Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

انتفاء الجريمة؛ يستلزم إصدار حكم بالبراءة أم قرار بالإفراج؟

انتفاء الجريمة؛ يستلزم إصدار حكم بالبراءة أم قرار بالإفراج؟

 

أصدرت محكمة استئناف كربلاء قرارها بالعدد (194/ت/جزائية/2024) في 18/2/2024 والذي صدقت بموجبه على قرار محكمة جنح كربلاء بالعدد (5639/ج/2023) الصادر في 14/1/2024 والمتضمن إلغاء التهمة الموجهة للمتهمين والإفراج عنهما لعدم كفاية الأدلة ضدهما.

وقد جاء في القرار التمييزي أعلاه التأكيد على ان جريمة السرقة من جرائم القصد الخاص، فلا تقوم إلا بتحقق نية التملك لدى المتهم، إذ بين القرار: (… وحيث أن جريمة السرقة إنما تتطلب إضافة إلى الركن المادي لنهوضها ركنين آخرين أحدهما قصد جرمي عام وهو العلم بعناصر الجريمة مع اتجاه إرادة الجاني إلى إتيان السلوك الإجرامي المكون للجريمة، وثانيهما قصد جرم خاص وهو انصراف نية الجاني ليحوز الشيء حيازة كاملة ويباشر عليه جميع السلطات التي يملكها المالك).

وقد قررت المحكمة ما ظهر لها جلياً من نتيجة تمثلت بانتفاء الركنين المذكورين العام والخاص، وذلك بقولها: (… وحيث يظهر جلياً من فعل المتهمين انتفاء الركنين المذكورين “العام والخاص” …). وقد رتبت المحكمة على هذه النتيجة حكماً قانونياً ما هو إلا أثر على تحقق هذه النتيجة، ألا وهو انتفاء الجريمة مستندةً على ما سبق وأن أكدته من انتفاء الركنين: القصد العام والقصد الخاص، ومن ثم لا يكون للجريمة وجود من الناحية القانونية، وقد عبرت عن ذلك بقرارها هذا بقولها: (… وتبعاً لذلك أنتفت الجريمة، إذ لا يمكن أن يُعد فعل المتهمين جريمة سرقة مع انهدام وانتفاء القصد الجرمي العام والخاص)، مشيرةً إلى أن انكار المتهمين للتهمة لم يقم دليل على خلافه: (لا سيما وأنهما – أي المتهمين – أنكرا الفعل المنسوب إليهما ولم يقم الدليل على خلاف ذلك).

هذا ما جاء في القرار التمييزي محل البحث، والسؤال الذي يُطرح بهذا الصدد: هل كان هذا القرار – وقبله قرار محكمة الموضوع – موفقاً فيما ذهب إليه؟

ان ما يمكن استنتاجه من القرار التمييزي أعلاه أن المحكمة قد تحقق لديها الجزم واليقين بانتفاء الجريمة من خلال إثبات انتفاء القصد الجرمي العام والقصد الجرمي الخاص، ولا يمكن لجريمة السرقة – كما هو الحال بالنسبة لأي جريمة أخرى – أن تقوم على الركن المادي فقط. وبهذا فان فعل المتهمين لا تنطبق عليه أحكام جريمة السرقة، كما أنه لا يقع تحت أي نص عقابي آخر.

وترتيباً على ذلك، فانه وبالاستناد إلى نص الفقرة (ب) من المادة (182) الأصولية على المحكمة أن تصدر حكماً ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه.

إلا أن القرار التمييزي وقبله قرار محكمة الموضوع قد ابتعدا عن ذلك، فجانبا الصواب بالشكل الذي أخل بصحتهما، إذ أصدرت محكمة الموضوع قراراً بالإفراج عن المتهمين لعدم كفاية الأدلة، وصدقت عليه محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية بموجب قرارها أعلاه بعد أن وجدت ان قرار محكمة الموضوع (صحيحاً وموافقاً للقانون).

ومن المعلوم ان الفقرة (ج) من المادة (182) الأصولية قد اشترطت لإصدار القرار بإلغاء التهمة والإفراج عن المتهم – في هكذا فرض – أن يتبين للمحكمة ان (الأدلة لا تكفي لإدانة المتهم). وهو ما يُفهم منه أن يقع الفعل تحت نص عقابي ابتداءً، ثم أن تكون هناك أدلة إثبات متوفرة لدى المحكمة لإثبات وقوع الفعل من المتهم، ثم أن تصل المحكمة من خلال التحقيقات التي تجريها إلى أن هذه الأدلة المتوفرة لا تكفي للإدانة، ففي هذه الحالة تصدر قرارها بإلغاء التهمة والإفراج عن المتهم.

أما إذا ثبت لدى المحكمة انتفاء الجريمة من خلال انتفاء أحد أركانها أو أكثر – كما في الحالة محل البحث – فلا محل لإصدار قرار بإلغاء التهمة والإفراج عن المتهم، بل ان ما نجده صائباً ومتوافقاً مع أحكام القانون هو أن تصدر محكمة الموضوع حكماً ببراءة المتهم، وإذ أن محكمة جنح كربلاء في قرارها بالعدد (5639/ج/2023) الصادر في 14/1/2024 قد ذهبت إلى خلاف ذلك، فأن الدور يأتي لمحكمة الاستئناف بصفتها التمييزية والتي ينعقد الاختصاص لها – بناءً على الطعن المقدم – في التصدي إلى هكذا قرار بالنقض. والسبب في ذلك يعود إلى الالتزام بتطبيق القانون تطبيقاً سليماً، فشتان ما بين (الحكم بالبراءة) و(القرار بالإفراج)؛ ذلك أن قرار الإفراج يُبنى على أدلة غير كافية للإدانة، وهو بذلك لا يحول دون العودة إلى اتخاذ الإجراءات ضد المتهم في الدعوى الجزائية عند ظهور أدلة جديدة تستوجب ذلك خلال سنة من تاريخ صدور قرار الإفراج (المادة 302/ج الأصولية)، في حين ان المحكمة عندما تصدح بحكم البراءة فأنها ترجع المتهم إلى ما كان عليه قبل الاتهام من براءة ذمته مما وجه إليه من تهمة، فتعيده إلى أصله بريئاً، دون ان تكون هناك إمكانية للرجوع إلى اتخاذ إجراءات بعد صدور حكم البراءة. وواضح ما لذلك من أثر مهم يتخطى الإجراءات الجزائية المقررة قانوناً إلى نفوس الأفراد عموماً والمتهم ومن يعنيه أمره خصوصاً، فالحكم القضائي لا يقتصر أثره على الجانب المادي بالنسبة للمراكز القانونية لمن صدر بحقهم، بل له أثر أيضاً على الجوانب المعنوية (النفسية) لهؤلاء، وإنه أثر لو تعلمون عظيـــــــم.

 

بقلـم الدكـتور: أحمد جابر صالح

دكتوراه فـي القانـون الجنـائي

تدريسي في كليـة القانون

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !