Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

ثورة صامتة على الطرق: كيف ستغير السيارات ذاتية القيادة مستقبلنا؟

ثورة صامتة على الطرق:

كيف ستغير السيارات ذاتية القيادة مستقبلنا؟

(بقلم الباحثة: دارين صبحي سويدان)

 

لطالما شكلت وسائل النقل حجر الزاوية في تقدم الحضارات وتطور المجتمعات عبر مختلف العصور، حيث مثلت العربة التي تجرها الحيوانات بداية تحول الإنسان من الاعتماد على الجهد البدني إلى توظيف الأدوات في التنقل، ومن ثم جاءت القطارات لتدشن عهداً جديداً من الثورة الصناعية، تلتها الطائرات التي اختزلت المسافات، وقرّبت المسافات الجغرافية بشكل غير مسبوق، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين شهد العالم ظهوراً لافتاً لتقنية “السيارات ذاتية القيادة”، التي تمثل نقلة نوعية في عالم النقل، إذ تعتمد هذه المركبات على منظومة متكاملة من التقنيات المتطورة، تشمل الذكاء الاصطناعي، وخوارزميات التعلم الآلي، والرؤية الحاسوبية، وأجهزة استشعار متعددة الوظائف، تمكنها من تحليل البيئة المحيطة واتخاذ قرارات في الوقت الفعلي دون تدخل بشري.

هذه الثورة التكنولوجية ليست مجرد تحسين لنظم النقل التقليدية، بل تعد تحولاً جذرياً يؤثر على مختلف جوانب الحياة، فمن المتوقع أن تسهم السيارات ذاتية القيادة في تقليل الحوادث المرورية الناتجة عن الخطأ البشري، وتخفيف الازدحام في المدن الكبرى، وتقديم حلول أكثر استدامة وصديقة للبيئة، إلى جانب تحسين جودة حياة الأفراد من خلال منحهم وقتاً إضافياً يمكن استثماره في أنشطة أخرى أثناء التنقل، علاوة على ذلك قد تعيد هذه التقنية تعريف مفهوم التنقل الجماعي والفردي؛ ما يفتح آفاقاً جديدةً لتصميم المدن الذكية والبنية التحتية المستقبلية.

ومع هذه الفوائد الواعدة تظهر تحديات عديدة ترتبط بالجوانب القانونية، مثل تحديد المسؤولية في حالة وقوع الحوادث، فضلاً عن التحديات الاجتماعية المرتبطة بتأثير هذه التقنية على سوق العمل خاصة في قطاع النقل التقليدي، لذا فإن انتشار هذه المركبات يستدعي دراسة شاملة ومتعددة التخصصات لتقييم الآثار المحتملة، ووضع الأطر القانونية والتنظيمية التي تكفل تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التقنية ومعالجة مخاطرها المحتملة.

يهدف هذا المقال إلى استكشاف التحديات التقنية والقانونية والأخلاقية التي تواجه تكنولوجيا “السيارات ذاتية القيادة”، وسيتم التركيز على تحليل الإطار القانوني الحالي وتحديد الثغرات القانونية التي تحتاج إلى تعديل؛ لضمان تنظيم فعال لهذه التقنية، بالإضافة إلى اقتراح حلول لتنظيمها وتحديد المسؤوليات والعقوبات القانونية المتعلقة بها.

 

أولاً – الإطار النظري والمفاهيمي لــِـ “السيارات ذاتية القيادة”:

بفضل التطور المتسارع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، باتت المركبات قادرة على القيادة الذاتية، إذ تسعى العديد من الدول لتبني هذه التقنية المتقدمة من خلال تطوير التشريعات اللازمة والبنية التحتية المناسبة، فالسيارات ذاتية القيادة هي مركبات تعتمد على تقنيات متقدمة، تمكنها من استشعار البيئة المحيطة والتنقل بأمان دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر، تعتمد هذه السيارات على أدوات متطورة تشمل الذكاء الاصطناعي، وأجهزة الاستشعار مثل الكاميرات، والرادار، وأجهزة تحديد المدى باستخدام الليزر (LiDAR)، بالإضافة إلى نظم تحديد المواقع (GPS) وبرمجيات تحليل البيانات. يمكن تناول هذا الموضوع من خلال إطارين رئيسيين: الإطار النظري والإطار المفاهيمي.

1- الإطار النظري:

يمثل الإطار النظري أساس الدراسة لفهم التطور التقني واستخدام السيارات ذاتية القيادة، ويتضمن عدة محاور أساسية تشمل التقنيات المستخدمة فيها وهي: الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم في تحليل البيانات واكتشاف الأنماط واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، تتضمن خوارزميات متعددة كالتعلم الآلي، بالإضافة إلى مجموعة من أجهزة الاستشعار المتمثلة بــِ:

  • الكاميرات التي ترصد وتحلل البيئة المحيطة، والعناصر المتحركة مثل السيارات والمشاة.
  • (Lidar) الذي يستعمل لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد بدقة عالية؛ ما يساعد في تحديد المسافات والعوائق.
  • الرادار الذي يقوم بالكشف عن الأجسام القريبة، خاصة في ظروف الجو الصعبة كما في حالة الأمطار والضباب.
  • نظام (GPS) عالي الدقة الذي يحدد موقع السيارة بشكل دقيق، وهذا يختلف عن الـ GPS التقليدي من حيث دقة الموقع، إذ يمكن تحديد الموقع بدقة قد تصل إلى بضعة سنتميترات.

2- الإطار المفاهيمي:

يشير الإطار المفاهيمي إلى التعريفات والمفاهيم والنظريات المرتبطة بمفهوم السيارات ذاتية القيادة، ويشمل:

– مفهوم السيارات ذاتية القيادة: هي مركبات قادرة على العمل باستقلالية تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات استشعار متطورة؛ مما يغني عن التدخل البشري المباشر.

– مستويات القيادة الذاتية: تطورت السيارات ذاتية القيادة بشكل تدريجي، بدءاً من الأنظمة التي تدعم السائق (مثل أنظمة التحكم في السرعة والتوقف التلقائي)، وصولاً إلى المستوى الخامس من القيادة الذاتية، حيث يمكن للسيارة العمل بشكل كامل دون أي تدخل بشري، فبحسب جمعية مهندسي السيارات (SAE)، فإن القيادة الذاتية تقسم إلى ستة مستويات:

  • المستوى 0: بدون أتمتة.
  • المستوى 1: مساعدة السائق، مثل أنظمة التنبيه أو التحكم الجزئي.
  • المستوى 2: أتمتة جزئية، حيث يمكن للسيارة التحكم ببعض الوظائف مع متابعة السائق لها.
  • المستوى 3: أتمتة مشروطة، حيث تتولى السيارة القيادة مع إمكانية تدخل السائق في مواقف محددة.
  • المستوى 4: أتمتة عالية، حيث تعمل السيارة ذاتياً في بيئات محددة.
  • المستوى 5: أتمتة كاملة، تكون في جميع الظروف بدون أي تدخل بشري.

 

ثانياً – الأطر القانونية والتشريعية: هل القوانين مستعدة للثورة القادمة التي ستحدثها “السيارات ذاتية القيادة؟”

على الرغم من أن بعض الدول بدأت في وضع أطر قانونية لتقنية “السيارات ذاتية القيادة” ، إلا أن هناك العديد من القضايا التي لا تزال بحاجة إلى معالجة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم تعديل بعض قوانين التأمين لتشمل الحوادث الناتجة عن استخدام السيارات ذاتية القيادة، مع وضع معايير لشركات التأمين من أجل تغطية الأضرار الناجمة عن القيادة الذاتية، وفي كاليفورنيا تم تعديل قوانين المرور للسماح باختبار السيارات ذاتية القيادة في بيئات حضرية حقيقية، كما قام الاتحاد الأوروبي بوضع تشريعات مثل: اللائحة العامة لضمان حماية البيانات والخصوصية، وعملت الصين على وضع قوانين لاختبار السيارات ذاتية القيادة في بيئات محددة، حيث يتعين على الشركات الحصول على التراخيص اللازمة قبل إجراء تجارب على الطرق العامة.

أما فلسطين؛ فحتى الآن لا يوجد فيها إطار قانوني خاص ينظم استخدام “السيارات ذاتية القيادة”، حيث أن هذه التكنولوجيا لم تُعتمد على نطاق واسع بعد، لذلك لم يتم تطوير تشريعات أو قوانين تتعلق بها بشكل محدد، وفي حال تم إدخال هذه السيارات إلى السوق الفلسطينية مستقبلاً، فمن المحتمل أن تُضاف هذه القضايا إلى النقاشات القانونية، ويشهد حينها النظام القانوني الفلسطيني تطوراً لتلبية احتياجات هذه التكنولوجيا المتقدمة، وقد تثير عدة قضايا قانونية اهتمام المشرعين، ومنها:

  • تحديث قوانين المرور والسلامة العامة: من الضروري العمل على تعديل القوانين الحالية لتشمل السيارات ذاتية القيادة، بما في ذلك تحديد المسؤولية في حالة وقوع حوادث وضبط قواعد السير الخاصة بهذه السيارات لضمان السلامة على الطرق.
  • تحديد المسؤولية القانونية: مع ظهور واستعمال السيارات ذاتية القيادة، يتعين تحديد من يتحمل المسؤولية في حال حدوث حادث، سواء كانت الشركة المصنعة للسيارة، مطور البرمجيات، أو مالك السيارة.
  • حماية الخصوصية وأمن البيانات: بما أن هذه السيارات تعتمد على جمع بيانات شخصية مثل المواقع وحركات المركبات، فإنه يجب وضع تشريعات لحماية الخصوصية، وضمان تأمين البيانات التي يتم جمعها من الاستخدام غير المشروع.
  • البنية التحتية والتكنولوجيا: قد يتطلب الأمر تطوير بنية تحتية جاهزة للتعامل مع السيارات ذاتية القيادة، مثل تحديث الطرق، إشارات المرور، وأنظمة التواصل بين السيارات؛ ما يستدعي وضع قوانين تنظيمية تواكب هذه التكنولوجيا.

بالإضافة إلى التشريعات الوطنية، هنالك حاجة إلى وجود إطار قانوني دولي لتنظيم السيارات ذاتية القيادة، إذ تتباين القوانين بشكل كبير بين الدول؛ مما يشكل تحديات للشركات التي تعمل في أسواق متعددة، فمثلاً قام الاتحاد الأوروبي بإطلاق خطط لتنسيق التشريعات بين الدول الأعضاء، تشمل معايير تتعلق بالسلامة وحماية الخصوصية، بالإضافة إلى توحيد التشريعات المتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة.

 

ثالثاً – أخلاقيات الذكاء الاصطناعي على الطرق: من يتحمل المسؤولية في حال وقوع حوادث “السيارات ذاتية القيادة”

تثير “السيارات ذاتية القيادة” العديد من القضايا الأخلاقية والقانونية، خصوصاً فيما يتعلق بتحديد المسؤولية في حال وقوع حادث، بينما تقدم هذه التكنولوجيا مزايا كبيرة في تحسين الأمان والكفاءة، إلا أن التحدي الأبرز الذي يواجهها هو:

  • من يتحمل المسؤولية في حال وقوع حوادث؟

 من الضروري العمل على تحديد الجهة المسؤولة حال وقوع حوادث ناجمة عن هذه التكنولوجيا، وهنا يطرح سؤال: هل هي “الشركة المصنعة للسيارة، مطور البرمجيات، أو مالك السيارة”؟، ففي حال كانت هذه السيارات تعمل بشكل كامل دون تدخل بشري، عندها تتساءل الجهات القانونية من الطرف المسؤول عن الحادث إذا كان النظام نفسه هو السبب. يوجد عدة سيناريوهات محتملة في هذه الحالة – فقد تتحمل الشركة المصنعة للسيارات هذه المسؤولية وذلك إذا كانت العيوب في التصميم أو الإنتاج هي السبب في الحادث، قد تقع المسؤولية على مطور البرمجيات حال كان الخطأ قد حصل في البرمجيات أو الذكاء الاصطناعي ونتج عنه الحادث، وقد تقع المسؤولية على المالك (السائق) إذا كان لا يزال يُخطِئ في استخدام السيارة بشكل غير صحيح.

  • القرارات الأخلاقية التي تتخذها السيارات ذاتية القيادة:

عندما يتعلق الأمر بمواقف الطوارئ، قد يواجه النظام الذكي في السيارة مواقف مختلفة، إذ عليه أن يتخذ قرارات أخلاقية صعبة. على سبيل المثال إذا وقع حادث معين يكون على السيارة مسؤولية اتخاذ قرار بين مصلحتين: حماية حياة الركاب أو تجنب إلحاق الضرر بالآخرين (المشاة على الطريق)، هذا ما يسمى بــِ “مشكلة الدبابة الأخلاقية”، فلو واجهت السيارة وضعاً يتطلب اتخاذ قرار بين التضحية بحياة الركاب أو آخرين (المشاة)، ما الذي يجب عليها فعله؟ على إثر ذلك يُطرح عدة تساؤلات: ما هي المبادئ الأخلاقية التي يتوجب على السيارة أن تستند إليها؟ هل يجب أن تُبرمج على تقديم الأولوية لحياة الإنسان؟ وإذا كان الأمر كذلك هل تكون حياة الركاب أكثر أهمية من حياة المشاة أو العكس؟ يتم في مثل هذه الحالات برمجة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات تتضمن القيم الإنسانية الواجب اتباعها، ويطرح هنا سؤال آخر للنقاش: “هل يتم توجيه الأنظمة بناءً على معايير موحدة أم أن القرار يعتمد على قوانين الدولة أو القيم المجتمعية المختلفة؟”

 

رابعاً – من المسؤولية المدنية إلى قوانين الطريق: التحديات القانونية المتعلقة بــِ “السيارات ذاتية القيادة”

أثارت تقنية السيارات ذاتية القيادة العديد من التحديات القانونية المعقدة، والتي تم تقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسية: المسؤولية المدنية، قوانين المرور، البيانات والخصوصية.

  1. المسؤولية المدنية: عندما تقع حوادث مرتبطة بالسيارات ذاتية القيادة، تنشأ عدة تساؤلات حول تحديد الطرف المسؤول عن الأضرار، ويمكن أن تشمل المسؤولية:
  • الشركة المصنعة: إذا كان الحادث ناتجاً عن عيب في التصميم أو البرمجيات.
  • مستخدم السيارة: إذا أساء استخدام النظام أو فشل في التدخل عند الضرورة.
  • مبرمجو الذكاء الاصطناعي: إذا كان سبب الحادث خللاً في الخوارزميات.
  • شركات الصيانة: إذا كانت الأعطال نتيجة تقصير في أعمال الصيانة.

– إطار المسؤولية القانونية: هناك عدة أنظمة تعتمد على “المسؤولية التقصيرية”، وتتطلب إثبات وجود إهمال أو خطأ مباشر، وفي المقابل يوجد أنظمة تتبنى “المسؤولية المطلقة”، حيث تُحمّل الشركات المصنعة المسؤولية عن الأضرار بغض النظر عن وجود أي إهمال.

  1. قوانين الطرق: تفرض السيارات ذاتية القيادة تحديات غير مسبوقة على القوانين المرورية الحالية، والتي غالباً ما تفترض وجود سائق بشري، وتشمل هذه التحديات:
  • مفهوم السائق القانوني: هل يمكن اعتبار السيارة ذاتية القيادة “سائق” بموجب القانون؟ (للنقاش).
  • اتخاذ أصعب القرارات: كيف يمكن تنظيم القرارات التي تتخذها الأنظمة الذاتية في المواقف الحرجة؟ (للنقاش).
  • الترخيص والتنظيم: ما القوانين الواجب وضعها لتنظيم اختبار وتشغيل السيارات ذاتية القيادة؟ (للنقاش).
  1. البيانات والخصوصية: تعتمد السيارات ذاتية القيادة على تقنيات جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات التي تتضمن معلومات عن حركة المرور، موقع السيارات، تصرفات الركاب فيها، والظروف البيئية المحيطة بها؛ مما قد يثير عدة مخاوف تتعلق بالخصوصية وأمن المعلومات مثل: إمكانية الاختراق لأنظمتها وهو من أبرز التحديات المتعلقة بالأمن السيبراني، وقد يتم تتبع تحركات الأشخاص بدون إذن مصرح بذلك، الأمر الذي يشكل انتهاك لخصوصيتهم، وكذلك يمكن أن يتم استغلال معلوماتهم الشخصية بطرق غير قانونية.

* الأثر الاجتماعي لتقنية “السيارات ذاتية القيادة“: من المتوقع أن تسهم هذه التقنية في تقليص عدد الوظائف المرتبطة بمهن السائقين؛ مما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق العمل، ورفع نسبة البطالة بين فئات معينة من العمال، وهذا التحول يتطلب بذل جهود جادة لإعادة تأهيل هؤلاء الأفراد، وإرشادهم نحو مجالات عمل جديدة، ومن جانب آخر فإن هذه التكنولوجيا زادت من عمق الفجوة الاجتماعية، فالطبقات ذات الدخل المحدود قد تجد صعوبة في الحصول على السيارات الذاتية القيادة كونها باهظة الثمن، علاوة على ذلك أحدثت هذه السيارات أثر على الهيكل الاجتماعي بشكل عام من خلال تغيير أسلوب الحياة والعلاقات الأسرية، فهي وفرت راحة أكبر وقللت من الوقت والجهد المبذول.

 

خامساً – الحلول المقترحة للتصدي للتحديات المرتبطة بــِ “السيارات ذاتية القيادة”

مع تزايد الاهتمام بالسيارات ذاتية القيادة أصبح من الضرورة القيام بتطوير وإيجاد حلول شاملة؛ لمعالجة الأبعاد (القانونية / التقنية / والأخلاقية). وفيما يلي أبرز هذه الحلول:

  1. معالجة التحديات المرتبطة بالمسؤولية المدنية، وذلك من خلال وضع إطار قانوني متكامل عن طريق صياغة قوانين واضحة تحدد المسؤوليات المترتبة حال وقوع الحوادث، مع مراعاة جميع الأطراف المعنية مثل المستخدمين، الشركات المصنعة، والمبرمجين.
  2. تطبيق نظام المسؤولية المشتركة والذي يوزع الأعباء بين المستخدمين والشركات المصنعة، ففي بعض الحالات قد تكون المسؤولية مشتركة بين عدة أطراف: “المطورين”، “الشركات المصنعة” و”المستخدمين”، وفي حالة الحوادث المعقدة قد يكون من الضروري أن يتم تقاسم المسؤولية بين الأطراف المختلفة بناءً على مدى تورط كل طرف في الخطأ.
  3. العمل على تأسيس صناديق مستقلة (وطنية أو دولية)؛ لتعويض ضحايا حوادث السيارات ذاتية القيادة، بغض النظر عن تحديد المسؤولية بشكل فوري ومباشر.
  4. تحديث وتعديل سياسات وأنظمة التأمين؛ من أجل تغطية الحوادث الناجمة عن السيارات ذاتية القيادة، مع وضع آليات تعويض شاملة تغطي كافة الأخطاء البرمجية والميكانيكية.
  5. وضع معايير قانونية دولية مع التنسيق بين الحكومات؛ من أجل وضع قوانين موحدة تعالج قضايا مثل تعريف “السائق القانوني”، وتنظيم قرارات الأنظمة الذاتية في المواقف الطارئة.
  6. تخصيص تطوير مناطق اختبار مخصصة؛ لاختبار السيارات ذاتية القيادة قبل اعتمادها للاستخدام في الطرق العامة، وتجهيز الطرق بإشارات ذكية وأنظمة اتصال متطورة، تُمكّن من التواصل الفعّال بين السيارات ذاتية القيادة والبنية التحتية.
  7. تحسين التشريعات الحالية وتعزيز القوانين الخاصة بحماية البيانات، من خلال إلزام الشركات بطلب موافقة المستخدمين على جمع البيانات وتحديد استخدامها.
  8. اعتماد تقنيات تشفير قوية؛ لحماية البيانات ومنع اختراق الأنظمة، وتطوير بروتوكولات صارمة للتصدي للتهديدات السيبرانية.
  9. القيام بإدخال السيارات ذاتية القيادة إلى الطرق تدريجياً؛ لتسهيل التكيف مع السيارات التقليدية.
  10. تنظيم حملات توعية حول كيفية التعامل مع السيارات ذاتية القيادة؛ لتقليل الحوادث وسوء الفهم.
  11. تطوير تقنيات الاتصال بين المركبات عبر اعتماد أنظمة اتصال مثل *V2V* (المركبة إلى المركبة) و*V2I* (المركبة إلى البنية التحتية)؛ لتحسين التعاون بين مختلف الأنظمة.
  12. تطوير برمجيات قادرة على اتخاذ قرارات أخلاقية في المواقف الحرجة، بناءً على قيم محددة ومتفق عليها مسبقاً.

 

سادساً – أبرز تطبيقات “السيارات ذاتية القيادة” وتوجهاتها المستقبلية

تعد السيارات ذاتية القيادة (المركبات المستقلة) ثورة في صناعة النقل، وتَعِد بإحداث تحولات كبيرة في الأمان، الكفاءة، والتكاليف على المدى الطويل، وفيما يلي أهم التطبيقات الحالية لهذه التكنولوجيا:

  1. الاعتماد على الحافلات ذاتية القيادة في العديد من المدن حول العالم؛ لتقليل الازدحام وتحسين كفاءة التنقل بطريقة آمنة وصديقة للبيئة. مثال: مشروع “Navya” في فرنسا، حيث تُستخدم حافلات ذاتية القيادة صغيرة في المناطق الحضرية؛ لتوفير وسائل نقل فعّالة.
  2. توفر شركات رائدة مثل “Waymo” و“Cruise” خدمات النقل التشاركي باستخدام سيارات ذاتية القيادة؛ مما يقلل الحاجة لامتلاك سيارات شخصية. مثال: خدمة “Robo-Taxi” التي تقدمها Waymo في ولاية أريزونا، وهي من أولى التجارب التجارية للنقل التشاركي الذاتي.
  3. استخدام شاحنات ذاتية القيادة لنقل البضائع بين المدن؛ ما يساهم في تقليل التكاليف وتسريع عمليات التسليم. مثال: شركة “TuSimple” التي تدير عمليات شحن ذاتية القيادة في الولايات المتحدة والصين.
  4. اعتماد سيارات إسعاف ذاتية القيادة تقدم خدمات طبية سريعة وأكثر دقة، تُمثل نقلة نوعية في مجال الرعاية الطبية الطارئة، كونها تسهم في تحسين سرعة الاستجابة ودقة تقديم الخدمات الصحية، تعتمد هذه السيارات على تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لاختيار المسارات الأسرع وتجنب الازدحام المروري؛ مما يقلل بشكل ملحوظ من زمن الوصول إلى المرضى أو المرافق الصحية، ويمكن تزويدها بأجهزة طبية حديثة مثل أنظمة مراقبة العلامات الحيوية ووسائل اتصال فورية مع الأطباء؛ ما يسمح بتقديم توجيهات طبية دقيقة أثناء الرحلة، وزيادة فرص إنقاذ حياة المرضى في الأوقات الحرجة.
  5. استخدام مركبات زراعية ذاتية القيادة مثل الجرارات في الزراعة الذكية، التي تعتبر من أحدث الابتكارات في مجال الزراعة الذكية، وتعتمد هذه الآليات على تقنيات متطورة تشمل الذكاء الاصطناعي، ونظم تحديد المواقع الجغرافي (GPS) ، وأجهزة الاستشعار الدقيقة؛ مما يتيح لها أداء المهام الزراعية بدقة وكفاءة دون تدخل بشري مباشر، ومن أهم استخدامات هذه الجرارات هو تطبيقات الزراعة الدقيقة، حيث تُستخدم لزراعة البذور وتوزيع الأسمدة بشكل منظم وفعال؛ مما يقلل من الفاقد ويزيد من إنتاجية الأراضي الزراعية، كما تتيح هذه التقنية مراقبة مستمرة لحالة التربة والمحاصيل؛ مما يساعد على تحليل الظروف البيئية واتخاذ قرارات مدروسة؛ لتحسين جودة الإنتاج الزراعي. إلى جانب ذلك تسهم هذه التقنية في تقليل الاعتماد على العمالة البشرية؛ مما يخفض النفقات التشغيلية ويخفف من أثر نقص الأيدي العاملة في القطاع الزراعي، وتعمل على تقليل استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات الكربونية؛ مما يجعلها خياراً مستداماً وصديقاً للبيئة، وبذلك تُعد حلاً مبتكراً يساهم في مواجهة التحديات الزراعية الحالية، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة.

– التوجهات المستقبلية للسيارات ذاتية القيادة:

أ. من المتوقع أن تصبح السيارات ذاتية القيادة جزءاً لا يتجزأ من المدن الذكية، حيث تتكامل مع البنية التحتية الرقمية؛ لتقديم حلول نقل متكاملة وأكثر كفاءة.

  – مثال مستقبلي: طرق مجهزة بتقنيات “V2X” (اتصال المركبة بكل شيء)؛ لإدارة المرور بشكل ديناميكي.

ب. استخدام السيارات ذاتية القيادة الكهربائية يقلل من الانبعاثات الكربونية الضارة؛ مما يساهم في تضامن وتكافت الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.

ج. التقنيات الذكية في السيارات ذاتية القيادة يمكن أن تقلل الحوادث بنسبة تصل إلى 90%، من خلال تقليل الأخطاء البشرية وتحسين الاستجابة للمواقف الطارئة.

د. الشاحنات ذاتية القيادة ستواصل التطور لنقل البضائع بين الدول والقارات؛ مما يقلل التكاليف التشغيلية ويوفر الوقت.

هـ. تصميم سيارات ذاتية القيادة لتلبية احتياجات الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة؛ ما يمنحهم استقلالية وسهولة أكبر في عملية التنقل. 

 

سابعاً – دراسة حالات عملية لحوادث “السيارات ذاتية القيادة”

تهدف السيارات ذاتية القيادة إلى تعزيز السلامة على الطرق، إلا أن بعض الحوادث البارزة أثارت قضايا معقدة تتعلق بالجوانب التقنية والقانونية وحتى الأخلاقية. فيما يلي استعراض لأبرز هذه الحوادث ونتائجها:

  1. حادثة “أوبر المميتة” – 2018م:

– وقعت هذه الحادثة في “تيمبي – أريزونا – الولايات المتحدة الأمريكية”، حيث اصطدمت سيارة ذاتية القيادة تابعة لشركة “أوبر” بمشاة كانوا يعبرون الطريق خارج ممر المشاة، أدى ذلك إلى وفاة المشاة وتعليق تجارب أوبر مؤقتاً في مجال السيارات ذاتية القيادة.

يتبين من هذه القضية أنه بسبب وجود خطأ تقني في النظام وهو (عدم قدرته على التعرف على المشاة في الوقت المناسب؛ لتفادي الاصطدام بهم وإصابتهم)، هذه الحادثة طرحت تساؤلات بشأن من الطرف الذي يتحمل هذه المسؤولية؟ هل هي الشركة المصنعة لهذه التقنية، مطور البرمجيات، أم السائق المسؤول عنها؟

  1. حادثة “تسلا” – 2016م:

– وقعت هذه الحادثة في ” فلوريدا – الولايات المتحدة الأمريكية”، حيث اصطدمت سيارة تسلا تعمل بنظام القيادة شبه الذاتية بشاحنة (Autopilot)؛ مما أدى إلى وفاة السائق.

 بالمحصلة تبين أن النظام قد فشل في التعرف على الشاحنة البيضاء بسبب انعكاس ضوء الشمس؛ مما أدى إلى عدم تفعيل المكابح في الوقت المناسب، هذه الحادثة أثارت تساؤلات حول فعالية أنظمة القيادة الذاتية في ظروف الإضاءة المتغيرة، ودفع بالجهات التنظيمية إلى إعادة تقييم معايير السلامة المتعلقة بهذه التقنيات.

  1. حادثة “شاحنة وايمو” – 2020م:

– وقعت هذه الحادثة في ” أريزونا – الولايات المتحدة الأمريكية”، إذ اصطدمت شاحنة ذاتية القيادة تابعة لشركة “Waymo” بسيارة أثناء محاولتها تفادي حادث على الطريق؛ نتج عنها أضرار مادية فقط دون أي إصابات بشرية.

اتضح من ملابسات هذه الحادثة أن النظام قد فشل في التعامل مع تعقيد الموقف المروري؛ مما أدى إلى حدوث هذا التصادم، هذه الحادثة أثارت تساؤلات حول قدرة أنظمة القيادة الذاتية على التعامل مع المواقف المرورية المعقدة وغير المتوقعة؛ مما دفع الشركات المطورة إلى تعزيز تقنياتها؛ لضمان سلامة أكبر على الطرق.

  1. حادثة “تسلا” – 2021م:

– وقعت هذه الحادثة في “تكساس – الولايات المتحدة الأمريكية”، حيث اصطدمت سيارة تسلا بشجرة؛ مما أدى إلى وفاة شخصين. تم الكشف من خلال التحقيق بأن النظام قد أُسيءَ استخدامه بشكل يتجاوز التعليمات المحددة، هذه الحادثة أثارت نقاشاً واسعاً حول سلامة أنظمة القيادة الذاتية، وضرورة الالتزام بتعليمات الاستخدام الموصى بها من قبل الشركات المصنعة، كما دفع بالجهات التنظيمية إلى إعادة تقييم معايير السلامة المتعلقة بهذه التقنيات؛ لضمان استخدامها بشكل آمن ومسؤول.

  1. حادثة “شاحنة ذاتية القيادة” – 2023م: – وقعت هذه الحادثة في “بكين – الصين”، حيث اصطدمت شاحنة ذاتية القيادة بدراجة نارية على طريق سريع؛ ما أدى إلى إصابة السائق بجروح خطيرة.

هذه الحادثة أبرزت التحديات المتعلقة بطرق التعامل مع المركبات الصغيرة مثل الدراجات، والخطأ التقني هنا يتمثل في وجود قصور في عملية التعرف على الأجسام الصغيرة كدراجة نارية متحركة. 

 

ثامناً – بين الخطأ البشري والخطأ الآلي: العقوبات المقترحة لحوادث “السيارات ذاتية القيادة”

مع تقدم تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة، أصبحت الحاجة ملحة لتحديد المسؤولية بشكل دقيق في حال وقوع الحوادث، سواء كانت نتيجة أخطاء بشرية أو تقنية. في هذا السياق نستعرض أبرز التوجهات القانونية والعقوبات المقترحة لمعالجة الحوادث المرتبطة بهذه السيارات:

  • الخطأ البشري: في الحالات التي ينتج فيها الحادث عن الاستخدام الخاطئ للنظام، مثل الاعتماد الكامل على القيادة الذاتية دون متابعة السائق (كما في بعض حوادث تسلا). تم اقتراح العقوبات التالية: فرض غرامات مالية على السائقين، سحب رخص القيادة في حالات الإهمال، إلزام السائقين بالمشاركة في برامج تدريبية خاصة لاستخدام الأنظمة الذاتية، وتحميل السائق مسؤولية التعويض عن الأضرار الناتجة عن الحادث.
  • الخطأ الآلي (التقني): في الحوادث التي تحدث بسبب عطل في الأنظمة التكنولوجية أو فشل السيارة في التعرف على عقبات (كما حدث في حادثة أوبر 2018). تم اقتراح العقوبات التالية: تحميل الشركات المصنعة أو المشغلة مسؤولية الحوادث الناتجة عن أخطاء تقنية، فرض غرامات مالية ضخمة على الشركات المسؤولة، إلزام الشركات بإجراء تحسينات تقنية فورية، وتعويض الضحايا المتضررين بسبب هذه الحوادث.

* العقوبات المقترحة لحوادث السيارات ذاتية القيادة:

  • الغرامات المالية: فرض غرامات على الشركات المصنعة أو المشغلة إذا ثبت وجود تقصير في الأنظمة التقنية، وفرض غرامات على السائقين في حال استخدامهم النظام بطريقة غير صحيحة أو مخالفة للإرشادات.
  • المسؤولية المدنية: إلزام الشركات أو الأفراد المتسببين بالحوادث بتعويض الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن الحوادث، وتطوير صناديق تأمين متخصصة لتغطية الأضرار الناتجة عن حوادث السيارات ذاتية القيادة.
  • المسؤولية الجنائية: في الحالات التي يظهر فيها إهمال جسيم من قبل الشركات أو السائقين، يمكن فرض عقوبات جنائية تتضمن السجن أو تعليق نشاط الشركة، كما يمكن تطوير تشريعات تجرم الإهمال في تطوير البرمجيات أو سوء استخدام التكنولوجيا.
  • برامج الإصلاح والرقابة: تهدف هذه البرامج إلى تحسين سلامة أنظمة القيادة الذاتية، وضمان موثوقيتها من خلال فرض تحديثات مستمرة على التقنيات، مثل الخوارزميات وأنظمة الاستشعار، مع تحسين قدرة الأنظمة على التعامل مع المواقف المعقدة، تشمل البرامج إلزام الشركات بتقديم تقارير دورية عن كفاءة أنظمتها والحوادث محتملة الوقوع، وتأسيس هيئات رقابية مستقلة للتأكد من التزام الشركات بالمعايير الأمنية العالمية، الأمر الذي يعزز من ثقة الجمهور، ويخلق بيئة تنافسية بين الشركات؛ لتطوير حلول مبتكرة تحسن السلامة وجودة النقل.

ختاماً، تعتبر “السيارات ذاتية القيادة” واحدة من أهم الابتكارات التكنولوجية التي ستغير بشكل جذري مستقبل النقل والمواصلات، وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي قدمتها؛ إلا أنها تطرح العديد من التحديات القانونية والأخلاقية، ومن خلال تطوير تشريعات قانونية مناسبة، وتحديث الأنظمة المرورية، وتحقيق التوازن بين حماية الخصوصية ومسؤوليات الشركات، يمكن ضمان أن هذه التكنولوجيا ستكون أداة فعالة لتحسين حياة الأفراد والمجتمعات، بحيث يجب أن تتضافر جهود الحكومات، والمشرعين، والشركات، والمجتمع المدني؛ من أجل بناء إطار شامل يتواكب مع هذه التقنية المتطورة، مع الحرص على الالتزام بمبادئ العدالة والسلامة؛ لضمان استفادة البشرية الكاملة من السيارات ذاتية القيادة دون المساس بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والحقوقية.

 

بقلم الباحثة: دارين صبحي سويدان

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !