مدى مراعاة الصكوك البنكية الإسلامية لمقاصد الشريعة الإسلامية
مدى مراعاة الصكوك البنكية الإسلامية لمقاصد الشريعة الإسلامية
(بقلم: د. أحمد إبراهيم محمد)
وهذه الصكوك وسيلة استثمار وتمويل المشاريع المختلفة وبديلًا عن سندات القروض الربوية في العمل المصرفي التقليدي، وهذا يتطلب تحديد مفهوم الصكوك الشرعية وبيان شروطها وكذلك الضوابط الشرعية من أجل جعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية من ناحية عامة، ومع مقاصدها من ناحية أشمل بعيدًا عن الربا وشروره وضمان تجنب إثم الربا وهذا هو عمل الرقابة الشرعية ودورها في منع مخالفة الشريعة، مما يؤدي إلى تميز الصكوك عن السندات وتوضيح الفوارق الأساسية مما يطرح معنى الصكوك وشروطها وضمان اتفاقها مع أحكام الشريعة ومقاصده الغراء.
وقد لاقت هذه الصكوك الانتشار الكبير والواسع في العديد من الدول والسبب في ذلك هو ما حققته من نتائج كبيرة ايجابية في العديد من مجالات التمويل والاستثمار في العديد من القطاعات الاقتصادية، كما أنها تتميز بتعدد أنواعها مثل صكوك المشاركة والمضاربة والسلم وغيرها مما فتح أبوابًا كثيرة للاستثمار، وهو ما يؤدي بدوره زيادة قوة الصكوك الإسلامية باعتبارها أداة من أدوات التمويل، فالأدوات المصرفية الإسلامية تشهد نمو كبير ومتزايد ومن الممكن ارجاع سبب ذلك إلى توسع رقعة الحلول والمنتجات الإسلامية التي تتماشى مع قطاعات واسعة من المستثمرين سواء الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية نفسها[1]الجورية، أسامة عبد الحليم، (2009-1430)، صكوك الاستثمار ودورها التنموي في الاقتصاد، رسالة ماجستير، معهد الدعوة … Continue reading، وقد وسعت العديد من الدول حول العالم لإصدار الصكوك الإسلامية نظرًا لأهميتها على الصعيد العملي وما لها من دور كبير في اقتصاد قوي ومتين سواء في تمويل عجز الموازنة أو في تنشيط الأسواق المالية أو تمويل المشروعات التنموية ومشروعات البيئة التحتية.
ونظرًا لأهمية الصكوك البنكية التي تصدرها المصارف والبنوك الإسلامية، ونتيجة لأهمية وانتشار الصكوك الإسلامية باعتبارها أداة تمويلية، فقد أظهرت الكثير من الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع، ومنها هذه الدراسة التي تناولت دراسة الصكوك البنكية ومدى مراعاتها لمقاصد الشريعة الإسلامية.
وانطلاقا من هذه المقدمة فإن المعاملات المالية بصورها المتعددة والمتداولة بين الناس تقوم على مجموعة من الأصول الكلية التي لا بد من اتخاذ هذه الأصول واعتبارها معيارًا بل أهم المعايير التي يحتكم إليها فيما يستجد من معاملات مالية، من أهمها قاعدة إن مدار المعاملات المالية تقوم على تحقيق مصالح العباد، وقاعدة الأصل في المعاملات المالية الإباحة.
فالأصل الأول أن المعاملات المالية تدور مع المصلحة في أحكامها، والسبب في ذلك هو أن الشريعة كما قال ابن تيمية –رحمه الله- جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.[2]ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، (1978م)، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن القاسم، بيروت: دار … Continue reading
بالتالي فإن النظر في المعاملات، خاصة المعاملات المالية ينبغي أن ينطلق من مدى تحصيلها للمصلحة أو دفعها المفاسد عن العباد، كما أن من رحمة الله سبحانه وتعالى على العباد، أن القرآن والسنة لم يأتيا بتفاصيل أحكام المعاملات المالية، بل إنهما قد جاءا بالمبادئ الكلية وكذا الأصول العامة، والسبب في ذلك هو أن المصالح في هذا المجال تتغير وتتطور على الدوام.
وبناء على هذا، فمجال الاجتهاد الاستصلاحي[3]الاجتهاد الاستصلاحي هو الاجتهاد في تحديد روح الشريعة بصورة عامة ليتخذ منها أصول التشريع للحكم في كل حادث … Continue reading، واسع في المعاملات المالية، ويلزم العمل به عند إرادة بيان حكم الشرع في مستجدات العقود والمعاملات المالية، وذلك ترشيدًا لها وكذلك تحقيقًا لمقاصد الشرعية العامة في الأموال.
وأما الأصل الثاني فهو من القواعد الفقهية التي قد جرت على لسان الفقهاء، وهذه هي قاعدة الأصل في المعاملات المالية الإباحة، وذلك ما لم يوجد نص يحرم أو يعطي حكم آخر، وفي هذا يقول ابن تيمية: “اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالاً للآدميين، وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها وممارستها”[4]مجموع الفتاوى، مرجع سابق، (29/ 151)..
ويقول الإمام الشاطبي: والأصل فيها – أي المعاملات- الإذن حتى يدل الدليل على خلافه.[5]الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، (1999م)، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار المعرفة، ط 4، (1/ 253). وهذا بخلاف العبادات فإن الأصل فيها عند عامة الفقهاء التوقف أو الحظر.
قائمة المراجع:
- الجورية، أسامة عبد الحليم، (2009-1430)، صكوك الاستثمار ودورها التنموي في الاقتصاد، رسالة ماجستير، معهد الدعوة الجامعي للدراسات الإسلامية.
- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، (1978م)، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن القاسم، بيروت: دار العربية، 1978م.
- الدواليبي، محمد معروف، (1965م)، المدخل إلى علم أصول الفقه، د.م: دار العلم للملايين، ط 5
- الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، (1999م)، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار المعرفة، ط 4
- مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي القرار رقم (188)، (20/3)، بشأن استكمال موضوع الصكوك الإسلامية المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العشرين بوهران (الجمهورية الجزائريــة الديمقراطية الشعبية) خلال الفترة من 26 شوال إلى 2 من ذي القعدة 1433هـ، الموافق 13-18 سبتمبر (أيلول) 2012م.
بقلم: د. أحمد إبراهيم محمد
مواضيع أخرى ذات علاقة:
- انقضاء الورقة التجارية: الشيكات والكمبيالات وسندات السحب.
- الجرائم البنكية: أشكالها وسبل حماية الأموال في عصر الرقمية والتكنولوجيا.
- الشيكات المرتجعة وطرق معالجتها في القانون.
- دليل شامل حول الأوراق التجارية: دورها، أنواعها، وأهمية تطبيقها في الأعمال التجارية.
المصادر والمراجع
↑1 | الجورية، أسامة عبد الحليم، (2009-1430)، صكوك الاستثمار ودورها التنموي في الاقتصاد، رسالة ماجستير، معهد الدعوة الجامعي للدراسات الإسلامية، ص124 |
---|---|
↑2 | ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، (1978م)، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن القاسم، بيروت: دار العربية، 1978، (13/96). |
↑3 | الاجتهاد الاستصلاحي هو الاجتهاد في تحديد روح الشريعة بصورة عامة ليتخذ منها أصول التشريع للحكم في كل حادث جديد بطريق الاستصلاح، انظر الدواليبي، محمد معروف، (1965م)، المدخل إلى علم أصول الفقه، د.م: دار العلم للملايين، ط 5، ص 434. |
↑4 | مجموع الفتاوى، مرجع سابق، (29/ 151). |
↑5 | الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، (1999م)، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار المعرفة، ط 4، (1/ 253). |