حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي
حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي
الدفاع الشرعي من أهم الأمور الواجب معرفتها والدخول في تفاصيلها لكي نتمكن من التعامل معها في الحياة اليومية والعملية، وهو من أكثر المفاهيم القانونية بساطةً وَقِدَم، ويعتبر الدفاع الشرعي حق يمكننا ممارسته للرد على أي هجوم واقع فعلياً. واستمر وجود هذا الحق حتى بعد تبني ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما عبرت عنه صراحةً المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (إذا اعتدت قوة مسلحة) وهذا الإعتداء قيدته المادة بأن يكون الهجوم المسلح فعلي أي وقع بشكل مباشر.
ورغم ذلك فإن هناك الكثير من الجدل والخلاف حول مفهوم الدفاع الشرعي وشروطه وغيرها من الأمور وذلك بسبب بعض صور العنف في العلاقات الدولية، مما يستوجب تسليط الضوء والبحث والتحليل حول القضايا الإشكالية فيه ومن أهمها:
- مفهوم الدفاع الشرعي في القانون الدولي.
- التطور التاريخي لـ الدفاع الشرعي في القانون الدولي.
- شروط الدفاع الشرعي في القانون الدولي.
- أهم النتائج المترتبة على الدفاع الشرعي في القانون الدولي.
مفهوم الدفاع الشرعي في القانون الدولي:
هو الحق الذي يقرره القانون الدولي لدولة أو لمجموعة من الدول بأن تستخدم القوة لصد عدوان مسلح في حال ارتكب ضد سلامة إقليمها أو إستقلالها السياسي. ويجب أن يكون الدفاع متناسب مع العدوان، ويتوقف حين يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. أي أن الدولة التي تتعرض لهجوم مسلح مباشر وَ جسيم يمكنها استعمال القوة المسلحة من أجل رد العدوان عن نفسها بشكل فردي أو جماعي، ويجب أن يكون الدفاع الشرعي هو الطريق الوحيد أمامها ويجب أن يكون متناسب مع أعمال العدوان وغير متجاوز لها. وأن يكون الدفاع موجه بشكل مباشر ضد مصدر الهجوم المسلح، ولكن بمجرد تدخل مجلس الأمن يمكن وقف الهجوم وحل النزاع.
التطور التاريخي للدفاع الشرعي في القانون الدولي:
يعتبر الدفاع الشرعي فكرة قديمة عرفتها جميع الأنظمة القانونية والشرائع كحق طبيعي وغريزي، فقد كان الدفاع الشرعي يمحو الجريمة عند الرومان ولا يبقي لها أثر جزائي أو مدني، وأعفى من العقوبة في أوروبا الوسطى، ونص قانون العقوبات عام (١٧٩١) على انه: (في حالة الدفاع المشروع لا توجد جريمة مطلقاً ولذلك لا يحكم بأي تعويض مدني).
وقد أكدت الشريعة الإسلامية على حق الدفاع الشرعي استناداً إلى قوله تعالى: ( فمن اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عليه بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ). وقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): من شهر على مسلم سيفاً فقد أُحِلَ دَمه .
وقد ثبت حق الدفاع الشرعي في الأنظمة القانونية الداخلية فقد تأكد أنه مبدأ أساسي في القانون الدولي. وكما نصت اتفاقية لاهاي لسنة (١٩٠٧) م المتعلقة بحقوق وواجبات الدول والأشخاص المحايدين في أحوال حصول حرب برية حيث جاء في نص المادة العاشرة منها أنه (لا يمكن أن يعتبر عملاً من أعمال القتال الفعل الذي تأتيه الدولة المحايدة ولو كان متضمناً استعمال القوة لدفع الاعتداء على حيادها).
بالإضافة إلى ذلك فإن الدفاع الشرعي كان معترف به في عهد عصبة الأمم المتحدة، فإن نبذ الحرب طبقاً له لا ينفي اللجوء إلى هذا الحق عند حصول اعتداء “وإن كان العهد لم يرد فيه نص صريح كنص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة”. وقد نص بروتوكول جنيف لسنة (١٩٢٤) على حق الدفاع الشرعي في المادة الثانية والتي تنص على: ( أن الدول الموقعة قد اتفقت على أنها لا تلجأ إلى الحرب كوسيلة لفض المنازعات بأي حال إلا في حالة مقاومة أعمال العدوان). وفيما بعد تم تأكيد هذا الحق في نص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، وبموجب هذا النص أصبحت الدول تتمتع بحرية اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة في حالة الدفاع الشرعي وطبقاً للشروط المحددة لمشروعيته.
شروط ممارسة حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي:
- ضرورة أو لزوم أعمال الدفاع الشرعي، حيث يشترط في أعمال الدفاع الشرعي حتى تكون مشروعة وأن تكون هناك ضرورة ملحة بحيث لا تترك للدولة الحرية في اختيار وسيلة الدفاع أو التدبر في الأمر. فشرط الضرورة يعني أنه ليس أمان الدولة وسيلة أخرى لصد العدوان غير استخدام القوة المسلحة، فإن وجدت طريقة أخرى يمكن للدولة رد العدوان فيها غير القوة المسلحة واستخدمت القوة المسلحة فلا يكون فعل الدفاع الشرعي مباح، وإنما يعتبر عدواناً مارسته الدولة. وشرط الضرورة يتم تقديره أو لزوم أعمال الدفاع يعتمد على عوامل كثيرة ومهمة منها حجم الضرر الناجم عن هذه الأعمال العدوانية ومدى جسامة وخطورة أعمال الهجوم وما يملكه الطرف الآخر من وسائل تدميرية وما يتوقع ارتكابه من أعمال عدوانية أخرى.
- التناسب بين أعمال الدفاع الشرعي والقوة المستخدمة في الهجوم أو العدوان، والمقصود بالتناسب هنا أن يكون الأفعال التي تتخذ في حالة الدفاع الشرعي متناسبة مع أعمال الاعتداء التي وقعت على الدولة وأن لا تتجاوز الحدود المعقولة لرد الاعتداء، بمعنى آخر يجب أن يكون هناك تناسب بين جسامة أعمال الاعتداء وجسامة أعمال الدفاع، ويجب أن تكون وسيلة الدفاع متناسبة في جسامتها مع أعمال الاعتداء وغير متجاوز فيها الحدود المعقولة لرد العدوان الواقع عليها.
أهم النتائج المترتبة على حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي:
- إن ميثاق الأمم المتحدة قد قيد حق الدفاع الشرعي وهو ما ورد بنص المادة (51) والذي عبر صراحةً في حالة كان الاعتداء بالقوة المسلحة قد وقع بشكل فعلي. ويجب أن يكون الدفاع في حالة الضرورة واللزوم وأن يتناسب في استخدام القوة.
- هناك حالات استثنائية في المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة عام (١٩٤٥) م وردت على استخدام حق الدفاع الشرعي، ولكن هذا لا يعني نفي شروطه التي تحقق مشروعيته لتحقيق الغاية منه وهذا النفي يعني عدم مشروعية الدفاع الشرعي.
بقلم الحقوقية: رفاء هارون مسلم
Pingback: الأسلحة النووية في القانون الدولي - موسوعة ودق القانونية