نظرية العقد الاجتماعي والدستور
نظرية العقد الاجتماعي والدستور
قد ورد عن الفكر السياسي الوسيط ما اصطلح على تسميته بـ العقد الاجتماعي وما تبعه من تحليل هذا الفكر حتى الوصول لما يسمى بالدستور. إن نظرية العقد الاجتماعي منذ نشأتها وحتى الاآن ما زالت هي الأساس السياسي والفلسفي الذي بنيت عليه الأنظمة المعاصرة، إن هذه النظرية جاءت كردة فعل على نظريتين سابقتين أولهما نظرية الحق الأهلي التي كانت ترى أن كل ما ورد في المنظومة السياسية هو امتداد لإرادة الله وثانيها نظرية الحق الطبيعي والمقصود بردة الفعل أنها قامت بالتأكيد على أن مسألة الحكم السياسي يحددها الإنسان بكافة أشكالها من خلال العقد الاجتماعي الذي يعقد لصالح الحاكم. حيث إن مضمون هذه النظرية يتباين من هوبس إلى جون لوك.
أولاً – نظرية توماس هوبز:
فيما يتعلق بما جاء به توماس هوبز فإنه كان يرى أن الإنسان يمر بحالتين، الحالة الأولى والتي يطلق عليها بالحالة الطبيعية يكون فيها الإنسان صاحب حرية مطلقة لكن لا يوجد آمان ووصفها بحالة حرب الكل ضد الكل. وقد وجبت الاشارة إلى أن هوبز قد ولد في الشهر السابع في عصر الصراعات ما جعله يقول مقولته الشهيرة “قد ولدت أنا والخوف معاً”، في شرح هذه الحالة عند هوبس فهو كان يرى أن القاعدة الأساسية الكامنة وراء السلوك البشري هي السعي وراء القوة للحفاظ على الذات وتحقيق السعادة وأن الإنسان فيها حتى لو أنه ذو نزعة فردية لكنه لا يعيش وحيدا ً بل هناك أفراد آخريين يقاسمونه طبيعته ونزعته نحو الحفاظ على الذات وتحقيق السعادة بالإضافة إلى أنه في هذه الحالة يكون كل انسان منافس للانسان الاخر طامع مثله بالقوة ولا وسيلة في الحفاظ على قوته الحالية الا بامتلاك قوة أكبر وأكثر فقد وصف هوبز الحالة الطبيعية بأن المرء فيها لا يملك الا ما يستطيع الحصول عليه ويملكه ما دام يستطيع الحفاظ عليه.
وفي الإنتقال للحالة المدنية عند هوبز فقد كانت الأسباب المؤدية لها تتمثل بعاطفة الرهبة والخوف من الموت التي توجه الإنسان نحو السلام بالإضافة إلى توجيهات العقل التي توحي للفرد بقواعد معينة للسلام بحيث يستطيع أن يتفق عليها مع الافراد دون أن يعرض ذاته للخطر وهذه القواعد تتمثل بالقوانيبن الطبيعية ويرى هوبز أن هذه القوانين تخضع لمبدأ “معاملة الإنسان للآخريين بما يحب أن يعاملوه به ” ومن هذا المبدأ كان الأساس لبناء المجتمع السياسي ومن ثم لضمان تطبيقه فإنه يلزم الحاجة للقانون والحاكم لإن الخوف من العقاب هو الذي يوجه الناس إلى الإجتماع.
رأى هوبز أن العقد الاجتماعي هو عقد يتنازل بموجبه كل شخص عن الحق المطلق الذي يملكه في كل شيء إلى شخص ثالث وهو الحاكم واشار هوبس الى ان هذا الشخص الثالث يتم استبعاده من العقد وبالتالي لا يقع عليه أي التزام إي أن العقد يكون بين الافراد لصالح الحاكم وهذا الاخير حر من كل التزام وما يلي التنازل فإن الحاكم يصبح صاحب سلطة مطلقة ولا يكون للأفراد أن يثوروا عليه إلا عندما يخفق في تحقيق الآمن إي أنه يخفق في تحقيق الغاية التي من اجلها تنازل الافراد عن كافة حقوقهم وحريتهم، وبالعودة لكتابه الذي اطلق عليه مسمى ” الليفياتان” فإنه قد اورد فيه تحريم القيام بأية ثورة ضد السلطة القائمة وإن وجود الحاكم صاحب السلطة المطلقة يستند إلى رضى الشعب لا إلى الحق الالهي او الحق الطبيعي.
إن الدستور الذي جاء به هوبز يقوم على نظام سياسي ملكي وقد عارض بشدة فكرة تجزءة السيادة ومن هنا نرى أن الدستور الذي جاء به هوبز يتعارض مع مفهوم الدساتير الديمقراطية التي اتت بفكرة توزيع السلطات والفصل بينها لكن ما جاء به هوبز فيما يتعلق بمصدرية السلطات التي يتمتع بها الحاكم فإنه قد أكد على أن الشعب هو مصدر هذه السلطات وهذا يتوافق تماماً مع الدساتير الديمقراطية الحديثة التي تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات.
وقد ورد في دستور هوبز أن الحاكم يقع على عاتقه العديد من الواجبات كان أهمها:
- توفير الحرية لرعاياه وذلك يكون من خلال التقليل من اصدار القوانين غير الضرورية.
- أن يضمن المساواة لرعاياه أمام القانون.
- توفير التعليم والتربية.
- أن يتنازل لرعاياه عن ملكيات خاصة.
- أن يصون توزيع الملكيات من ظلم بعض الناس.
ثانياً – نظرية جون لوك:
أما فيما يتعلق بما جاء به جون لوك فإنه كان يرى أن الحالة الطبيعية هي حالة حرية كاملة تتخللها المساواة وفيها يكون عقل الإنسان هو من يقوده لفعل السلوكيات التي لا تلحق الضرر به وبالتالي هي حالة عقلانية وليست حالة صراع أو تهديدات كبيرة لكن الحالة الطبيعية كان ينقصها أنماط التفاعل بين الأفراد والمجتمع السياسي لذلك نشأت حالة من عدم الرضى من قبل الافراد ومن اجل معالجة ذلك ارادوا أن يبحثوا عن صيغة بديلة تكون أكثر نضوج وفاعلية في حماية الحقوق التالية:
- الحياة.
- الحرية.
- الملكية.
- المساواة.
حيث أن الحالة المرادة سوف تقوم بتقديم قوانين ونظام قضائي وسلطات تنفيذية وهي الحالة المدنية وتنشأ هذه الحالة عند لوك بموجب عقدين، في العقد الأول يتم الانتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الاجتماعية والناس فيها يتنازلو عن حق واحد فقط وهو حق الشخص في فض النزاع الذي ينشأ بينه وبين شخص آخر أما العقد الثاني يختار به الافراد من يحكمهم اأي يختاروا سلطة تنفيذ وهذه السلطة يجب أن تكون منسجمة مع رغبة الناس حيث أنها تعمل لصالحهم وتأخذ شرعيتها من رضاءهم وتكون شرعية إذا ما عملت ما هو خير لهم وبالتالي فإن دستور جون لوك أكد على أن الحاكم هو خادم للشعب وليس سيد عليهم على العكس من ما جاء به هوبز وما قبل هوبز حيث تم اعتبار الحاكم سيد وحتى أنه إله، والسيد عند لوك هو الشعب وهذا يتفق تماماً مع مضمامين الدساتير الديمقراطية التي تمنح السيادة للشعب، ومن هنا ظهر مبدأ السيادة الشعبية.
وفي تحليل ما جاء به دستور جون لوك فإنه كان يميل للنظام البرلماني بالإضافة إلى أنه يعتبر من أهم المنظريين للثورة المجيدة عام 1688م في بريطانيا والتي كانت بمثابة ثورة جردت الملك من صلاحياته المعروفة وهي سلطة اعلان الحرب وسلطة فرض الضرائب لكن بعد الثورة انتقلت هذه السلطات لبيد البرلمان ومن ذلك الوقت وحتى يومنا هذا تحولت سلطة الملك في بريطانيا الى سلطة رمزية شرفية وقد أكد لوك على وجوب الثورة في حال ضل الحاكم الطريق ولم يحقق الغايات المطلوبة لكن عند هوبس كان اعلان الثورة بمثابة انزلاق للحالة الطبيعية.
في الخاتمة وجب التأكيد على أن هوبز ولوك انتموا الى النظرية التعاقدية وأن فكرهم قد أسس في العالم الغربي لأنظمة الحكم الديمقراطية التي تعمل على حماية الحقوق الفردية الأربعة (الحرية، الملكية، الحيا ، المساواة).
بقلم الحقوقية: إيمان عثمان خليفة
مواضيع أخرى ذات علاقة:
Pingback: - موسوعة ودق القانونية
Pingback: نظريات نشأة الدولة - موسوعة ودق القانونية
Pingback: التحكيم في حل النزاعات - موسوعة ودق القانونية
Pingback: الضمان الاجتماعي: بناءً على المفهوم الأساسي للعدالة الاجتماعية والرفاهية العامة - موسوعة ودق القانونية