التصرف الإنفرادي كمصدر عام من مصادر الالتزام
التصرف الإنفرادي كمصدر عام من مصادر الالتزام
التصرف الإنفرادي، مما لا شك فيه بأن نظرية الالتزام من النظريات والمواضيع فائقة الأهمية، إذ إن أهميتها لا تقتصر فقط على القانون الخاص المدني بل تتسع لتشمل كافة فروع القانون كما وأنها الوسيلة الفضلى لتشكيل المعرفة والدراية القانونية الكافية لدى كل من يتصدى للقوانين سواء الخاصة ام العامة، في المقال الآتي سيتم الحديث عن أحد مصادر الالتزام وهو التصرف الإنفرادي. بداية يقصد بـ التصرف الإنفرادي او الإرادة المنفردة بانها عبارة عن فعل قانوني يصدر من جانب واحد ويترتب عليها اثار قانونية متعددة وبالتالي يقع التزام على الشخص المتصرف الذي ألزم نفسه كونها ايجاب غير مقترن بقبول، بحيث يكون الشخص قد ألزم نفسه القيام بعمل بمحض ارادته التامة ودون الحاجة الى موافقة الطرف الاخر. وهنا يظهر الخلاف ما بين التصرف الإنفرادي والعقد اذ ان العقد احد اهم اركانه المنشئة له ان تتوافق الارادتين أي الايجاب والقبول على احداث الأثر القانوني على العكس من التصرف الانفرادي الذي تستقل فيه إرادة واحدة بإنشاء الالتزام وترتب الأثر القانوني.
الإرادة المنفردة:
إختلف الفقهاء على فكرة الالتزام بالإرادة المنفردة وحول مدى صلاحية هذا التصرف لإنشاء الالتزام في ذمة صاحبه وانقسموا الى اتجاهات في ذلك، فالبعض يميل الى اخراج التصرف الانفرادي من دائرة مصادر الالتزام واقتصارها على حالات استثنائية ومحددة، بينما يميل فقهاء اخرين لاعتبارها مصدر عام وصحيح من مصادر الالتزام ،فيما يتعلق بالمشرع الأردني والفلسطيني نجدهم يوافقون الرأي الذي يقر بكونه مصدر للالتزام وذلك من خلال ما تم النص عليه في القانون المدني الأردني ،فقد تعددت النصوص القانونية التي أعطت لهذا الموضوع أهميته ومن ذلك ما ورد في المادة 250 من القانون المدني الأردني والتي نصت على انه يجوز التصرف بالإرادة المنفردة للمتصرف دون قبول من الغير، فهذا يعبر عن ميول المشرع الى الرأي الذي يعتبر التصرف الإنفرادي مصدر مستقل بذاته، كما ونص على سريان الاحكام المتعلقة بالعقود على التصرف المنفرد . اما فيما يتعلق بوجه نظر الفقه الإسلامي فهو يعطي الإرادة المنفردة مجال موسع في سائر المعاملات بحيث تكون الإرادة من طرف واحد كافية لإنشاء التصرفات القانونية كالوصية والهبة والرهن وعزل الوكيل والهدية واسقاط الشفعة وغيرها من التصرفات، ومن المعتقد ان المشرع الأردني استند في نصوصه القانونية حول هذا الموضوع على الفقه الإسلامي وتأثر به بشكل كبير ولكن الفقه الإسلامي يوسع من نطاقها بشكل اكبر من المشرع الأردني.
يشترط توافر عدة شروط بمجرد تحققها يصبح التصرف الإنفرادي ملزم للمتصرف ولا يمكنه التراجع عنه، ولعل اهم هذه الشروط هي ان يكون الملتزم يتمتع بأهلية أداء كاملة خالية من عيوب الإرادة وعوارض الاهلية، كما ويشترط ان يصدر الايجاب بشكل صريح او ضمني إضافة الى ان يكون محل الالتزام موجود غير مستحيل وان يكون ممكنا وان يكون مشروع أي لا يتعارض مع النظام العام والآداب وان يكون معلوم بشكل كافي لنفي الجهل عنه.
تطبيقات عملية:
من الأمثلة على اهم التطبيقات العملية الخاصة للتصرف الانفرادي هو الوعد بالجائزة بداية يقصد بالوعد كما نص عليه القانون المدني الأردني هو ما يفرضه الشخص على نفسه لغيره، اما بالنسبة للوعد بالجائزة فيقصد به إرادة منفردة تصدر عن الشخص الواعد الى الجمهور يعلن بها على منح جائزة او هدية لمن يقوم بعمل معين وهنا الزم الواعد نفسه بالتصرف ويشترط ان تتجه إرادة حقيقية وجادة من طرف الشخص الواعد لتنفيذ الالتزام الذي وعد به وان يتمتع بالأهلية الكاملة كما تم ذكره سابقا إضافة الى ان يتم توجيه الوعد الى مجموعة من الأشخاص (الجمهور) وليس الى شخص محدد بذاته بحيث اذا تم تحديد الطرف الاخر يتم الانتقال من التصرف الانفرادي الى ايجاب بحاجة الى قبول، كما يشترط ان يتم الإعلان الى الجمهور بطرق نشر متعارفة تم من خلالها العلم بالوعد كالنشر في المجلات او في وسائل التواصل الاجتماعي وان يكون الوعد بالجائزة سبب مشروع فلو كان محل القيام بالعمل غير مشروع كان الوعد باطل ، اما فيما يتعلق بالحكم القانوني للوعد فالأصل كما قيل في التصرف الانفرادي ان يكون ملزما ولا يمكن التراجع عنه ولكن هذا يكون في حالة تحديد مدة للقيام بالعمل ومنح الجائزة بمعنى ان يقترن الواعدة بمدة معينة ومحددة، بحيث لو يتم تحديد المدة فيكون تنفيذ الالتزام من قبل الشخص الواعد اختياريا وليس اجباريا.
فيما يتعلق بمدة سقوط دعوى الوعد بالجائز وعدم سماعها لا يوجد نص خاص يحدد المدة وبالتالي يتم الاستناد الى مدة التقادم العام للدعاوي المدنية وهي خمس عشرة سنة من وقت تمام القيام بالعمل.
وأخيراً فان التصرف الإنفرادي وبحسب الرأي الغالب يشكل مصدر عام ومستقل من مصادر الالتزام وله احكامه القانونية التي تنطبق عليه وكما تبين فهو ينشا التزام ويرتب اثر قانوني ويستلزم توافر عدة شروط تم تبيانها، فهو له أهميته البالغة في التصرفات القانونية السبب الذي جعل الفقه الإسلامي يمنحه الاهتمام الأكبر كما وله تطبيقات في الواقع العملي كالوعد بالجائزة.
بقلم الحقوقية: رؤى احمد جرادات
Pingback: بحث قانوني حول عقد الوكالة - موسوعة ودق القانونية
Pingback: مصادر الحق - موسوعة ودق القانونية
Pingback: الوعد بالتعاقد في العقود - موسوعة ودق القانونية
تحياتي لكم
معلومات مفيدة أحسنتم القول والتعبير
Pingback: مصادر الالتزام - موسوعة ودق القانونية