نطاق تطبيق قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” في الأصول الجزائية
نطاق تطبيق قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” في الأصول الجزائية
لقد نصت على معظم التشريعات الإجرائية الجزائية الحديثة على هذه القاعدة بشكل صريح، مع تفاوت في نطاق تطبيقها، ومن هذه التشريعات قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 المعدل، والسؤال الذي يُطرح بهذا الخصوص؛ ما هو نطاق تطبيق هذه القاعدة؟ وهذا السؤال هو ما سنجيب عنه من خلال استعراض الحالات التي يجوز فيها تطبيق قاعدة “لا يُضار الطاعن بطعنه” على وفق ما هو مقرر في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ، وهو ما سنبحثه تباعاً:
أولاً – تطبيق قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” عند الطعن عن طريق التمييز:
ان الفقرة (ج) من المادة (251) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد أوجبت على محكمة التمييز الاتحادية مراعاة أن لا يُضار الطاعن بطعنه ما لم يكن الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة للقانون. وبناءً على ذلك، على محكمة التمييز الاتحادية الالتزام بتطبيق هذه القاعدة عند نظرها للطعن التمييزي، باستثناء حالة واحدة أوردها نص هذه الفقرة وهو إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة لأحكام القانون، وفي هذه الحالة لا يتم إعمال هذه القاعدة.
ثانياً – تطبيق قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” عند الطعن بطريق الاعتراض على الحكم الغيابي:
ان الفقرة (ج) من المادة (245) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد ألزمت محكمة الموضوع التي تنظر في اعتراض المحكوم عليه غيابياً، عند اعتراضه على الحكم الغيابي، أن لا تحكم بأشد مما قضى به الحكم الغيابي، أي “لا يضار الطاعن بطعنه” في هذه الحالة. وفي هذه الحالة، فان تخفيف العقوبة المحكوم بها غيابياً جائز، لعدم تعارضه مع قاعدة لا يُضار الطاعن بطعنه التي تُنتهك إذا ما شددت المحكمة العقوبة المحكوم بها غيابياً.
ثالثاً – تطبيق قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” عند الطعن بطريق إعادة المحاكمة:
لقد قررت المادة (276) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بان محكمة الموضوع التي تنظر في إعادة المحاكمة أن قررت إلغاء الحكم السابق كلاً أو جزءاً أو البراءة أو إصدار حكم جديد على أن لا يكون أشد من الحكم السابق، أي “لا يضار الطاعن بطعنه” في هذه الحالة. وكما في حالة السابقة، فان محكمة الموضوع في هذه الحالة لها أن تخفف العقوبة دون أن تشددها تطبيقاً للقاعدة محل البحث.
ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد، هو ان المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ لم يقرر وجوب مراعاة قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” عند الطعن بطريق تصحيح القرار التمييزي. ونجد أن في ذلك عيب يستوجب تلافيه من قبل المشرع.
ويشترط الفقه الجنائي لتطبيق قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” أن يكون المتهم المحكوم عليه هو الطاعن الوحيد في الحكم. ويترتب على ذلك ان عضو الادعاء العام أو المشتكي أو أي من أطراف الدعوى الجزائية إذا ما طعنوا مع المتهم في الحكم فان ذلك يؤدي إلى عدم مراعاة تطبيق هذه القاعدة، ومن ثم جاز الحكم بما يُضار به الطاعن.
ونستنتج مما تقدم، ان قاعدة “لا يضار الطاعن بطعنه” تعد من القواعد العامة التي تسري على كافة طرق الطعن العادية وغير العادية، فالطاعن هو الذي بطعنه هذا لفت أنظار القضاء إلى الخطأ الوارد في الحكم، فكان من الممكن أن يصبح الحكم باتاً قطعياً لولا هذا الطعن الذي أراد من خلاله الطاعن رفع الضير الذي أصابه من الحكم المطعون فيه، لذلك فليس من العدالة أن ينقلب طعنه وبالاً عليه. ومن ثم فلا يجوز الإضرار به إذا كان هو الطاعن الوحيد، فلا يُحكم عليه بأكثر مما قضى به الحكم المطعون فيه.
بقلم: الدكتور أحمد جابر صالح
المصادر والمراجع:
- د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائي، الكتاب الثاني، الطبعة العاشرة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016، ص702.
- قرار محكمة استئناف الكرخ الاتحادية بصفتها التمييزية، المرقم (419/2015) الصادر بتاريخ 20/10/2015. منشور على الموقع الالكتروني لمجلس القضاء الأعلى على الرابط: https://www.sjc.iq/qview.2161.
- د. أحمد جابر صالح، قاعدة “لا يُضار الطاعن بطعنه” دراسة مقارنة في التشريعات الجزائية الإجرائية، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، المجلد (11)/ العدد (43)/ العام (2022)، ص425. منشور على الرابط: https://www.iasj.net/iasj/article/242127.
- جمال محمد مصطفى، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، مطبعة الزمان، بغداد، 2005، ص181.
مواضيع أخرى ذات علاقة: