ميراث المرأة في الإسلام
ميراث المرأة في الإسلام
(بقلم الباحثة: آيات نضال أبو الريش)
لقد أعز الله المرأة وكرمها وأخرجها من ظلم الجاهلية إلى نور الإسلام، واعتنى بها أشد عناية واهتم بتعويضها عن كل ما مرت به، ووهبها حقوقها كاملة ولم يستثنِ حقها بالميراث الذي حرموها إياه، و جعل لها مكانة وقدراً في مجتمعها وفي أسرتها، ومنذ بزوغ فجر الإسلام والمرأة في سلام و طمأنينة وراحة، ولقد كرم الإسلام المرأة أماً و بنتاً و أختاً وزوجةً وحث على حمايتها ورعايتها، وعدم إنقاص شيء من حقها والاهتمام بها، وهذا ظهر في قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم –”استوصوا بالنساء خيراً”، وبينت العديد من الآيات في القران حقها في الميراث في كل وضع، وهذا خير دليل على تكريم الإسلام لها وعدم تجاهلها.
أولاً – مفهوم الميراث:
الميراث لغة: هو الإرث الذي يورثه الشخص أو الجماعة لمن بعدهم، وقال بعضهم الإرث في الحسب، والورث في المال شرعاً: هو كل ما يتر كه الشخص لورثته من أموال وحقوق.
ثانياً – أركان الميراث وأهدافه:
– للميراث ثلاثة أركان: مورّث، ووَارث، وحق موروث.
- المورّث: هو الميت الذي انتقلت التركة منه إلى الوارث.
- الوارث: من انتقلت التركة إليه.
- الحق الموروث: وهو التركة.
– ومن أهداف نظام الميراث في الإسلام:
- محاربة الطبقية.
- إعادة توزيع الثروة.
- تحقيق الاستقرار والتكافل الاجتماعي.
ثالثاً – مظاهر تكريم الإسلام للمرأة:
– لقد كرم الإسلام المرأة ورفع قدرها وشأنها، فلقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أنه خصص باسمها سورة من سور القرآن الكريم سماها سورة “النساء”، حيث كرم الإسلام المرأة أماً، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
– وأيضاً كرم الإسلام المرأة زوجة، فجعل الزواج منها آية من آياته، قال تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، واستوصى بها النبي (عليه أفضل الصلاة والسلام) خيراً، كما قال في خطبة حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيراً، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، وجعلها راعية وسيدة في بيتها فقال _صلى الله عليه وسلم_: «والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها»، وقال عليه السلام أيضاً: «الرجل سيد على أهله والمرأة سيدة في بيتها».
– وكرم الإسلام المرأة بنتاً، وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: “البنون ِنعم، والبنات حسنات، والله عز وجل يحاسب على النعم، ويجازي على الحسنات”، كما وكرم الإسلام المرأة أختاً، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل بهن الجنة”، وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك”.
رابعاً – عناية الإسلام بالمرأة:
– لقد أولى الإسلام المرأة اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تكريمٍ واعتزازٍ، ومن مظاهر اعتناء الإسلام بالمرأة:
- المساواة في الإنسانية: تؤكد الشريعة الإسلامية على أن المرأة والرجل متساويان في الإنسانية، ولا يوجد تفضيل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
- الحقوق والواجبات: للمرأة حقوقٌ وعليها واجباتٌ في الإسلام، تمامًا كما للرجل، إذ تكفل الشريعة للمرأة حق التعليم، والعمل، والتملك، وحرية التعبير عن الرأي، والمشاركة في الحياة العامة، بما يتناسب مع طبيعتها وقدراتها، في المقابل يترتب عليها واجبات عدة مثل تربية الأبناء، والاهتمام بالأسرة، والمساهمة في المجتمع.
- التكريم في مختلف مراحل الحياة: تكفل الشريعة للمرأة حق الرعاية والعناية في طفولتها، وتمنع وأد البنات الذي كان شائعًا في الجاهلية، وتشجع المرأة على التعليم واكتساب المعرفة، وتمنحها حرية اختيار شريك حياتها، وتعتبر الزوجة شريكة حياة للرجل، وتتمتع بحقوقٍ مثل المهر، والنفقة، والمعاشرة بالمعروف، وأيضاً تحظى الجدة بمكانةٍ خاصةٍ في الأسرة، وتُكرم وتُوقر، وتحتل الأم مكانةً عظيمةً في الإسلام، فـالله تعالى جعل بر الوالدين من أعظم الطاعات، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات.
- الحماية والرعاية: توفر الشريعة الإسلامية الحماية والرعاية للمرأة في مختلف مراحل حياتها، وتمنع الظلم والعنف ضدها، وتكفل لها حق النفقة إذا كانت مطلقة أو أرملة، وتوفر لها الحماية القانونية في حالة تعرضها للعنف أو الإيذاء.
- المساواة في الجزاء: تؤكد الشريعة على أن المرأة والرجل متساويان في الجزاء على الأعمال الصالحة والسيئة، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.
خامساً – أدلة توريث المرأة من القرآن والسنة والاجتهاد:
– لقد أولى الإسلام المرأة اهتمامًا كبيرًا، ومنحها حقوقًا كاملةً في الميراث، وذلك بنصوصٍ قطعيةٍ من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مع إعمال الاجتهاد في بعض المسائل المستجدة.
* من أدلة توريث المرأة من القرآن الكريم:
– الآيات الصريحة: قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}، هذه الآية الكريمة تُقرر مبدأ توريث المرأة بشكلٍ عامٍ سواءً كان المال قليلًا أو كثيرًا.
وقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}، هذه الآية الكريمة تُفصِّل أحكام الميراث في حالة وجود الأولاد والوالدين، وتُبيِّن نصيب المرأة في هذه الحالة.
* من أدلة توريث المرأة من السنة النبوية المطهرة:
– الأحاديث النبوية: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر»، هذا الحديث الشريف يُقرر قاعدة عامة في الميراث، وهي أن الأقرب فالأقرب هو الأحق بالميراث، سواءً كان رجلًا أو امرأةً.
سادساً – الاجتهاد في مسائل الميراث:
– المسائل المستجدة: قد تستجد بعض المسائل في الميراث والتي لم يرد فيها نصٌ صريحٌ في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، في هذه الحالة يلجأ العلماء إلى الاجتهاد، وهو بذل الجهد لاستنباط الحكم الشرعي من الأدلة الشرعية الأخرى، مثل القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة.
– ومن أمثلة المسائل المستجدة في الميراث: ميراث الجنين، وميراث المفقود، وميراث الخنثى، وميراث من لا وارث له.
وفي الختام، نرى بأن الشريعة الإسلامية قد بينت أحكام الميراث تفصيلًا، وحددت نصيب المرأة من الميراث في مختلف الحالات، وذلك بنصوصٍ قطعيةٍ من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وقد ترك الإسلام بعض المسائل للاجتهاد، وذلك لإعمال العقل، ومراعاة المستجدات، ورفع الحرج، وتحقيق العدل.
بقلم الباحثة: آيات نضال أبو الريش
مواضيع أخرى ذات علاقة: