اللامركزية ورقابة السلطة المركزية
اللامركزية ورقابة السلطة المركزية
تختلف أساليب التنظيم وعلاقة الأفراد بالسلطة داخل الدولة ما بين المركزية واللامركزية، فالمركزية تهدف إلى تمركز السلطة في يد هيئة واحدة دون السماح للهيئات الأخرى المشاركة في صنع القرار، بمعنى أن أي قرار يتم الحصول على موافقته من الحكومة المركزية المتواجدة في العاصمة غالباً، والمؤسسات الموزعة داخل الأقاليم لا يكن لها دور في اتخاذ أي قرار بات دون الرجوع للحكومة الأساس، فعلاقة الحكومة بالمواطنين تبنى على وجود سلطة تسلسلية، أما اللامركزية فهي تتجه إلى عملية التوزيع في المهام ما بين الحكومة والممثلين المحليين والتي تستند إلى الرقابة من قبل الحكومة المركزية وإلى عملية إنتخاب للمثليين الذين يتولوا مهمة القيام ببعض الأعمال نيابة عن الحكومة.
أولاً – مفهوم اللامركزية:
لا يوجد تعريف ثابت لها، ولكن يمكن إعتبارها بأنها وسيلة وطريقة لعدم تمركز السلطة في مستوى واحد، وتوزيع وظائف الدولة على أكثر من مستوى، فهي عملية تفويض ونقل للصلاحيات، إذ إن السلطة المركزية تقوم بعملية تفويض في المهام للهيئات المحلية الموزعة والتي تكون بعيدة عن مركز صنع القرار.
هناك ترابط مباشر ما بين المركزية واللامركزية ففي ظل النظام اللامركزي يتم توزيع السلطات والمهام من قبل السلطة المركزية الأصل إضافة إلى أن الأخيرة تمارس رقابتها على كافة أعمال الممثلين عنها في أقاليم الدولة.
ما هي أهداف اللامركزية؟
- تعتبر اللامركزية أحد أهم مقومات الحكم الديمقراطي وذلك كون الهدف الأسمى لها هو توسيع المشاركة الشعبية في عملية الإدارة وصنع القرار إذ يتم إشراك المواطنين أصحاب المصلحة الذين على دراية أكبر بإحتياجاتهم المحلية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على مستوى الإنفتاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي لدى المواطنين ويعمل على زيادته.
- ألية لتوزيع السلطات والمهام بشكل تكاملي وتشاركي داخل الدولة، الأمر الذي يؤدي لرفع كفاءة النظام الحاكم.
- تخفيف الأعباء والضغوطات عن الحكومة المركزية، مما يؤدي إلى السرعة في إنجاز المهام بعيداً عن التعقيدات.
- كما تعتبر اللامركزية صيغة متقدمة ومتطورة لدى مختلف الدول كونها تستند إلى التقسيم العادل للإختصاصات ومنع احتكارها في يد واحدة، مما يخلق بيئة تنموية وتكاملية.
- النظام اللامركزي يعكس المفهوم الصحيح للإدارة الرشيدة القائمة على الشفافية والإصلاح بعيداً عن السلطوية والانفراد بالحكم.
ثانياً – أنواع اللامركزية:
كما تم ذكره سابقا بأن اللامركزية هي عملية نقل وتوزيع لمهام السلطة، ويتم ذلك بأشكال مختلفة،بحيث هناك أنواع مختلفة ل اللامركزية تتجلى في:
- اللامركزية السياسية: هي التي تختص بتحقيق أعلى مستوى من الديمقراطية داخل الدولة عن طريق منح المواطنين أو ممثليهم المنتخبين سلطة في صنع القرار بهدف ضمان المشاركة المجتمعية، وتتطلب إصلاحات وتوزيع إختصاصات دستورية أو تشريعية أو تنفيذية، بحيث يكون المنتخبين على الصعيد المحلي هم الأجدر بالتعاون مع الدوائر الإنتخابية وتحقيق متطلباتها.
- اللامركزية الإدارية: هي عملية توزيع للصلاحيات الإدارية من وسائل تنمية وتخطيط وتمويل والتي تتعلق بالصالح العام، وتتم عملية التوزيع من قبل الحكومة المركزية وإلى السلطات اللامركزية سواء الإقليمية أو المرفقية، ويتم ذلك إما عن طريق تخفيف التمركز الإداري بنقل عملية صنع القرار من السلطة المركزية وإلى الهيئات الإقليمية أو المحلية، أوعن طريق نقل الصلاحيات، بحيث يتم نقل صلاحيات إتخاذ القرارات الإدارية إلى الوحدات الفرعية الموزعة والتي تستطيع إتخاذ القرار بشكل نهائي دون الحاجة للرجوع إلى الحكومة المركزية، وأخيراً عن طريق تفويض للصلاحيات بحيث تناط صلاحيات إدارية معينة ومحددة للهيئات والوحدات الإدارية
- اللامركزية المالية: بداية يعتبر الإستقلال المالي هو الأساس لوجود إستقلال إداري وبالتالي كان من الضرورة وجود لامركزية مالية تتعلق بمقدرة السلطات المحلية أو جهات تقديم الخدمات على تحقيق عوائد مالية بعدة طرق، سواء من خلال التمويل أوزيادة المردود المالي أو القروض الحكومية أو الخاصة.
في المقال أعلاه تم الحديث عن أنواع اللامركزية والتي تختلف من نوع الى اخر في المفهوم والأركان والرقابة وإلى ما غير ذلك، وسيتم استكمال الحديث عن إحد الأنواع ألا وهي اللامركزية الإدارية، فم المقصود بها وما هي صورها واركانها وأساليب الرقابة عليها
ثالثاً – اللامركزية الإدارية:
تعرف اللامركزية الإدارية على أنها عملية توزيع للوظيفة الإدارية أو الوظيفة العامة ما بين الحكومة المركزية التي تتواجد في العاصمة والأشخاص المعنوية التي تتمتع بإستقلال عن السلطة المركزية، إستقلال في الكيان وفي الذمة المالية ويكون موظفي الشخص المعنوي مستقلين عن موظفي الدولة ولكن ليس إستقلال تام، بحيث يتم منح الهيئات المحلية إستقلال وفي ذات الوقت يكون مقيد وخاضع لرقابة الحكومة المركزية.
تبرز اللامركزية الإدارية في عدة أشكال، أهمها:
- اللامركزية الإقليمية: وهي مجموعة من الأشخاص المعنويين المختصين بتقديم خدمات في حدود مكانية محددة، أي في إطار الدوائر التابعة لها فيتم توزيع المهام على الوحدات الفرعية الموزعة مع خضوعها لسلطة رقابية من المركزية وهي ما يطلق عليها مسمى الحكم المحلي.
- اللامركزية المرفقية: وهي التي لا تتقيد بحدود مكانية معينة وإنما تقدم خدماتها على كافة نطاق الدولة، بحيث يتم إدارة احد المرافق العامة تحت وصاية الدولة مع التمتع بالإستقلال الإداري والمالي كالهيئات والشركات العامة الهادفة لتحقيق المصلحة العامة للأفراد.
ما هي أركان اللامركزية الإدارية؟
وجود النظام اللامركزي يتطلب توافر أركان أساسية لقيامه، تتمثل في:
- وجود مصالح محلية للمواطنين تتميز عن المصالح القومية، إلى جانب المصالح القومية الخاصة بالدولة المصبوغة بالطابع الوطني من الدفاع وتحقيق العدالة والأمن والقضاء، هناك مصالح تختص بسكان الإقليم المحليين كالتعليم والصحة والنقل والمواصلات الامر الذي يستوجب وجود هيئات محلية تختص بمباشرة هذه الأعمال جميعها.
- أن يتم الإشراف على هذه المصالح من قبل هيئات منتخبة أو مستقلة، وهذا يتطلب وجود هيئات ومجالس محلية أو إقليمية تتولى مهمة إنجاز المصالح والخدمات للمواطنين والأفراد مع ضرورة حصولها على الإستقلال الإداري والمالي عن الحكومة المركزية.
- خضوع الهيئات لرقابة السلطة المركزية، فكما تم ذكره سابقاً بأن الهيئات المحلية تتمتع بإستقلال ولكن ليس إستقلال مطلق وإنما نسبي يتم تقييده بمقتضى القانون، بمعنى خضوع تلك الهيئات للرقابة أو الوصاية الإدارية التي تباشرها الحكومة المركزية بهدف تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على وحدة الدولة من الناحية السياسية والجغرافية.
مثل تعدد الوظائف في الدولة وتزايد إحتياجات العصر وطبيعة الواقع الفلسطيني وحاجته إلى التحررية والديمقراطية سبباً للذهاب إلى منحنى التفكير حول وسائل وطرق لتخفيف أعباء الإدارة المركزية، والذي كانت نتيجته طرح فكرة وجود حكم محلي في الأراضي الفلسطينية إستناداً إلى مبدأ اللامركزية الإدارية في التنظيم والذي مرَ بحقبة تاريخية منذ زمن الإنتداب البريطاني وإلى حين مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ تعتبر الهيئات المحلية الممثلة بالمحافظات والمجالس البلدية والقروية ركنا أساسياً في بناء الدولة الفلسطينية كما وتعتبر وزارة الحكم المحلي التي أسستها السلطة الوطنية هي الوصي على انتظام العملية اللامركزية فقد عملت على زيادة البلديات والمجالس القروية ودمج التجمعات الصغيرة ببعضها، فهي تعنى بالهيئات المحلية وتسعى لتطويرها من الناحية الإدارية من خلال حرصها على ترسيخ الأسس الديمقراطية وإعطائها إختصاصات موسعة كما وعملت السلطة الفلسطينية على المصادقة على قانون الهيئات المحلية الفلسطينية 1997 الذي يمثل الإطار القانوني لعمل الهيئات المحلية إضافة إلى قانون الإنتخابات، كون إطار اللامركزية يسعى إلى دمج المواطن بشكل كبير في الحياة السياسية والإدارية ويجعل القوى الشابة عنصراً فاعلاً في التنمية.
إضافة إلى أن الهيئات المحلية تملك القدرة على العمل كحكومة على الصعيد المحلي وإدارة المؤسسات الإدارية واتخاذ القرارات المسؤولة بحيث أن تطبيق اللامركزية يفسح المجال للهيئات المحلية تقاسم الوظيفة الإدارية مع السلطة المركزية وخصوصاً في ظل غياب التواصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية نظراً لوجود العائق الأكبر وهو الاحتلال، على الرغم من تواجد المعيقات تستمر الهيئات المحلية في الإدارة وتقديم الخدمات للمواطنين كما أن اللامركزية تسعى لتخفيف الأعباء المالية عن الخزينة الفلسطينية ولكن الصلاحيات الممنوحة للهيئات المحلية محدودة بشكل كبير فهي مقتصرة على تنظيم الأمور اليومية العادية كتنظيم الأسواق والمتنزهات والشوارع والصرف الصحي ومنح تراخيص البناء بحيث أن القوانين السارية تحد من صلاحية البلديات إضافة إلى نقص الوعي لدى الهيئات بمفهوم التنمية والتطوير وضعف الموارد المالية ووجود الإحتلال الذي يدمر البنية التحتية بشكل متكرر وعدم وجود إمكانيات فنية كافية لتنفيذ المشاريع وإضافة الى عدم إجراء الإنتخابات منذ فترة طويلة واستمرار الهيئات في تبعيتها للسلطة المركزية.
بقلم الحقوقية: رؤى أحمد جرادات
مواضيع أخرى ذات علاقة:
متميزة
أبداع لا مثيل له ❤️❤️❤️