بمسؤولية الإدارة الناشئة عن انفجار وقع بإحدى القلع بالقرب من باريس كانت تستخدمها كمخزن للقنابل فأدى إلى إصابة بعض المنازل المجاورة.

ھ – مسؤولية الإدارة عن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية: الأصل أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية ينطوي على خطأ من جانب الإدارة، غير أنه في بعض الظروف يتعذر تنفيذ هذه الأحكام لاعتبارات تتعلق بالصالح العام وفي هذه الحالة لا ترتكب الإدارة خطأ ولكنها تلتزم بتعويض صاحب الشأن عن الضرر الناتج عن عدم التنفيذ.

إذا كان مجلس الدولة الفرنسي قد تواترت أحكامه على الاعتراف بمسؤولية الإدارة القائمة بغير خطأ فإن مجلس الدولة المصري لم يتجه اتجاها موحدا للأحكام المؤيدة للمسؤولية الإدارية بدون خطأ في حالة الفصل المشروع للموظفين وفي حالة تنفيذ الأحكام القضائية.

أما الأحكام المنكرة المسؤولية القائمة بدون خطأ فهي تقوم على أساس أن يكون التعويض عن القرار الإداري الغير المشروع أن يقوم على أساس خطأ من جانبها وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم العلاقة السبيبة بين الخطأ والضرر. أما إذا كان القرار مطابقا للقانون فلا تسأل عنه الإدارة مهما بلغ الضرر الذي يترتب عليه انتفاء ركن الخطأ.

أما أحكام القضاء الإداري المغربي فنجدها تنحى نفس منحنى قضاء مجلس الدولة الفرنسي بمسؤولية الإدارة عن أعمالها بدون خطأ وتتمثل في الحالات التالية:

– الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية.

– الأضرار الناتجة عن الأسباب المستمرة (إقامة سكة حديدية بجانب منزل) فيؤدي إلى انخفاض قيمته.

– الأضرار العرضية اللاحقة بالغير (انجراف التربة والفيضان).

– الأضرار العرضية اللاحقة بالمستعملين (أي مستعملي المنشآت العمومية).

– المخاطر الغير العادية الناتجة عن الجوار.

– استعمال الأشياء الخطرة[23]مليكة صروخ، مرجع سابق ص 578..

وتجدر الإشارة إلى أن الأمثلة السالفة الذكر هي على سبيل المثال لا على سبيل الحصر إذ يبقى الأساس هو أن الدولة مسؤولة بدون خطأ كلما كانت أعمالها مشروعة لكنها ألحقت ضررا بالغير على أساس مبدأ الخطر، ويبقى للاجتهاد القضائي في كل من مصر والمغرب وفرنسا اختصاص اتباث الخطر من دونه في كل حالة على حدى.

 

المطلب الثاني: استثناءات المسؤولية الإدارية

إذا كانت الدولة مسؤولة عن الأضرار الملحقة بالغير بسبب أعمالها ونشاطات مرافقها العامة سواء على أساس الخطأ أو بدون خطأ، لكن مع ذلك تبقى ميادين مستثناة يمكن تحديدها في المجالات التالية، التي يقرها القانون الإداري المقارن وهي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية والتشريعية (فقرة الاولى) وأعمال السيادة أو الحكومة (الفقرة الثانية)[24]محمد محجوبي، مرجع سابق ص 101..

 

الفقرة الأولى: عدم  مسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية والتشريعية

1 – الأعمال التشريعية:

يقصد بالأعمال البرلمانية، مجموع الأعمال التي تصدر عن البرلمان وهيئاته أو أعضائه التي تتعلق بنظامه الداخلي وبشؤون أعضائه وعلاقته بالسلطة التنفيذية أو تتعلق بالأعمال الصادرة عن الأعضاء في تأدية وظائفهم كالخطب والآراء والاقتراحات التي يبديها الأعضاء داخل المجلس أو داخل اللجانـ وكذلك الأعمال المادية الصادرة عن البرلمان أو أحد هيئاته[25] الأعرج، مرجع سابق ص 239..

ولقد تم الاستناد إلى مجموعة من الحجج لتبرير عدم مسؤولية الدولة على الأعمال البرلمانية وهي[26]ماجد راغب لحلو، مرجع سابق ص 341.:

أ – مبدأ الفصل بين السلطات: يقتدي استقلال السلطة التشريعية عن السلطة القضائية وفي رقابة هذه الأخيرة على الأولى اعتداء على هذا المبدأ، غير أن هذا التفسير غير سليم لأن مبدأ الفصل بين السلطات لم يمنع من رقابة القضاء على السلطة التشريعية.

ب – عدم مسؤولية البرلمان: وتجد أساسها في عدم مسؤولية أعضائه عما يبدونه من أراء في تأدية وظائفهم فإن البرلمان يكون غير مسؤول عما يصدره من أعمال لكن هذه الحجة غير مقنعة لأن عدم مسؤولية أعضاء البرلمان ترمي إلى ضمان حريته في التعبير دون خوف من المسؤولية.

ج-البرلمان صاحب السيادة: ادا كان البرلمان يعتبر صاحب السيادة فيجب ألا يسأل عن أعماله ولكن هده الفكرة غير سليمة لأن البرلمان ليس إلا ممثلا للشعب الدي هو صاحب السيادة، كما أن السيادة ليست مطلقة ولا تتنافى مع المسؤولية.

د – عدم اختصاص القضاء الإداري: يعتبر القضاء الإداري غير مختص بالنظر في المنازعات المتعلقة بالأعمال البرلمانية. إنما ينحصر اختصاصه النظر في المنازعات الإدارية دون غيرها. إلا أن الأعمال البرلمانية إذا كانت تشريعية طبق المعيار الشكلي، فإنها تعتبر أعمال إدارية إذا أخدنا بالمعيار الموضوعي. إلا أن هذه الحجج بدأت تتضاءل قيمتها ليتم بالتالي التخفيف من مبدأ عدم المسؤولية عن أعمال البرلمان وذلك بعدة وسائل هي الأخذ بالمعيار الموضوعي في تميز الأعمال الإدارية وذلك بالنظر إلى طبيعة العمل وموضوعه وطرح المعيار الشكلي القائم على الهيئة مصدرة العمل.

– التفرقة بين العمل البرلماني وبين تنفيذه: فإذا وقع خطأ في التنفيذ أمكن تعويض الضرر على المترتب على هذا الخطر.

– احتفاظ العمل بالصفة الإدارية رغم تأييد البرلمان له.

وفي مصر تماشى القضاء الإداري مع الوضع نفسه في فرنسا أخدا بالمعيار الموضوعي في تحديد قرارات البرلمان المتعلقة بشؤون موظفيه، واعترف لنفسه بالاختصاص بالنظر في قضايا التعويض والمتعلقة بهذه القرارات.

2 – أعمال القضاء:

القاعدة هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية ويقصد بها تلك الأعمال الصادرة عن القضاء سواء أكان عاديا أو استثنائيا وسواء أخذت هذه الأعمال صورة أحكام قضائية أو أعمال ولائية أو أعمال تحضيرية. وكذا أعمال النيابة العامة فيما يتعلق بالاتهام والتحقيق وأعمال الضبط القضائي الرامية إلى كشف الجرائم وتعقب المجرمين[27]للتوسع أكثر راجع محمد الأعرج: القانون الإداري المغربي الجزء 1 ص 240 وما بعدها..

وحاول الفقه أن يكشف عن أساس قاعدة عدم مسؤولية الدولة من أعمال السلطة القضائية بتقديم الحجج التالية[28]ماجد راغب لحلو، مرجع سابق ص 346.:

– استقلال السلطة القضائية عن الحكومة: ومفاد هذه الحجة أن الحكومة إذا كانت تسأل عن أخطاء موظفيها فإن القضاة مستقلين لا سلطان عليهم بغير القانون لذلك فلا تسأل عنهم الحكومة، إلا أن هنا الأمر يتعلق بمسؤولية الدولة لما ضمنه من سلطات ثلاث وليس بمسؤولية الحكومة.

– خشية التأثير على رجال القضاء: أي أن تقرير مسؤولية الدولة أعمال السلطة القضائية من شأنه أن يبعث الخوف في نفسية القاضي فيمنعه من أداء واجبه على الوجه الأكمل مما يعوق سير العدالة.

– حجية الشيء المقضي به: مفاده السماح بالتعويض عن الأحكام النهائية الحائزة على قوة الشيء المقضي به يتعارض مع ما يجب أن تتم به هذه الأحكام من استقرار وما يفترض فيها من صحة وكمال.

– حداثة قاعدة مسؤولية الدولة: وذلك على أساس تاريخي يتمثل في حداثة عهد قاعدة مسؤولية الدولة، إذ كانت القاعدة فيما مضى عدم مسؤولية الدولة من أعمالها بصفة عامة نظرا للمزج بين شخصية الملك الذي لم يكن من المعقول أن ينسب إليه خطأ وبين شخصية الدولة التي كان الملك يعمل باسمها.

 إذا كانت القاعدة هي عدم مسؤولية الدولة على أعمال القضاء، فإن المشرع قد يتدخل ويقر مسؤوليتها استنادا على الحالات التالية في كل من فرنسا ومصر والمغرب.

أ – مسؤولية الدولة في حالة التماس إعادة النظر في حكم جنائي:

تم التنصيص عليها بقانون 8 يونيو 1890 في فرنسا[29]سليمان الطماوي ، مرجع سابق ص 49 وكذا في المغرب من خلال قانون المسطرة الجنائية المغربية.

والأحكام التي تكون قابلة لإعادة النظر هي الأحكام النهائية والصادرة بالعقوبة في جناية أو جنحة، ولا يفسح باب المراجعة إلا لتدارك خطأ واقعي تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة. وتتمثل أسباب المراجعة حسب قانون م. الجنائية المغربي والمقارن في الحالات التالية مهما كانت الجهات القضائية التي يصدر منها الحكم:

– إذا حكم على متهم في جريمة قتل تم وجد المدعى قتيله حيا. أو قدمت أوراق يستدل على بقائه حيا.

– إذا صدر حكمان متعاقبان على شخصين أو أكثر أسند فيهما لكل منهما ذات الفعل المسند للآخر، وكان بين الحكمين تناقض بحيث يستنتج من أحدهما دليل على براءة أحد المحكوم عليهم.

– إذا حكم فيما بعد على واحد أو أكثر من شهور الإثبات بسبب شهادة الزور، وكانت هذه الشهادة قد أثرت على رأي القضاة.

– إذا حدث أو ظهرت بعد الحكم النهائي القاضي بالإدانة ” واقعة أو مستندات حديثة” لم تكن معلومة من شأنها إثبات براءة المحكوم عليه.

 فإذا قضى ببراءة المحكوم عليه في هذه الحالات، ويقدر القضاء التعويض بحسب ظروف كل حالة على حدى، وأساس التعويض ليس الخطأ بل المخاطر (risque) وبالتالي لا يلتزم طالب التعويض بإثبات صور الحكم الملغي يرجع إلى خطأ في القضاء.

ولا مقابل لهذا التشريع في مصر من حيث جواز الحكم بالتعويض[30]سليمان الطماوي، مرجع سابق ص 50. والذين يجوز لهم طلب إعادة النظر حسب المادة 567 من مجموعة القانون الجنائي هو كالتالي:

– وزير العدل.

– المحكوم عليه أو نائبه القانوني في حالة عدم الأهلية.

– زوج المحكوم عليه بعد وفاته أو غيبته المعلن عليها، وكذا أولاده، أقاربه والموصي لهم بعموم تركته أو بحصة منه، ومن تلقى توكيلا خاصا منه بذلك.

كما يقرر الفصل 621 من قانون المسطرة الجنائية[31]قانون المسطرة الجنائية المغربية . على ضرورة نشر الحكم النهائي لذي تمت بواسطته مراجعة الحكم الأصلي ويتم النشر: ” على جدار المدينة التي صدر فيها الحكم على المحكوم عليه سابقا، وبالمدينة التي بها مقر المحكمة، وفي البلدة التي ارتكبت فيها الجناية أو الجنحة وكذلك المدينة التي يتواجد موطن طالب المراجعة، وكذا في المدينة التي كان فيها آخر موطن للشخص الذي وقع في حقه الخطأ القطعي وإن كان الشخص قد توفي يجب أن ينشر القرار أو الحكم حتما بالجريدة الرسمية، زيادة على ذلك في خمس جرائد يختارها طالب المراجعة أن طلب ذلك.

ويبقى للمتضرر من الخطأ القضائي الخيار بين تقديم طلب التعويض أمام القضاء الجنائي في إطار مسطرة المراجعة الجارية أمام المجلس الأعلى، أو أمام المحكمة الإدارية بعد صدور قرار المراجعة لفائدته[32]الأعرج محمد ، مرجع سابق ص 244.

ب – المسؤولية في حالة مخاصمة القضاة:

 حددت حالات المخاصمة وإجراءات دعوتها بمقتضى القانون 7 فبراير 1933 الخاص بمخاصمة رجال القضاء المصري، وكذا المواد من 391 إلى 401 من قانون المسطرة المدنية بالمغرب، كما أورد بعض هذه الأحكام في المادة 81 من ق.ل.ع المغربي التي نصت على أن ” القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه يسأل مدنيا عن هذا الإخلال في مواجهة المضرور وفي الحالات التي يكون فيها محل مخاصمة. أما بالنسبة لفرنسا فإن القاعدة ما تزال هي القاعدة التقليدية والقائمة على عدم المسؤولية كأصل عام. وأقام المشرع الفرنسي المسؤولية في هذا المجال على أساس الخطأ وحصره في نوعين من الخطأ هما: الخطأ الجسيم وإنكار العدالة بصنفيها.

– امتناع القاضي عن الإجابة عن عريضة قدمت إليه.

– امتناع القاضي عن الفصل في قضية صالحة للحكم عند حلول دورها[33]سليمان الطماوي، مرجع سابق ص 51..

وفيما يلي نستعرض حالات المخاصمة وإجراءات دعوى المخاصمة في القانون المغربي والمقارن[34]المادة 393 من قانون المرافعات المصري ” التي تقابل المادة 797 من قانون المرافعات الملغى – وقانون المرافعات … Continue reading.

* حالات المخاصمة:

– إذا ادعى ارتكاب التدليس أو الغش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهيئ القضية أو الحكم فيها من طرف قاضي من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه.

– إذا قضى نص تشريعي بجوازه.

– إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القضاة التي يتبت حقا عنها تعويضا.

– عند وجود إنكار للعدالة.

* إجراءات دعوى المخاصمة:

في المغرب جعل الاختصاص لدعوى المحاكمة لمجلس الأعلى ” فصل 388 من ق.م.م”. أما في مصر خالف المشرع في خصوص دعوى المخاصمة فأوجب رفعها أمام محكمة الاستئناف والنقد وحتى لا يفصل فيها قاضي أقل مرتبة من القاضي المخاصم، وجعل الحكم على المدعي بغرامة لا تقل عن 50 جنيها. ولا تزيد عن 200 جنيه مع التضمينات، ولا يجوز الطعن في دعوى المخاصمة إلا بطريق النقد.

ويتم ذلك بمقال موقع من المعني بالأمر ومرفقا بالمستندات عند الاقتضاء ويقوم الرئيس الأول بالمجلس الأعلى بتعين الغرفة التي تتولى البث في دعوى المخاصمة. إذا ما تم قبول الدعوى. تبليغ القاضي الذي وجهت ضده الدعوى خلال 8 أيام. ويجب عليه أن يقدم جميع وسائل دفاعه خلال 8 أيام التالية للتبليغ. إذا قضى المجلس الأعلى بصحة المخاصمة فإنه يحكم على القاضي المخاصم بالتعويضات والمصاريف فضلا عن بطلان التصرف. على أن تكون الدولة مسؤولة عما يحكم به من التعويضات على القاضي[35]محمد الأعرج، مرجع سابق ص 246..

 

الفقرة الثانية: أعمال السيادة وقرارات رئيس الدولة

1 – أعمال السيادة:

تعد نظرية أعمال السيادة من الاستثناءات الواردة على مبدأ المشروعية والمسؤولية الإدارية. والنظرية أصلا من خلق مجلس الدولة الفرنسي الهدف منها تحصين مجموعة من القرارات اتجاه رقابة القضاء. وكان ذلك مبررا في بداية نشأة مجلس الدولة بضعف رقابته وخجله من فرض رقابة صارمة له تتقبلها الإدارة التي نشأ بين أحضانها. ولم يعطي لا الفقه ولا القضاء تعريفا محددا للنظرية المذكورة، وإنما تم وضع لائحة لما يعد من أعمال السيادة من خلال أحكام القضاء، غير أن التطور الذي عرفه مجلس الدولة والانتقادات الفقهية للنظرية جعل أحد الفقهاء[36]فقيه فرنسي يدعى viraly Michelle . يبحث عن أعمال السيادة فلم يجده. كل ذلك أدى إلى تحجيم النظرية. حيث تم إخضاع مجموعة من الأعمال لرقابة القضاء بعدما كان يتم تحصينها سابقا اعتمادا على نظرية أعمال السيادة مثل إعلان السلطة الإدارية لحالة الاستثناء ومرسوم طرد أحد الأفراد وقرارات تنظيم الاستفتاء.

وبالبيئة لمرفق القضاء في المغرب بالرغم من ندرة الأحكام فقد أخذت محكمة الاستئناف بالرباط بالنظرية في حكمين لها.

الحكم الأول: قضية مدافع الأوداية المعروفة، التي كان يتم عن طريق طلقاتها إعلام الناس بمنتصف النهار وتسببت في أضرار السكان المجاورين وجاء في حيثيات الحكم أن الأمر (يتعلق بالسلطة العامة) لا يمكن إخضاعه لرقابة المحاكم.

الحكم الثاني: قررت المحكمة أن “طبيعة قرار مدير الجمارك وأسبابه السياسية تتعلق بمنع أحد المحققين من الحصول على تعويض من الحكومة الاسبانية أثناء الحرب العالمية الثانية[37]أمينة جبران، مرجع سابق ص 384..

2 – قرارات رئيس الدولة.

ادا كانت التشريعات المختلفة للدول لم تتناول أعمال السيادة بالشكل المطلوب، ودلك باعتبار هده النظرية ظهرت في فرنسا، فإن الاجتهاد القضائي اختلف من دولة لأخرى فقد يقحم تارة أعمال رئيس الدولة ضمن أعمال السيادة، وبالتالي يمنع من الطعن فيها بالتعويض كما هو الحال في فرنسا ومصر.

أما في المغرب وعلى عكس النظامين السائدين في كل من فرنسا ومصر، فإن النظام الملكي بالمغرب له العديد من الخصوصيات، إذ نجد فيما يتعلق  بقرارات جلالة الملك أنها لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة القضائية، بحيث رفض المجلس الأعلى تشبيه الظهائر الملكية بالقرارات الإدارية العادية في الأحكام الأولى التي تصدى لها بشأن ذلك. إذ صرح في قضية الروندا بأن الدعوى ليست موجهة ضد سلطة إدارية بل ضد قرار صادر عن الملك في شكل ظهير وفي قضية بنسودة قضى: “بأن المجلس الأعلى طبقا للفصل للدول من ظهير 1957 ليس من اختصاصه النظر في القرار الفردي الصادر عن الملك ومتخذ في شكل ظهير وكذا هو المثال في قضية التيجاني” وهاته القضايا طرحت على المجلس الأعلى قبل صدور الدستور المغربي لسنة 1962 ولكن حتى بعد صدور هذا الدستور ظل المجلس متمسكا بعدم اختصاصه وقضى بنفس التعليل في الأحكام اللاحقة له بشأن الضمائر الملكية في المجال التنظيمي والمتمثلة في قضية البوهالي العمراني[38]مليكة الصروخ، مرجع سابق ص 93..

إذن القاعدة التقليدية التي يسير عليها القضاء المغربي تتمثل في رفضه التعرض لمناقشة الطعون الرامية إلى إلغاء القرارات الملكية إذ أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لا تعتبر الملك سلطة إدارية، وهذه القاعدة لا يقتصر أعمالها على دعوى الإلغاء بل أيضا يمتد تطبيقها في دعوى التعويض، لان الاجتهاد القضائي قد أضفى على الأعمال الملكية حصانة مطلقة تشمل الإلغاء والتعويض معا. وبالتالي فإن كل شخص يلحقه ضرر ما بسبب هذه الأعمال ألا يطرق باب القضاء، اللهم يبقى للمعني للأمر اللجوء إلى جلالة الملك على سبيل الاستعطاف[39]محمد الأعرج، مرجع سابق ص 246..

ومما سبق يستشف أن التوجه العام للقضاء الإداري المغربي على مدى خمسة عقود من الزمن أن الملك لا يعتبر سلطة إدارية على الرغم من صدور القرارات من جلالته في المجال الإداري. وهذا يتناقض ويتنافى مع الفصل الأول من ظهير 27 شتنبر 1957 وهو توجه منتقد من زوايا عدة وغير قابل لأي منطق تحليلي وآثار بدل فقهيا بين المدارس القانونية التي انتقدت ذلك التوجه وأيدته، والأكيد أنه في جميع الحالات أدى
إلى تحريف المفهوم القانوني والقضائي للسلطة الإداري[40]محمد يحيا، التحديد القانوني لمفهوم السلطة الإدارية في القانون المغربي ص 21. والفرنسي – المجلة المغربية … Continue reading.وإلا أن هذا الاتجاه لم يكرسه دستور 2011 الذي منح إمكانية الطعن في القرارات الملكية، إلا أن الجانب التطبيقي مستقبلا كفيل بإبراز كيفية تعامل القضاء الإداري بالدعاوى في هذا الصدد.

 

المبحث الثاني: اجراءات دعوى التعويض

إذا تحققت مسؤولية الإدارة سواء كانت خطأ أو بدونه فإن جزاءها هو التعويض الذي يهدف إلى جبر الضرر ماديا أو معنويا.

إن كان القانون المدني يجيز أن يكون التعويض عينيا أو نقديا فإن التعويض يكون نقديا في المجال الإداري وإن كان الأصل العام واحدا في القانونين فيما يتعلق بمبدأ التعويض، ولتحديد هذا التعويض لابد من التطرق لكيفية التعويض (المطلب الأول) ولمسطرة التعويض وأنواعه (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: كيفية التعويض

بما أن المسؤولية هي وسيلة لجبر الضرر، فهي ليست نظاما جزائي أو انتقاميا أو غرامة[41]عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي مرجع سابق ص 193.، فالمسألة هي تعويض الضرر الحاصل مباشرة عن النشاط الإداري الذي يشترط مجموعة من الشروط للتعويض (الفقرة الأولى) ثم تقديره فيما بعد (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى: شروط التعويض

يشترط في التعويض شرطين أساسيين: الضرر ووجود علاقة سببية بين الفعل والضرر.

1 – الضرر:

إن الضرر المنسوب إلى الدولة في حالة المسؤولية القائمة بدون خطأ لا يتم التعويض عنه إلا إذا اتسم بالصفات التالية:

– أن يكون الضرر مباشرا، أي أن يكون نتيجة مباشرة للعمل المنسوب للدولة.

– أن يكون الضرر محققا ومؤكدا، أما الضرر العام فلا تعويض عنه.

– أن يكون الضرر قد أخل بمركز يحميه القانون أما الضرر الذي يخل بمركز غير قانوني فلا تعويض عنه.

– أن يكون الضرر قابلا للتقدير، لأن التعويض يكون نقديا لا عينيا[42]مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، مرجع سابق ص 581..

قد يكون الضرر ماديا يصيب المتضرر في ماله، أو يكون معنويا يصيب الفرد في شرفه وكرامته.

أ – الضرر المادي: هو الذي يلحق أو يصيب جسم الإنسان بحيث يلحق به عجزا دائما أو مؤقتا، أو يصيبه في أمواله أو وظيفته.

ويشترط فيه أن يكون مستوفيا للشروط السالفة الذكر أعلاه. ويمكن للقاضي أن يستعين برأي الخبراء إذا لم يتوفر على العناصر الكافية لتقدير الضرر[43]عبد الله حداد: تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، مرجع سابق ص 194..

ب – الضرر المعنوي: هو الذي لا يلحق المصلحة المالية للمتضرر، بل يحشد أو يمس المشاعر والعواطف، فإذا كانت الآلام لا يمكن تقويمها بالمال، فإن القضاء استقر على منح تعويضات للمصاب بالضرر، ويتم تقديره بشكل جزافي وفي المغرب يلاحظ أن التعويض يقدم على شكل تعويض إجمالي وفي هذا الإطار قضى قرار الغرفة الإدارية عدد 4 بتاريخ 10/01/2007 بين الجمعية المدنية الأمل للسوق اليومي للفقيه بن صالح ضد الدولة المغربية: ” يستحق التعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن رفض السلطات المحلية تسليم وصل الإيداع وثائق جمعية والمتمثل في حرمان هذه الجمعية من ممارسة حقها الدستوري في عقد التجمعات للتعبير عن آرائها، بحيث أن الخطأ المصلحي قد ترتب عنه ضرر معنوي تستحق عنه تعويضا يقدره المجلس في 20.000 درهم ( عشرين ألف)[44]محمد الأعرج: القانون الإداري مرجع سابق ص 256..

2 – العلاقة السببية:

فالتعويض لا يمنح إلا الذي لحقه الضرر حتى يكون هناك ارتباط بين نشاط المرفق والضرر الحاصل، سواء كانت المسؤولية خطئية أو على أساس المخاطر فإن العلاقة السببية حتمية وضرورية لجبر الضرر، فإذا كان الفعل المتسبب في الضرر خارجا عن النشاط الإداري، فلا يمكن إثارة مسؤولية الإدارة كحالة القوة القاهرة أو نتيجة خطأ الضحية.

إلا أن اكتشاف هذه العلاقة يشكل صعوبة في ظل تعدد الأفعال المتسببة في الضرر، إذ ينبغي توزيع المسؤولية على الدوافع المساهمة في إحداثه كل بقدر نصيبه، أي إذا ساهم الضحية بخطأ في الضرر الذي لحق به، فإنه يتحمل نصيبا من هذه المسؤولية.

تجدر الإشارة إلى أن الشخص العمومي الذي يتسبب بنشاطه في إلحاق الضرر قد يكون الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، إلا أن مختلف الوزارات لا تتمتع بالشخصية المعنوية وبالتالي عندما ترفع الدعوى في هذه الحالة فإنها ترفع ضد الدولة المغربية في شخص الوزير الأول[45]عبد الله حداد: تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي مرجع سابق ص 193.. وبناء على ما سبق يجتمع كل من القضاء الإداري الفرنسي والمصري والمغربي فيما يتعلق بكيفية التعويض خصوصا توافق شرطي الضرر والعلاقة السببية كشرطين أساسيين لجبر الضرر أو استحقاق التعويض.

 

الفقرة الثانية: تقدير التعويض

يحكم القضاء بالتعويض عندما يكون الطاعن ضحية ضرر تقع مسؤوليته على الإدارة وعندما تتوفر الشروط السابقة، ويقدر هذا التعويض على أساس جسامة الضرر الذي تسببت فيه الإدارة. والأصل في التعويض أن يغطي ما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب[46]ماجد راغب لحلو: القضاء الإداري دراسة مقارنة مرجع سابق ص 392..

1 – تقدير التعويض في المغرب:

يكون التعويض كليا عندما يراعى بشأنه ما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب وأن يراعي كذلك الظروف الصحية والعصبية للطاعن وحالته المالية والعائلية لأن التعويض يقدر على أساس ذاتي.

وقد يكون التعويض جزئيا عندما تترتب عن القرار المطعون فيه أضرار جزئية. وذلك بتداركها بتوقيف العمل بالقرار. إذ يصبح للمتضرر فقط حق المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته قبل العمل بتوقيف القرار.

وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها الصادر بتاريخ 29/06/1995 الذي جاء فيه: “بأن طلب التعويض الكامل عن الأضرار التي تسبب فيها قرارا إداري مطعون فيه بالإلغاء أمام المجلس الأعلى لا يمكن للمحكمة الإدارية الاستجابة إليه لمجرد كون الطاعن حصل على قرار من المجلس المذكور يقضي بإيقاف تنفيذ القرار المطعون فيه.

وتتولى تقدير التعويض محاكم القضاء الإداري بالنسبة للأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ما عدى الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أي كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.

ودعوى التعويض يجب أن ترفع وفق إجراءات شكلية وفقا لما حدده القانون، وفي حالة عدم رضى المعني بالأمر بالمبلغ المقدر من حكم المحكمة المختصة، يجوز له أن يطعن في الحكم بالاستئناف إذا كان هذا المبلغ يتجاوز 3000 درهم وبعد ذلك بالنقض أمام المجلس الأعلى.

وتظل للمحكمة صلاحية تعديل التعويض المقترح من طرف الخبير كلما تبين لها عدم انسجام النتيجة التي انتهى إليها هذا الأخير مع المعطيات الواقية والمادية المستقاة من تقريره[47]مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة مرجع سابق ص 582.. وهذا ما أصدره الاجتهاد القضائي في حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 134 بتاريخ 19 يونيو 2002[48]مجلة ريمالد remald سلسلة التسيير العدد 16 سنة 2004 الصفحة 496..

2 – تقدير التعويض في مصر وفرنسا.

يقدر التعويض على أساس جسامة الضرر الذي تسببت فيه الإدارة. والأصل في التعويض أن يغطي ما لحق المتضرر من خسارة. وما فاته من كسب.

والعبرة في تحديد التعويض هي بوقت صدور الحكم به. وذلك لأن الحكم كثيرا ما يتأخر صدوره لمدة طويلة تكون قيمة العملة خلالها انخفضت فعليا أو رسميا، وتثير مسألة تحديد التعويض بعض المشاكل والاستفسارات. من ذلك مدى التعويض الذي يستحقه الموظف الذي ألغي قرار فصله، فقد قرر مجلس الدولة الفرنسي في البداية أنه يستحق راتبه عن الفترة التي كان مفصولا فيها رغم عدم قيامه بالعمل لأنه لا دخل له في ذلك. غير أن المجلس عدل عن هذا الموقف في سنة 1933 وقرر أن الموظف في هذه الحالة يستحق تعويضا يراعي في تقديره الضرر الحقيقي الذي أصابه. كما يدخل في الاعتبار أيضا درجة الخطأ المنسوب إلى كل من الموظف والإدارة. فيراعي المجلس مدى جسامة خطأ الإدارة فعدم المشروعية الراجع إلى اعتقال بعض الشكليات يختلف عن عدم المشروعية الراجع إلى انحراف السلطة أو مخالفة القانون.

وفي تأييد الاتجاه الأخير في مصر تقول المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في 13 يناير 1972:” أن إلغاء قرار الفصل يجعل الرابطة الوظيفية لا تزال قائمة بين الإدارة والموظف بكافة آثارها، ومن هذه الآثار حقه في الراتب. إلا أن هذا الحق له يعود إليه تلقائيا بعودة الرابطة بعد انفصالها. بل يخضع لاعتبارات أخرى أهمها أن هذا الحق يقابله واجب هو أداؤه للعمل. وقد حيل بينه وبين أدائه بالفصل. إلا أن صغر سنه كان يمكنه من أن يباشر عملا أو نشاطا يغنم منه مكاسب تعويضه عن الحرمان من راتبه طوال هذه المدة وهي مدة ليست بالقصيرة. ومن تم فإن المحكمة إزاء ذلك تقدر له تعويضا جزافيا فيه ما يكفي وما يعوض حرمانه من راتبه طوال مدة الفصل[49]ماجد راغب لحلو، القضاء الإداري – دراسة مقارنة مرجع سابق ص 394..

 

المطلب الثاني: مسطرة دعوى التعويض والمحكمة المختصة

تمر دعوى التعويض شأنها شأن باقي الدعاوي من مسطرة خاصة بها (الفقرة الأولى) كما يختص بها جهاز قضائي توكل له مهمة النظر في دعاوى التعويض وتختلف تسميته من دولة إلى أخرى (الفقرة الثانية).

 

الفقرة الأولى: دعوى التعويض

وتتميز بالخصائص التالية:

1 – مسطرة كتابية: وهذه الصفة مشتركة بين الدعاوى المدنية والدعاوى الإدارية التي أوجبتها المادة 3 من قانونها الأساسي أن ترفع الدعوى أمامها في شكل مقال مكتوب يتضمن الإسم العائلي والشخصي وصفة ومهنة وعنوان المدعي واسم الإدارة المدعى عليها ومركزها وممثلها القانوني مع تعزيزها بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها وكذلك بعدد من النسخ مساوي لعدد الأطراف. كما يجب أن يوقع هذا المقال من طرف محامي مسجل بجدول هيئة المحامين.

2 – مسطرة تحقيقية:

بعد تسجيل مقال الدعوى يعين رئيس المحكمة قاضيا مقررا ويحيل الملف على المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق لمتابعة ملف الدعوى.

ويصدر القاضي المقرر بمجرد إحالة الملف عليه أمرا يقضي بتبليغ المقال للمدعى عليه ويعين تاريخ الجلسة والآجال التي ينبغي فيها تقديم مذكرة إدارية، وإذا تقاعس فقد يمنح له أجلا جديدا. وبانقضائه تعتبر المسطرة حضورية بالنسبة لجميع الأطراف ويسار في الملف على جميع التبليغات والاستعارات الحاصلة (فصل 321 من ق.م.م)[50]منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية أعمال اليوم … Continue reading. ويتخذ القاضي المقرر الإجراءات لجعل القضية جاهزة للحكم، ويأمر بتقديم المستندات التي يراها ضرورية للتحقيق في الدعوى، ويمكن له بناء على طلب الأطراف وحتى تلقائيا بعد سماع الأطراف أو استدعائهم للحضور بصفة قانونية، أن يأمر بأي إجراء للتحقيق من بحث وخبرة وحضور شخصي.

وينبغي أن يجري التحقيق وفق مقتضيات الباب الثالث من القسم الثالث من ق.م.م المتعلقة بإجراءات التحقيق فإن من شأنها أن تستعين بمن تشاء من الخبراء للوصول إلى الحقيقة[51]مليكة الصروخ، القانون الإداري، مرجع سابق ص 535..

3 – مسطرة حضورية: تعتبر هذه الخاصية من أهم سمات مسطرة التقاضي لأنها مرتبطة بأهم حق يملكه المدعى عليه ألا وهو حق الدفاع، فلا يتصور صدور الحكم دون تمكين الشخص من إبداء دفوعاته والرد على جميع المسائل القانونية التي أثيرت في المقال الافتتاحي والمذكرات التعقيبية، وهذا يقتضي تبليغ نسخة من المقال إلى المدعي عليه ويعذر بالاطلاع على المرفقات بكتابة الضبط. ويكون المدعى عليه ملزم هو الآخر بالإجابة والإدلاء بحججه داخل الأجل الممنوح له كما يستفيد من أجل ثاني حسب الأحوال المشار إليها (الفقرة الرابعة من الفصل 329 من ق.م.م) وإلا اعتبرت المسطرة حضورية بالنسبة إليه.

ونجد الخصائص السالفة الذكر مشتركة بين دعاوى التعويض في كل من فرنسا، مصر والمغرب.

 

الفقرة الثانية: الجهاز القضائي المختص في دعوى التعويض

تدخل دعوى التعويض ضمن الدعاوي الإدارية التي ينظر فيها القضاء الإداري، وإذا حاولنا معرفة موقع القضاء الإداري المغربي من نظيره الفرنسي والمصري بالنظر إلى الوظائف والاختصاصات الموكولة إليه وما يهمنا في هذا الصدد دعوى التعويض اتضح لنا أن المشرع المغربي منذ البداية وعلى خلاف المشرع الفرنسي والمصري خص أجهزة القضاء الإداري بالوظيفة القضائية فقط، وهذا نتيجة لانعدام ازدواجية الاختصاص، وتجسيدا له نجد قانون المحاكم الإدارية 90-41، اختصاص القضاء الإداري الذي يدخل ضمنه دعوى التعويض إلى النظر في المنازعات القضائية فقط.

في حين التزم القضاء الإداري المصري نفس مسلك القضاء الإداري الفرنسي من حيث الازدواج في الاختصاص، فإلى جانب اختصاص القضاء المتمثلة في الفصل في المنازعات الإدارية التي من بينها دعوى التعويض، هناك اختصاصات أخرى استشارية أسندت إلى كل من قسم الفتوى وقسم التشريع بمجلس الدولة المصري حيث يقومان بتقديم الاستشارات والآراء القانونية للإدارة في المادة الإدارية.

وإذا كانت الظروف التاريخية والسياسية أصلت الاختصاص السالف الذكر بالنسبة لفرنسا وتبنتها مصر فيما بعد، نجد أن المشرع المغربي لم يسلك هذا النهج رغم أهميته فلم يحضى القضاء الإداري المغربي بأي اختصاص استشاري.

ويمكن رصد موقع القضاء الإداري المغربي من نظيره الفرنسي والمصري على مستوى توزيع الاختصاص بين مختلف محاكم القضاء التي يدخل ضمن اختصاصها رفع دعوى التعويض أمامها، و لقد كان لهذا انعكاس على توزيع الاختصاص القضائي بين المجلس الأعلى والمحاكم القضائية حيث منح المشرع المجلس الأعلى عند إنشائه سنة 1957 في إطار غرفته الإدارية الاختصاص الإلغاء بالنظر في الدعاوي وبإحداث المصالحة الإدارية بمقتضى قانون رقم 90-41، ونصبه في المادة 8 على اختصاص هذه الأخيرة، الملاحظ أن المشرع أراد لهذه المحاكم أن تكون هي صاحبة الاختصاص الأمثل في أغلب المنازعات الإدارية، فتكون هذه المحاكم قد اقتربت من المحاكم الإدارية الفرنسية ومحكمة القضاء الإداري في مصر من حيث اعتبارها صاحبة الاختصاص العام بالنظر في المنازعات الإدارية وخصوصا فيما يهمنا في هذا البحث الذي يتمحور حول دعوى التعويض.

فالاختصاص في المغرب بالنظر في المنازعات الإدارية موزع بين المجلس الأعلى والمحاكم الإدارية التي تعتبر صاحبة الاختصاص العام، وإن كان هناك اختصاص تضطلع به محكمة الرباط الإدارية والمتمثل في:

– النظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعنيين بظهير أو مرسوم، والنزاعات الراجعة على اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاصها. ويلاحظ أن مثل هذا الاختصاص أوكله المشرع الفرنسي إلى مجلس الدولة وهو أعلى درجات التقاضي الإداري وبالتالي يحيرنا التساؤل التالي ما الذي جعل المشرع المغربي يحرم المجلس الأعلى من النظر في هذه المنازعات خصوصا وأنه يضطلع باختصاصات أخرى منقولة عن اختصاصات مجلس الدولة الفرنسي باعتباره محكمة أول واخر درجة.

إذا كان الاختصاص بالنظر في المنازعات الإدارية خصوصا دعوى التعويض موزعا في المغرب بين المجلس الأعلى واختصاصه محددا على سبيل الحصر والمحاكم الإدارية ذات الاختصاص الشامل، ومقسما بين درجات التقاضي الثلاث في فرنسا فإن النظام القضائي الإداري في مصر له خصوصيات في هذا المجال، إذ نجد أن الاختصاص العام بالنظر في دعاوي التعويض موكول إلى محكمة القضاء الإداري وليس للمحاكم الإدارية كما هو الأمر في فرنسا والمغرب، وتعتبر هذه المحكمة أول درجة ومحكمة الاستئناف وهذا من خصوصيات القضاء الإداري المصري، حيث لا توجد محكمة استئناف إدارية مستقلة، أما اختصاص المحاكم الإدارية فجاء محددا على سبيل الحصر ويتعلق ببعض العقود ومنازعات الموظفين، في حين تختص المحكمة الإدارية العليا وهي أعلى درجات التقاضي بالتعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة عن محاكم مجلس الدولة. وهي عامل من عوامل وحدة وتجانس الأحكام واستقرار المبادئ.

إن الاختصاصات التي أسندها المشرع المغربي للقضاء الإداري في جلها اختصاصات مشتقة من النصوص القانونية الفرنسية واجتهادات القضاء الإداري الفرنسي، ما عدا ما جاء التنصيص عليه من اختصاصات لمحكمة الرباط الإدارية.

وإذا كان من الطبيعي وجود جهاز محايد ومستقل للفصل في النزاعات التي قد تطرأ بين جهتين قضاء العادي والإداري في الدول التي اعتمدت نظام القضاء المزدوج، فإن المشرع المغربي لم ينشأ محكمة التنازع لحد الآن على خلاف المشرع الفرنسي الذي أنشأ محكمة التنازع منذ 24 ماي 1872.

وهذا ما أخد به المشرع المصري بعد مراحل عدة حيث تم إنشاء المحكمة الدستورية العليا التي أسندت لها مهمة الفصل في مشاكل تنازع الاختصاص.

مقارنة بما سبق فإنه لابد للمشرع المغربي أن يفكر مليا في إحداث هذا الجهاز لأنه لا مفر منه ما دام النظام القضائي المغربي ينصو نحو الازدواج القضائي وذلك قصد تجاوز المشاكل المتعلقة بتنازع الاختصاص بين جهتي القضاء، لذلك لابد من إيجاد أرضية ومشروع قانون لإنشائها منذ الآن وذلك إسوة بما وصل إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي والمصري في مجال تحديد اختصاصات محكمة التنازع في كلا النظامين[52]موقع القضاء الإداري المغربي من نظيره المصري والفرنسي، ذ. ثورية لعيوني، المجلة المغربية للإدارة المحلية … Continue reading.

 

خاتمة:

إذا كان القضاء الاداري الفرنسي قد استطاع دفع الادارة إلى تعويض الأفراد عن الأضرار التي تلحقهم من جراء تصرفاتها وقرارتها، فإن نظيره المصري اقتبس منه الشيء الكثير، شأنه في ذلك شأن القضاء الإداري المغربي الذي ورغم حداثة نشأته أو بالأحرى تأخر نشأة قضاء إداري متخصص، كان له كبير الأثر على الموقع الذي يحتله هذا القضاء من بين الأنظمة المقارنة، كفرنسا مهد هذا النظام القضائي وأيضا مصر التي تعتبر من الدول السباقة الى انتهاج نظام القضاء المزدوج متأثرة في ذلك بالنظام القانوني الفرنسي.

ولقد تمثل هذا الانعكاس على مستوى أجهزة القضاء الاداري والتي تحددت في:

 – المحاكم الادارية.

– محاكم الاستئناف.

والمجلس الاعلى الذي يعتبر من خصوصيات النظام القضائي المغربي، نظرا لاختصاصاته المتنوعة وأيضا لتشكيلته المتميزة التي تضم مجموعة غرف بداخله، من ضمنها الغرفة الادارية.

ويتجلى أيضا هذا الانعكاس على مستوى اختصاص أجهزة القضاء الاداري المغربي من حيث غياب كل وظيفة استشارية للمجلس الاعلى والمحاكم الإدارية، ولا أحد ينكر أهمية هذا الاختصاص التقليدي لمجلس الدولة الفرنسي والذي أخد به المشرع المصري طبقا لخصوصيات النظام القانوني المصري، فالحاجة الى اختصاص استشاري للقضاء الاداري المغربي واسناد هذا الاختصاص الى أجهزة هذا القضاء، لاشك في أهميته الى جانب الاختصاص القضائي.

إن اختيار المغرب لنظام القضاء الاداري والتدرج في استكمال هياكله، يتطلب ضرورة تدخل المشرع لإنشاء محكمة تنازع للفصل في اشكالات التنازع التي يمكن أن تنشأ بين جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ضرورة تدخل المشرع لإصدار مدونة للإجراءات الادارية وعدم الاحالة على نصوص المسطرة المدنية التي وضعت أساسا لمنازعات مختلفة عن الدعاوى الإدارية، إلا أنه وفي الواقع لا يمكن أن ننسى التطور الذي عرفه القضاء الاداري في المغرب من خلال إنشاء محاكم استئناف ادارية التي خففت الضغط عن الغرفة الادارية بالمجلس الأعلى.

ولا يمكن أن نتجاهل الدور الذي يلعبه مجلس الدولة الفرنسي ونظيره المصري في مجال تقديم الفتاوى وصياغة القوانين، خصوصا مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان، وبالتالي فإن إحداث “مجلس دولة بالمغرب “وانفراده بالنظر في المنازعات الادارية مع إضافة الاختصاص الاستشاري الى مهامه، سوف يرقى بالقضاء المغربي الى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.

 

لائحة المراجع

الكتب:

  • أمينة جبران: القضاء الإداري _دعوى القضاء الشامل_ المنشورات المغربية الجامعية 1994.
  • عبد الله حداد: تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون الإداري _منشورات عكاظ _ بدون دار النشر وسنة الطبع.
  • محمد محجوبي: القضاء الإداري المغربي بعد إحداث المحاكم الإدارية _الطبعة الأولى 2002.
  • سليمان الطماوي: القضاء الإداري الكتاب الثاني _قضاء التعويض _ دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، طبعة 1996.
  • ماجد راغب لحلو: القضاء الإداري_ دراسة مقارنة_ فرنسا، مصر، لبنان، الدار الجامعية طبعة 1988.
  • مليكة الصروخ: القانون الإداري _دراسة مقارنة _ مطبعة النجاح الجديدة الطبعة السابعة.

 

المجلات:

  • محمد الأعرج: القانون الإداري المغربي الجزء الثاني _منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
  • محمد يحيا: التحديد القضائي لمفهوم السلطة الإدارية في القانونين المغربي والفرنسي _ منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية _عدد 59 نونبر-دجنبر 2005.
  • ثورية لعيوني: موقع القضاء الإداري المغربي من نظيره المصري والفرنسي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 65 نونبر-دجنبر 2005.
  • منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية: الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية، أعمال اليوم الدراسي المنظم من طرف كلية الحقوق الرباط السويسي 15 يونيو 1996.
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة التسيير العدد 16 سنة 2004.
  • أنس المشيشي: تعاليق على قرارات وأحكام الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية 2011.

 

القوانين:

  • القانون الجنائي المغربي.
  • قانون المرافعات المصري.

 

لتحميل البحث بصيغة PDF النقر على الرابط الموجود أدناه

(تحميل البحث PDF)

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 تمثلت هذه المحاولات في: – الامر العالي الصادر سنة 1879 بإنشاء مجلي على غرار مجلس الدولة الفرنسي أطلق عليه – مجلس شورى الحكومة. – القانون الصادر سنة 1983 بإنشاء مجلس شورى الحكومة. – مشروع سنة 1939، حيت أعدت لجنة قضايا الحكومة مشروع أنشاء مجلس دولة مختص في الإفتاء في المسائل الإدارية إلى جانب قضاء الإلغاء. – مشروع سنة 1941 الذي جعل اختصاص المجلس شاملا لقضاء الإلغاء ودعوى التعويض.
2 عبد الله حداد تطبيقات الدعوة الإدارية في القانون الإداري – منشورات عكاظ بدون دار النشر وسنة الطبع ص 179.
3 أمينة جبران – القضاء الإداري – دعوى القضاء الشامل. ص 339
4 عبد الله حداد – مرجع سابق ص 182.
5 سليمان الطماوي. القضاء الإداري – الكتاب الثاني – قضاء التعويض، طرق الطعن في الأحكام – دراسة مقارنة – دار الفكر العربي – طبعة 1995 ص 109.
6 مليكة الصروخ – القانون الإداري – دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة – الطبعة السابعة ص 572.
7 مليكة الصروخ القانون الإداري دراسة مقارنة ص 572.
8 مليكة الصروخ القانون الإداري دراسة مقارنة ص 572
9 للتوسع أكثر أنظر كتاب الكتاب الإداري دراسة مقارنة ص 573
10 سليمان الطماوي: القضاء الإداري مرجع سابق ص 111.
11 عبد الله حداد مرجع سابق ص 183.
12 محمد الأعرج، مرجع سابق ص 249.
13 سليمان الطماوي، مرجع سابق ص 123.
14 مليكة الصروخ/ مرجع سابق ص 575.
15 مليكة الصروخ، مرجع سابق ص 576.
16 محمد محجوبي القضاء الإداري المغربي بعد إحداث المحاكم الإدارية – الطبعة الأولى 2002 ص 106.
17 تكمن وقائع هذه القضية في أن شركة صوكرار رفعت دعوى قضائية ضد وزير الداخلية وقائد قيادة تاغرمت عمالة الفحص أنجرا، من أجل استصدار أمر استعجالي بسبب الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي حائز على قوة الأمر المقضي به، والقاضي بإلغاء القرار الإداري القاضي بمنع ترخيص استعمال المفرقعات بمقلع كدية انصيصة الذي تكتريه الشركة المذكورة من  الجماعة السلالية تاغرامت.
18 تعليق أنس المشيشي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتقنية، تعاليق على قرارات وأحكام الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، ط 2011، ص 126.
19 ماجد راغب لحلو مرجع سابق ص 365.
20 مليكة الصروخ: مرجع سابق، ص 577
21 ماجد راغب لحلو: م س، من ص 382 إلى 385
22 تتلخص وقائع هذا الحكم في أن عاملا أصيب بشطية حديد محمي أثناء العمل ولم يستطيع إثبات أي خطأ من جانب الإدارة ومع ذلك قضى المجلس بمسؤولين للإدارة لأن العدالة تقضي بتعويض العامل عن المخاطر الناشئة عن مشاركته في تسيير المرافق العامة.
23 مليكة صروخ، مرجع سابق ص 578.
24 محمد محجوبي، مرجع سابق ص 101.
25 الأعرج، مرجع سابق ص 239.
26 ماجد راغب لحلو، مرجع سابق ص 341.
27 للتوسع أكثر راجع محمد الأعرج: القانون الإداري المغربي الجزء 1 ص 240 وما بعدها.
28 ماجد راغب لحلو، مرجع سابق ص 346.
29 سليمان الطماوي ، مرجع سابق ص 49
30 سليمان الطماوي، مرجع سابق ص 50.
31 قانون المسطرة الجنائية المغربية .
32 الأعرج محمد ، مرجع سابق ص 244
33 سليمان الطماوي، مرجع سابق ص 51.
34 المادة 393 من قانون المرافعات المصري ” التي تقابل المادة 797 من قانون المرافعات الملغى – وقانون المرافعات المدنية الفرنسي الصادر في 5 دجنبر 1975
35, 39 محمد الأعرج، مرجع سابق ص 246.
36 فقيه فرنسي يدعى viraly Michelle .
37 أمينة جبران، مرجع سابق ص 384.
38 مليكة الصروخ، مرجع سابق ص 93.
40 محمد يحيا، التحديد القانوني لمفهوم السلطة الإدارية في القانون المغربي ص 21. والفرنسي – المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 59 نونبر – دجنبر 2004.
41 عبد الله حداد، تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي مرجع سابق ص 193.
42 مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، مرجع سابق ص 581.
43 عبد الله حداد: تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي، مرجع سابق ص 194.
44 محمد الأعرج: القانون الإداري مرجع سابق ص 256.
45 عبد الله حداد: تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي مرجع سابق ص 193.
46 ماجد راغب لحلو: القضاء الإداري دراسة مقارنة مرجع سابق ص 392.
47 مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة مرجع سابق ص 582.
48 مجلة ريمالد remald سلسلة التسيير العدد 16 سنة 2004 الصفحة 496.
49 ماجد راغب لحلو، القضاء الإداري – دراسة مقارنة مرجع سابق ص 394.
50 منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية أعمال اليوم الدراسي المنظم من طرف كلية الحقوق الرباط  السويسي تسمية ق.خ 15 يونيو 1996 ص 47.
51 مليكة الصروخ، القانون الإداري، مرجع سابق ص 535.
52 موقع القضاء الإداري المغربي من نظيره المصري والفرنسي، ذ. ثورية لعيوني، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، ص 38.

1 comments

  1. Pingback: نطاق تطبيق قاعدة "لا يضار الطاعن بطعنه" في الأصول الجزائية - موسوعة ودق القانونية

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !