مصادر الالتزام
مصادر الالتزام
لو نظرنا إلى الأعمال التي تدور بين الأشخاص لوجدنا أن هناك ما يسمى بـ مصادر الالتزام وهي مصادر تُلزِم الأشخاص فيما بينهم بتنفيذ تلك الأعمال وعدم تجاهلها، ولو لاحظنا أيضاً أن القانون المدني يتناول حياة الاشخاص المدنيين ويُنظم الاعمال والعلاقات فيما بينهم لسوف نجد أنه ينظم تلك الالتزامات وأنه يقوم بتوضيح وتفسير ما هي تلك المصادر حيث قام بترتيب تلك المصادر لتُسهل عليهم معرفة ما هي الالتزامات المترتبة على كلٍ منهم، وما هي طبيعة ونوعية الالتزام الذي قام به الشخص، ففي حالة مخالفة تلك المصادر يعتبر عمل خارج عن القانون ويتم المعاقبة عليه. ومصادر الالتزام وفقاً لما جاء به القانون:
- العقد.
- التصرف الانفرادي.
- الفعل الضار.
- الفعل النافع.
- القانون.
أولاً – العقد:
هو توافق ارادتين على إحداث أثر قانوني مُعين (وهذا يعني تلاقي الايجاب والقبول من قبل الاشخاص على أمر أو فعل ليجعله قانونياً). ويقصد بالإيجاب: هو اللفظ أو الفعل الصادر عن الموجب والذي يعبر عن ارادته. أما القبول: هو اللفظ أو الفعل الصادر عن القابل والذي يعبر عن ارادته وهي الموافقة على الايجاب. ويعتبر العقد من أكبر مصادر الالتزام، يمكن أن يبرم العقد بين أكثر من شخص ولا يشترط أن ينعقد بين شخصين، ولا يشترط أيضاً أن ينعقد العقد بشكل صريح وإنما يمكن ان ينعقد بشكل ضمني أو بالإشارة المتعارف عليها.
أركان العقد:
تعتبر الأركان هي أساس قيام العقد بشكل صحيح ليترتب عليه أثاره والتزاماته على الاشخاص، فإذا كانت الأركان صحيحة يعتبر العقد صحيح وإذا كانت الأركان باطلة فإنها تجعل العقد باطلاً لا يترتب أثره القانوني عليهم، وأركان العقد هي:
1- ركن التراضي:
ويعني بالتراضي هو توافق الايجاب والقبول، حيث يشترط أن يقترن الايجاب بالقبول على الشيء المراد أحداث أثر قانوني له، إذا لم يقترنا ببعض لا يمكن أن ينعقد العقد يصبح العقد باطلاً يمكن أن يكون الايجاب والقبول شفاهةً إذا وردا على منقول، وقد يكونا أيضاً مكتوبان إذا وردا على عقار أو منقول يأخذ حكم العقار كالسيارة.
2- ركن الأهلية:
يجب ان تكون أهلية الأداء وأهلية الوجوب للمتعاقدين كاملة حتى يتمكنان من الحصول على عقد صحيح لازم. ويقصد بأهلية الأداء: هي قدرة الشخص على المباشرة بالقيام بالتصرفات القانونية، أما أهلية الوجوب: تعني صلاحية الشخص لأن يكتسب حقوق ويتحمل التزامات. إذا كانت أهلية الوجوب والأداء ناقصة فإنها تؤثر على العقد فتجعله موقوفاً، في حالة انعدام الأهليتين فإنها تجعل العقد باطلاً.
3- ركن المحل:
وهو الشيء الذي تلاقى فيه الايجاب والقبول وهناك شروط تجعل من المحل صحيحاً فإذا اختلت تلك الشروط تجعل من العقد باطلاً. الشروط هي:
- أن يكون العقد مُعين أو قابل لتعيين بطريقة تنفي الجهالة الفاحشة، يتم من خلالها تحديد جميع الصفات والمواصفات.
- المحل موجوداً أو قابل للوجود، لا يجوز أن ينعقد العقد على مَحَل معدوم وغير موجود.
- يجب أن يكون مشروع (يجيزه القانون).
- أن يكون الثمن مشروع لا يخالف القانون والنظام العام، لا يمكن أن يكون ثمن المَحَل أمر لم يوافق عليه القانون.
4- ركن السبب:
هو الباعث على التعاقد وهو الإجابة على سؤال لماذا أبرم العقد؟ يجب أن يكون السبب مشروع (قانوني) إذا لم يكن كذلك فإنه يجعل من العقد باطلاً.
هناك مسؤولية عقدية تحدث عادةً نتيجة الاخلال بأحد أركان العقد مما يؤدي إلى إحداث ضرر وأن يكون بين الاخلال والضرر علاقة سببية تجمع بينهما.
ثانياً – التصرف الانفرادي:
وهو تصرف يقوم به شخص يكون ملزم له فقط وليس بحاجة إلى موافقة الطرف الأخر. وحالاته :
- الابراء من الدين: حيث يقوم الدائن بإعفاء المدين عن سداد الدين له، لا يستطيع الدائن أن يتنازل عن الالتزام الذي قام به (الابراء من الدين ملزم لشخص البارئ ألا وهو الدائن).
- الوعد بالجائزة: قيام شخص سليم الارادة بوضع إعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو إخبار الجمهور وجهاً لوجه أنه قد أضاع شيء مهم له وأن الشخص الذي سوف يجد ذلك الشيء سيحصل على جائزة.
إذا تم تحديد مدة الوعد بالجائزة يكون تنفيذ الوعد ملزم للواعد، بينما إذا لم يتم تحديد مدة يكون تنفيذ الوعد اختياري وليس ملزم.
ثالثاً – الفعل الضار:
تناولت مجلة الاحكام العدلية مصطلح الفعل الضار والذي تبنته دول بلاد الشام والعراق. أما التشريعات الاخرى استخدمت مصطلح المسؤولية التقصيرية والذي تبنته فرنسا ومصر. هناك نص مادة في مجلة الاحكام العدلية تتكلم عن الضرر والضرار (نص مادة 19 لا ضرر ولا ضرار) ومعناه أن الشخص لا يستطيع أن يُسبب الضرر للغير ولا يستطيع الغير أن يُسبب الضرر لك ولا يُرد الضرر بالضرر. وفي مجلة الاحكام طالما الشخص ألحق ضرر حتى لو كان كامل الاهليتين أو غير كاملتين فإن الشخص الذي قام بالفعل ملزم بالتعويض بنفسه أو من قبل الاشخاص المسؤولين عنه.
أما في القانون المدني الاردني قد تبنى مصطلح الاضرار في نصوص مواده ولكن هناك فرق كبير بين الضرر والإضرار، الضرر: فعل يصدر عن شخص غير مدرك ومميز غير قاصد القيام بالفعل. الإضرار: فعل يصدر عن شخص مدرك ومميز قاصد القيام بالفعل. إلا أن القانون المدني الاردني كان يقصد من فحوى نصوصه كل فعل يسبب ضرر للغير سواء كان الشخص قاصد أم لا.
أما مصطلح المسؤولية التقصيرية تبناه القانون المدني المصري والفرنسي ويعني أن الشخص المدرك والمميز الذي سبب ضرر للغير سوف يقوم بالتعويض عن الضرر، بينما الشخص الغير مدرك ومميز إذا سبب ضرر للغير فإنه لا يُسأل مدنياً ولا يقوم بالتعويض عن الضرر. لكن القضاء المصري حديثاً أصبح يتجه في الاحكام نحو الفعل الضار وأيضاً القانون المدني الفرنسي قد عُدِل وأصبحت المسؤولية في فرنسا قائمة على اساس الفعل الضار.
وهناك فرق بين الفعل الضار والمسؤولية العقدية، في الفعل الضار لا يوجد عقد، وهو ناتج عن فعل قام به شخص سبب ضرر للغير، في الفعل الضار يتم التعويض عن جميع الأضرار بأنواعها. أما المسؤولية العقدية قائمة على اساس وجود خلل في أحد أركان العقد الصحيح مما أدى إلى حدوث ضرر وهناك علاقة سببية تجمع بينهما، يتم التعويض عن الضرر المادي فقط.
توضيح من مكتب المحامي رامي الحامد في جدة عن التطبيق العملي لتعويض الفعل الضار لدى المحاكم السعودية يقول:
في دعوى التعويض، يجب على الطرف المتضرر إثبات ارتكاب فعل ضار وأن هذا الفعل كان مسؤولاً عن الضرر الذي لحق به. من المهم أيضًا إثبات وجود علاقة سببية بين الفعل والضرر الحاصل. إذا نجحت، يجوز للمحكمة أن تحكم لصالح المدعي، بمنح مبلغ من المال أو تعويض عيني على النحو الذي تراه مناسبًا. هذا هو شكل من أشكال العدالة التي تسعى إلى تعويض الضرر الناجم عن الفعل.
من المهم ملاحظة أنه ليست كل الأفعال الضارة غير قانونية بالضرورة، وبالتالي لن تتطلب جميعها تقديم مطالبة بالتعويض. ومع ذلك، عندما يرتكب عمل غير قانوني وينتج عنه ضرر لشخص آخر، يمكن رفع دعوى ضد الجاني للحصول على تعويضات عن خسائرهم بواسطة محامي في جدة أن كان يعيش بالمدينة.
رابعاً – الفعل النافع:
يتمثل الفعل النافع بالقيام بأفعال تجلب منفعة للغير دون مقابل أو بمقابل بسيط. وحالاته هي:
- القبض الغير مستحق: يتم عند وجود علاقة مديونية (دائن ومدين) وقد مضت مدة تقادم ذلك الدين (ألا وهي 15 سنة) ففي هذه الحالة يكون المدين غير ملزَم بسداد الدين قانوناً، فيقوم المدين من تلقاء نفسه بعد انقضاء تلك المدة بسداد الدين، ففي هذه الحالة الدائن قد قام بقبض دين غير مستحق.
- الهبة: هو إدخال مال إلى الذمة المالية لشخص أخر، قد تكون الهِبَة بِعِوَض حيث انها لا تنقص من القيمة المالية للشخص أو تنقصها ولكن بشكل قليل جداً لا يؤثر على نسبة المنفعة لشخص الموهوب له.
- الفضالة (الإثراء بلا سبب): محاولة شخص غريب القيام بدفع الضرر عن املاك الاخرين في حالة وجود ضرر يهدد ويتلف تلك الاموال وحفاظاً على مصلحة الاخرين.
وشروطها هي:
- أن يكون هناك ضرر يحدث في تلك الفترة.
- قيام شخص أخر بدفع الضرر عن الاملاك.
- أن يكون في حدود نفي الضرر فقط.
- صاحب الاملاك ملزم بتعويض ذلك الشخص عن الاموال أو الادوات الذي قام بجبر الضرر بواسطتها.
خامساً – القانون:
القانون هو الذي يفرض الالتزام ويحتوي على نصوص ومواد من خلالها قد عرف الشخص ما هي التزاماته تجاه نفسه وتجاه الاخرين، كما أن القانون قد عالج أمور كثيرة في الحياة المدنية لم تكن معروفة لدى الاشخاص. هناك قانون المخالفات المدنية رقم 36 لسنة 1944 م يعالج امور لم تتناولها ولم تعالجها مجلة الاحكام العدلية فيعتبر من القوانين المكملة للمجلة.
تعتبر مصادر الالتزام دليل تُبين للأشخاص ما هي نوعية الأفعال التي تكون ملزِمة لهم وما هي الأفعال التي يجب تجنبها لإبقاء الأشخاص على بر الأمان لا يخالفون القانون ويعرفون ما هي الأفعال والأعمال التي لهم وعليهم.
بقلم الحقوقية: بيان عماد دوايه
مواضيع أخرى ذات علاقة:
Pingback: الإثراء بلا سبب - موسوعة ودق القانونية
رائعة وإلى الأمام ❤️.
Pingback: الفعل النافع في مصادر الالتزام - موسوعة ودق القانونية
رائع جدا دمتم في أمان وسلام.