Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

الحماية الجنائية لحقوق الإنسان

الحماية الجنائية لحقوق الإنسان

 

يعتبر موضوع الحماية الجنائية لحقوق الانسان من المواضيع التي تفوق الحدود السياسية للدولة خاصة اذا ما نظرنا لأثر تلك الحماية على كرامة الانسان وحريته، وتبرز تلك الحماية بتطويع نصوص القانون الجنائي الوطني لخدمة تلك الحقوق والحريات بالدرجة الاولى لكونه القانون الناظم لجملة الافعال المجرمة والجزاء المقرر لها فضلا عن المواثيق الدولية الناظمة لذلك أيضا.

ولما كان تناسي حقوق الانسان وازدراؤها قد أفضيا الى أعمال همجية آدت الضمير الانساني، وكان غاية ما يرنو اليه البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع، ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الانسان لكيلا يضطر المرء الى التمرد على الاستبداد والظلم فمرد ذلك دافع أساسي لتفعيل دور الحكومات والمؤسسات في الرقابة الاجتماعية وردع وتخفيف الجرائم ومعاقبة المنتهكين للقانون، ومن ذلك المنطلق خصصت هذه الورقة البحثية لتحديد مفهوم الحماية الجنائية لحقوق الانسان، وتحديد مصادر تلك الحماية، وبيان الأطر القانونية لتعزيز الحماية الجنائية من قبل السلطات المختصة.

 

أولاً – مفهوم الحماية الجنائية لحقوق الإنسان:

 

هي أحد أنواع الحماية القانونية وأهمها قاطبه وأخطرها أثراً على كيان الانسان وحرياته ووسيلتها القانون الجنائي الذي تنفرد قواعده ونصوصه بتحقيق هذه الحماية، وقد يشترك معه فروع أخرى من فروع القانون، فقانون العقوبات هو بمثابة رجل الشرطة لفروع القانون الأخرى. أما القانون الجنائي فلا ينشغل الا بالقيم الجوهرية للجماعة والمصالح الأساسية للفرد فيحميها من كل عدوان يضر بها أو يهددها بخطر الاضرار، ويوازن القانون الجنائي بين المصلحة الخاصة للفرد والمصلحة العامة فيقر من المصلحتين ما يهم المجتمع ويضمن سيره وفاعليته ويتوقف تقدير ذلك على النظام السياسي  والاجتماعي والاقتصادي للدولة.

ويعد الغرض الاساسي من الحماية الجنائية هو حماية حقوق الانسان والحريات الاساسية في الإطار القانوني الوطني، مع مراعاة الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدول، وذلك من خلال تطبيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات على المبدأ القانوني القائل (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص).

 

ثانياً – مصادر الحماية الجنائية لحقوق الإنسان:

 

تطور الاهتمام الوطني والدولي بالفرد وحقوقه وحرياته الأساسية انما يرتد من حيث الأصل الى ثلاثة أنواع من المصادر، وهي المصادر الدولية وتشمل (العالمية والاقليمية)، والمصادر الوطنية والمصادر الدينية.

  • المصادر الدولية: وتشمل المصادر العالمية لحقوق الانسان والتي تنقسم بدورها الى مواثيق عامة تكفل كل أو معظم حقوق الانسان مثل ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، والاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، والعهدان الدوليان لحقوق الانسان (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق السياسة والمدنية) لعام 1966، والمواثيق الخاصة التي تختص بإنسان أو حق معين كالمرأة أو الطفل وذوي الاحتياجات الخاصة ..الخ مثل اتفاقيات العمل ومنع الرق ومنع التعذيب، وتشمل أيضا جميع المعاهدات والاتفاقيات الاقليمية التي تضمنت حقوق الانسان كالاتفاقية الأوروبية والأمريكية والميثاق العربي والافريقي لحقوق الانسان.
  • المصادر الوطنية: وتشمل هذه المصادر الدساتير والتشريعات الوطنية  التي تتضمن نصوصا تكفل حقوق الانسان فعلى سبيل المثال يعتبر القانون الأساسي في فلسطين من التشريعات الوطنية التي تضمن في نصوصه ما يكفل تلك الحقوق كحرية الرأي والتعبير والطباعة والنشر والاعلان والانتخاب والترشح وحرية الرأي والعقيدة ..الخ .
  • المصادر الدينية: حقوق الانسان ليست وليدة الحضارة الغربية فحسب بل أن جذورها تمتد الى جوهر الرسالة الاسلامية وبلا شك إن هذا المصدر يعد المحور الرئيسي للدول الاسلامية التي تستمد أحكامها من الشريعة فاذا ما أطلنا النظر لنشأة تلك الحقوق لوجدناها مكرسة في الاديان السماوية الثلاث (الاسلامية واليهودية والمسحية).
  • مصادر اخرى: تشمل العرف والمبادئ العامة للقانون والفقه والقضاء الدوليين .

 

ثالثاً – الأطر القانونية لتعزيز الحماية الجنائية لحقوق الإنسان من قبل السلطات المختصة:

 

 الدولة القانونية بحكم وظيفتها يتحتم عليها أن تحمي جميع المصالح القانونية وذلك ليس محصوراً على مستوى الدولة فحسب وانما يمتد ليشمل حقوق الانسان وحرياته الأساسية والتي لا يجوز اهدارها بدعوى الموازنة وتحقيق مصلحة المجتمع ، فالتشريع الجنائي يتحمل مسؤولية  تحقيق التوازن الذي يوقف الصراع بين مصلحة المجتمع من جهة ومصلحة الفرد المتشبث بحقوقه من جهة أخرى وهو الامر الذي يتفق مع مبدأ الفصل بين السلطات وتطويعها في خدمة تلك الحقوق والحريات.

فعلى الصعيد التشريعي فيتحتم على الدولة تعزيز أدوات الضمانة الدستورية لتلك الحقوق والحريات بالشكل الذي يكفل تحقيق التوازن ما بين مصلحة الفرد والمصلحة العامة في اطار محكوم بالرقابة القضائية على ذلك بحيث ينفرد دور السلطة التشريعية باحترام الحقوق اللصيقة بالإنسان ومنع الاعتداء عليها، وذلك من خلال تجريم المساس بها مثل المساس في  الحق في سلامة الجسد، أو الحق في الحرية، أو الحق بالعمل ما الى ذلك من الحقوق، واسقاط العقاب الرادع في ذلك دون اغفال المساس بالنظام العام وتعزيز مبدأ سيادة القانون على جميع البشر سواسية كأساس لمشروعية أي عمل.

ويتعين أيضا تعزيز دور السلطة التنفيذية في ضمان تنفيذ السياسات التشريعية المتعلقة بكينونة المواطن في ظل احترام المبادئ الهامة وهي مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ومبدأ المساواة، ومبدأ عدم جواز القياس في الجريمة والعقوبة، وعدم رجعية  قانون العقوبات، ومبدأ شخصية المسؤولية الجنائية وشخصية العقوبة، والأصل في المتهم البراءة، ومبدأ الضرورة والتناسب في التشريع والعقاب، ومبدأ حق الالتجاء الى القضاء والحق في اجراء محاكمة عادلة بما في ذلك احترام حقوق الدفاع، وعدم جواز القبض أو الحبس الاحتياطي.

ولعل أبرز أدوات الدولة فاعلية في صيانة حقوق الانسان وتعضيدها هو القضاء الذي يمثل كينونة المجتمع أمام سطوة الدولة وصلاحية السلطتين التشريعية والتنفيذية وما يمكن أن تتخذه من اجراءات تنتهك حقوق الانسان، لذا يتعين على كافة المشتغلين في السلك القضائي بمن فيهم القضاة والمدعين العامين والمحامين  والشرطة القضائية في جميع أنحاء العالم الالتزام بضمان سيادة حكم القانون العادل بما في ذلك احترام حقوق الفرد، وتحقيق العدل والانصاف ابتداءً من مرحلة التحقيق في الجريمة وحتى مرحلة النطق بالحكم وتنفيذه.

 

في الختام ان مسألة حماية حقوق الانسان ذات أولوية بالنسبة للمجتمع  وتشكل أداة وقائية لأثر تلك الحماية المباشر على كرامة الانسان وحريته، لذلك ينبغي صيانه تلك الحقوق ضد كافة الانتهاكات التي تضرب بجذورها أدنى الحريات.

 

بقلم الأستاذة المحامية: نور صبيح عنبوسي

 

 

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !