أحكام جريمة القتل الخطأ في القانون العراقي
أحكـام جريمـة القـتل الخطأ في القـانون العـراقي
(بقلم: د. عادل كاظم، د. عبد الخالق عبد الحسين)
ماهي النصوص القانونية التي عالج فيه المشرع العراقي أحكام القتل الخطأ؟
تعرض المشرع العراقي في قانون العقوبات لمفهوم الجريمة غير العمدية في المادة (35) بالنص ( تكون الجريمة غير عمدية إذا وقعت النتيجة الإجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء أكان هذا الخطأ إهمالا أو رعونة أو عدم انتباه أو عدم احتياط أو عدم مراعاة القوانين والانظمة والأوامر ) .
يتضح من هذا النص أن المشرع قد حدد صور الخطأ التي تحقق الجريمة غير العمدية، ومن تطبيقات ذلك أن المشرع قد ذكر نفس صور الخطأ عندما عالج جريمة القتل الخطأ في المادة (411) عقوبات، ولابد من الإشارة أن جريمة القتل الخطأ تشترك مع جريمة القتل العمد في محل الإعتداء وماديات الجريمة .
- أهم ما يميز جريمة القتل العمد عن القتل الخطأ هو الركن المعنوي ففي القتل العمد يتطلب القانون ان يكون السلوك عمديا اي ان الارادة والعلم متحققان ازاء السلوك المجرم (الاعتداء المميت) والنتيجة الضارة(الوفاة ) اما في جريمة القتل الخطأ فان الارادة منتفية اتجاه السلوك الخاطئ والنتيجة الضارة (الوفاة).
- أما الوفاة وعلاقة السببية فيمثلان أهمية كبيرة في البنيان القانوني لجريمة القتل الخطأ تفوق على أهميتها في مجال جريمة القتل العمد، لأنه في حالة عدم حدوث الوفاة أو حالة عدم توافر علاقة السببية بين فعل الجاني والوفاة فلا تتحقق المسؤولية عن القتل الخطأ سواء بصورة الجريمة التامة إذا لم تكتمل عناصرها أو بصورة الشروع، إذ لا شروع في الجرائم غير العمدية .
- يوصف سلوك الجاني في جريمة القتل الخطأ بالخطأ، ورغم أن المشرع لم يعرفه إلا أنه قد حدد صوره في المادتان (35و411)عقوبات، وقد عرف الفقه الخطأ بأنه (إخلال الجاني عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى حدوث النتيجة الجرمية في حين كان ذلك في استطاعته ومن واجبه ).
أولاً- ما هو معيار الاخلال بواجبات الحيطة والحذر؟
- لقيام الوصف القانوني لجريمة الخطأ يتطلب صدور سلوك من الجاني يتمثل بالإخلال بواجبات الحيطة والحذر والتي لو كان صاحب السلوك الخاطئ قد راعاها لما وقعت النتيجة وهي الوفاة .
- وقد ظهر على صعيد الفقه والقضاء الجنائيين ثلاثة معايير
- الاول المعيار الشخصي ويتم النظر في تحديد ماذا كان الجاني قد أخل بواجبات الحيطة والحذر اعتمادا على مستوى حيطة وحذر الشخص نفسه ويخذ على هذا المعيار عدة مؤاخذات .
- الثاني المعيار الموضوعي يستند في تحديد ما إذا كان الجاني قد أخل في واجبات الحيطة والحذر على تصرفات الشخص العادي وهو الشخص متوسط الحرص .
- المعيار الثالث هو المعيار المختلط ويعتمد
ثانياً- ماهي صور الخطأ في التشريع العراقي؟
حددها المشرع إذ تمثل وصفا لسلوك الجاني الذي يسبب الوفاة وهي خمس صور :
- الإهمال وعدم الانتباه: هذان المصطلحان مترادفان يعبران عن موقف واحد إلا وهو إغفال إتخاذ الاحتياط الذي يتطلبه الحذر من كل شخص كان في مثل ظروف الجاني، وهما يمثلان موقف سلبي يضم حالات الخطأ عن طريق الامتناع، ويتمثل في ترك واجب مفروض على كل شخص .
- الرعونة: يقصد بها انعدام المهارة ونقص التدريب وسوء التقدير فالجاني هنا يجهل ما كان يجب العلم به فيتوافر لديه جهل أو غلط منصب على الواقعة أو على ظروفها .
- عدم الاحتياط: يتمثل ذلك في أن الجاني يعلم جيدا طبيعة عمله ويعلم أنه يمكن أن تترتب عليه نتائج ضارة، ولكنه لم يتوقع الوفاة التي حدثت لأنه لم يستخدم إمكانياته وقدراته فسبب الوفاة هنا هو عدم تبصر الجاني بعواقب فعله، وهو خطأ ينطوي عليه نشاط إيجابي من الجاني ويدل على عدم تبصر العواقب وبخاصة الوفاة.
- عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر: ويعبر عنها بصورة الخطأ الخاص وهي تكفي لوحدها لقيام مسؤولية الجاني دون حاجة إلى إثبات اقترافه واقعة خاصة بالصور الأخرى، وهي تعد مستقلة عنهن على أن يترتب عليها وفاة أنسان وعلى وفقها تتحقق المسؤولية بمجرد مخالفة القوانين والأنظمة والأوامر المرورية .
ثالثاً- كيف تتحقق العلاقة النفسية بين الجاني وماديات جريمة القتل الخطأ؟
لا تتحقق المسؤولية في جريمة القتل الخطأ إلا إذا ثبت توافر الخطأ لدى الجاني الذي يمثل العنصر المعنوي الذي على أساسه تتحقق المسؤولية، وعليه إذا أنتفى الخطأ أنتفى القصد، ويتحقق الخطأ عندما يخل الجاني بواجبات الحيطة والحذر عند إتيان سلوكه الإرادي دون أن يبذل ما في وسعه لتجنب الوفاة الممكن ترتبها على سلوكه وهذا العنصر الأول ومصدر واجبات الحيطة والحذر القانون عندما تكون القواعد القانونية هي التي تفرض هذه الواجبات سواء أكانت تشريعات أو أنظمة أو أوامر أو تعليمات.
رابعاً- ما هو الضابط الذي يتحقق من خلاله الاخلال بواجبات الحيطة والحذر في جريمة القتل الخطأ؟
لابد من معرفة الضابط الذي يتحقق بموجبه الاخلال بواجب الحيطة والحذر فهل هو معيار شخصي ينظر فيه الى سلوك الفاعل الشخصي وما اعتاد عليه في الظروف العادية، وهناك المعيار الموضوعي أي نأخذ في الحسبان شخصا مجردا من العوامل والظروف الشخصية وهو الشخص العادي الذي يمثل عامة الناس، وهناك المعيار المختلط الذي يجمع بين المعيارين وهنا يقاس سلوك الفاعل بسلوك الشخص المتوسط حينما تحاط به نفس الظروف التي أحاطت بشخص الجاني وقت إتيان التصرف..
خامساً- ماهي صور العلاقة النفسية بين مرتكب الخطأ والنتيجة الجرمية؟
أما العنصر الثاني في العلاقة النفسية بين الفاعل والنتيجة الاجرامية فله صورتان، الأولى أن لا يكون الجاني قد توقع حدوث النتيجة في حين كان باستطاعته وكان من واجبه ذلك، فالجاني هنا لم يتوقع النتيجة ولم تتجه إرادته إليها والرابطة بين ارادة الجاني والنتيجة أن هذه الأخيرة ممكنة التوقع وأن يكون بإستطاعة الجاني منع حدوثها . أما الصورة الأخرى وهي توقع النتيجة الاجرامية أي الخطأ مع التوقع، ولكن الجاني استخف بها على أنها لم تحدث أو سوف يكون باستطاعته تفاديها، وهو هنا أما اعتقد بأنها لم تحدث ودون احتياط أو أن إحتياطاته لم تكن كافية لمنع وقوع النتيجة.
ماهي عقوبة جريمة القتل الخطأ؟
عاقب المشرع العراقي على هذه الجريمة بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين بموجب المادة 411 عقوبات عراقي، وتكون العقوبة بحسب المادة – اولا من قانون المرور رقم 8 لسنة 2019 السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل ثلاثة ملايين دينار ولا تزيد على ستة ملايين كل من تسبب في موت شخص نتيجة قيادته مركبة دون مراعاة القوانين والتعليمات والانظمة المرورية او نقص في شروط المتانة والامان في مركبته وتسقط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي.
أولاً- ماهي الظروف المشددة للعقاب في جريمة القتل الخطأ ؟
الظروف المشددة للعقاب في جريمة القتل الخطأ على ثلاثة أنواع وهي كالاتي :
- الظروف المتعلقة بجسامة الخطأ: تكون عقوبة جريمة القتل الخطأ الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة ( معدلة بموجب التعديل رقم 6 لسنة 2008 ) أو بأحدهما إذا توافرت إحدى الحالات الاتية :
- وقوع القتل الخطأ نتيجة خطأ مهني جسيم: ويتحقق إذا أخل الجاني إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته .
- كون الجاني تحت تأثير مسكر أو مخدر قد تناوله باختياره وقت ارتكاب فعل القتل، وأن تتعاصر حالة السكر أو التخدير مع ارتكاب الفعل .
- نكول الجاني عن مساعدة المجني عليه أو طلب المساعدة له وقت الحادث مع تمكنه من ذلك، فالجاني اضافة الى خطأه بإصابة المجنى عليه أخطأ بالتزام قانوني مفروض على كل من أقدم على تصرف خطأ أن يدرأ الاثار الضارة لتصرفه إلا أنه استهان بها وتركها غير مكترث .
- الظروف المتعلقة بجسامة الضرر: جعل المشرع موت ثلاثة أشخاص فأكثر ظرفا مشددا للعقوبة بحيث تصبح العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات .
- الظروف المتعلقة بجسامة كل من الخطأ والضرر: أن المشرع شدد العقوبة أكثر فجعلها السجن مدة لا تزيد على (7) سبع سنوات إذا كان تحت تأثير مسكر أو مخدر وقت ارتكاب الفعل أو إذا نكل عن مساعدة المجني عليه مع تمكنه منى ذلك وأدى هذا الموقف الى موت ثلاثة أشخاص أو أكثر .
ثانياً- ماهي الاعذار المخففة لجريمة القتل الخطأ؟
- أعتبر المشرع وخاصة في قانون المرور رقم (8) لسنة 2019 في المادة (37) أولا عذرا قانونيا مخففا مبادرة سائق المركبة الذي يرتكب جريمة دعس بنقل المصاب فورا الى أقرب مستشفى أو مركز صحي أو أخبار الشرطة فورا بالحادث أذا تعذر نقله لأي سبب كان أو وقوع الحادث خارج منطقة العبور وتسقط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي .
- واعتبر المشرع في المادة 36 من قانون المرور التنازل من المجني عليه سببا لسقوط العقوبة.
بقلم: د. عادل كاظم، د. عبد الخالق عبد الحسين
مواضيع أخرى ذات علاقة:
- انتفاء الجريمة؛ يستلزم إصدار حكم بالبراءة أم قرار بالإفراج؟.
- جريمة القتل بين عواملها وآثارها الإجتماعية.
- القتل الخطأ في القانون.
- جرائم القتل المتسلسل: الخطورة والخصائص الديمغرافية والتحديات العالمية.
- جرائم الخطف: تعريف وأركان جريمة الخطف وموقف القانون منها.
- جريمة إساءة الائتمان: تعريف وأركان وعقوبة إساءة الأمانة.