Login

Lost your password?
Don't have an account? Sign Up

جريمة الكسب غير المشروع

بحـث في جريمـة الكسـب غير المشـروع

(بقلم الباحثة: رهف أشرف قنابيطة)

 

المقدمة

تُعدّ جريمة الكسب غير المشروع إحدى أخطر صور الفساد في المجتمعات المعاصرة كونها من الجرائم الحديثة نسبيا في نظام التشريع الجزائي الفلسطيني، إذ تُمثّل تهديدًا مباشرًا للنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الدولة، وقد أدركت التشريعات المختلفة في العديد من الدول ومنها فلسطين، أهمية مكافحة هذا النوع من الجرائم لكونها تضرّ بالمصلحة العامة وتؤثر سلبًا على استقرار مؤسسات الدولة وعلاقاتها مع المواطنين. ففي فلسطين، يعتبر الكسب غير المشروع من أكبر التحديات التي تواجه الحكومات في سعيها إلى تعزيز الشفافية وحسن إدارة الموارد العامة، الأمر الذي جعل المشرع الفلسطيني يتصدى لهذه الجريمة لأول مرة من خلال إصدار “قانون الكسب غير المشروع رقم 1 لسنة 2005” وتعديلاته، بهدف ضمان مكافحة هذه الظاهرة التي تؤثر بشكل سلبي على سمعة المناصب العامة وتضعف من ثقة الجمهور في النظام الإداري والمالي.

أهمية البحث:

تتجلّى أهمية هذا البحث في إبراز الأبعاد القانونية والاجتماعية لجريمة الكسب غير المشروع باعتبارها من مظاهر الفساد التي تضعف من جهود التنمية والعدالة الاجتماعية. فالفساد، بما في ذلك جريمة الكسب غير المشروع، لا يقتصر تأثيره على الأفراد الذين يرتكبونه، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره، من خلال تقويض النزاهة في إدارة المال العام وإفساد المؤسسات الحكومية. من خلال هذا البحث، سيتمكن العاملون في الحقل القضائي والحقوقي، وكذلك الجمهور العام، من فهم أبعاد هذه الجريمة وآلية مواجهتها، مما يعزز من قدرة الدولة على تحقيق العدالة والشفافية.

إشكالية البحث:

تتمثل الإشكالية الرئيسة لهذا البحث في مدى فاعلية التشريعات الفلسطينية الخاصة بالكسب غير المشروع في مكافحة هذه الجريمة. فما هي حدود فعالية “قانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005” في الحد من هذه الظاهرة في ظل انتشارها الواسع في بعض القطاعات الحكومية؟ وما هي المعوقات التي قد تواجه تطبيق هذا القانون على أرض الواقع؟ وهل توجد آليات فعّالة لمتابعة وتنفيذ أحكام هذا القانون بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ويحد من الفساد في الأجهزة الحكومية؟

أسئلة البحث:

  • ما هو تعريف جريمة الكسب غير المشروع في التشريع الجزائي الفلسطيني؟
  • ما هي الأركان القانونية اللازمة لتكوين جريمة الكسب غير المشروع وفقًا لقانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005؟
  • ما هي عقوبة ارتكاب جريمة الكسب غير المشروع؟

النطاق:

سيقتصر النطاق من حيث التشريع على:

قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته.

 

المبحث الأول:

مفهوم جريمة الكسب غير المشروع

تعد جريمة الكسب غير المشروع، من الجرائم الحديثة نسبياً في النظام الجزائي الفلسطيني؛ حيث جُرِّمَ فعل الكسب غير المشروع لأول مرة في فلسطين، بموجب قانون الكسب غير المشروع رقم (1) لسنة 2005م. إلا أن هذا القانون لم يُطبق على أرض الواقع، رغم نشره في الجريدة الرسمية، وسريانه قانوناً بمضي مدة الثلاثين يوماً التي نصت عليها المادة (36) منه؛ حيث لم تُشكّل هيئة الكسب غير المشروع، ولم يتم إعمال الالتزام بتقديم إقرارات الذمة المالية حتى العام 2010م، بعد تعديله ليصبح قانوناً لمكافحة الفساد، وذلك بموجب قرار بقانون رقم (7) لسنة 2010م 369 بشأن تعديل قانون الكسب غير المشروع رقم (1) لسنة 2005م.

وتنص المادة (8/1) من قانون مكافحة الفساد المُعدل رقم (1) لسنة 2005م، على اعتبار جريمة الكسب غير المشروع أحد جرائم الفساد، وعرفت الكسب غير المشروع بأنَّه: “كُلُّ مال حصل عليه أحد الخاضعين لأحكام هذا القرار بقانون، لنفسه أو لغيره بسبب استغلال الوظيفة أو الصفة، ويُعتبر كسباً غير مشروع كُلُّ زيادة في الثروة تطرأ بعد تولي الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القرار بقانون أو على زوجه أو على أولاده القصر، متى كانت لا تتناسب مع مواردهم، وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها”.

 

المبحث الثاني:

أركان جريمة الكسب غير المشروع

جريمة الكسب غير المشروع، كغيرها من الجرائم، تتطلب توافر الأركان الأساسية لوجودها، والتي تتمثل في الركنين المادي والمعنوي، مع ضرورة توافر الركن المفترض، وهو الصفة الخاصة والمتطلبة في شخص الجاني، بأن يكون من الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الفساد.

 

أولاً: الركن المفترض

تقع جريمة الكسب غير المشروع، وفق أحكام المادة (1) من قانون مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة 2005م، من الفئات الخاضعة لأحكام هذا القانون دون غيرهم، والتي تم تحديدها على سبيل الحصر، فلا يُقاس على من ورد ذكرهم فيها؛ لامتناع القياس في مسائل التجريم، مع ملاحظة أن القانون سالف الذكر، قبل تعديله بقرار بقانون رقم (7) لسنة 2010م، نص على انطباق أحكامه على فئات تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك التي أخضعها للقرار بقانون المُعدل لقانون الكسب غير المشروع[1]ربايعة، عبد اللطيف. جريمة الكسب غير المشروع في النظام الجزائي الفلسطيني: دراسة تأصيلية مقارنة. (رسالة دكتوراه … Continue reading.

 

ثانياً: الركن المادي

الركن المادي، في أية جريمة، يتمثل في السلوك الإنساني الذي يُفضي إلى الإضرار بحقوق الأفراد والمجتمع، فهو يُمثل المظهر المادي الخارجي للجريمة، وبدونه كقاعدة عامة لا يُتصوّر قيام الجريمة ولا جواز العقاب. وتكمن أهمية الركن المادي، في تعبيره عن الماديات الملموسة للجريمة، والتي تظهر للعالم الخارجي، وتُعبر عن الإرادة الإجرامية لمرتكب الفعل الإجرامي، عوضاً عن أنَّ هذه الماديات تجعل من السهل إقامة الدليل على مرتكبها ومعاقبته[2]عبد التواب وليد شرح قانون الكسب غير المشروع القاهرة: دار مصر والمكتب الثقافي ودار السماح، 2005م. ص 171..

و يقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر، هي الفعل أو السلوك المحظور والمتمثل في الفعل الإرادي من جانب شخص ما، والنتيجة التي تتمثل في الضرر الذي يُصيب المجتمع أو أحد أفراده، وعلاقة السببية التي تربط السلوك المحظور بالنتيجة الضارة.

وعليه فإن الركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر أساسية: النشاط الجرمي، النتيجة الجرمية، والعلاقة السببية بين النشاط والنتيجة وفقًا لنصوص المواد القانونية ذات الصلة في قانون الكسب غير المشروع الفلسطيني رقم (1) لسنة 2005م:

النشاط الجرمي: يتجسد في استغلال الوظيفة أو الصفة لتحقيق مكاسب مادية. يمكن أن يكون هذا الاستغلال فعليًا أو حكميًا. الاستغلال الفعلي يتمثل في التصرفات التي يقوم بها الجاني استنادًا إلى سلطات وظيفته أو صفته، بينما الاستغلال الحكمي يُفترض عند وجود زيادة غير مبررة في ثروة الشخص أو عائلته دون القدرة على إثبات مصدر قانوني لتلك الزيادة.[3]الخلفي، إسماعيل. شرح قانون الكسب غير المشروع القاهرة: مكتبة كوميث، 1997م. ص 55.

النتيجة الجرمية: تتمثل في حصول الشخص على مال نتيجة استغلاله لوظيفته أو صفته. هذا المال يمكن أن يعود له شخصيًا أو لغيره. زيادة الثروة غير المبررة بعد تولي الوظيفة أو الصفة تعد كسبًا غير مشروع إذا كانت لا تتناسب مع الموارد الشخصية، ويجب على الشخص إثبات مصدر مشروع للزيادة لتجنب التهم[4]ربايعة، عبد اللطيف. جريمة الكسب غير المشروع في النظام الجزائي الفلسطيني: دراسة تأصيلية مقارنة. مرجع السابق. ص … Continue reading.

العلاقة السببية: يجب إثبات أن النتيجة (الحصول على المال) هي نتيجة مباشرة للنشاط الجرمي. في حالة الاستغلال الحكمي، تُفترض العلاقة السببية حتى يثبت الشخص مصدرًا مشروعًا للزيادة المالية.

 

ثالثاً: الركن المعنوي

جريمة الكسب غير المشروع هي من الجرائم القصدية، ولهذا يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي. والقصد الجنائي، بوجه عام، يعني توجيه الجاني لإرادته نحو الفعل الموصل إلى النتيجة التي يُعاقب عليها القانون، وهو يعلم بأن من شأن فعله أن يُوصل إليها. فالركن المعنوي للجريمة، يتطلب توافر عنصرين؛ أولهما الإرادة ويقصد بها توجيه النية نحو الفعل المكوّن للجريمة مع إدراك حقيقته، وثانيهما العِلم بعناصر الجريمة.

وبذلك، يتوافر القصد الجنائي في جريمة الكسب غير المشروع، إذا وجه الخاضع لأحكام قانون مكافحة الفساد نشاطه نحو استغلال الوظيفة أو الصفة، وهو يعلم أنَّ من شأن هذا النشاط أن يؤدي إلى حصوله على المال. والقصد الجنائي الواجب توافره لجريمة الكسب غير المشروع، هو القصد الجنائي العام، ولا يُشترط توافر القصد الخاص؛ ذلك أن توافر عنصري الإرادة والعلم يكفيان لتحقق الركن المعنوي، ولا داعي لوجود باعث خاص لدى الجاني أو غاية يرغب في تحقيقها بالإضافة لهما[5]الخلفي، إسماعيل. شرح قانون الكسب غير المشروع. ص 69..

الكشف عن جريمة الكسب غير المشروع

لا شك أن قانون الكسب غير المشروع وعلى النحو الذي سبق بيانه في أنه يهدف الى مكافحة كل سبيل يلجأ اليه الفرد الخاضع لأحكامه لأن يتوصل الى مال يزيد ثروته دون جهد عن طريق إستغلال الخدمة أو الصفة.

وحتى يستطيع المشرع متابعة الارتفاع في ثروة الخاضعين لأحكامه ومدى تناسبها مع دخلهم ، فقد أدخل نظام إقرارات الذمة المالية، حيث أن نظام إقرارات الذمة المالية يهدف الى متابعة الثروة لبيان مدى مشروعية الزيادة التي تدخل عليها”.

ومن المتصور أن يحاول الخاضع لنظام إقرارات الذمة المالية أن يفلت من تقديم الاقرار او يحاول أن يذكر بيانات خلاف الحقيقة، لذلك وضع المشرع تصرفاته تحت الرقابة، فإن عدم تقديم الاقرار لا يمنع الجهة المختصة من فحص ثروته، وفي حال قدم الاقرار فإنه سوف يخضع للاشراف والمراجعة.

لذلك أوجب المشرع على العديد من الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الفساد تقديم اقرارات للذمم المالية،  وذلك استناداً لنص المادة: (16) من القرار بقانون رقم 37 لعام 2018 ونص المادة: (11) من قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005.

من الأمثلة على جريمة الكسب غير المشروع

ملاحظة زيادة كبيرة في ممتلكات أو أرصدة مسؤول حكومي لا تتناسب مع دخله المشروع، وعجزه عن تقديم تبرير قانوني لهذه الزيادة، على افتراض أن راتبه الذي يتقاضاه يبلغ 2500 شيكل وسبق وأن قدم موازنته المالية وكان له منزل فقط وسيارة من نوع بسيط، اذا به بعد تسلمه لوظيفته بشهر أصبح يملك 1000000000 شيكل وتم تسجيل العديد من العقارات باسمه وأصبح يقتني سيارة فارهة.

 

المبحث الثالث:

عقوبة جريمة الكسب غير المشروع

اعتبر قانون مكافحة الفساد المُعدَّل رقم (1) لسنة 2005م، جريمة الكسب غير المشروع من قبيل الجنايات، التي تستوجب إيقاع عقوبة السجن من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنةً، وغرامة مالية تُعادل قيمة الأموال محل الجريمة، وردّ الأموال المتحصلة منها. حيث نصت المادة (25) منه، في فقرتها الثانية، على أنه “فيما لم يرد فيه نص في قوانين العقوبات السارية أو أي قانون آخر سار، يُعاقب كُلُّ من أُدين بجريمة فسادٍ على النحو الآتي: أ-يُعاقب كُلُّ من أُدين بجريمة الكسب غير المشروع أو جريمة المتاجرة بالنفوذ بالسجن من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنةً، وغرامة ماليةً تُعادل قيمة الأموال محل الجريمة، وردّ الأموال المتحصلة منها”.

بالاستناد الى نص المادة (25) : فإنه يُعفي القانون من العقوبة، من بادر من مرتكبي جريمة الكسب غير المشروع أو الشركاء فيها إلى إبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل كشفها، وعن المال المتحصل منها، شريطةً أن يقوم برد الأموال المتحصلة. وعليه. أما في حال أعان مرتكب الجريمة أو الشريك فيها أثناء التحقيق معه على كشف الجريمة ومرتكبيها، فتُخفّض العقوبة إلى النصف ويُعفى من الغرامة، لكنه يظل ملزماً برَدّ الأموال المتحصلة أيضاً.

 

بقلم الباحثة: رهف أشرف قنابيطة

 

مواضيع أخرى ذات علاقة:

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع
1 ربايعة، عبد اللطيف. جريمة الكسب غير المشروع في النظام الجزائي الفلسطيني: دراسة تأصيلية مقارنة. (رسالة دكتوراه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية المملكة العربية السعودية، 2014م. ص 119.
2 عبد التواب وليد شرح قانون الكسب غير المشروع القاهرة: دار مصر والمكتب الثقافي ودار السماح، 2005م. ص 171.
3 الخلفي، إسماعيل. شرح قانون الكسب غير المشروع القاهرة: مكتبة كوميث، 1997م. ص 55.
4 ربايعة، عبد اللطيف. جريمة الكسب غير المشروع في النظام الجزائي الفلسطيني: دراسة تأصيلية مقارنة. مرجع السابق. ص 156.
5 الخلفي، إسماعيل. شرح قانون الكسب غير المشروع. ص 69.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*

افتح المحادثة!
بحاجة لمساعدة !
مرحبا
كيف يمكننا مساعدتك !