Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

بحث قانوني حول جريمة الاختلاس

بحث قانوني حول جريمة الاختلاس

 

(الفهرس)

مقدمة:
 الفصل الاول: ماهية الاختلاس ومضمونه.
   المبحث الاول: مفهوم الاختلاس.
   المبحث الثاني: أوجه الشبه والاختلاف بين الاختلاس وبعض الجرائم الواقعة على الاموال.
 الفصل الثاني: أركان جريمة الاختلاس.
   المبحث الاول: صفة الجاني.
   المبحث الثاني: الركن المادي.
   المبحث الثالث: أن يكون المال قد سلم  للجاني بحكم وظيفته.
   المبحث الرابع: الركن المعنوي”القصد الجرمي”.
 الفصل الثالث: جنايةاختلاس الاموال
   المبحث الاول: تصوير الاشتراك الجرمي في جناية اختلاس الاموال
   المبحث الثاني: عقوبة جريمة الاختلاس في قانون العقوبات الاردني
 الخاتمة والتوصيات
 المصادر والمراجع

 

مقدمة:

تخص التشريعات الحديثة جريمة الاختلاس بأهمية واضحة في نطاق الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وتلاحظ هذه الأهمية بشكل خاص في مجال العقوبة حيث نلاحظ أن المشرع يميل فيها الى التشديد بشكل عام مهما اختلف شكل النظام السياسي أو البنيان الاقتصادي والاحتماعي، لأن دور الدولة في حماية الاموال والمصالح  العامة المعهودة إلى العاملين في المؤسسات ذات النفع العام وتوظيف هذه الاموال و المصالح بما يخدم المجتمع هو السمة المميزة لها أياً كان اتجاهها السياسي أو الاقتصادي وتعود أهمية هذه الجريمة إلى اعتبارات كثيرة منها أن موضوع هذه الجريمة هو المال العام أو مال لمؤسسات يساهم فيها صغار المدخرين من افراد المجتمع وهذا المال يشكل في نظرة المشرع أهمية تفوق المال الخاص الذي يعود للأفراد ذلك أن المال العام لا يرتبط بمصلحة فرد معين و إنما بمجموع أفراد الهيئة الاجتماعية ومن هنا فإن تجريم فعل الاختلاس هذه الأموال شكل مهم من أشكال الحماية للمصالح العامة و الخاصة في آن واحد، وان سلوك الجاني في هذه الجريمة وهو من الموظفين أو المستخدمين بحكم وظائفهم في بعض المؤسسات المالية اموالا للغير، أن سلوك هذا الجاني بعبر عن خطورة اجرامية في استغلال مركزه لارتكاب الجريمة، إضافة إلى أن يده على المال يد أمانة يسهل الاستحواذ على المال لنفسه.

ومن هنا كان موقف التشريع متشدداً يمنع ما وسع ذلك فكرة الجريمة من أن تراود أذهان هذه الطائفة من الافراد الذين يعلمون باسم المجتمع و لمصلحته لذلك فقد كان طبيعياً أن تنمو نظرية متكاملة لجريمة الاختلاس في ظل تنامي دور الدولة و مؤسساتها العامة في المجتمعات المعاصرة و ضرورة تأمين الحماية الازمة للأموال التي تسلم إلى العاملين فيها، وتعود جذور هذه النظرية إلى القانون الروماني الذي فرض عقوبات عقوبات خاصة على المسروقات التي يرتكبها أمناء الودائع العموميين للأموال العامة وكانت عقوبتها تصل إلى حد النفي.

كذلك فإن التحدييد الازم لعناصر هذه الجريمة والإمعان في دراستها منعاً لاختلاطها بسواها من الجرائم يتصل بمبدأ أساسي من مبادئ القانون الجزائي هو مبـ الشرعية في تجريم الافعال وتحديد العقوبات ويلاحظ المشرع قد اتجه نحو وضع جريمة الاختلاس بين الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة حيث نص عليها في قوانين العقوبات لأهمية هذه الجريمة وخطورتها على الدولة نفسها.

مما تقدم نلاحظ أن المشرع الجزائي جعل من فعل الاعتداء على المال العام أو الخاص جناية بهدف حماية المال العام والخاص ليضمن ثقة الافراد المجتمع بمؤسسات الدولة أو بالمؤسسلت الاستثمارية المالية على اختلاف أنواعها وهذه الثقة تدعم الاقتصاد الوطني لذلك فإن الكثير من التشريعات الجزائية الحديثة تعتبر جريمة الاختلاس من الجرائم الاقتصادية ومنها القانون السوري.

 

الفصل الأول

ماهية الإختلاس ومضمونه

 

المبحث الأول:

مفهوم الاختلاس

 

الاختلاس لغة: يعني اخذ مال الغير دون رضاه في قانون العقوبات يستخدم المصطلح لدلالة على معنيين:

الأول: المفهوم العام للاختلاس وهو انتزاع الحيازة المادية من صاحبه أو حائزه القانوني أو إلى يد الجاني أو الغير دون وجه حق.

والاختلاس بهذا المعنى ينصرف إلى وصف الفعل جريمة السرقة. وقد استخدمه المشرع العراقي عند تعريفه للسرقة في المادة 439 من قانون العقوبات بأنها” اختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني عمداً” كما عناه المشرع الاردني ضمنا عند تعريفه للسرقة في الفقرة الأولى من قانون العقوبات بكونها ” أخذ مال الغير المنقول دون رضاه” ثم عاد في الفقرة الثانية من المادة ذاتها ليوضح مدلول عبارة “أخذ المال” بأنه ازالة تصرف المالك فيه برفعه من مكانه ونقله، وإذا كان متصلاً بغير منقول فنفصله عنه فصلاً تاماً ونقله ” واستخدم المشرع المصري لفظ الاختلاس عند تحديد مفهوم السرقة في المادة 311 من قانون عقوبات مصري:” كل من اختلس منقولاً مملوءاً للغير فهو سارق ” وهذا هو المفهوم العام الذي لا يعنينا في هذا البحث.

الثاني: المفهوم الخاص الذي يفترض وجود حيازة للجاني سابقة ومعاصرة للحظة ارتكاب السلوك الاجرامي غير أن هذه الحيازة ناقصة، حيث يكون للحائز العنصر المادي للحيازة دون المعنوي، أي أن المال تحت يده إلا انه لسي له أي سلطة يباشرها عليه إلا ضمن شروط حيازته له وان كانت له سلطة عللى هذا المال فيستمدها من الوظيفة أو العمل الذي يقوم به ويتحقق هذا المفهوم في جريمتي اساءة الامانة و الاختلاس [1]سلامة، مأمون، قانون العقوبات-القسم الخاص- الجرائم المضرة بالمصلحة العامة. القاهرة 1981.

وفقاً لهذا المفهوم المقصود بهذا البحث فإن الجريمة المعينة وهي جريمة اختلاس الموصف العام أو الموظف العامل في المؤسسات المالية والمصرفية والشركات المساهمة العامة فإنه يحس بنا لكي نتحرى ما تعنيه هذه الجريمة.

ويلاحظ منذ البدأ أن قانون العقوبات الاردني لم يورد تعريفاً لجريمة الاختلاس تاركا هذه المهمة للفقه و لكنه حدد عناصر هذه الجريمة على نحو يسهل معه التوصل إلى تعريفها.

فقد نص في الفقرة الاولى من المادة 174 على أن “كل موظف عمومي ادخل في ذمته ما وكل إليه بحكم الوظيفة أمر إدارته أو جبايته أو حفظه من نقود واشياء اخرى للدولة أو لأحد الناس عوقب بالاشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة ما اختلسه وفي الفقرة الثانية من هذه المادة قضى بأن “كل من اختلس اموالاً تعود لخزائن أو صناديق البنوك أو المؤسسات للإقراض المختصة أو الشركات المساهمة العامة وكان من الاشخاص العاملين فيها (كل منهم في المؤسسة التي يعمل بها) عوقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة وكذلك فإن قانون العقوبات العراقي لم يورد تعريفاً لجريمة الاختلاس واكتفى بالنص في المادة 31 منه على ما يلي:

” يعاقب بالسجن كل موظف أو مكلف بخدمة عامة اختلس أو اخفى مالاً أو متاعاً أو  ورقة مثبتة لحق غير ذلك مما وجد في حيازته وهذا ما نجده في قانون العقوبات المصري، الذي اكتفى في المادة 112 منه بالنص على أن” كل موظف عام اختلس اموالاً أو اوراقاً أو غيرها، وجدت في حيازته بسبب وظيفته يعاقب بالاشغال الشاقة الؤقتة”.

ومع أن من الممكن استخلاص تعريف جريمة الاختلاس مما تضمنته هذه النصوص المتقدمة من عناصر وشروط, إلا من الملاحظ أن المشرعين الأردني والعراقي قد أورد تعريفاً محدداً لجريمة السرقة ولم يورد مثل هذا التعريف لجريمة الاختلاس، ولعل مرد ذلك إلى أن جريمة السرقة كانت تستهدف الاستحواذ على الأموال بدليل أن لفظ (الاختلاس) يرد عند تعريف السرقة أو البحث في ركنها المادي كما أن الخلاف في هذا الجانب يبدو في جريمة السرقة اكبر مما يبدو في سائر جرائم الاموال، مما جعل المشرع يلجأ إلى تعريف السرقة منعاً للخلاف في تحقق اركانها وشروطها، و في ضوء النصوص المتقدمة يمكن تعريفها جريمة الاختلاس بأنها: “قيام الموظف ومن في حكمه أو العاملين في المؤسسات المالية وشركات المساهمة العامة، بإدخال اموال منقولة أو أوراق أو أية أشياء أخرى وجدت في حيازته, في ذمته دون وجه حق ” وان التعريف الذي اوردناه بخصوص الجريمة فيه اربعة أمور أساسية وهي:

  1. عدم الاقتصار على مصطلح (الموظف العام) لأن حكمة التشريع وما استقر عليه الفقه هو أن الجاني في الجريمة لا يشترط أن يكون (موظفاً) بالمعنى الضيق للكلمة) وفق المدلول المعروف في القانون الإداري وإنما كل من يرتبط مع الدولة أو مؤسساتها أو الجمعيات الخاصة أو العامة ذات النفع العام بعلاقة عقدية أو قانونية في هذا الاتجاه نصت المادة 69 (عقةبات أردني) على أنه “يعد موظفاً بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عمومي في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضابط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها وكل عام أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة.
  2. التوسع في معنى (المال) ليشمل كل منقول له قيمة مادية أو اعتبارية، بغض النظر عما اذا كان المال مملوكاً للدولة أو للأفراد.
  3. شمول الأشخاص العاملين في المؤسسات المالية الخاضعة على اختلاف انواعها أو شركات المساهمة العامة ضمن هذا التعريف، إذا كانت حيازتهم للمال هو سسب الوظيفة التي يمارسونها في المؤسسات أو الشركات دون غيرهم من العاملين فيها.

وما دمنا قد مررنا بالمفهومين المختلفين للإختلاس، فلا بد من القول أن استخدام مصطلح (الاختلاس) للدلالة على جريمة الموظف العام أو العاملين في المؤسسات المالية الخاصة والشركات المساهمة العامة، الذي يتصرف بالأموال المعهودة الي بسبب الوظيفة تصرف المالك، أن استخدام هذا المصطلح لا يوفر الدقة المطلوبة في تبويب الجرائم، لأنه يختلط بمعنى الاختلاس  الوارد بالمفهوم العام في جريمة السرقة غير أن هذا المصطلح قد استقر في الفقه والتشريع على نحو لم يعد معه بد من استخدامه مع الانتباه الدائم إلى التفرقة بين المفهومين العام والخاص له، ويبدو أن الترجمة الحرفية لكلمة الاختلاس في الفرنسية هي التي أدت الى تناقض في المفهومين قد أثارت حتى نقد الفقه الفرنسي باعتباره أن هذه الكلمة تعني الاختلاس المقصود بالسرقة،  وقد تقدمت الإشارة إلى ان معنى الاختلاس في العربية أخذ الشيء دون رضا صاحبه وهذا المعنى يتوفر في جريمة السرقة أيضاً. [2]ترجمة لمقالة لدكتور الفرنسي Dr. Larousse Diction، باريس، 1979

 

المبحث الثاني:

أوجه الشبة والاختلاف بين الاختلاس وبعض الجرائم الواقعة على الاموال

 

هناك وجود شبه بوجه عام بين جريمة الاختلاس وبعض الجرائم الواقعة على الاموال وبوجه خاص بين جريمتي السرقة واساءة الائتمان ويجدر بنا التوقف عندها قليلاً.

أولاً – الاختلاس والسرقة:

تتشابه جريمتا الاختلاس والسرقة في الوجود التالية:

  • انهما تقعان على المال المنقول، فكما يقع الاختلاس من قبل الموظف العام أو عامل في المؤسسات المالية الخاصة على المال الذي في حيازته، تقع السرقة على مال منقول أيضا فوجه الشبه هنا يتعلق بموضوع الجريمة، وموضوع الجريمة هو المال المنقول، وكون المال منقولاً شرط أساسي.[3]أبو عامر، محمد زكي. قانون العقوبات، القسم الخاص-نقلاً من كتاب الاختلاس-المحامي نائل صالح أما إذا لم يكن المال محل الجريمة منقول فلا تقوم جريمة السرقة ولا الاختلاس، بل تقوم جريمة من نوع اخر، بحسب الحال وقد تكون انتهاك حرمة مالك الغير، وهي جريمة تقوم على دخول الأماكن دون وجه حق أو منع حيازتها بالقوة، كما يتصور قيام جريمة استيلاء الموظف على الأموال العامة.[4] رشدي، مراد، النظرية العامة للإختلاس في القانون الجنائي، ص164
  • أن كلاً من الجريمتين يقوم على فعل الاختلاس، أي سيطرة الجاني الفعلية على منقول وتوجيهه إلى غير الغرض المخصص له، بما يحقق الاعتداء على مصلحة قانونية حماها الشرع.

فكما أن السارق يستهدف بفعله الاستيلاء على المال موضوع السرقة ونقل حيازته إليه من مالك وحائزه السابق فإن الموظف المختلس يقوم بالفعل نفسه حين يستجوذ لنفسه على المال المعهود بسبب وظيفته، فيحوله من الغرض المخصص له، وغير غرض يخدم مصلحة عامة إلى غرضه الخاص.

أما وجوه الاختلاف بينهما تتجلى في:

1- صفة الجاني:

فبينما تتطلب جريمة الاختلاس أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه كالمستخدمين العمومين ورجال القوات المسلحة و العمال الذين يعملون بأجرة أو بمكافأة، أو العانلي في المؤسسات المالية أو الشركات المساهمة العامة، فإن جريمة السرقة لا تتطلب هذه الصفة فيمكن أن يكون السارق موظفاً، وفي هذا المعنى قضت محكمة التمييز الاردنية انه ” إذا لم يكن الموظف المختص بمقتضى القوانين و الانظمة بجباية المال أو حفظه أو ادارته ولكنه تسلمه أو وجد بين يده بأي طريقة كتمن ثم اختلسه فإن فعله لا يعتبر اختلاساً بالمعنى المنصوص عليه في المادة (174) وإنما سرقة عادية”.

2- صفة المال محل الجريمة:

يشترط في جريمة الاختلاس أن يكون المال محل الجريمة من الاموال العامة التي تعهد الى الموظف بسبب وظيفتين، في حين أن المال في جريمة السرقة يشترط أن يكون من الأمول العامة، بل يمكن أن يكون لأحد الأفراد، وان كانت صفة المال العام في جريمة السرقة تشكل ظرفاً مشدداً على ان صفة المال العام المقصودة في جريمة الاختلاس لا تشترط أن يكون هذا المال مملوكاً للجهة التي يعمل الجاني لديها بل تتحقق الجريمة حتى إذا كان المال مملوكاً لفرد، لكنه اودع بسبب أو لاخر لدى هذه الجريمة التي يعمل الجاني لديها بل تتحق الجريمة حتى إذا كان المال مملوكاً للجهة التي يعمل الجاني لديها بل تتحقق الجريمة حتى إذا المال مملوكاً للفرد، لكنه أودع بسب او لاخر لدى هذه الجهة وعهد به الجاني بحكم عمله، وفي هذا اوضحت محكمة النقد المصرية ” لا يشترط في حكم المادة 112 من قانون العقوبات أن يكون المال المختلس اميرياً بل يكفي أن يكون مملوكاً لفرد، لكنه اودع بسبب أو لاخر لدى هذه الجهة وعهد به الى الجاني بحكم عمله وفي هذا المعنى اوضحت  محكمة النقض المصرية:” لا يشترط في حكم المادة 112 من قانون العقوبات ان يكون المال المختلس مالاً اميرياً، بل يكفي ان يكون مملوكاً للأفراد حتى كان قد سلم للموظف بسبب وظيفته. [5]رشدي، مراد، مرجع سبق ذكره، ص92

ثانياً – الاختلاس واساءة الائتمان [6] يطلق قانون العقوبات العراقي و المصري باسم (خيانة الامانة) :

تتشابه جريمة الاختلاس في جريمة أساءة الاتمان فيما يلي :

  1. أن يد الجاني في كل منهما هي يد امانة، أي أن حيازة الجاني للمال حيازة ناقصة بمعنى أن يتوفر العنصر المادي في حيازته للمال (وهو السيطرة المادية) دون أن، يتوفر له العنصر المعنوي للحيازة، فهو يمارس هذه الحيازة بمقتضى سند قانوني يقوم على رضا مالك المال أو حائزه القانوني ( الذي قد يكون في جريمة إساءة الاتمان شخصاً طبيعياً أو معنوياً بينما يكون في جريمة الاختلاس عادة شخصاً عادياً) فهو يجوز المال لحساب غيره.
  2. أن المال في اساءة الائتمان (كسائر جرائم الأموال) يشترط أن يكون منقولاً كما في الحال في الاختلاس، وقد سبق الإشارة إلى هذا الوجه من التشابه عند مقارنة الاختلاس بالسرقة، فكلا الجريمتين (الاختلاس و اساءة الائتمان) تنهضان عندما يظهر من الجاني ما يدل على اعتباره المال المعهود به مملوكاً له، ويتصرف فيه تصرف المال، مغيراً بذلك حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك.

وعلى هذا الاساس يقوم الجاني في كل من الاختلاس واساءة الائتمان بالاستيلاء على المال أو اساءة التصرف فيه أو تبدبده.[7] الخلف، علي حسين. بحث في جريمتي السرقة وخيانة الأمانة ص221 ويتضح هذا التشابه في تعريف الفقه لجريمة اساءة الائتمان بأنها ” كل اختلاس أو تبديد  أو ما في حكمها لمال منقول سلم للجاني على سبيل الأمان” [8]صالح، نائل عبد الرحمن. الجرائم الواقعة على الأموال- عمان 1989 ،ص236

ان هذا التشابه بين الجريمتين هو الذي دفع جانب خاص من الفقهاء الى القول بأن جريمة الاختلاس هي صورة من اساءة الائتمان، والذي يميزها عنها انها لاتقع إلا من موظف عمومي او من هو في حكمه على اموال في عهدته بحكم وظيفته.

أما أوجه الاختلاف بين الجريمتين فتتلخص فيما يلي:

  • أن صفة الجاني في كل من الجريمتين تختلف عن الأخرى فقيام جريمة الاختلاس يتطلب أن يكون الجاني موظفاً عاماً (أو من في حكمه من العاملين في مؤسسات مالية وشركات مساهمة عامة) هذه الصفة لا تشترط في جريمة اساءة الاتمان) و لا يهم أن يكون مرتكبها موظفاً عاماً أو من العاملين في المشروعات الخاصة أو سواهم من الناس حيث يكفي أن يكون قد عهد اليه بمال لارادته واجراء التصرفات فيه لحساب شخص اخر.
  • أن صفة المجني عليه تختلف في كل واحدة منهما عن الاخرى، فالمجني في جريمة الاختلاس هو المجتمع الذي تمثله الإدارة أو المؤسسة أو المصلحة التي يقع الاختلاس على اموالها، وهي تمارس نشاطاً للنفع العام، خاصة إذا كان الاختلاس قد وقع على المؤسسات المالية والشركات المساهمة العامة، التي تتلقى وادئع صغار المدخرين، على عكس المجني عليه في جريمة اساءة الاتمان حيث لا يشترط توافر هذه الصفة فيه وعلى ذلك فإن المصلحة المحمية التي في جريمة الاختلاس تختلف عنها في جريمة اساءة الائتمان. [9]مصطفى، محمود محمود. شرح قانون العقوبات- القسم الخاص- الاسكندرية 1951،ص51 فهي من الأولى المحافظة على اموال المؤسسات أو المصالح التي يهدف نشاطها للنفع العام. بينما نجد أن المصلحة المحمية في الثانية هي المحتفظة على اموال الأفراد أو الهيئات الخاصة.
  • تتميز صفة المال محل جريمة الاختلاس عن المال محل الجريمة اسائة الائتمان وسواها من الجرائم بأن المال في الأولى مرصود للمنفعة العامة أو لإستثمار العام الذي يؤدي إلى المنفعة العامة للمجتمع، في حين انه في الثانية ليس كذلك بل منحصراً في المنفعة الخاصة.

 

الفصل الثاني

أركان جريمة الاختلاس

 

المبحث الأول:

صفة الجاني

 

يتطلب القانون أن يكون مرتكب الجريمة الاختلاس موظفاً أو من في المحكمة ومن العاملين في المؤسسات المالية أو الشركات المساهمة العامة التي تتلقى ودائع صغار المدخرين، فإذا انتقت الصفة تغير وصف الجريمة.

وقد تحدث قانون العقوبات الأردني والقانون الإداري وعرفه انه هو ” كل موظف عمومي في السلك الإداري أو القضائي وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في أدارة العامة ” ويلاحظ على الأشخاص الذي عناهم المشرع أن الضفة المشتركة التي تجمعهم تتمثل في العمل للمصلحة العامة لا لمصالحهم الخاصة وهم في العادة الذين يتفاوضون رواتب أو اجور من جهة عامة اياً كانت هذه الجهة سواء كانت الدولة أو وزارتها أو المصالح أو السلطات المدنية أو العسكرية وقد ختم المشرع المصطلح بالنص (الإدارة العامة) وايضا أن المزظف هو الذي يقوم بعمله لصالح الحكومة بشكل المتواصل. [10]الطماوي ،سليمان.قانون الإداري.275

وهو من السعة يشمل كل جهة رسمية ذات شخصية معنوية عامة أو مرتبط بشخصية معنوبة عامة، على أـن قانون العقوبات الأردني وان كات قد أتى بالمفهوم المتقدم للموظف العام إلا انه لم يجعل الجريمة الاختلاس مقصورة عليه، بل جعلها تشتمل الأفعال الصادرة على الشريحة العاملين خارج أجهزة الدولة.

وبذلك يكون المشروع الأردني قد شمل العاملين في المؤسسات المذكورة بحكم “الموضف العام” لأغراض تطبيق حكم جريمة الاختلاس، وهو موقف حكيم من الشارع،  ويمكن أن نلتمس علة ذالك في أن يكون مؤسسات الإقراض والشركات المساهمة العامة يجعل الموال التي تتعامل بها  اموالاً عامة، على الرغم من أن هذه المؤسسات والشركات خارج الإدارة العامة للدولة،  لأن رأس مالها وما يودع لديها من أموال كودائع أو لأغراض الاستثمار أو ما تحققه من أغراض يتعلق بجمهور واسع وتكون لهذه الأموال صفة المال العام من حيث الحماية الجزائية ومن ثم كان هذه المال جديراً بالحماية من التبديد والاستيلاء غير المشرع وتأمين ثقة والاطمئنان لدى المتعاملين مع الشركات المساهمة أو مؤسسة الإقراض.

ويلاحظ التشابه والواضح بين النصب المصري والعراقي  في عدة مواضيع، بحيث يمكن القول ببساطة أن المشرع العراقي نحى منحنى المشرع المصري في تحديد مفهوم الموظف العام لا سيما في الأخذ بفكرة التكليف بالخدمة العامة أساسا لهذا المفهوم لغرض الابتعاد عن المفهوم انطبقت لمصطلح (الموضف العام).

وإذا اتجهنا صوب الميدان القانون الإداري هو الميدان الذي نشأت فيه فكرة الوظف العام وجدنا أن جانباً منه يعرف الموضف العام بأنه “كل شحص يعهد إليه  بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام “.

وبمقتضى هذا التعريف فإن من شروط الموظف أن يعين بصفة دائمة ، فلا يشمل من يعين لمدة محدودة ، تنتهي بإنتهاءها رابطة العمل بنية وبين جهة العمل، ويستبعد كذالك المتطوعين للأعمال العامة. ويشترط أن يرتبط الموظف بعمل لدى مرفق عام انشأنه لسد حاجة عامة. ومبعث هذا التحديد فكرة التميز بين الموظف العام وبين بعض الوظائف التي تثار الخلاف حوله صفة افرادها كموظفين عموميين مثل عمال الدولة الموسميين وملتزم المرفق العام وعماله المجبرين على الالتحاق بالوظيفة (كالمجنديين) و الموظفين في خدمة الأفراد.[11]الطماوي، سليمان. مبادئ القانون الإداري المقارن- 1956، ص39

ونرى أن مثل هذا الالتباس لا يثور في القانونين العراقي والمصري، حيث تضمنا في النصين اللذين مر ذكرهما وبصراحة شمول (الموظف العام) لكل من يكلف بخدمة عامة، وتعبير الخدمة العامة من الشمول بحيث يتسع لكل من يؤدي نشاطاً لمصلحة الجماعة حتى ولو كانت هذه الجماعة محدودة.

ولكن من امعان النظر في النص الأردني نجد أنه جاء محدداً الموظف العام و من حكمه بمن يعمل في الدولة أو إدارة عامة والادارة العامة (أو الجهاز الاداري) تشمل الحكومة (أي السلطة التنفيذية بالمعنى المحدد في القانون الدستوري) و الإدارة و على ذلك فإن الخلاف في ظل هذا النص يبقى دائراً حول بعض الوظائف التي مرت ومن امثلة ذلك ملتزم المرفق العام الذين يحوزون اموالاً عامة لتقديم الخدمة للناس لقاء اجور تستوفي لحساب الملتزم، والمطتوعين في الظروف الاستثنائية الذي تحتاج الدولة إلى خدماتهم وتدعوهم للعمل بإشرافها وتدعوهم للعمل بإشرافها لمواجهة الكوارث العامة جنباً الى جنب مع موظفيها ومستخدميها الرسميين.

ولذلك كان من الافضل توسيع نطاق النص كي تستوعب كل العاملين في إطار الخدمة العامة بغض النظر عن نوع علاقتهم القانونية أو التعاقدية مع الدولة دون الالتفاف إلى تقاضيهم أو عدم تعاطيهم أجراً بغية أي خلاف يدول بشأنهم وتأكيداً لحماية المال العام وهيبة الدولة.

 

المبحث الثاني:

الركن المادي

 

يتمثل الركن المادي في سلوك اجرامي يظهر في فعل الاختلاس وهو الذي يخرج الجريمة الى حيز الوجود وفعل الاختلاس المقصود هنا هو الاختلاس بالمعنى الخاص الذي تقدم ذكره لا بالمعنى العام الذي يأخذ شكل انتزاع حيازة المال من مالكه أو حائزه، لأن جريمة الاختلاس تفرض حيازة الجاني للمال قبل وقوع فعل الاختلاس، وهي تتشابه مع جرينة اساءة الامانة في هذا الجانب وحيازة الجاني هنا ناقصة ( مؤقتة) غير أن صفة المال وصفة الجاني الموظف العام ومن في حكمه هما اللتان تميزان جريمة الاختلاس.

ويتحقق فعل الاختلاس بأي عمل من شأنه تحويل حيازة الجاني للمال حيازة ناقصة إلى حيازة تامة أي بالتصرف بالمال وكأنه مملوك له ولا فرق بين أن يقع الفعل على كل المال أم جزء منه وقد يتخذ التصرف شكل اخراج الشيء من حيازته بالبيع أو الهية أو المقايضة وغير ذلك من تصرفات التي يطلق عليها تعبير التبديد. [12]مصطفى، محمود. المرجع السابق، ص53

وقد يتخذ تصرف االجاني بالشيء شكل تصرف به لنفسه بالانتفاع به، كأن يقوم موظف بنقل جهاز في عهدته مملوك للجهة التي يعمل فيها إلى داره واستخدامه لنفسه بنية التملك، كما قد يتخذ تصرفه شكلا آخر يحقق الانتفاع لغيره ومثاله أن يقوم المحاسب احدى المصالح الحكومية بصرف مبالغ لزميل له دون أن يكون مستحقاً لها، وهو عالم بذلك وهذا قد قضت به محكمة التمييز الأردني انه لا يشترط أن يكون المتهم قد استفاد شخصياً من فعل الاختلاس بل توجد الجريمة ولو عادت فائدتها على غير المختلس.[13]تميز جزاءه /63 مجلة النقابة المحاميين لسنة 1978-ص708-مرجع الكتروني

ولا يغير من تحقيق هذا الركن للإختلاس عدم اصابة المال المختلس بضرر أو استعادته، لأن تجريم الفعل ليس معلقاً على الحافة الضرر بالمال المختلس أو بمالكه وإنما هدف المشرع من تجريمه إلى حماية الثقة في علاقة الموظف أو من حكمه بالجهة التني يعمل لمصلحتها، واحترامه لواجب الامانة والنزاهة عند أدائه للعمل، ولهذا وصفت جريمة الاختلاس بأنها من جرائم النية أي أن هذه النية يجب أن تتخذ شكل فعل ظاهر يعبر عنها وإلا بقيت مجرد فكرة تراود الجاني وتكون في هذه الحالة بعيدة عن التجريم والعقاب وإذا ما تبلورت في شكل فعل ظاهر  فإنها تكون قد وقعت جريمة تامة إذا ما توفر الركن المعنوي.

وهذ الجريمة لا تصور فيها الشروع أنها أما أن تقع كجريمة تامة أو تتخذ وصفاً آخر، ذلك لأن الاختلاس يقع بتغيير النية في الحيازة، ويتم ذلك في لحظة يبدأ التنفيذ فيها.[14]مصطفى محمود.مرجع سابق،ص 54 ونرى أن هذه الخصوصية الهامة التي تتميز بها جريمة الاختلاس وهي عدم تصور الشروع فيها تتفق مع الطبيعة الخاصة لها واليت تتمثل في توفير الحيازة السابقة على ارتكاب الجريمة.

 

المبحث الثالث:

أن يكون المال قد سلم للجاني بحكم وظيفته

 

لا تفوم جناية الاختلاس إلا إذا كان المال قد سلم إلى الموظف بحكم وظيفته وبذلك لا بد من توافر عنصرين لتحقيق هذا الركن جناية الاختلاس:

الأول: أن يكون المال في حيازة الجاني.

الثاني: أن تكون حيازة للمال بسب الوظيفة التي يمارسها.

ولقد كان المشرع المصري صريح في نص المادة 112 في اشتراط توافر هذين العنصرين كما الحدث محكمه النقض المصرية هذا المعنى بالقول: “انه لا يتحقق الجريمة المنصوص عليها الا إذا كان تسليم المال المختلس من مقتضيات العمل، ويدخل في اختصاص المتهم الوظيفي استناداً إلى نظام مقرر أو أمر اداري صادر ممن يملكه أو مستمداً من القوانين واللوائح، فإذا كان ما أورده الحكم في هذا الصدد لا يتوفر فيه الدليل على تحقق ركن التسليم بسبب فإن الحكم يكون معيناً بالقصور الذي يعجز بحكمه النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما قضت في قرار آخر من واقعة الاختلاس أن الكحول لا تشكل اختلاساً ما لم يكن قد سلم للمتهمين ووضع في حيازهم أما إذا كان مودعاً في مكان المعدلة في الشركة، ولم يكن اتصال المتهمين به بسسب كونه مسلماً اليهم وفي حيازتهم بل كان بصفة عرضية، بحكم عملهم في الشركة فإن الواقعة تعتبر جنحة سرقة.

 

المبحث الرابع:

الركن المعنوي “القصد الجرمي”

 

اشرنا فيما سبق أن الجريمة الاختلاس هي من الجرائم المقصودة “العمدية” لأنها من جرائم النية لا تتفق طبيعتها مع الخطأ ، شأنها في ذلك شأن بعض الجرائم الأخرى كالسرقة، ولذا فإن ركنها المعنوي يقوم على توفر القصد العام  والقصد الخاص.

أولاً – القصد العام:

يقوم القصد العام في جريمة الاختلاس كسائر الجرائم الأخرى على ثلاثة عناصر أساسية هي:

  1. ارادة الفعل المادي: بمعنى أن يريد الجاني الفعل الذي يقع به الاختلاس كأن يضع عامداً مبلغ من النقود المختلس في جيبه أويناول المال إلى السائق سيارة كي يقوم بإخراجه من حرزة في مكان العمل ومفهوم المخالفة لذلك أن الموظف الذي ينسى في درج مكتبه مالاً أو مستنداً كان يجب تسليمه لأحد الناس في وقت معين لا يعد مريداً للفعل (م.86 عقوبات أردني).
  2. ارادة النتيجة الجريمة: فإرادة الفعل المادي وحدها لا تكفي لتكون الركن المعنوي إذا لا بد أن يكون الجاني قد ارادة النتيجة الفعل الذي قام به، وهو المساس بالحق الذي يحميه القانون وهو في جريمة الاختلاس حق المجتمع في سلامة أمواله ولذلك فإن وقوع الفعل دون ارادة النتيجة لا يكفي وحده لقيام الركن المعنوي.
  3. العلم بالعناصر للجريمة: أي علم الجاني أن ما صدر عنه إنما هو جريمة يعاقب عليها القانةن فيجب أن يعلم المال الذي يستحوذ عليه إنما هو مال عام عهد إليه للتصرف به لخدمة مصلحة عامة أو مال خاص يعود للمؤسسة أو شركة المساهمة أو البنك الذي يعمل فيه.

ثانياً – القصد الخاص (نية التملك):

أن نية التملك عنصر أساسي في جريمة لاختلاس كسائر الجرائم الواقعة على الاموال (سرقة، احتيال، اساءة ائتمان) بحيث تخلف هذا النية يعني انتقاء الجريمة ،أما إذا توافرت النية فإن الجريمة تتحقق بغض النظر عن الباعث إلى الاختلاس، إذا أن الباعث ليس عنصراً من عناصر التجريم.

فأذا تختلف العناصر الثلاثة المذكورة أو بعضها انهار الركن المعنوي للجريمة فإذا تصرف الجاني بالمال بغي قصد التملك وانما الاستعمال فقظ فلا تقوم جريمة الاختلاس وان كان من الممكن أن يساءل تأديباً هذا مع أن الاستعمال بحد ذاته يعتبر قرينة على التملك، غير أن هذا القربية قابلة لاثبات العكس وهو عدم توفير نية التملك.

فإذا قامت جريمة الاختلاس بتوافر عناصرها فلا ينفعها رد المال إلى الجهة التي يعود إليها لأن الجريمة تكون قد تحققت كاملة بمجرد تحويل حيازته إلى حيازة تامة، وان هذا الرد يصلح ظرفاً قضائياً مخففاً للعقوبة قد يستخدم لأجله القاضي سلطته التقديرية في تخفيف العقوبة. وفي هذا الاتجاه نص المادة117 عقوبات اردني حيث جاء فيها:

  1. يخفض نصف العقوبات المنصوص عليها إذا كان الضرر حاصلاً والنفع الذي توضح الفاعل زهيدين أو إذا عوض عن الضرر تعويضاً تاماً قبل احالة القضية على المحكمة.
  2. وإذا حصل الرد والتعويض أثناء المحكمة وقبل أي حكم ولو غير مبرم خفض من العقوبات ربعها.
  3. في جميع الجرائم السابقة والواردة في هذا الفصل إذا أخذت المحكمة بأسباب التخفيض التقديرية فلا يجوز لها تخفيض العقوبة إلى أقل من النصف.

وهكذا فلا عبرة للباعث على ارتكاب جريمة، لأن الباعث لا ينفى القصد وان كان محركاً فلا يغير شيئاً أن يكون الاختلاس بهدف الاثراء أو بهدف توفير الجاني الطعام لأسرته أو المساعدة للمحتاجين. [15]محمد،عوض،الجرائم المضرة بالمصلحة-لأسكندرية-1985،ص138، نقلا عن الدكتور نائل صالح

وفي هذا قضت محكمة التمييز الاردنية في قرار لها أن قول المتهم انه أخذ المال وادخله في ذمته لأسباب ضرورية لا يتغير من وصف فعله بأنه اختلاس خاصة وانه لم يقل مثل هذه الأقوال إلا بعد أن اكتشف المسؤولون النقض في المال الذي في حوزته.

ويثبت قصد الاختلاس بمختلف وسائل الاثبات كالألة والقوائن، ويستخلص الدليل على قصد الاختلاس من ظروف القضية وان كان هذا الدليل يستشف غالباًمن عدم اعادة الشيء الذي هو في حيازة الجاني عندما يطلب منه ذلك.

 

الفصل الثالث

جناية اختلاس الموال

.

المبحث الأول:

تصور الاشتراك في جناية اختلاس الاموال

 

قد يساهم في الجريمة أكثر من شخص إما مساهمة اصلية (كفاعلين اصليين) وإمل مساهمة تبعية (كشركاء).

فقد نصت المادة 40 من قانون العقوبات الواردة في الأحكام العامة على أنه:

يعد شريكاً في الجريمة:

أولاً: كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.

ثانياً: من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.

ثالثاً: من أعطى الفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في أعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.

وتقضي المادة 43 عقوبات بأي من شارك في جريمة فعلية عقوبتها. وبالبناء على ما تقدم يمكن تصور الاشتراك في جناية اختلاس الأموال العامة إذا ثبت مساهمة غير الموظف الجاني في ارتكاب هذه الجريمة مساهمة تبعية بواحدة أو أكثر من الصور الثلاثة التي نص عليها القانون العقوبات في المادة 40 من وهي التحريض والاتفاق والمساعدة.

وقضت المحكمة النقض[16]المستشار أنور العمروس وامحمد العمروس-جرائم الأموال العامة –ط2،ص149 بأنه ليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاشتراك في ارتكاب الجريمة بأدلة مادية محسوسة، بل يكفيها للقول بحصوله أن تستخلص ذلك من ظروف الدعوى وملابستها وان يكون وقائع الدعوى نفسها ما يسوغ الاعتقاد بوجوده.

 

المبحث الثاني:

عقوبة جريمة الاختلاس في قانون العقوبات الاردني

 

نصت المادة 174 أردني على أن:

  1. كل موظف عمومي ادخل في ذمته ما وكل إليه بحكم الوظيفة أمر ادارته أو جبايته أو حفظه من نقود أو أشياء أخرى للدولة أو لأحد الناس عوقب بالأشتعال الشاقة المؤقته وبغرامة تعادل قيمة ما اختلس.
  2. كل ما اختلس اموالاً تعود لخزائن أو صناديق البنوك أو المؤسسات الإقراض المتخصصة أو الشركات المساهمة العامة وكان من الأشخاص العاملين فيها كل منهم في المؤسسة التي يعمل بها عوقب بالعقوبات المقررة في الفترة السابقة.

ولغرض فرض الغرامة يسهل تقدير الغرامة مبلغها أن كان المال المختلس نقداً ولكن إذا كان مالاً آخر غير النقود فيلتزم تقويم قيمة بالنقود حيث يمكن للمحكمة الاستعانة بخبرة الخبراء في هذا التقرير…

يعاقب الشريك أو المتدخل تبعياً بالعقوبة ذاتها.

عقوبة جناية الاختلاس المشددة:

لقد انتبه المشروع الجزائي الأردني إلى احتمال اقتران الاختلاس بالأفعال الجرمية التي تستحق التشديد، فنص في الفترة 3 من المادة 147 عقوبات على فعل الاختلاس إذا وقع تزويد الشيكات أو المسندات أو بدس كتابات غير صحيحة في القيود أو الدفاتر أو السجلات أو تحريف أو حذف أو إتلاف حسابات أو الاوراق وغيرها من الصكوك أو بأية صلة ترمي إلى منع اكتشاف الاختلاس فتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة تعادل ما اختلس الجاني .

وعلة التزوير تكمن في أن الظروف المشددة التي ترافق فعل الاختلاس كالتزوير والإتلاف والاحتيال هي في حد ذاتها تشكل جرائم قائمة بذاتها وتتم عن خطورة إجرامية كامنة في شخصية الجاني، الأمر الذي يستدعي مثل هذا التشديد في المعاقبة.

 

الخاتمة والتوصيات

 

بعد هذا العرض الموجز والبسيط لمفهوم الجريمة الاختلاس وأركانها وتحديد عقوبتها في القانون الأردني يتبيين لنا مدى أهمية تلك الجريمة وخطورتها على الجميع ولهذا نجد المشرع الأردني وعلى غرار التشريعات الجزائية المختلفة قد أعطاها اهتماما ورعاية فائقتين ولهذا تكاد تكون معظم تلك التشريعات متشابهة في طريق معالجة تلك الجريمة مع وجود اختلاف بسيط في مقدار العقوبة وغيرها من أوجه الاختلاف الأخرى.

والمشرع الأردني قد عالج جريمة الاختلاس في الفصل المتعلق بالجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة، عاملا على تغليب صفة الجاني على صفة المال، فسلوك الجاني في جريمة الاختلاس هو من الموظفين العموميين أو المستخدمين العموميين، أو أي من المكلفين بخدمة عامة، والذين يدهم تكون يد أمانة فحيازتهم تكون حيازة ناقصة بمعنى يتوفر العنصر المادي دون أن يتوفر العنصر المعنوي للحيازة تمكنهم من الاستحواذ على مال الغير لأنفسهم مما يشكل خطورة كبيرة وضررا جسيما قد يلحق بالمجتمع.

وحسنا فعل المشروع الأردني عندما شمل العاملين في المؤسسات الإقراض المتخصصة والشركات المساهمة العامة وعلة ذلك كما سبق و أشرنا أن الأموال التي تتعامل بها تلك المؤسسات هي أموالا عامة على الرغم من أنها تخرج عن نطاق الإدارة العامة وبالتالي تكون هذه الموال المودعة لديها صفة المال العام من حيث الحماية الجزئية .

وإنني وإذا أختم دراستي هذا لموضوع الاختلاس أخلص إلى بعض التوصيات المهمة والتي توصلت إليها من خلال دراستي المتواضعة للاختلاس

وهي تتمثل بالتوصيات التالية:-

  1. العمل على إذكاء قانون العقوبات وتدعيمه ببعض النصوص التي توضح مفهوم الاختلاس، والمال العام على غرار النصوص المتعلقة بتوضيح مفهوم الموظف العام.
  2. التوسع بمفهوم الموظف العام ليشمل كافة العاملين في المؤسسات المالية الخاصة ممن يدخل بحكم وظيفتهم أموالاً للغير تمكنهم من الاستحواذ عليها .
  3. وحصر إطلاق لفظ الاختلاس على الجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة دون غيرها من الجرائم وذلك منعا للتناقض وتحقيقا للعدالة والمساواة للأفراد أمام القانون.
  4. إعادة النظر ببعض نصوص القانون الععقوبات الأردني، حيث يتضح لنا جميعا أن هناك نصوصا أو فقرات منها تحتاج إلى تعديل منعا للتكرار والتناقص وعلى سبيل المثال عقوبة المتدخل.

 

قائمة المصادر والمراجع

 

  • د.الجعفر، علي محمد.قانون العقوبات (جرائم الرشوة والاختلاس بالثقة العامة والاعتداء على الاشخاص والاموال
  • رشدي، مراد. الاختلاس في جرائم الاموال-جامعة القاهرة-ط2، 1986.
  • صالح، نائل عبد الرحمن. الإختلاس دراسة تحليلية مقارنة- ط2، 1997.
  • العمروسي، أنور.وأمجد العمروسي. جرائم الأموال العامة وجرائم الرشوة والإختلاس،ط2
  • مصطفى، محمود محمود. شرح قانون العقوبات-القسم الخاص- الاسكندرية 
  • المواقع الإلكترونية: .raya.com.

بقلم المحامي: يحيى عبد الرحيم بشارات

 

موضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 سلامة، مأمون، قانون العقوبات-القسم الخاص- الجرائم المضرة بالمصلحة العامة. القاهرة 1981.
2 ترجمة لمقالة لدكتور الفرنسي Dr. Larousse Diction، باريس، 1979
3 أبو عامر، محمد زكي. قانون العقوبات، القسم الخاص-نقلاً من كتاب الاختلاس-المحامي نائل صالح
4 رشدي، مراد، النظرية العامة للإختلاس في القانون الجنائي، ص164
5 رشدي، مراد، مرجع سبق ذكره، ص92
6 يطلق قانون العقوبات العراقي و المصري باسم (خيانة الامانة)
7 الخلف، علي حسين. بحث في جريمتي السرقة وخيانة الأمانة ص221
8 صالح، نائل عبد الرحمن. الجرائم الواقعة على الأموال- عمان 1989 ،ص236
9 مصطفى، محمود محمود. شرح قانون العقوبات- القسم الخاص- الاسكندرية 1951،ص51
10 الطماوي ،سليمان.قانون الإداري.275
11 الطماوي، سليمان. مبادئ القانون الإداري المقارن- 1956، ص39
12 مصطفى، محمود. المرجع السابق، ص53
13 تميز جزاءه /63 مجلة النقابة المحاميين لسنة 1978-ص708-مرجع الكتروني
14 مصطفى محمود.مرجع سابق،ص 54
15 محمد،عوض،الجرائم المضرة بالمصلحة-لأسكندرية-1985،ص138، نقلا عن الدكتور نائل صالح
16 المستشار أنور العمروس وامحمد العمروس-جرائم الأموال العامة –ط2،ص149

3 comments

  1. Pingback: بحث قانوني حول جريمة الزنا - موسوعة ودق القانونية

  2. Pingback: جريمة الاختلاس - موسوعة ودق القانونية

  3. Pingback: بحث قانوني حول جريمة غسل الأموال - موسوعة ودق القانونية

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !